حياكم الله إخواني أخواتي في الله ، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلا ، وجمعني وإياكم في الجنة بإذنه، وشفى الله كل مريض وحاسد وطهر قلبه، وهدى الله كل مارق معاند وعدو مكابر { فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، واغفر لنا ذنوبنا، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، إليك نشكو يا الله ، وبك نستعين وعليك نتوكل وبك نصول ونجول ، اللهم اكفناهم بما شئت وانصرنا على من عادانا ، نؤمن بك ونعادي من يفجرك.

أما بعد:


تأملت يوما في مخلوق صغير حقير عند الناس، عظيم عند الله عز وجل، ألا وهو النمل ، ما خلقه الله إلا لحكمة قد نعلم منها القليل ونجهل منها الكثير وفوق كل ذي علم عليم

هذا المخلوق الصغير من تأمله علم حقارة نفسه ، وفر إلى الله ، ومن خاف عدوا فر منه ومن خاف الله فر إليه ، ففروا إلى الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .


هذا المخلوق أدهشني بالفعل، وغالبا ما كنت أتأمله لفترة طويلة ، ما رأيت أبدا نظاما كنظام النمل، وما رأيت جدا في العمل وحزما كما يفعله النمل، فأجلس أراقبه ، فإذا به ينظم طريقه صفوفا ولا يحيد عن الطريق، فتلتقي النملتان، فتتحدثان لكني لا أفهم لغتها ، سبحان الله، أمر عجيب تتحاور النملتان وسط الطريق ، ثم يفترقان كل يمضي في طريقه، وإذا بك ترى أفواج أخرى من النمل تحمل طعاما فوق ظهرها ، وبعضها قد يثقل حمل الأثقال عليها ، فتأتي أخواتها وتساعدها في حمل الثقل، ثم يذهبون به إلى جحرهم ، سبحان الله من الذي أوحى لها ذلك ، إنه الله جل في علاه ، يعلم دبيب النملة السوداء ، في الليلة الظلماء، تحت الصخرة الصماء، سبحان الله ما أحلم الله ، ومما زاد حبي للنمل أن شرفه الله تعالى وأعلى ذكره ، فأنزل سورة كاملة باسمه تتلى إلى يوم القيامة ألا وهي سورة النمل ، سبحان الله ما أعظم الله ، قال تعالى في سورة النمل: { وحُشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون.حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان ُ وجنوده وهم لا يشعرون. فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن اَشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن اَعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين}.

أقول : سبحان الله ، لقد افتقدنا عبادة التفكر والتأمل ، واستهنا بها، فعندما يجلس الإنسان ويتفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى وفي نفسه ، يعرف حقارة نفسه وأنه لا شيء إنما خُلق ليعبد الله { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} ، أنصحكم يا إخوان بعبادة التفكر فهي مجلبة للإيمان والحسنات ، بمجرد التفكر في مخلوقات الله عز وجل قد تكتب لك الجبال من الحسنات وأنت لا تشعر فلا تستهن بالأمر ، وفي نفس الوقت عبادة التأمل والتفكر تطرد الكبر والتعالي على الناس.

فاعرف قدرك أيها المغرورو، ولا تغرنك زخارف الدنيا ، فأنت بالروح لا بالجسم إنسان.



الله ربي لا أريد ســـــــــــــــــــــــواه*** هل في الوجود حقيقة إلا هو
الشمس والبدر من أنوار حكمتــــه*** والبر والبحر فيض من عطاياه
والطير سبحه والوحش مجـــــــــــده***والموج كبره والحوت ناجــاه
والنمل تحت الصخر الصم قدســـــه***والنحل تهتف حمدا في خلاياه
والناس يعصونه جهرا والله يسترهم***والعبد ينسى وربي ليس ينساه
الله ربي لا أريد ســـــــــــــــــــــواه***هل في الوجود حقيقة إلا هـــو



وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

والسلام مسك الختام

أخوكم في الله: عثمان بالقاسم