المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب (العرب،وجهة نظر يابانية) صدقوني للفايدة



تفاحة
28-2-2008, 08:46 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود في هذه المساحة من قسم الثقافة اليابانية بعرض محتوى أحد أشهر الكتب للمؤلف الياباني
نوبوأكي نوتوهارا ألا وهو كتاب (العرب , وجهة نظر يابانية )


نوع: غلاف عادي، 21×14، 141 صفحة الطبعة: 1 مجلدات: 1

الناشر: منشوراتالجمل

تاريخ النشر: 01/10/2003

اللغة: عربي



سعره : 4$

يمكن كثير منكم أول ما يشوف هالكم الهائل من النصوص للقراءة ببترك الموضوع

وفي شريحة كبيره من المتصفحين ما تحب تقرأ من شاشة الحاسوب و أولهم أنا

بس هال مره.. هاشي ماصار وياي

وبصراحة.. الكاتب أبدع في تأليفه و تصويره و أسلوبه و نقده

وما قدرت اترك الشاشة ألا بعد ما اكتشفت أني خلصت الموضوع كله

الموضوع نُقل عن طباعة الأخ حمادة لمحتوى الكتاب

ولكونها النسخة الوحيدة التي وجدتها فقد تمت الاتفاق معه على نشرها هنا

وذلك لقراءته من قبل عدد اكبر من العرب .

كتب الأستاذ نوبوأكي نوتوهارا كتاباًأسماه (العرب، وجهة نظريابانية) والأستاذ نوتوهارا درس اللغة العربية في جامعة طوكيو ثم أصبح معلماً فينفس الجامعة وعاش أربعين عاماً في البلدان العربية ونقل الأدب العربي المعاصر إلىاللغة اليابانية، وبعد هذه التجربة الغنية كتب هذا الكتاب ليخبرنا عن وجهة نظرهوكيف يرى العرب.

الفصول المهمة من الكتاب وهي:
- المقدمة
- مدخل
- ثقافة الأنا وثقافة الآخر
- تجارب وأفكار: كارثة القمع وبلوى عدم الشعوربالمسؤولية
- القضية الفلسطينية - خروج الايتوس
- ما تعلمته من ثقافةالبدوملاحظات:
- إذاكانت لديك حساسية من النقد فلا تكمل قراءة الموضوع.
- إذا كانت لديك حساسية منفهم وسماع أفكار تخالف ما تؤمن به فلا تكمل قراءة الموضوع.مقدمة:
يذكر نوتوهارا في المقدمة عنسبب تأليفه لهذا الكتاب، ويذكر كيف أنه تعلم اللغة العربية ثم أصبح معلماً لها،وعاش أربعين عاماً ينقل للقارئ الياباني انطباعاته ويتحدث للناس في اليابان ويقرأالرواية العربية ويتعلم ويترجم، له أصدقاء كثيرون في العالم العربي، أقام معالفلاحين في مصر، ومع البدو في بادية الشام، كل هذه التجارب تدفعه إلى الكتابة عنالعالم العربي وانطباعاته، يقول نوتوهارا واصفاً شعوره حين زار القاهرة لأولمرة:


في أول مرة عام 1974 خرجت فيها منالفندق: إنهاالقاهرة! أنا لا أستطيع أن أنسى ذلك الانفعال الذي يفور من داخلي، انفعال رائع مازال طعنه حيا حتى الآن، شعور مركب من المفاجأة والدهشة والاكتشافوالفرح.

بعد عشر سنوات منالزيارة الأولى كنت في القاهرة نفسها، ولكن كانت رغبتي في الخروج إلى الشارع قدذبلت، كنت أريد أن أقلل عدد مرات خروجي قدر الإمكان، لم يكن السبب أنني أكره الغباروالضجة وحرارة الشمس القوية بل كان السبب هو أنني كنت أرى توتراً شديداً يغطيالمدينة كلها، ولكنني لا أستطيع أن أتجاهل حياة الناس في هذه المدينة، كانت وجوههمتدخل إلى عيني وهم يمشون وكأن شيئاً ما يطاردهم، وجوه جامدة صامتة وطوابير طويلة منالواقفين أمام الجمعية ومواقف الباص وغيرها، لقد رأيت الباصات المكتظة تجري بينمايتعلق ركاب بالشبابيك والأبواب! يريد الناس أن يركبوا بأي ثمن وفي هذا الازدحامالمحموم ينسى الكثير من الرجال والنساء السلوك المحتشم الذي يوجبه عليهم الإسلامكمسلمين، حتى في التاكسي يواجه الراكب اضطهاداً فالسائق يختار الراكب حسب المكانالذي يريد الذهاب إليه، ويرفض أن يقل الشخص الذي لا يعجبه شكله أو المسافة التيسيقطعها، شيء لا يصدق عندنا في اليابان، باختصار التوتر يغطي الشارع، توتر شديدتتوقع أن ينقطع في أي لحظة، هذا التوتر يجعل الناس يتبادلون نظرات عدوانية ويزيد منتوتر المدينة نفسها أكثر فأكثر.ويكمل نوتوهارا حديثه عن مظاهر كثيرة تزيد التوتر فيالناس، كوقوف الناس في طوابير وفي الجو الحار لإنهاء معاملة تتيح لهم السفر إلىالخارج طلباً للرزق، والموظفون الحكوميون لا يبالون بالناس، "كان الموظف ينهي الأمركله بكلمة واحدة في نهاية الدوام، بكرة، وهذا يعني أن على ما بقي من الطابور أنيستأنف الوقوف نفسه في صباح اليوم التالي"، وكان الإعلام يتحدث عن كلمات مثلالديمقراطية، حقوق الإنسان، حرية المواطن، سيادة الشعب، وكان المؤلف يشعر بأنالحكومة لا تعامل الناس بجدية بل تسخر منهم وتضحك عليهم، "فهل يستطيع المرء أنيتجاهل الصلة القائمة بين هذا الأسلوب الذي يستغني الشعب والتوتر الذي يسيطر علىجموع الناس العاديين؟"

ثم يذكر المؤلف كيف أنه الآن يتجنب شوارع القاهرةوينتقل من المطار مباشرة إلى بيوت أصدقاءه، ويسأل: هل تختلف العواصم العربية الأخرىالتي زرتها وأقمت فيها عن القاهرة؟غياب العدالة الاجتماعيةيقول المؤلفبأن أول شيء اكتشفه في المجتمع العربي هو غياب العدالة الاجتماعية، سيشرح ذلك فيالفصول اللاحقة بشكل أكبر، يقول أن غياب العدالة الاجتماعية يعني "غياب المبدأالأساسي الذي يعتمد عليه الناس، مما يؤدي إلى الفوضى، ففي غياب العدالة وسيادةالقوانين على الجميع بالتساوي يستطيع الناس أن يفعلوا كل شيء، ولذلك يكرر المواطنوندائماً: كل شيء ممكن هنا، وأضيف كل شيء ممكن لأن القانون لا يحمي الناس منالظلم".

ويشرح المؤلف لماذا غياب العدالة الاجتماعية خطير، فيقول بأن غيابهايعرض حقوق الإنسان للخطر، ويصبح الفرد هشاً ومؤقتاً وساكناً بلا فعالية، لأنه يعاملدائماً بلا تقدير لقيمته كإنسان، ويستغرب المؤلف لماذا تذكر كلمة الديمقراطيةكثيراً في المجتمع العربي مع أن ظروف هذا المجتمع لا تسمح باستعمالها لأن ما يجريفعلاً هو عكسها تماماً.

عندما تغيب الديمقراطيةينتشر القمع،والقمع واقعلا يحتاج إلى برها في البلدان العربية، فعلى سبيل المثال الحاكمالعربي يحكم مدى الحياة فيالدولة الدينية أو الملكية أو الجمهورية أو الإمارة أوالسلطنة،ولذلك لا ينتظرالناس أي شيء لصالحهم، وكمثال آخر فإن معظم الصحف العربية تمنعمن بلد إلى بلد والرقابةعلى الكتب والمجلات ليست بأقل من الرقابة على الصحافة،منها مئات الكتب العربيةوغير العربية ممنوعة في معظم البلدان العربية، وخاصة الكتبالتي تعالج الحقائقاليومية الملموسة للناس، والكتب التي تتعرض للدين أو الجنس أوحياة الفئات الحاكمة، أوتتكلم عن واقع السجون والحريات العامة وما شابهها، ونحن نقرأفي كل سنة في معارض الكتبالعربية قوائم طويلة بالكتب الممنوعة دون أن يستثني منذلك بلد عربيواحد.ويقول المؤلف بأن القمع داء عضال فيالمجتمع العربي ويسأل: هل هناك فرد مستقل بفردية في المجتمع العربي؟ ويرى أن المجتمعالعربي يفرض أنماطاًموحدة على كل الناس، فالجميع مشغول بفكرة النمط الواحد علىغرار الحاكم الواحدوالقيمة الواحد، الناس يوحدون أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم،فيمثل هذه الظروفتذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين، ويحاولالناس أن يتميزوا عنبعضهم البعض بالكنية أو القبيلة أو بالمنصب والثروة، وفي ظلالقمع يغيب الوعيبالمسؤولية ولذلك لا يشعر المواطن العربي بمسؤوليته تجاهالممتلكات العامة مثلالحدائق العامة والشوارع ومصادر المياه ووسائل النقل، ولذلكيدمرها الناس اعتقاداًمنهم أنهم يدمرون ممتلكات الحكومة لا ممتلكاتهم وهكذا يغيبالشعور بالمسؤولية تجاهالأفراد الآخرين، فهناك سجناء سياسيون ضحوا من أجل شعوبهم معذلك لا يقف المجتمعمعهم لأنه يعتبر أن هذه قضية فردية لا علاقة له بها.

ونتيجة لكل ذلك هناك شعور كبير بعدم الجدوى لدى الناسوحتى المفكرين.

ثم يتحدث نوتوهارا عن تجربة اليابان وأخطاءها، فاليابانيون واجهوا تجربة صعبةومريرة، فلقد سيطرالعسكريون على الإمبراطور والسلطة والشعب وقادوا البلاد إلى حروب مجنونةضد دول الجوار وانتهىالأمر بتدمير اليابان على يد الولايات المتحدة الأمريكية،وهذا حدث في التاريخالقريب، لكن الشعب الياباني عرف أخطاءه وقرر تصحيحها فتمإبعاد العسكريين عنالسلطة وتم بناء ما دمره العسكر، القمع يؤدي إلى تدمير الوطن،ويضحي الناس بكل شيءولا يستفيد من هذا القمع إلا التابعين للسلطة وأعوانهم ومخبريهم.

كان النقد الذاتي أحد أهم أسباب تصحيح الخطأ فقبلكل شيء ودون إنجازالنقد الذاتي بقوة لا نستطيع أن نجد الطريق لتصحيح الأخطاء، لأن الشخصأو الحزب أو المؤسسة أوالمجتمع الذي لا يتقبل النقد ينحط ويندنا كل يوم حتى يصلإلى الحضيض.

واجه المؤلف سؤالاً يتكرر كثيراً على مسامعه في العالم العربي: لقد ضربتكم الولاياتالمتحدة بالقنابل الذرية فلماذا تتعاملون معها؟ العربعموما ينتظرون مناليابانيين عداء عميقاً لأمريكا، لأنها دمرت المدن اليابانية كافة،ولكن طرح السؤال علىهذا النحو لا يؤدي إلى شيء، علينا نحن اليابانيين أن نعي أخطاءنافبالحرب العالميةالثانية أولاً ثم نصحح هذه الأخطاء ثانياً، ثم علينا أن نتخلصمنا لأسباب التي أدتإلى القمع في اليابان وخارجها، المشكلة ليست في أن نكره أمريكاأملا، المشكلة في أننعرف دورنا بصورة صحيحة ثم نمارس نقداً ذاتياً بلا مجاملةبعدئذ نختار الطريقالذي يصحح الانحراف ويمنع تكراره في المستقبل، أما المشاعروحدها فإنها مسألةشخصية محدودة لا تصنع مستقبلاً.

كم يحتاج العرب من الوقت لكي يستفيدوا من تجاربهم ويصححوا أخطائهم ويضعواأنفسهم على الطريق السليم؟هكذا تنتهي المقدمة بسؤال مهم، سأكمل باقي الكتاب فيردود لاحقة

المدخل:
أربعون عاماً مرت على علاقتي بالثقافةالعربية وخصوصاً الرواية العربية، ربما لعبت ظروف اليابان دوراً حاسماً، ففي أولالستينات عرف الاقتصاد الياباني نهوضه القوي ولذلك توسعت علاقات اليابان بالخارجوأعتقد أن دول البترول لعبت دوراً أساسياً في الاهتمام بالبلاد العربية، كاناهتمامي كبيراً بالأدب الياباني الحديث، وفكرت أن أدرس الأدب الألماني، وفي العامالذي حاولت فيه أن أدخل إلى الجامعة أعلنت جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية عن افتتاحقسم للدراسات العربية في عام 1961 وفجأة تحرك صوت في داخلي يدعوني لدراسة اللغةالعربية، ولم أكن أعلم شيئاً عن الثقافة العربية كأغلب اليابانيين، وتقدمتلامتحانات القبول وقضيت أربع سنوات طالباً.

أشاع الباحثون اليابانيون وقتئذأن الشعر الجاهلي وحده جدير بالاهتمام، وأن ليس لدى العرب المعاصرين ما يستحقالاهتمام سوى نجيب محفوظ، وعرفت فيما بعد كم كانت تلك الآراء سطحية وخاطئة، قادنيالبحث والمصادفة إلى غسان كنفاني الذي أثر في وجداني تأثيراً عميقاً وعلمني القضيةالفلسطينية، وقد كانت روايته "عائد إلى حيفا" أول عمل أترجمه إلى اليابانية عام 1969م وكانت خطوتي الأولى في تقديم النثر العربي المعاصر للقارئ الياباني.في تلك الفترة اشتغلت أستاذاً زائراً في جامعة طوكيو وكنتأدرس العربية ثم أصبحت معيداً في قسم الدراسات العربية في جامعة طوكيو للدراساتالأجنبية عام 1969م.

في عام 1974 حصلت على منحة من الحكومة المصرية للدراسةكطالب مستمع في جامعة القاهرة، كانت القاهرة تجربتي الأولى ورواية "الأرض" لعبدالرحمن الشرقاوي فاتحة قراءتي هناك، أذكر هذه الرواية لأنها دفعتني نحو الريفالمصري وفعلاً سافرت إلى المحافظة الشرقية وأقمت في قرية "الصحافة" وهناك تعرفت علىحياة الفلاحين وعاداتهم وتقاليدهم، عرفت كيف يأكلون ويتعاملون لقد تعلمت كثيراً منفلاحي قرية "الصحافة" ولكن أموراً كثيرة بقيت غامضة بالنسبة لي، وأسئلة كثيرة تدوريفي داخلي دون أن أجد تفسيراً مقنعاً لها، ولم يروي عطشي سوى الدكتور جمال حمدان فيكتابه "شخصية مصر".

تابعت بحماسأعمال الروائيين والقاصين المصرين، يوسف إدريس، صنعالله إبراهيم، يحيى طاهر عبد الله، حسين فوزي، يحيىحقي وصحافيين وعشت معهم حياة مثمرة لا أنسها مدى الحياة.

بعد الرجوع إلى اليابان تابعت تدريس اللغة العربية في جامعتيولكنني كنت أزور مصر مرة على الأقل كل سنة فيالصيف، كنت ألتقي بأصدقائي وأجمع الروايات الصادرةحديثاً، مضى على علاقتي بمصر عشر سنوات وأنا مستغرق في متابعة كتبكتابها وأساليب الحياة اليومية فيها، فجأة حدثتغيير هائل في داخلي، كان تغييراً مفاجئا ونهائيا، لقد فقدت اهتمامي بثقافة المدينة أعني ثقافة المستقرين،أوقفت كل جهودي الدراسية في هذا الاتجاه ولم أكنأعرف ماذا سأعمل في المستقبل.

بعد فترة وجهت نظري إلى جهات العالم العربي فرأيت البادية أو فلأقل وجدتالبادية! البادية التي لا توجد في اليابان ولا فيأوروبا ولكنها موجودة في العالم العربي، من قبل كان عندي تجربة صغيرة هي رحلة إلى حضرموت في اليمن وتلك التجربة صعدت منجديد وكشفت ليهدفاً جديداً لدراستي، ولذلك سافرتإلى البادية في سورية منذ 1980 كان هدفي واضحا وهوأن أبحث عن معنى مختلف عما هو موجود في اليابان ومصر، ولقد استقبلني "بنوخالد" بكرم يليقبهم، خلال تلك الإقامة كنت أبحث عن روايات تتحدث عن البدو وهكذاعرفت إنتاج عبد السلام العجيلي وعبد الرحمن منيفخاصة "مدن الملح" وأخيراً وجدت إبراهيم الكونيالكاتب الليبي الذين ينتمي إلى الطوارق، قرأت كتبه المنشورة كلها، لقدقدمت رواياته وقصصه القصيرة عالماً غنياً كنت أبحثعنه، ولذلك قررت أن أبذل قصارى جهد بدراسة هذاالكاتب وتقديمه إلى القارئ الياباني ترجمة ودراسة.


تلك هي الخطوط العريضة لتجربة فردية وصل عمرها إلى أربعين عاماً، باختصار أريد أنأقول للقارئ العربي رأياً في بعض مسائله كما أراهامنالخارج كأي أجنبي عاش في البلدان العربية وقرأالأدب العربي واهتم بالحياة اليومية في المدينة والريفوالبادية.إن أهميةعملي هذا - فيما إذا انطوى على أي أهمية - هو أنه رأي من الخارج وأرغبعميقا في أن تسهممشاركتي في الدخول إلى مستقبل أفضل، إنني أجد نفسي مضطراً لأن أضيفبلغة صريحة مباشرة: إنني أرى الحرية هي باب الإنتاج وباب التواصل والحياة النبيلةولذلك أرى القمع داءعضالاً مقيماً في الوطن العربي والعالم وما لم نتخلص منهفستفقد حياتنا كبشرالكثير من معانيها

ثقافة الأنا وثقافة الآخر:

منذ تسعة عشر عاماًيتركز اهتمامي على ثقافة البدو في البلدان العربية، ولا حاجة للتذكير بأنني جئت منثقافة أخرى، أي من خارج البدو، ولذلك لا اريد أن أحصر كلامي عليهم لأنني أرى أنالموقف من ثقافتهم ينسحب على الموقف من الثقافة العربية وعلى ثقافة بلدان العالمالثالث التي تختلف كثيراً أو قليلاً عن ثقافة اليابان، لذلك على الباحث أن ينتبهإلى الاختلاف بين من يملك الأشياء ومن لا يملكها، أي بين الذين تتوفر لهم حاجاتهمالأساسية وتفيض عنهم وأولئك الذين لا يقدرون أن يحصلوا على الحد الأدنى من حاجاتهم،إن تحديد هذا الموقف يقودني إلى تحديد الموقف من الآخرين وطبية نظرتنا تجاههم، هناكصلة بين من يملك ومن لا يملك وهذه الصلة هي التوتر والتردد، خاصة عندما يتعلق الأمربأن يأخذ من لا يملك مساعدة ممن يملك وهذا الأمر يصح على الأفراد والجماعاتوالشعوب.يقول الناقد الياباني شوإتي كاتوفي عنالصلة بين اليابانيين: الأنا يعتبر الآخر بيئة فيزيقية فقط، ولا يعتبره وجوداًموضوعياً حياً مثله، إن هذا الناقد يتكلم عن الحالة النفسية عند اليابانيين ويرىأنهم أصبحوا منغلقين على الآخرين، ويقصد بأن العلاقة بين اليابانيين أصبحت ضعيفة،فالفرد الياباني منطو على نفسه منكمش تجاه الآخرين، إذن الموقف السليم هو أن نرىالآخر موجوداً وجوداً حياً مثلنا تماماً، هذا الموقف أساسي للغاية عندما نواجهثقافة الآخر وخنا ثقافة البدو والثقافة العربية كلها.يقول هذا الناقد عن علاقة الياباني بالآخر غير الياباني أن المهم فيالنهاية هو أن نملك وعياً بأن الآخرين (الأجانب) يعيشون في مجتمعات مثل مجتمعاتنا،هذا الوعي هو البداية وهو ضروري ومطلوب عندما ننظر إلى المجتمعاتالأخرى.
يقول الروائي الياباني المعروفهيساسي إينووي حول مشكلة الأرز في اليابان، تدور حالياً مناقشات في اليابان حولقضية الأرز، وحين يناقش الناس هذه المشكلة فإنهم يناقشون أسعار حبوب الأرز فقط،إنهم يتناسون نبات الأرز نفسه، هؤلاء يتكلمون عن الحبوب التي تظهر على الحافةالعليا لنبات الأرز، وأنا لا أريد أن يتحدث الناس عن ريف اليابان بهذه النظرةالضيقة، أي عبر حبوب الأرز فقط، يوجد نبات الأرز تحت الحبوب، وتحت النبات يوجد حقلالأرز الذي يوجد بدوره في منطقة حيث توجد فيها ثقافة وتوجد أشياءكثيرة.الروائي يحذر من النظرة التجزيئيةالنفعوية التي تركز على المظهر النفعي المباشر، إنه يؤكد على أن المهم هو أن نتابعالجزء في علاقته مع محيطه واتصاله بهذا المحيط فلا يجوز أن نقتطع الجزء من سياقه بلعلينا أن نتابع الموضوع في حلقاته المتسلسلة.

هناك خطر دائم عندما نواجهثقافة مختلفة، ذلك الخطر قائم على الاعتماد على الأفكار الجاهزة ومن تلك الأفكارالجاهزة يتم القفز من فكرة إلى أخرى ليتم الوصول إلى استنتاج أخير حاسم، في هذهالحالة ننحرف عن الواقع، الأفكار الجاهزة تخرب البحث وتخرب فهمنا للواقع، لذلك أؤكدباستمرار على ضرورة الاعتماد على التجربة المباشرة، أي أن نبدأ البحث من مادةملموسة وأن نرى تلك المادة في بيئتها الثقافية عبر علاقاتها وتواصلها وعلينا أننحذر من استعمال النتائج القائمة على الأفكار المسبقةالجاهزة.


تكملة لفصل (ثقافة الأنا والآخر):
سأقدم مثالاً فريداً لا نجده في ثقافتنا اليابانية، يقول الكاتبالسنغالي "سينبين" عن نشأته: "أنا ربيت في أسرة كبيرة بدلاً من الأسرة النووية،طبعاً عندي أمي التي ولدتني ولكن ليس من الضروري أن أعرف من هي، ورغم أنها ولدتنيفهي لا تقوم بعمل شيء خاص لأجلي كابن خاص لها، من رباني هي أسرتي وليس أمي التيولدتني وهذا الواقع لم يسبب لي الشعور بعدم الرضا أو التشويهالأخلاقي".
هذا المثال الجديد علينا في اليابانيكاد لا يصدق، إن حكم القيمة الذي قدمه سينبين ليس معروفاً في تاريخ اليابان ولكينفهم هذه الحكم ولكي نقبله كما هو فإن علينا أن نعي نظام القيم في مجتمع السنغالوالمجتمعات المماثلة، ويجب أن يكون وعينا لذلك كاملاً، لذلك علينا أن نتجنب معيارالقيم الجاهزة التي تنتمي إلى مجتمعات خارج مجتمع السنغال، أي علينا ألا نسقط قيمناالخاصة في مجتمعاتنا على مجتمعات أخرى وبالمقابل علينا أن نعتمد على معطيات مجتمعالسنغال هنا وأن نراها في علاقاتها وتواصلها وتركيبها عندئذ نستطيع أن نتوصل إلىحكم سليم حول نظام القيم في هذا المجتمع، ومن مثال سينبين ندرك أن علينا أن نقبلقيم المجتمعات الأخرى كما هي دون أن نشوهها أو نخفض قيمتها على ضوء قيمنا نحنوعلينا أذن أن نرى المجتمعات الأخرى كما هي وأن نقبلها كما هيعليه.
عانى الطوارق من اضطهاد الاستعمارالإيطالي والفرنسي وهم الآن يعانون من ضغوط عدة بلدان أفريقية تعمل على تحديدحدودها بعد تحررها من الاستعمار العسكري الأوروبي، فالطوارق كانوا ضحايا الاستعمار،وهم الآن معرضون للتمزق خلف حدود بلدان مختلفة، لقد نزلت كوارث محزنة بالطوارقنتيجة الصدام مع الغزو الأوروبي القادم من ثقافة أخرى، ولقد قدموا العديد منالضحايا كما هو معروف فهل نحن مسئولون (كبشر) عن الجرائم التي تركيب ضد الجماعاتوالشعوب في كل مكان؟يقول الكاتب اليابانيالمعاصر جونجي كينوشيتا: هناك جرائم لا نتحمل مسؤوليتها مباشرة أي لم نشارك فيها،ولكن لا بد من أن نتحمل مسؤولياتها، بالنسبة لي ليس عندي علاقة مباشرة بالجريمة،أعني لم أشترك في الجريمة بسبب العمر، مثلاً استعمار اليابان لكوريا وغزو الصينوضحايا أوكيناوا، هذه السلسلة من الحوادث هي جرائم اليابان التي لا أستطيع أنأنساها.

المسألة هنا هي وعي الجريمة، أي أن نعي الأخطار التي تحدث نتيجةالاحتكاك المسلح مع ثقافة أخرى، أي أن نمنع وقوع الجريمة.ثم يتحدث الكاتب بعد ذلك عن أهمية وجود طرف ثالث في الصراعاتينظر بحياد إلى الصراع ويحكم، ولا يهم إذا كان الصراع بعيداً وليس له علاقة مباشرةبنا، فالندم واليأس غير كافي، يجب أن نفعل شيئاً لنحكم على الجرائم ونمنعتكرارها.

بعد ذلك يتحدث الكاتب عن الدول الغنية والفقيرة والعلاقة بين هذهالدول، إذ تقدم الدول الغنية مساعدات للدول الفقيرة، لكن الكاتب ينظر إلى الموضوعبنظرة شخصية، فهناك شخص يستجدي من آخر، وفي مثل هذه الحالات تحدث مشاكل عميقة بسبباختلاف الثقافات، فمثلاً يتحدث الكاتب عن اللاجئين الفلسطينيين عام 1948م وكيف أناللاجئين لا يجدون ثيابا تناسب ثقافتهم من بين المساعدات التي أرسلت لهم، فهي ثيابقصيرة أو ضيقة بعكس الملابس المحتشمة الواسعة التي يلبسها العرب.
المسألة هنا ليست متعلقة بالذوق أو الحجم، إنها مسألة فرد اغتصبتثقافة وطنه واغتصبت عاداته، الملابس التي قدمت للاجئين تستهر بشكل همجي بنظام القيمفي الوطن العربي هذا النظام الذي يشمل ملابس المرأة المسلمة والمسيحية على السواء،إذن الأهم قبل المساعدة المالية هو أن نفكر بثقافة الآخر الذي نقدم لهالمساعدة.

المهم في النهاية أن نملك وعياً بأن الآخرين الأجانب يعيشون فيمجتمعات مثل مجتمعاتنا، هذا الوعي هو البداية وهو ضروري ومطلوب عندما ننظر إلىمجتمعات أخرى.



تجارب وأفكار:
كارثة القمعوبلوى عدم الشعور بالمسؤولية:يقول الكاتب: في اليابان عرفنا تجربة طويلة من القمع وعانينا من كافة أشكاله في تاريخنا وحتى بعدالحرب العالمية استمرت مظاهر القمع في الحياة الاجتماعية اليابانية، بعد ذلكالتاريخ المرير الطويل خرجنا من القمع، نحن لم نتخلص تماماً من ممارسات تصادر حرياتالأفراد ولكننا تعلمنا من تجاربنا وعرفنا كيف نتصرف بمسؤولية تجاه الوطن وتجاهالآخرين، لقد اجتزنا مسافة طويلة على طريق الحياة وما زلنا نعمل بدأب لكي نتحرر منرواسب القمع التي ورثناها عن ماضينا ولكي نتحرر من الأشكال القمعية الجديدة التيترافق التطور الصناعي الكبير.

حين أتكلم عن القمع في الوطن العربي فإننيأتكلم حقيقة من المقارنة المباشرة أو غير المباشرة بين المجتمعين العربي والياباني،الوطن العربي ما زال بكامله يدفع ضرائب القمع مع استثناءات ليست كبيرة، لا أريد هناأن أدخل في لعبة الأرقام ولن أجري دراسات مقارنة تحليلية للدساتير والقوانينالعربية فقد قام آخرون بذلك، ببساطة سأقدم حوادث واقعية صغيرة ولكنها كافية بالنسبةلمن يرى من الخارج لأن تكشف عن آليات القمع اليومية في المجتمعالعربي.
الخوف !
كنت أستمع من الراديو إلى حوار مع طالبمصري تخرج في قسم اللغة اليابانية في جامعة القاهرة، ذلك الشاب جاء إلى اليابان وهويتحدث عن تجربته ومشاهداته، تحدث عن المواصلات في طوكيو وعن تنظيمها ودقة مواعيدهاوقارن بينها وبين المواصلات في مصر، عندئذ قال معلقاً: لا بد أن نتعلم من تجربةاليابان، لا بد أن نغير كل نظامنا، فجأة قاطعه المذيع قائلاً: الكلام عن تغييرالنظام غير مسموح به، عندئذ التفت بدوري إلى كلمة "نظام" وتذكرت كم هي حساسة وخطرةفي مصر وفي البلدان العربية الأخرى، وتذكر كيف يخاف العرب من استعمل بعضالكلمات.

بالطبع يوجد خوف في اليابان، نحن نخاف من الزلزال ونخاف من حوادثمحطات توليد الطاقة بالطاقة النووية ونخاف من أسلحة كوريا الشمالية ولكن ما أريدالحديث عنه هو كيف نواجه الخوف؟ عندنا في اليابان نحاول أن نوضح أسباب الخوف ومارواء الخوف والظروف التي تحت الخوف لكي نتغلب عليها سوياً، المهم لا يوجد عندناالشخص الذي يهدد الناس ويخيفهم ليحقق منفعة شخصية، ولكن في البلدان العربية يوجدالخوف في الذي يستفيد منه بعضهم ويوجد أشخاص كثيرون يستغلون خوف الناس وهذا كلهمرتبط بغياب العدالة الاجتماعية في البلدان العربية، ما أريد أن أؤكد عليه هو أنمواجهة الخوف مختلفة اختلافاً كبيراً بين اليابان والبلدان العربية.

الخوف أيضاً:
من يعرفون البلدان العربية قرؤوا عن السجونوهم غالباً يعرفون أسماءها من الكتب والصفح العالمية وبعض جماعات المعارضة الصغيرة،والذي يحدث عندما تسأل عن موقع سجن ما بالتحديد فإن من نسألهم يصابون بالذعر وطبعاًلا يجيبون ويهربون كأنهم واجهوا غولاً مخيفاً، منذ ثلاثين سنة لم أعرف موقع سجنعربي تماماً، هذا أمر ممنوع ومحرم، كيف؟ هذا يحصل فعلاً أما الأدهى من ذلك فهو خوفالناس من رجال الأمن سواء كان رجال الأمن من شرطة أو شرطة سرية أو مخابرات كمايسمونهم في البلدان العربية، وليس الخوف فقط وإنما الامتياز الاجتماعي والاقتصاديالذي يتمتع به رجل الأمن، في الريف عرفنا أن الفلاحين لا يحبون الشرطة وهذا أمرمفهوم لأنه هناك مخالفات لا نهاية لها ولكن ما هو غير مفهوم هو الاحترام الكاذبالذي يظهره أولئك الفلاحون لرجال الشرطة والكرم الباذخ في المآدب التي يقيمونهالهم! تلك الازدواجية سببها الأول والأخير هو القمع والخوف الثابت من بطش السلطةوالمسئولين وما أكثر النكات والطرائف التي بتداولها الناس عن اختفاء فلان أو تبخرعلان لأنه تفوه بكلمة ضد مسئول!حديث مع يوسفإدريسالكاتب المعروف يوسف إدريس زاراليابان عدة مرات ولقد قال لي: إنه كان يبحث عن سر نهضة اليابان التي أدهشت العالم،هو نفسه كان مستغرباً ويريد أن يعرف الأسباب العميقة التي جعلت بلداً صغيراًمعزولاً كاليابان يصبح قوة صناعية واقتصادية كبرى، وبعد الزيارة الثالثة سألته: هلوجدت الإجابة في اليابان؟ قل لي: نعم عرفت السبب، مرة كنت عائداً إلى الفندق في وسططوكيو حوالي منتصف الليل، ورأيت عاملاً يعمل وحيداً فوقفت أراقبه لم يكن معه أحدولم يكن يراقبه أحد، ومع ذلك كان يعمل بجد ومثابرة كما لو أن العمل ملكه هو نفسه،عندئذ عرفت سبب نهوض اليابان وهو شعور ذلك العامل بالمسؤولية النابعة من داخله بلارقابة ولا قسر، عندما يتصرف شعب بكامله مثل ذلك العامل فإن ذلك الشعب جدير بأن يحققما حققتموه في اليابان.

بالطبع أن لا أقصد هنا المفاضلة ولست من القائلينبتفوق شعب على آخر، ولقد كررت مرات عديدة أن علينا ألا نسقط قيمنا المسبقة علىالمجتمعات الأخرى، ولكنني أعرف من تجربة الإقامة في البلدان العربية معنى عدم الشعوربالمسؤولية.في الطريق إلى بيتصديقيأذكر حادثة بسيطة للغاية موجودة علىنطاق واسع، في عاصمة عربية ذهبت لأزور صديقاً عربياً، وعندما وصلت إلى الحي الذييسكنه فاجأتني القاذورات وفضلات الطعام وكافة أشكال النفايات وأكياس الزبالة، كانتمنشورة بعشوائية على الأرض والشوارع والزوايا، على أي حال وصلت إلى البناية التييسكن فيها ذلك الصديق، المدخل كان قذراً والدرج أيضاً، ولكن لدهشتي فقد وجدت عالماًآخر خلف باب صديقي، كان البيت نظيفاً للغاية وكان مرتباً وأنيقاً ومريحاً، لقد فهمتأن كل ما يخص الملكية العامة يعامله الناس كأنه عدو فينتقمون منه ولذلك نجدالمقاعد في الحدائق العامة مكسرة أو مخلوعة ونجد أن معظم مصابيح الشوارع محطمة، كماأن دورات المياه العامة قذرة بصورة لا توصف، وحتى المباني الحكومية فقد لحقت بها كلأنواع التخريب الممكنة، لقد فكرت طويلاً في ظاهرة تخريب الممتلكات العامة وفهمت أنالمواطن العربي يقرن بين الأملاك العامة والسلطة وهو نفسياً في لا وعيه على الأقلينتقم سلبياً من السلطة القمعية فيدمر بانتقامه وطنه ومجتمعه بدلاً من أن يدمرالسلطة نفسها، تلك المظاهر السلبية التي ذكرتها اختفت تماماً من المجتمع الياباني،ولكنها لم تختف منذ زمن طويل، لقد استمرت إلى ما بعد الحرب العالمية الثانيةبسنوات، ولكننا انتصرنا عليها وتحررنا منها وعرفنا مسؤولياتنا عن الملكية العامةمعرفة جيدة، لا أستطيع الفصل بين القمع وعدم الشعور بالمسؤولية في المجتمع العربي،كيف يتبدى الأمر للآخر غير العربي؟ بالأخص نحن القادمين مناليابان؟في المطار: عتبةالبلادالياباني يفكر أول ما يفكر بالمطارعندما يقرر السفر إلى البلدان العربية، في المطار نواجه صدمة ونشعر بالإهانة،بالنسبة لي أعرف أن ذلك ليس الوطن العربي الذي أريد أن أعرفه وأحترمه وأفهمه، فيالمطار يعامل القائمون على الأمن المسافرين بشكل فظيع، يفرضون عليهم أن يقفوا فيأرتال عشوائية بلا نظام، عادة يخرق النظام من له معرفة بين العاملين في المطار أوشخص مهم أو مشابه ذلك.

وأحياناً يغيرون مكان اصطفافنا فجأة وبلا تفسير، ثميأتي دور تفتيش الحقائب، على المسافر أن يفتح حقيبته ثم يبدأ الموظف المسئول بنبشالأغراض بطريقة فضة عشوائية بعد الانتهاء يترك الحقيبة على حالها ويمضي رافعاً رأسهبزهو، نحن نفهم الحرص على الأمن وهو ضروري للغاية دائماً في المطار وغير المطار،ونحن نفهم أيضاً أن بعض المطارات ليس فيها أجهزة حديثة لسبر الحقائب، كل ذلك نفهمهولكن ما لا أفهمه ذلك التعالي وتلك الغطرسة خاصة من المسئولين الكبار كضباط الشرطةأو الأمن لا أعرف، إن الأمر يستغرق ساعات أحياناً بين الوقوف وتفتيش ومراجعات، تلكصورة مؤلمة تفضح النظام بكامله، أعني النظام السياسي والاجتماعي والأخلاقي وتبينكيف يتلازم القمع مع عدم الشعور بالمسؤولية تجاه سمعة الوطن وتجاه الآخر كإنسانصاحب كرامة.
في المطار أيضاًمنذ نحو عشرين سنة كنت قادماً من اليابان إلى مصر وفي مطار القاهرةبدلت بعض النقود من المكتب المخصص للأجانب لتغيير العملة، وفي أحوال كهذه يكونالمسافر الأجنبي مرتبكاً ومشغولاً بإجراءات الدخول، عندما استلمت النقود المصريةوضعتها في المحفظة بلا تدقيق، إذ لا يخطر لي أن يغش بنك في عد النقود، ولكن ولدهشتيوجدت المبلغ أقل مما يجب أن يكون وبالطبع لم أفعل شيئاً ولكن الغريب أن تلك الموظفةالتي أجرت عملية التبديل تبدو لطيفة ومع ذلك سرقتني، لقد استغلت وظيفتها واختلستمبلغاً مني ولذلك أقدر أنها كررت هي أو غيرها العملية مع عدد غير قليل من زوارمصر.
في المطار ثالثاًومنذ سنوات قريبة كنت في مطار الرباط وقبل أن أدخل من بوابةالقادمين ندهني أحد الموظفين وطلب مني مائة درهم فأعطيته على الفور لأنني ظننت أنالمبلغ شكل من أشكال رسوم الدخول إلى المملكة المغربية، ولكن بعد قليل شاهدت موظفًآخر يتجه نحو الذي أخذ المبلغ وبدأ يوبخه ويقول له كلاماً يدل على أنه سرقني، استمرالموظفان في الجدال ولكن لم يعد لي أحد المائة درهم، إنني أفهم أن يوجد موظف يستغلوظيفته لصالحه الخاص ولكنني لا أفهم لماذا لا يحاسب مثل هذا الموظف عندما يكتشفالآخرون فساده، هل يعني ذلك أن الجميع يستغلون وظائفهم؟ وأن الجميع اتفقوا علىبالصمت على قبول هذا الواقع؟ لا أعرف تماماً ولكن الحوادث كثيرة بحيث تبدو وكأنهاظاهرة عامة.
في المطارأخيراًمنذ سنوات بعيدة في عاصمة عربية وكانموعد طائرتي في منتصف الليل ولذلك أصر صديقي وزوجته على مرافقتي إلى المطار، ذلكالصديق رسام معروف جداً في الوطن العربي، وتفاجأن في المطار بعدد من الأصدقاء جاؤوالوداعي، تلك العلاقة الحميمة هي التي أريد أن أفهمها في الوطن العربي على أنها تمثلالأخلاق العربية، ولكن حصلت حادثة صغيرة عكرت كل شهوري الجميل فلقد تبين أن الطائرةستتأخر خمس ساعات وذلك أمر مفهوم غير أن موظفة في المطار قالت لزوجة صديقي: "هلتريدين أن تتخلصي من هذا الخواجة وتصرفيه؟" بالطبع لم تقدر تلك الموظفة أنني أفهماللغة العربية، أنا لا أفهم ماذا يخسر أولئك عندما يعاملون الناس باحترام أو ماذايكسبون عندما يعاملون بطريقة سيئة، إنه عدم الشعور بالمسؤولية من جهة القمع الذييصبح قاعدة في التعامل من الأعلى إلى الأدنى من جهة ثانية وعندما يحتل الفرد موقفاًأعلى من غيره يبدأ بممارسة القمع على من هم دونه.
حادثة في الشارعمرة كان باحثياباني يتقن العربية اسمه أكيهيرو تاكانو، كان يتمشى على غير هدي في عاصمة عربيةودون أن يدري مر أمام بيت أحد المسئولين وذلك الباحث يبدو وجهه وكأنه يبتسم أو يضحكباستمرار وفجأة تقدم منه حارس ذلك المبنى وصفعه على وجهه بحجة أنه يضحك عليه أويسخر منه بالطبع كان الأمر فظيعاً ومذهلاً لذلك الياباني شيء لا يصدق ولا يخطر لناعلى بال! توجه ذلك الصديق إلى السفارة اليابانية وقدم تقريراً بالحادثة غير أنالمسئول قال له: "أنت محظوظ لأنك اكتفى بأن صفعك!" إن جواب السفارة أكثر جبناً وخسةمن تصرف الحارس نفسه، إنه موقف غير مسئول أريد أن أقول أن سفاراتنا في البلدانالعربية لا تفكر جدياً أن تفهم ما يجري في المجتمعات العربية خاصة من جهة القمع وهيسفارات للأعمال التجارية والإدارية، لقد تصرفت السفارة هي الأخرى مع السيد تاكانوبنذالة، ذلك قمع وضيع أيضاً لا يليق ببعثة دبلوماسية، حوادث كثيرة عرفتها من خلالإقامتي في البلدان العربية تقدم وجوهاً فظيعة للقمع وعدم الشعوربالمسؤولية.ولعل القارئ لاحظ أنني لم أذكر أسماءالأشخاص ولا أسماء المدن وأنا أقصد من ذلك أمرين، أولهما أن الحوادث تكررت معيبصورة متقاربة في أغلب البلدان العربية لذلك لا أريد التخصيص، وثانيهما أنني أريدأن أستمر في علاقتي مع المجتمعات العربية، أي أنا خائف من أن أمنع من دخول هذاالبلد أو ذاك، هل لاحظتم إلى أين وصلت ظلال القمع؟ كما أنني أخاف على أصدقائي فيالوطن العربي وأخشى أن يتعرضوا بسببي إلى مضايقات أو أذى، على أي حال أنا زرت معظمأقطار الوطن العربي وأقمت فيها فترات متفاوتة، لقد فهمت أن هناك محرمات لا يجوزالاقتراب منها، السياسة والجنس والدين أيضاً، هذه المواضيع غائبة عن التلفاز العربيوعن الصحافة ولولا بعض الدراسات والنصوص الروائية أو القصص القصيرة لما وجدنا لهاأي أثر في الإعلام المرئي أو المسموع أو المكتوب، ربما يكون لبنان استثناء، على أيحال لا يجوز لأحد أن ينتقد القريب المليون لأي مسئول عربي! نحن عندنا في اليابانالصورة مختلفة، ومن زار طوكيو فلا بد أنه رأى سيارات تقف على ناصية الشارع تحملمكبرات صوت تهاجم رئيس الوزراء والوزراء والحزب الحاكم وهكذا، على الأقل نقدر أننقول أننا نملك حرية واسعة في مناقشة كافة القضايا السياسية والجنسية علناً وبلاقيود.
ملخص الفصل:هكذايمضي الكاتب في ذكر الكثير من القصص الصغيرة تبين وجه القمع البشع وتبين مساوئ عدمالشعور بالمسؤولية لدى المواطن العربي، وقد أكثرت من نقل القصص التي كتبها لكيتأخذوا فكرة واضحة عما يريد أن يقوله هذا الكاتب

القضية الفلسطينية:في هذاالفصل يتحدث الكاتب عن فلسطين والفلسطينيين من ناحية إنسانية بحتة، ويتكلم عن سكانالمخيمات وعن الأدب الفلسطيني وعن رغبة اللاجئين في العودة إلى ديارهم ... إلىفلسطين.

أنقل لكم فقرات من مقدمة الفصل تكفي لإعطاء صورة مختصرةعنه.
قبل ست عشرة سنة أقمت في سورية عشرةشهور متتالية، وفي دمشق طلبت من أحد الأصدقاء أن يأخذني إلى مخيم اللاجئينالفلسطينيين، فقادني إلى مخيم اليرموك، وهناك زرنا بيتاً فلسطينياً على أطرافالمخيم، لاحظت أن البيت مسقوف بمواد خفيفة، ربما من التوتا أو ما شابه، استغربتالأمر وسألت صاحب البيت الخماسيني عن السبب فقال: "هذا بيت مؤقت، بيتي الحقيقي هناكفي فلسطين، نحن نسكن هنا بصورة مؤقتة وسنعود إلى ديارنا عاجلاً أم آجلاً، وإذاوضعنا سقفاً بشكل كامل فهذا يعني أننا نتنازل عن العودة، إننا نحتفظ بإدراكنا أنهذا المكان مخيم".

كان عند الرجل شيء نفيس ليريني إياه، غاب قليلاً في غرفةداخلية وعاد ومعه مفتاح بيته في فلسطين! وقال وهو يعرضه أمامي: كلنا نحتفظ بمفاتيحبيوتنا، نحن هنا بصورة مؤقتة.

تلك الحكاية البسيطة مشتركة عند عدد كبير مناللاجئين الفلسطينيين، ولقد قرأت ما يشابهها أكثر من مرة، نحن في اليابان نفهم منمفاتيح البيت معنى العودة للفلسطيني اللاجئ، ونفهم إلى أي حدود يتمسك الفلسطينيبوطنه في قلبه وأعماق روحه.

هناك جرائم لا نتحمل مسؤوليتهامباشرة، أي لم نشارك فيها، ولكن لا بد أن نتحمل مسؤوليتها، إنني أعتقد أن البشرجميعاً مسئولون عن أي جريمة تحدث على كوكبنا، ولذلك فالعالم كله مسئول عن الجريمةالتي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، المسألة ببساطة شديدة هي أن مجموعة بشرية جاءت منخارج فلسطين واستوطنت بقوة السلاح ثم شردت شعباً واغتصبت أرضه وثقافته وتاريخه،فالقضية الفلسطينية خطأ ارتكبه العالم وما زال يتفرج عليه دون أن يعمل جدياً علىحله، إن الموقف من القضية الفلسطينية مرتبط بمسألتين جوهريتين هما: العدالة ووعيالمسؤولية، ومن فكرة العدالة ووعي المسؤولية كونت موقفي من القضية الفلسطينيةوغيرها من القضايا في العالم الثالث والعالم المتقدم صناعياً، الأمر بالنسبة لي ليسمعاداة لأحد أو تعصباً لأحد لأنني لست ضد حق اليهود في الحياة الكريمة، فهذا حقالبشر جميعاً، ولكن دون أن يكون هذا الحق على حساب شعب آخر، إن حل مشكلة ما أوتجاوز جريمة ما لا يكون بإيجاد مشكلة جديدة أو ارتكاب جريمة جديدة، الجريمة امتحانأكبر لعدالة البشر ولوعيهم لمسؤوليتهم وامتحان للكرامة والشرف والضمير في وقتواحدما تعلمته من ثقافةالبدو:
يقول الكاتب بأنه فقد اهتمامه بثقافة الاستقرار وثقافة المدينة، ولميذهب إلى الصحراء باحثاً عن شيء غريب بل للبحث عن معنى، ولم يدخل إلى ثقافة البدوبأفكار مسبقة فهو يعلم أن الإعلام العالمي شوه صورة العرب ويقدم صورة سطحية مشوهةلهم، وقد عايش الكاتب حياة الفلاحين في مصر والحياة في القاهرة واكتشف في وقت مبكرمدة التضليل الذي مارسه الإعلام الغربي ضد العرب.

يعرف الكاتب البدو بأنهمأهل الوبر وهم الذين يعيشون في البادية، أي أن الفرد يعرض نفسه للطبيعة دون غطاء،فهو لا يستقر في مكان ويقف أمام الطبيعة وجهاً لوجه، لذلك يعيش البدوي حياة قاسيةويضحي كثيراً لأنه اختار هذه الحياة القاسية، التنقل الدائم يعني أن يحتفظ البدويبما هو أساسي وثمين لحياته، لذلك شعور الملكية لدى البدوي ضعيف، أو بعبارة أخرىالبدو لا يبالون بأن يملكوا الأشياء.

يمكناختصار أفكار الكاتب في نقاط محددة:1) الطعام لدىالبدو بسيط ووسيلة لاستمرار الحياة وليس ترفاً.
2) حياة البدو بسيطة وتظهر هذهالبساطة في مأكلهم وملبسهم وتنقلهم.
3) حياة البدو نمطية فالكل يمارس نفسالعادات في الأكل والملبس والمسكن.ويرى الكاتب أنحياة البدو يمكنها أن تعلمنا نحن أهل الاستقرار والمدن، فهي حياة بسيطة لا تتطلعللاستهلاك ولا تشعر بالضجر، على عكس سكان المدن الذين يبحثون عن أشياء تسليهمويبحثون عن الجديد دائماً ولا يرضون بما لديهم.



بهذا أكون قد انتهيت من تلخيص الكتاب، وحقيقة تلخيص الكتب عملية صعبة جداً، خصوصاً أنني أردت نقل الأفكار بأسلوب الكاتب نفسه، وهذا يعني نقل فقرات بأكملها وفي بعض الأحيان اختيار فقرات وتجاوز أخرى، وكنت أحاول نقل الأفكار الأساسية، على أي حال، هذا الكتاب يمكنكم الحصول عليه في مكتبات جرير، وفي موقع نيل وفرات:
www.neelwafurat.com (http:///)

van
28-2-2008, 10:02 AM
بارك الله فيك وجزاك كل خير

أنا وأختي
29-2-2008, 01:07 AM
تعجبني فلسفة اليابانيين كثيراً ..
وبغض النظر عن كلامه الباقي :أشعر بالذل عندما أرى أحدا من غير العرب يتكلم عن الفلسطينيين ! :(


يقول الكاتب بأنه فقد اهتمامه بثقافة الاستقرار وثقافة المدينة، ولم يذهب إلى الصحراء باحثاً عن شيء غريب بل للبحث عن معنى، ولم يدخل إلى ثقافة البدوبأفكار مسبقة فهو يعلم أن الإعلام العالمي شوه صورة العرب ويقدم صورة سطحية مشوهةلهم، وقد عايش الكاتب حياة الفلاحين في مصر والحياة في القاهرة واكتشف في وقت مبكرمدة التضليل الذي مارسه الإعلام الغربي ضد العرب.


جيد أنه لم يهتم بتشويه الغرب لنا :D

مع أنني لايهمني ءأخذوا صورة حسنة عنَّا أم لم يأخذوا = s

..


شكراً على نقل الكتاب لنا : )

أوكسجين
6-6-2008, 09:33 PM
تعرف فلسفته جداً مميزه يمكن من خلاله نعرف نحن بتصرفاتنا اللا عقلانية والي بدون تفكير فين حطتنا علم العموم يسلمووووووووووووووووون على الكتاب