حين التقيتك..

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 17 من 17

الموضوع: حين التقيتك..

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية تشيزوكو

    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المـشـــاركــات
    4,317
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي حين التقيتك..



    عندما بدأت كتابة هذه السطور، لم أدرِ أكنتُ أكتب قصةً أم خاطرة.. هي مجرد كلمات احتبست في داخلي وآثرتُ إطلاق سراحها..

    ~

    حين التقيتك..



    عندما رأيتُها لأول مرة.. بعينيها اللتين لا تستقران في مكان.. وبابتسامتها البريئة ببلاهة..

    كلُّ ما فكَّرتُ به كان...

    ما هذه الورطة التي تورطتُ بها..!


    ~


    أمسكتْ بكتابها وقرّبته من وجهها بحرص محاوِلةً فكّ طلاسم الحروف المتراقصة أمامها، دون أن يبدو أنها قد نجحت في ذلك..

    عندما أرادت قلب صفحة الكتاب، فعلتْ ذلك في الاتجاه الخاطئ.. فمددتُ يدي وصحَّحتُ لها الأمر بصمت..

    بدت مرتبكةً لخطئها..

    أخبرونا أنها حساسةٌ اتجاه هذه الأمور، لذلك كنتُ أحاول جهدي أن أتصرّف معها بطريقةٍ طبيعية..

    ومع أنها قد تخرّجت من المدرسة سلفًا، إلا أنها لا تزال تفكّر كالأطفال..

    فهي فتاةٌ مصابةٌ بمتلازمة داون..!


    ~


    أخبرونا بأنها هنا فقط لتحاول الاندماج مع المجتمع..

    ولأكون صريحة.. فقد كنتُ دائمًا ما أتخيل الصعوبات التي يواجهها هؤلاء، وأتفاعل معها، وأتحمس لجذب الناس لقضيتهم..

    لطاما تخيَّلتُ نفسي في موضع مسئوليةٍ عنهم لأعوّضهم عن الظلم الذي يعاملهم به معظم من حولهم..

    ولكن وبمجرد أن عرفتُ بقدومها شعرتُ بعظم هذه المسئولية..

    وبمجرد أن رأيتُها شعرتُ بأني قد تورطت..!

    ~

    لا، هذا ليس سهلاً..

    الحياة الواقعية مختلفة عن المثاليات..

    ونفسي غير الكاملة أتعبها تصنّع الابتسام، وتقديم الخدمات بكثيرٍ من اللطف الزائد أو الزائف..

    ليس سهلاً ألا أكون أنا طوال الوقت..

    أن أدفن نفسي في نفسي وأكبت كل مشاعري السلبية..

    ألا أعبر حتى عن مللي أو انشغالي..

    فمجددًا، هي حساسةٌ جدًا..!


    ~


    لم أتوقّف عن مساعدتها وأنا أذكّر نفسي بمدى نبل وخطورة المهمة..

    لا أخفي عنكم أني كنتُ أسعد وأفخر بنفسي أحيانًا..

    بينما كنتُ أتضجّر في داخلي وبالكاد أزيّف ابتسامتي في أحايين أخرى..

    تجلس بقربي وتسألني عن إجابات الأسئلة التي لم تكتبها.. وهي جميع الأسئلة بالمناسبة..

    ولأني أعرف أن فهمها سيقصر عن إدراك ما أقول لو حاولتُ أن أشرح لها، كنتُ أمسك القلم وأكتب الإجابات وأنا أذكر لها باقتضاب لماذا أدوّن هذا تحديدًا..

    بينما هي تردد بابتسامتها البريئة ببلاهة: أجل فهمت..


    ~


    في آخر مرةٍ دنت فيها مني بالابتسامة ذاتها تسألني عن الإجابات، أجبتُها بابتسامةٍ باهتة:

    الإجابات غير مكتوبةٍ لدي.. بإمكانكِ نقل الإجابة من إحداهن..


    لم تكن الإجابات مكتوبةً لديّ بالفعل، ولكنّها لملمت شتات نفسها بارتباك، وبالكاد ابتسمت وهي ترحل، بينما عيناها اللتان لا تستقران بمكان تتجنبان النظر في عينيّ..

    شعرتُ بتأنيب ضميرٍ بسيطٍ ولحظيٍّ فقط..

    فقد كنتُ محقة، وقلتُ ما لديّ بألطف ما أمكنني! ما المشكلة إذًا..؟

    ولكنها عندما اقتربت مني في اليوم التالي ونظرت في عينيّ، شعرتُ بأن عينيها كانتا أكثر ثباتًا من أيّ وقتٍ مضى..

    وبأن صوتها كان أكثر وضوحًا واسترسالاً من المعتاد..

    بينما اكتست ابتسامتَها لمحةٌ من الحزن..

    سألتني مباشرة: هل أزعجتكِ لأنني أسألكِ دائمًا..؟

    كلماتها وجّهت صفعةً قويةً لي واخترقت أعماق قلبي.. شعرتُ بنفسي تتضاءل كثيرًا..

    وبصدقٍ أكثر من أيّ وقتٍ آخر أجبتها:

    أبدًا! هذا واجبي ولا تتخيّلين مدى سعادتي بمساعدتك..!


    اليوم الذي تلا هذا كان يومها الأخير..

    علاقتي بها لم تتجاوز كلماتٍ أكتبها في كتابها الفارغ..

    ولذلك وجّهت طعنةً جديدةً إلى قلبي عندما قدمت لتودّعني بحرارة في يومها الأخير..


    ~


    لا أعرف كيف لكلّ هذا الكم من الإحساس المرهف والمشاعر الصادقة أن تسكن روحكِ التي وُصفت بأنها أقلُّ شأنًا من غيرها..

    لقد كنتُ حمقاء.. باردةً وقاسية.. أنتمي إلى العالم الذي أُكثر من نقده..!

    وأنتِ.. مخلوقٌ ملائكيٌّ بريء.. يحمل قلبًا أكبر من قلوبنا جميعًا..!

    لا يحقّ لي أن أفخر بمساعدةٍ قدَّمتُها، ولو كانت عن طيب خاطرٍ في لحظة صدق..

    سأكون عندها قد فعلتُ ما فعلت إرضاءً لغروري وليس لأجل روحكِ النقية..

    أنا التي لم تفكر إلا في نفسها، وأنتِ التي تحملين قلبًا يسع الجميع، ننتمي إلى عالمين مختلفين...

    وعالمكِ هو الأنقى..!

    لقد فشلت مثاليّاتي عندما اصطدمت بالواقع.. ولا أضمن ألا أفشل مجددًا..

    إن النفس البشرية أعمق من أن يتم اختزالها في نظرياتٍ ومثاليات..

    لكني أعدكِ بأنني سأحاول بجدٍّ أكبر إن أتيحت لي الفرصة مجددًا..

    عسى أن أتمكن يومًا من امتلاك روحٍ بنقاء روحك..!

    أشكرك..!

    وأتمنى لو أستطيع إيصال كلماتي إليكِ..

    ولكني متيقنةٌ أنكِ أدركتِها بقلبك قبل أن أدركها بعقلي..


    دمتِ نقيةً وطاهرة..

    بعيدًا عن نفوسنا الأنانية..!



    ~ تمت ~


    التعديل الأخير تم بواسطة قصاصات حلم ; 4-7-2015 الساعة 02:04 PM

  2. 7 أعضاء شكروا تشيزوكو على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...