قال تعالى حاكياً قصة موسى عليه السلام: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴿٢٣﴾ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴿٢٤﴾ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [سورة القصص: 23-25]..
والمعنى: وجد جماعة كبيرة من الناس يسقون أنعامهم ومواشيهم...
{وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ}: أي قد ابتعدتا جانباً عن الرجال وبعدتا تمنعان ماشيتها من اختلاط بمواشي الناس فسألهما {مَا خَطْبُكُمَا} فأجابتاه: {لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} أي لضعفنا وعدم رغبتنا في الاختلاط فنحن ننتظر الرجال حتى ينتهوا ثم نسقي مواشينا.
ويتضح لنا أن المرأتين خرجتا للعمل في السقيا, ولكن خروجهما كان للضرورة لهذا قالت: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}.
وتلاحظ في الآيات وجود امرأتين فالمرأة إذا اضطرت للخروج للعمل صاحبتها امرأة أخرى تجنباً للشبهة وحماية من الإغراءات..
وتأمل قوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}؛ لأنها تربت على الحياء فلم تتكشف ولم تتبرج بل قالت بحزم وجدية {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}..
هكذا باختصار.. هذا هو المطلوب.. وبدون كثرة كلام..
قارنوا هذا بالذي يحدث من بعض النساء في عصرنا من الكلام الكثير المتتابع مع الرجال مع ما يصاحب هذا الكلام من تكسر وميوعة.. |ْ| فـهـذه أربـعـة أدلـة |ْ| من قصة موسى مع المرأتين تدل على تحريم الاختلاط..
|ْ| الـدلـيـل الخـامـس |ْ|
ما حكاه الله عن امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام.. فقال سبحانه: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [سورة يوسف: 23]..
فالرجال والنساء ليسوا دمى تتحرك بلا مشاعر، أو حجارة صماء، بل هم بشر لهم عواطف وشهوات،
فامرأة العزيز مع شرف نسبها، وارتفاع مكانتها، وغناها، وجمالها، إلا أنها مع الاختلاط تكسرت النصال وتفجرت أحاسيسها.. وراودته عن نفسه وقالت: هيت لك..
|ْ| الـدلـيـل الـسـادس |ْ|
أن الله تعالى أمر الرجال بغض البصر, وأمر النساء بذلك, فقال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٣٠﴾ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [سورة النور: 30-31]..
فهو أمر يقتضي الوجوب.. ولم يعف الشارع إلا عن نظر الفجأة قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
فكيف يستسلم لأمر هذه الآية من يشتغل مع امرأة في مكان واحد فيتكرر نظره إليها قائمة وقاعدة ومتحركة وساكنة وضاحكة وباكية.. وربما تأمل عينيها ويديها أو نظر إلى وجهها إن كانت كاشفة لوجهها..
|ْ| الـدلـيـل الـسـابـع |ْ|
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الأصل في المرأة الاستتار عن الرجال، وأن الشيطان إذا خالطت الرجال فتنهم بها.. فقال عليه الصلاة والسلام: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، وكونها عورة.. أي لايجوز النظر إلى زينتها أو شيء من جسدها.. والاختلاط المتتابع لها مع الرجال يخالف ذلك..
|ْ| الـدلـيـل الـثـامـن |ْ|
أن الله تعالى أباح للمرأة الزينة والحلي.. لكنه سبحانه أمرها إذا لبست خلاخل في قدميها ومرت بالرجال فلا يجوز أن تضرب الأرض برجلها بقوة لكيلا يسمع الرجال صوت الخلاخل فيفتنون..
قال تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [سورة النور: 31]..
فإذا كان سماع الرجل صوت خلخال المرأة حراماً لما يدل عليه من عنايتها بزينتها أو تغنجها.. فما بالك بمن يخالط امرأة في مكان عمل واحد.. يسمع ضحكاتها معه أو مع غيره أو عبر هاتفها، أو مع زميلاتها، أو زملائها، مع ما في صوتها من رق ونعومة.. والأذن تعشق قبل العين أحياناً...
|ْ| الـدلـيـل الـتـاسـع |ْ|
قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر: 19]..
قال ابن عباس: "هو الرجل يدخل على أهل بيت ومنهم المرأة الحسناء تمر به فإذا غفلوا لحظها, فإذا فطنوا غض بصره عنها, فإذا غفلوا لحظ, فإذا فطنوا غض, وقد اطلع الله من قلبه أنه ود لو نظر إلى عورتها"..
وتأمل في وصف الله تعالى العين التي تسارق النظر إلى المرأة الأجنبية بأنها خائنة, فكيف بالاختلاط؟!!
|ْ| الـدلـيـل الـعـاشـر |ْ|
أن الله تعالى علم أن الرجال والنساء يكون من بعضهم لبعض حاجات ومعاملات، فيحتاج الرجل للكلام مع المرأة الأجنبية؛ لسؤالها عن زوجها أو شيء من أمورها، فقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: 53]..
وهذا التوجيه موجه ابتداء لمن نزل عليهم القرآن لأبي بكر وعمر، وعائشة وحفصة.. وهم وهن أطهر منا قلوباً وأصدق إيماناً، ومع ذلك يقول الله تعالى موجها لهم: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}.. لماذا؟.. {ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}.. أي لابد من وجود حائل بين المرأة والرجل.. وهذا منع للاختلاط..
|ْ| الـدلـيـل الحـادي عـشـر |ْ|
أن الله تعالى أباح للمرأة الصلاة في المسجد وحضور العبادة مع الرجال لكنه صيانة لها.. جعل صلاتها في بيتها أفضل..
روى أحمد في مسنده، عن أم حميد رضي الله عنها أنها قالت: «يا رسول الله، أني أحب الصلاة معك". فقال صلى الله عليه وسلم: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي, وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ,وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك, وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك, وصلاة في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي».
|ْ| الـدلـيـل الـثـانـي عـشـر |ْ|
ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير صفوف النساء آخرها».. بمعنى أن المرأة أذا صلت في المسجد ولم يكن هناك حاجز ساتر بين مصلى النساء والرجال، فإن كون المرأة تصلي في الصفوف الأخيرة أفضل وأولى؛ لبعدها عن الرجال ومخالطتهم ورؤيتهم.. فإذا كان هذا في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط فما بالك بمن تشتغل مع رجل ثمان ساعات يوميا تارة ليلا وتارة نهارا في صيدلية واحدة في غرفة صغيرة.. أو تجلس معه في مكتب.. أوتعمل سكرتيرة تدخل عليه كل دقيقة تشرح له المعاملات وتخبره بالاتصالات..
|ْ| الـدلـيـل الـثـالـث عـشـر |ْ|
أن الله تعالى لما أباح للمرأة حضور الجماعة في المسجد نهاها أن تخرج متزينة أو متطيبة..
فروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا». وروى أبو داود وأحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله, ولكن ليخرجن وهن تفلات».. تفلات أي غير متزينات ولا متطيبات..
|ْ| الـدلـيـل الـرابـع عـشـر |ْ|
أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أسباب هلاك الأمم، فذكر منها ترك الجهاد ومنع الزكاة.. وذكر من أسباب هلاك الأمم السابقة الأختلاط المحرم بين الرجال والنساء.. فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة, وإن الله مستخلفكم فيها, فناظر فكيف تعلمون, فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء» [رواه مسلم]. يعني لما اختلط رجال بني إسرائيل بنسائهم.. وما تبع ذلك من الملاطفة والمؤانسة.. والمجالسة والممالحة..
ثم نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء، عندها جاءهم الهلاك..
|ْ| الـدلـيـل الخـامـس عـشـر |ْ|
ما أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد فرأى الرجال والنساء لما خرجوا من المسجد وقد اختلط بعضهم ببعض في الطريق,فقال صلى الله عليه وسلم: «استأخرن؛ فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق» [حسنه الألباني]، فكانت المرأة تمشي بجانب الطريق ابتعادا عن الرجال..
|ْ| الـدلـيـل السـادس عـشـر |ْ|
ماروا ه أبو داود الطيالسي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد جعل بابا للنساء, وقال: «لا يلج من هذا الباب من الرجال أحد» [ضعفه الألباني].
|ْ| الـدلـيـل السـابـع عـشـر |ْ|
ما رواه البخاري عن أم سلمه رضي الله عنها, قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه, ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيرا.
وفي رواية قالت: "كن إذا سلمن من المكتوبة قمن" [رواه البخاري], وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله, فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال. وفي رواية قالت: "كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم" [رواه البخاري]..
|ْ| الـدلـيـل الـثـامـن عـشـر |ْ|
قال صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم» [رواه مسلم]، وهذا المحرم ليكسر نظرات الرجال عنها..ويجعل لها هيبة وحياء..
|ْ| الـدلـيـل الـتـاسع عـشـر |ْ|
أن الله تعالى حرم اختلاط الذكور والإناث حتى وهم صغار في المضاجع ولو كانوا إخوة فقال صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ,واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع» [حسنه الألباني].. فإذا كان تفريق الصغار عن كثرة الملامسة والمضاجعة.
|ْ| الـدلـيـل الـعـشـريـن |ْ|
قوله صلى الله عليه وسلم «إياكم والدخول على النساء»، فقال رجل من الأنصار: "أفرأيت الحمو؟"، قال: «الحمو الموت» [متفق عليه], والحمو هو قريب الزوج..
وقبل الختام..
إذا اضطرت المرأة للعمل مع الرجال.. أقول قولي هذا..
المفضلات