يُحكى أن أياماً استولت على روح طفلة بريئة...
روح طفلة أحبت الطبيعة كثيراً حد الجنون ~
عشقت أزهار دوار الشمس العملاقة...
زخات مطر الربيع المتهاطلة بلطافة ...
أشعة شمس الصباح الذهبية المشرقة...
ألوان قوسِ مطرٍ معلق في سماء خيالاتها الفتانة...
و أزياء الربيع الهادئة الملونة بألوان السعادة...
كانت فتاة مفعمة بالحياة و تملؤها ابتسامة عذبة...
بيد أن أياماً أستولت على كلُّ ما تملك!
كسَّرت نباتات دوار شمسٍ أوشكت أن تتفتح أزهارها ...
أسدلت ستاراً داكن اللون على نافذة غرفتها
فما صارت تعرف هطول المطر من شروق الشمس!!
و لا عادت تحصي عدد مرات ظهور ألوان الطيف!
و ما أصبحت أزياء الربيعِ إلا قاتمةً شاحبةً تعلوها ملامح خائفة!
حوَّلت تلك الأيام النور الذي عاشته الطفلة إلى ظلام دامس
لم تكتفي تلك الأيام بجعل روح الطفلة تعيش في الظلام فحسب،
بل امتَّد ذلك إلى أن
شنقت كل ابتسامة حاولت أن تشق طريقها بين شفتي الفتاة...
جعلت الشيب يلعب بخصلات شعرها فبات مع الوقت يتحول إلى لون أبيض شبحي...
مزقت كل ذكرى جميلة في ذاكرة الطفلة أمام عينيها و حولتها إلى أشلاء يستحيل جمعها...
أذاقتها عذاباً أليماً بأدواته التعذيبية المختلفة، نفسياً كانت أو جسدية،
حاولت تلك الطفلة نسيانه في كل مرة ترتاح من العذاب بالنوم،
إلا أنها في كل مرة تهمُّ فيها للنوم تحمل معها إلى مضجعها قلباً يحتضن أوجاعاً لا تنام،
و يأس يتضاخم مع الأيام، يلعق شظايا الأمل الواهنة...
لم تملك تلك الروح البريئة إلا أن تخضع خضوعاً تاماً لهذه الأيام الجافية...
ذات مرة...
استيقظت لتجد السكون يحوم وسط الظلام...
لا صوت يدل على استعداد الأيام لعذابات جديدة تشنها على جسد الطفلة الهزيل بلا رحمة...
و لا أنفاس و صراخات غاضبة تلوث مسامع الطفلة بألفاظ بذيئة متَعَمَّدة...
وقفت و الألم جاورها، و الرجفة متعلقة بها...
كادت تسقط فجأة لكنها أسندت بثقل جسدها المرتعش بعرض الحائط،
إلا أن الحائط ما تقبل حِملها الذي سقط على الأرض بعد هُنيهات ~
تتابعت أيام كثر، و حال الطفلة لم يتغير...
رغم أن تلك الأيام قد تلاشت بلا عودة إلا أن عذابها بقي يجلد قلب الطفلة و يؤذيها...
في كل مرة تتقرب فيها من النافذة تريد التحرر تستوقفها أفكارها المضطربة،
و تبني حائلاً أمام إرادتها الضعيفة،
فتعود أدراجها لتعيش ليلة موحشة أخرى وسط هذه الظلمة ...
كثيراً ما وقفت بَيْنَ وَ بَيْنَ...
تستمع لأصوات هزيلة واهنة لا تفقه ماهيتها تحثها على التقدم،
و تمنعها هلوساتها بقوة من الاستماع لتلك الأصوات~
حتى جاء ذاك اليوم الذي بانت فيه هذه ماهية هذه الأصوات...
هتافات سعيدة تتراقص بأمل في حديقة خضراء يانعة،
و قُطيرات خفيفة تتهاطل بإيقاع منظم،
مظلة منقطة بألوان مختلفة تدور حول محورها و تحمي جسد طفلة سعيدة من البلل،
تطلعات و سعادات و دعوات تلقى بابتسامة و أمل عاليين فيما تطالع عينيها أزهار دوار الشمس التي تجاوزت طولها...
حينها فقط وعت الطفلة أن هذا كان صوت ذكرياتها التي توهمت تلك الأيام الشريرة أنها قطعتها إرباً إرباً~
في ذاك الوقت أيضاً أدركت أيضاً أن بقائها في العذاب حتى هذه اللحظة ما هو إلا بسبب أوهام ابتدعه عقلها بعدما هيأ ذاته على العذاب اليومي...
حملت بجسدها الذي ينشد هواءً منعشاً و تقدمت خطوات مستقيمة وسط الظلام، باتجاه النافذة المسدولة بستار قائم، أمسكت به و أزاحته، ليقضي النور على الغياهب المعتمة و يزيحه للأبد من روح تلك الطفلة الصغيرة التي اعترتها و للمرة الأولى ابتسامة لم يكتب لها أن تشنق كابتساماتٍ كُثر سبقتها ~
المفضلات