في أحد أيام العطلة الصيفية بعد انتهاء الدراسة و بالتحديد بعد انتهاء الصف العاشر كانت الساعة تقارب التاسعة صباحاً كنت غارقاً في عالم الأحلام الجميلة التي لم يعكر صفاؤها غير أصابع صغيرة مزعجة تدغدغ قدماي من تحت الغطاء كانت تلك كافية لِأَنْ أثور فزعاً من سباتي العميق صارخاً موبخاً تلك المخلوقة التي لا تهدأ لم تمر ثوان حتى سمت صوت أمي الحنون تقول :
" خيراً يا أحمد ما الذي جرى ؟؟ لما كل هذا الصراخ على الطفلة الصغيرة البريئة "
البريئة نعم البريئة التي جرت إليها لتحتمي خلفها بنظرة تحطم القلب عدى قلبي أنا طبعاً .
فقلت :
" أمي إن هذه الطفلة الصغيرة لا تكف عن مضايقتي ... إني لست من سنها لتلاعبني بهذه الطريقة "
فقالت أمي بنبرة موبخة لي :
" أعرف ذلك لكنك الكبير يا أحمد ... وسع صدرك في التعامل معها ... إنها لا تزال طفلة في الخامسة من عمرها تحتاج لمن يلاعبها "
انتهت أمي من جملتها اليومية التي تُصبح بها علي كل يوم و غادرت غرفتي .
يا إلهي كم أكره كوني الكبير , كم أكره هذه الصغيرة التي اقتحمت حياتي , و سرقت كل شيء مني دون سابق إنذار , فبعد سنوات طويلة من الدلال و التربع على قلب والدي , حيث كنت أحظى بكامل اهتمامهما , و أنال المركز الأول في كل شيء بالنسبة لهما , فطلباتي كانت مجابة و كان عالمي سعيداً لا يشوبه شائبة , إلى أن أتت هذه الدلالْ و سرقت كل الدلالِ مني , منذ أول يوم أتت فيه للمنزل أتت معه المشاكل , ابتداءاً من صوت بكائها الذي كان صافرة إنذار لا تهدئ , و تحول حنان والدي واهتمامهما بها تاركينَني خلفهم و كأني لم أكن , و انشغال والدي بتوفير مستلزمات دلال , و من ثم تركي لغرفتي الكبير و المريحة التي ترعرعت بها لتلك الغرفة البعيدة عنهما بعض الشيء و كأني ابتعدت أيضاً من قلبهما .
و كان و لازال لا يمر يوم دون مضايقة منها لي و تعنيف مني لها و من والدي لي .
و إليكم بعض الصراعات المعتادة :
لا أكاد أترك غرفتي لثانية واحدة و أترك كتبي بها مفتوحة حتى أعود و أجد تلك المشاكسة جالسة على سريري تخربش على كتبي بألوانها أو بيدها عصير تشربه فتدلقه عليها , فأثور صارخا في وجهها , فأجد أمي أمامي تأخذ الطفلة الصغيرة في حضنها و تربت عليها ,
و تقول لي و الغضب يغمرها
" ما الذي فعلته ؟ أي جريمة ارتكبتها في حقك ؟ إنها طفلة ... تريد اللعب نعك متى تفهم ذلك ؟ "
ثم تسترسل في حديثها بنبرة هادئة و يشوبها بعض
الضيق و الحزن :
" إنها ليست أكثر من طفلة ... ليس لها أحداً غيرك في هذه الحياة إن حدث لنا شيء "
فأكتم غيضي و أطأطئ برأسي و أقول بحزن و قلق :
" بعد عمر طويل يا أمي "
فتداعب أمي دلال و تحملها و تخرجان من الغرفة .
كثيراً ما كنت أسمع تلك الكلمات
(إنها طفلة صغيرة ليس لها أحداً في هذه الحياة غيرك إن حدث لنا شيء ... إنها من مسؤولياتك )
لكن لم أفكر يوماً بمعنى تلك الكلمات , و كيف ستكون هذه الفتاة جزء من مسؤوليات بل من اهتماماتي , كل ما كنت أفكر فيه كيف ستكون حياتي خالية من والدي و هذا أمر فوق طاقتي و لا أجرئ على التفكير فيه أبداً , و التي أدعو الله ليلاً نهاراً ألا يريني هذا اليوم .
و هذا هو حالي مع دلال بشكل دائم .
و عند هذا الحد انتهى الجزء الأول من القصة
و أتمنى أنه قد حاز على استحسانكم
فلا تبخلوا علي بردودكم و آرائكم و انتقاداتكم
و سيتم أنزال التكملة في نفس الموضوع
المفضلات