المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [إبداع] [ رِوَايـَة] نِدَاءُ قَلِبٍ يُدْعَى..عَذّارِي



للذكرى حنين
4-7-2008, 01:46 AM
http://www.gallery.7oob.net/data/media/20/54.gif

.
.
.


http://b-kaiss.dk/Msoms-Anime/Designs/Banner/7anin.gif

::
::


http://www.w6w.net/album/35/w6w20050419195349f1dd803c.gif


كيف حالكم إخواتي وأخواتي ؟

أتمنى أن تكونوا بصحةٍ وعافيةٍ إن شاء الله ..

كنتُ قد وعدتُ فتاتين بروايةٍ لي هذه العطلة .. ولم يتيسر لي أن أبدأها إلا هذا الاسبوع ..

هذه هي روايتي الأولى ولا زلتُ في طور كتابتها ، لذا أريدُ نقدكم ، ورأيكم .. وأشكركم سلفًا على مروركم ..

ستتحدثُ الرواية إن شاء الله عن فتاةٍ من مجتمعنا ، عن حياتها بأغلب التفاصيل ،

عن نداءِ قلبها ، و عن بهجتها /خوفها /حزنها/وعزمها ..

الأحداثُ واقعيةٌ بنسبةِ 99% ، إذ ما أضفته هو مجردُ لحظاتٍ أو أشياء قليلة ، و ستصلُ آراؤكم لصاحبةِ الأحداثِ المذكورة ..

ربما تجدُ الكثير من الفتياتِ نفسها مكان الفتاة ، أو يجد فتى نفسهُ خلال الأحداث ..

لذا أتمنى وتتمنى هي أيضًا أن ينفع الله بالرواية و يجعلها خالصةً لوجهه الكريم ..

بالنسبةِ لنقاشِ الفصولِ فهو هـــنـــا (http://www.msoms-anime.net/showthread.php?p=950624#post950624)..

وٍاحاولُ وضع فصلٍ جديدٍ كل فترةٍ بعونِ الله ..

( شكرٌ خاصٌ للأخ Kais ، على التصميم الجميل جزاك الله خيرًا وكثر من أمثالك ، و لكلِّ من

ناقشني في الرواية سواءً في صغيرةٍ أو كبيرة )

ولكم تحيتي ومودتي ..:)

::
::

على بركةِ الله :


الإهداء:

لربِّ العالمين، حمدًا يليق بجلالكَ ربي..

ما كانت هذه الكلماتُ دون توفيقك ، فأعنِّي على إيصالِ رسالتها..

ولهـا ..

واحدةٌ أو أكثر من مشاعري كان أنتِ ..

ربما..لن يتسنى لي أن أناديكِ بـ [ ... ] ..هنا

لكنكِ دومًا ستظلين (عذاري) البريئة في نظري..

وحدها مشاعركِ سأسطرها، ووحدهم سيقرؤون ..

سأشكرُ الكثير والكثير ، لكنني سأشكرُ قلبكِ أكثر على ولادةِ طفلتي الأولى..

قلتِ لي : لا تجعليها غامضة..

وأظنُّ أن نوركِ سيجعلها كوضاءةِ الشمسِ سويعات الظهيرة..

فـ إليكِ ، سأهدي أولًا روايتي..

ولوالديَّ..على أفضالهما طوال حياتي.. وإن كان شيئًا قليلًا..

وثمَّ..لأخيتي الكبرى ، التي لم تفتأ تبسـمُ لي كلما هجرتني الحياة..

وبعدها، لعقدِ اللؤلؤ ..أخواتي جميعًا..

أوائلُ من يقرؤني..ومن يصنعُ فرحتي..فلله درهن..

لقارئيّ..فرادى وجماعاتٍ ..

لناقديَّ ، فردًا فردًا ..

::
::

الفصل الأولُ



طـِفـْـلًـــةٌ




" أيها الماضي..لا تغّيرنا كلما ابتعدنا عنك!"( محمود درويش)


نسيمُ الفجرِ يشعرني بجمال ابتداء وخطات الشروق ، و ذراتُ النسيم العليل تشي بي لأن أحلق في مخابئ الكون وأنهل من كل بستانٍ زهرة ..

يشعرني الصباح اللذيذ بدفقة أمل لا متناهية ، بطريقٍ جميلٍ يدفعني للعطاء .. ببدايةٍ واثقةٍ كما بدايتي..

وحدها شرفتي ، تقاسمني ابتسامات الربيع تلك .. مع فنجان الحليب و ملعقة العسل ..
وذكرياتي ..

كنتُ طفلةً ، أبصرُ الكون زهرة ، والحياة عمرًا رائعًا أجمع فيه ألعابي .. وحتى والدي ، ظننتُه يومًا خارج قائمة العائلة ..ولم أحبَّ شيئًا كما أمـي .. التي كنتُ أغرقُ في ابتسامتها كل يومٍ ، و تعقدُ فوق رأسي بعضًا من خصلاتي حتى أبتسم جذلى ، كنتُ هادئة الطباع خجولة لا أشاركُ في اصطخاب الصغارِ عدا مع خالي ( عزوز) إذ كان صديقي ، صديق الطفولة العزيز ، ألاعبه حتى تتراقص وجناتنا فرحًا عبثيًا ، نلهثُ حين نركض وسط المزارع المنتعشة بهجةً ، نبني قلاع الطين و نلطخُ ثيابنا بفاكهةِ الفرح ، ندخلُ البيوت المتهرئة طينًا و ننشرها حبًا ، نصعدُ الجبال و نرتقي السحاب ، نحاولُ الوصول للسماءِ جذلًا ، نلاعب الحيواناتِ من حولنا ، ثم نهجع مع سحر الغروبِ لفرشنا ، حالمَينِ بالغدِ القريب ..

وقتها ، كنتُ ولازلتُ (عذاري) البريئة ، التي تشبهُ طفلةً تنشدُ للقطارِ باسمةً : قَدِمَ قطاري من بيروت ..

وقتها ، كان الفرحُ جزءًا من خفقاتي ، و كان (عزوز) جزءًا آخر من مملكتي ، و كذا جاء البقيةُ ..وحتى هذه اللحظاتِ ما زلتُ ألاطفه بـ (عزوز) الاسمُ الذي أردف مع اسمه مذ ذلك الحين ..

كلما تذكرتُ تلك اللحظاتِ ، وتذكرتُ مواقفي الصغيرة .. ابتسمتُ ، مواقفي التي ما فتئت أثبتُ فيها قوتي وصلابتي ، والتي أنال آخرها جزاء فعلتي ، إما بالتوبيخٍ أو بالذهابِ للمشفى أو بلا خسائر ، وتذكرتُ جدتي الرقيقة ، وحرب الكويت .. و كفاح والدي للحفاظ علينا ..حينها أتوق لأن أعود تلك الطفلة الصغيرة ، أشقى بحزنِ صديقي ، أجمعُ طعام النمل ، أنادي أمي وأبكي لتضمد جرحي ، أنتظرُ الغد بشوقٍ ليس يهدأ ..طفلةً حرةً ، تلون المطر ، وتجمع قطر الندى ، وتعيد بهاء القمر حلوًا ، و تبحثُ عن بلاد الأحلام السعيدة ..

في مراحل حياتي الأولى .. وعند عتبات المدرسة دلفتُ بخوفٍ في ثوبي الرمادي ، وبكيتُ بشدة في أسبوعِ اللعب*، وحين بدأت المعلمةُ بعدِّ الأسماء ذكرت اسمًا مشابهًا لاسم أختي التي تدرسُ الصف الثالث الابتدائي وقتها ، فتساءلتُ ببراءةٍ صرفة : (فلانة) هذه أختي ؟! كيف علموا عنها ؟

وقتها ، أردتُ التشبث بأختي .. رفضتُ الحلوى و أصناف ما عُرِضَ عليَّ ، حتى نادوا : ( فلانة ) تُنشِدُ الآن ..

انتشيتُ فرحةً وركضتُ أنظرُ أختي ، لأجدها فتاةً أخرى وأكمل النحيب ..

ضاق الجمع ذرعًا بي فما كان من فتاتين إلا أن عرضتاني على الفصول فصلًا فصلًا ، أملًا أن نجد أختي ، تفتحان باب الفصل وتسألان : أخت من هذه ؟!

وببراءةٍ أتتبع الوجوه المتصفحة لي ، ونتحركُ عبر الفصول مرارًا ، حتى وصلنا لصف أختي فردت : أنــا

رمقتني المعلمةُ وقتها ثم وافقت على دخولي الفصل على عهدٍ أن أنتظر أختي في المراتِ القادمةِ ، فجلستُ مسرورةً بجانبها ، بينما تحركت الفتاة جانبها لمكانٍ آخر ..

وفي الأسبوع الثاني تمَّ اختيار الفصول ، كنت في الفصل الأول بين الفصول **، حينها ..تطلّعتْ إلي فتاةٌ تُدعى ( سعيدة) .. سعيدةُ المبسمِ ، جميلة الحركة .. مشاكسةٌ تحبُّ التنقل بين الطاولات و القفز فوقها مع البقية ..وأرقُبُها جاهلةً بنظام الفصلِ و نظامِ ترتيب الفتيات ، ومعنى كلمة: "فصل" ..

كانت مضامين حياتي الصغيرة التي تخصني هي كلّ حياتي ، أما محيطُ المدرسةِ فوقتها لم أعرف ماذا يعني أن أذهب للمدرسةِ ، وأقابلَ الصديقاتِ أو حتى أفضي بما لديَّ من جواهر ..

اقتربت (سعيدة) مني وسألت بلطفٍ : ما اسمكِ ؟

-.....

فكرتُ برهةً : اسمي ! ماذا تعني اسمي ! .. أعلمُ أنهم ينادونني (عذاري) ، لكن أيجبُ أن أخبر الناس به ؟

وقتها ، كانت الحياةُ أشبه بلعبةٍ تفاجئني .. أفكرُ قبل أن أقدم على الخطوة التالية .. و أترقبُ النتائج بشغفٍ ..

لذا لم أُخبر ( سعيدة ) باسمي ، حتى بدأت معلمتي بإذاعة الأسماء لترتيبنا فركضت (سعيدةُ ) قائلةً: عرفتُ اسمكِ ..

( سعيدةُ) .. طفلةُ الأمسِ ، وصديقةُ الطفولة حتى أواخر المراهقة ، والتي اكتشفتُ فيما بعدُ أنها ابنةُ جيراننا .. وأسماءٌ كثيرة أذكرُ منها وجهًا صافحني عند أولى الخطواتِ في عالمِ المدرسة ( فادية ) ..ووجوهٌ وأيدٍ و ألعاب .. وقلبًا كان أنا ..

في نهايةِ الفصلِ ، تسلقتُ الجدارَ اقتداءً بإخوتي ، ووقعتُ لأحدثَ جرحًا على جانب جبهتي ، وكم أسعدني ذلك الجرح إذ نلتُ اهتمام معلماتي يوم استلام الشهادةِ : ما بكِ ( عذاري )؟ عسى أن يكونَ خيرًا ؟!

شعرتُ أن الجروح تعني مزيدًا من حبٍ واهتمام ، فطفقتُ أتمنى أن أشهر جرحي أمام الجميع ، لأنال ذات الاهتمام مرةً بعد أخرى ..






****


ذكرياتٌ محكمةُ الائتلاق في عقلي ، ذكرى حصة القرآن ، والأستاذة ( بدرية ) .. والصفِّ الثاني الابتدائي ..

كان من عادةِ الطالبات أن يقرأن من المصحفِ ويتتبعن الآياتِ بأصابعهن الرقيقة ، وكنتُ أنا التفردَ الصغير بينهن ، فلم أكنْ أتتبعُ بإصبعي .. في عقلي الصغير كنتُ أسخرُ ممن يلمسُ الآياتِ بإصبعه !

كنّا نقرأ سورة " الماعون" ، وكنتُ أتتبعُ المصحف ببصري ، لأفاجأ بصفعةٍ قويةٍ على وجهي ، أرفع رأسي وعيناي تتساءل : لماذا ؟!

-لمَ لا تتابعين بإصبعكِ؟

لم يتحرك لساني من هول صدمتي ، أحسستُ بسهامٍ حارقة موجهةٍ إليّ في شكلِ نظرات الطالبات المشفقات عليّ من حولي ..

-أكملي اقرئي .. قالتها لفتاةٍ أخرى ..

و دسستُ وجعي بين كفيَّ وتركتُ الدموع لتحكي ، وسافر الودُ من قلبي إلى مكانٍ آخر ..




***




بياضُ شرابي يذكرني بأولِ حبٍّ طفوليٍّ مارسه قلبي الغض ، أحببتُ ( سارة ) معلمة الرياضيات .. أحببتُها لأنني وجدتُ عبق أمي فيها ، و رائحة حنانٍ لذيذة دغدغت شغاف طفلة الصف الخامس الابتدائي ، يقفزُ قلبي طربًا كلما حظيتُ بشيءٍ منها دون الأخريات .. يقتلني انتظارُ يومِ جمع الدفاترِ خاصتي .. لأفرح بلقائها ، حتى جاء يوم الأربعاء ..

-(عذاري) ، اجمعي الدفاتر .

-حاضر .

جمعتُ الدفاتر وأسرعتُ لأذهب إليها في غرفة المعلماتِ ، نزلتُ درجات السلمِ وسط المبنى ، وتوقفتُ برهةً حين سمعتُ شجارًا قويًا ، معلمتي ( سارة ) والمساعدة ، عندها خفق قلبي خوفًا و ضممتُ الدفاتر ترقبًا .. كنتُ كمن اكتشفَ جرمَ من يحبُّ لأول مرة .. أردتُ الرجوع أو الركض ، لم أرِدْ أن أجعل معلمتي تغضبُ أكثر، فتراحعتُ قليلًا .. لكنني لاحظتُ طيف معلمتي يعبر الدرج فتقدمتُ نحوها ومددتُ بكومة الدفاتر لها..وتحدثتُ خائفةً:

-معلمتي .. هذه هي دفاتر الرياضيات ، جمعتُها ...

هوتْ ضربةٌ على ظهري بدت وكأنها تشقُ جسدي الصغير وتخترق قلبي ، أحسستُ أن غضبها قد تكوّم في قبضتها ليجد طريقه إلى فؤادي .. وتساقط دفترٌ وراء الآخر على إثرها ..

ذهبت معلمتي وتركتْ جسدًا واقفًا ذاهلًا ، نظرتُ إلى الدفاتر التي جمعتُها على الأرض ، تذكرتُ الفرحة الجميلة التي غمرتني لأذهب إليها ، و خيالي للدخول إلى غرفة المعلماتِ ، ولقاء معلمتي .. وتحدر خطانِ بحجمِ ألمي على وسادة خدّي ، أحسستُ أن ألم ظهري اليتيم يعادلُ آلام انقطاع أنفاسي مع الشهقاتِ التي أكاتمها ، بحثتُ في الجوار عما إذا كانت إحداهنّ قد شاهدتْ وجعي ، فكانت تلك معلمةُ الغياب والحضور ( مها ) ، اقتربتْ ولاطفتني : أتودين أن تذهبي بهذه الدفاترِ لمكانٍ ما ؟

رددتُ وأنا ألملم الدفاتر المتناثرة : أجل ..

و بدأت دموعي تتشكلُ في بلوراتٍ متناميةٍ و ترتسمُ على وجهي المحمر..

أخذت المعلمةُ الدفاتر ومضت ، لأدخل لدورة المياه أغسلُ بقايا دموعي ، و أعود لفصلي .. وأودع قلب الأستاذةِ ( سـارة ) ..

لمْ يدُرْ بخلدي ، أن الجروح قد لا تندملُ بكثيرِ اهتمام ، وأنها تبقى في القلوب كالوشم الباقي على مر الزمن ..

وغدًا إذا ارتجفت اللحظاتُ ، وذاب لحنٌ في الحياة، أغمضتُ جفني واستعدتُ هاتيك الأيام..

وابتسمتُ كما الآنَ وارتشفتُ لحظةً أخرى ، في دوحة حياتي ، فبعضُ الزمان لا يرحمُ بقايا السكون..





أسبوع اللعب : أسبوعٌ لتعويد طلاب الصف الأول الابتدائي على محيط المدرسة .
* يتم ترتيب فصول الابتدائية الحكومية ( غير الخاصة وتحفيظ القرآن ) بطريقة الأرقام ( أولى أول ، أولى ثانِ ..إلخ ) وعذاري في الصف ( أولى أول ) .





الفصلُ القادمُ : واكتملَ القِطافُ ..

.
.
.



http://www.gallery.7oob.net/data/media/20/54.gif

للذكرى حنين
1-8-2008, 11:51 PM
http://www.gallery.7oob.net/data/media/20/26_3.gif

.
.
.

أولًا أعتذرُ لتأخري في إدراج الفصل ، لعدة ظروف





الفصل الثاني : واكتملَ القِطافُ ..





أو بعنوان : صَدَاقَة..



"عندما تشتدُّ العتمة من حولنا ، يظهر ذلك الوميضُ الدافئ لقلوبٍ تشعر بنا ،


وتغمرنا بضيائها حبًا ووفاءً ، هم لقلوبنا البلسم .. فحقَّ لنا أن نبتسم ، مهما كان عمقُ الألم"





لستُ أدري لمَ كانت المراحل الأولى من (المراهقة) لديّ أسرع اللحظات نومًا في ذاكرتي، لكنها تتابعُ كلما تذكرتُ واحدًا أو اثنين من مواقفها..
في طفولتي، تمسكتُ بأختي كثيرًا ، فكيفَ لفتاةٍ في شخصيتي أن تكونَ لوحدها في عالمٍ مجهول؟! أما عندما انتقلتُ إلى المرحلةِ المتوسطة (الإعدادية) فقد قُدّر لي ألا أقبل في مدرستها..وزاد الأمر أن كانت مدرستي بعيدةً عن المنزل..
أردتُ أختي، لا لأنني أتبعها بل لأنني أقدم على عالمٍ مجهول، وهي كانت كفراشتي المفضلة ألاحقها دومًا وأسترشدُ بها.. لكنني حينها فكرتُ أكثر، وقررتُ أن أبدأ بنفسي.




ثوبي الكحلي كان مميزًا، ثوبٌ واسعٌ مع حزامٍ في المنتصف، أشبه بفستانٍ يحتوي قطعتين ، الأولى ممسدة والثانية أشبه بمثلثاتٍ بارزة..وحين دلفتُ للمدرسة داهمني الخوف، تراجعتُ قليلًا ثم استجمعتُ شجاعتي وتقدمتُ وللوهلةِ الأولى وجدتُ أن كافة أزياء الفتيات تخالفُ زيي ، فاصطبغتُ حياءً..


حاولتُ التعرّف على العالمِ الجديد، على فتيات المتوسطة ، لكنني لم أفلح، فخجلي وكذا حذري يمنعاني كثيرًا من أن أتجرأ على البدء بصداقةٍ جديدة..تمَّ توزيعنا على الفصول، ودخلتُ فصلي لأتصفح وجوه زميلاتي ، فلم أجد ضالتي

..
وقت الفسحة ، تراكضت الفتيات خارج الفصل ، وشاهدتُ من بعيدٍ فتاة بيضاء ، بدا لي أنها كما أنا ، نسخةٌ أخرى من روحي البريئة ، فجمعتنا الأيام .
.
مرَّ الوقت عندها، كنتُ و (منال) صديقتين رابطهما خيطٌ جميلٌ عنوانه الصداقة الهادئة، لم أكن ممن تحبُّ الصخب أو إثارة المشكلات ، وكانت (منال) شعلةَ نشاطٍ و توقد تفكير..وكانت المواقف معها ذات طعمٍ لذيذ حقًا، يلتصقُ بالذاكرة ولا يغادرها..لكنّنا لم نقترب من بعضنا لنعنون صداقتنا بالـ"حميمة"..


يومًا ما، كنا معًا نتمشى عبر الممرات ، شاهدتُ فتاتين ترمقاني ، ثم استوقفتانا وسط تعجبي لتسألني إحداهما : ما اسمكِ؟
- (عذاري)
بدا وكأن الفتاتين تعرفاني ، وهذا ما أثار فضولي وتعجبي ، ردت إحداهما : يبدو شكلكِ أنكِ من أهل فلان..فوافقتها،لتردَّ: ذلك واضحٌ من تقاطيعِ وجهكِ ، وكذا نحنُ من أهلهم أيضًا، ثم أتبعت كلامها بذكرِ الأسماء ، ويبدو أن هذه كانت بوادرَ توسّع معارفي..فقد كنتُ أشاهد ابنة عمّ والدتي وأعرفها لكنني لا أجسر على التحدثِ معها، وبعد أيامٍ استجمعتُ شجاعتي وذهبتُ إليها ، بعد السلامِ عرّفتني على أخرى من ذات العائلة، ثم حادثتني قريبتي .. وأثناء الحديث ذكرت أنها تركبُ الحافلة ، فتذكرتُ أن أهلي قد اعتزموا إدخالي للحافلة، فقررتُ عندها أن أركب معها الحافلة اليوم..


ركبتُ الحافلة، وقامت قريبتي بعملية الوصف لطريق منزلي حتى وصلتُ للبيت ، وكانت مفاجأتي الأولى بعد الدخول أن رأتني أمي ثم هتفت : لمَ لمْ تخرجي مبكرًا ؟
- ماذا؟ خرجتُ مبكرًا اليوم !
- حسنًا ، أينَ أبوكِ ؟
- لا أدري!
- إذن من أحضركِ إلى هنا ؟
- سيارة الأجرة .( قصدتْ بذلك الحافلة)
- يا ساتر! ما الذي جعلكِ تركبينها ؟ لم تقولي لنا ، ولم نقُل لكِ !!
- لكنكم أردتم أن أركبه فركبته !!

وقتها ، بدا لي أنني وضعتُ خطة سريعة ثم نفذتها بلا حسابٍ لأهلي ، خططتها ببراءةٍ صرفة، على اعتبار أنهم " أرادوا" ففعلتُ ..ثم اتصلت والدتي بوالدي ليرنّ الهاتف في المنزل ويزيد الطين بلّة ..


والدي المسكين ، كان قد بحث عني ولم يهدأ له بالُ طوال الوقت ، كلّم الحارس ، وطالب بالبحث عني ، وكانت المعلمات يبحثن في كل شبرٍ في المدرسة ، وربما فتشوا الشوارع قرب المدرسة ، وذهب أخي لطمأنة والدي وإعادته..


وبخني والدي وقتها ، وبكيتُ ، ثم قال : لا تركبي الحافة حتى أخبركِ ..
- أأركبها غدًا ؟
- لا ، انتظري حتى أتفق مع السائق ..
- حسنًا..

حينها ، أحسستُ أن ضميري ينهشُ فيّ ، وأن التأنيب بدأ يظهر لسرعة تصرفي، ولذا قررتُ انتظار والدي في اليوم التالي وخرجتُ مبكرًا ، لأجده أخي الأكبر ،أردتُ والدي حينها؛ لذا أحسستُ بالضيق ، لكنني علمتُ أن والدي أوصاه أن يوافيني مبكرًا.. وبعد عدة أيام ركبتُ الحافلة بعد اتفاق والدي مع السائق..


لأعدْ لـ(منال) قليلًا..(منال) صديقتي لم تكنْ لتحبَّ (ندى) القصيرة ، وبالنسبةِ لي فـ(ندى) فتاةٌ عادية ، لم أكن لأعدها في قائمة أعدائي بحجة أن (منال) لا تطيقها، وحدثَ أن مررنا بـ(ندى) يومًا فهتفت منال: الطولُ عزٌّ ، والقصر حبة أرز !
وقتها ، بدا أن عيوني ستغادر محجريها من المفاجأة ، صمتَّ انشداهًا بكلامها ومرَّ الموقف على خير..


وبعد شهرٍ ونصف ، افتُتحت مدرسة جديدة قرب المنزل ، فانتقلت إليها مع أختي ، ليعود شملنا من جديد..واعتدتُ على المدرسة الجديدة وكذا فهمت الكثير من مواقف الحياة..وجدتُ هناك (سعيدة) فعادت صداقتنا لتقوى و تكبر..ويشتدَّ عودها..فكنّا ننزلُ من الحافلة قريبًا من منازلنا ، ثم نتسابق للوصول إلى المنزل ، ومرةً دعتني لمنزلها فرضيتُ على خوفٍ مني ، ورأيتُ حديقة مزدانةً بالورود لديهم، ثم أعجبني تصميم المنزل البديع ..لكن زياراتي لم تكن بالكثيرة لها ، وإن شئتُ الدقة فهي نادرةٌ وشبه معدومة..

أما مستواي الدراسي، فلم يكن في السنة الدراسية الأولى ليصل إلى درجة الممتاز، وظل كذلك حتى السنة الثانية ثم تغير بسبب حادثةٍ صغيرة ، حيثٌ تألفت الامتحاناتُ من نظام يقضي بتقسيم الدرجات إلى قسمين على امتحانين : أحدهما يحوي 8 درجات والآخر يحوي 7 درجات ، وكانت معلمتي لمادة التوحيد صارمةً في صياغة الأسئلة ؛ للدرجة التي أطلقت الفتيات على أسئلتها وصف " النار المشتعلة" ووافقتهم أختي في وجهة النظر تلك، وكان مني أن آخذ الكلمات بصدقٍ خالصِ، ولذا قلقتُ كثيرًا ، لكن يقيني أنني إن قلتُ لشيءٍ : هذا صعب فسيكون كذلك ، وأنني إن قلتُ العكس لكانه ، فعزمتُ أن أكسر مقولة العجز تلك ، وأحرزتُ الدرجة 8 من 8، فطرتُ فرحًا ، وعند تصفحي لورقتي وجدتُ أن معلمتي قد أكرمتني بزيادةِ درجة ، فحذفتها وأصلحتُ العلامة ، ثمّ عدتُ للبيتِ جذلى أركضُ لأخيتي وأريها ، هتفتُ : انظري أختاه ، أحرزتُ هذه العلامة، أتذكرين يوم قلتِ ( نار) وما شابه ؟! انظري ..
نظرت إليّ شزرًا ثم ردت ببرود : لكنكِ لم تأخذي الدرجة الكاملة*؛ ولذا احتسبي أن سؤالكِ الذي أخطأتِ فيه صعبٌ .


رددتُ: بل هي سهلة ، لكن هذا خطأ واحد فقط ، ثم إن معلمتي احتسبت الأمر خطأ فعدت الإجابة صحيحة
.
ساد الصمتُ وتضاربت داخلي مشاعر أخرى ، تساءلتُ : لمَ لم تهنئني بدل الاحتجاج ؟ ، لكنني كنتُ أيضًا سعيدة بنجاحي وتخطيَّ عقبة " لا أستطيع ، إنها صعبة ..إلخ"، ومن يومها رسمتُ نصّي **، فهمتُ ما تعني كلمة (حياة) وما يعني أن يكون للمرء فكر ، وطريق .. وعيتُ الكثير من الأمور ووقتها ..خططتُ لي شارعًا في مدينة الحياة ، وكانت أولى خطواتي المرسومة هي أن أحصل على المركز الأول..ونتج عنها أن حصلتُ عليه على مستوى فصلي ، و أحرزتُ المركز الثالث على مستوى فصول سنتي..


عجِبت الفتيات مما أحرزتُ ، وبدأت بعض النفوس تتضح ، فهذه تحزن وأخرى تسأل ، وبدأ سباق التحدّي لأكون من ركب الأوائل.



وحينما لامس الشتاء أجفان الدنيا ، دلفتُ مرةً إلى غرفةِ المعلمات لأسلّم الدفاتر ، رمقتني المعلمةُ ثم ابتسمتْ ، وتمتمت بتعبيرٍ يصفُ وجهي بالبراءة ، خرجتُ حيرى مما قالت، وتوجهتُ لمرآةٍ معلّقةٍ وحملقتُ فيها لفترة ، بحثتُ عما يعني وصف "براءة" لديها، فوجدتُ أنفًا أحمر، ووجهًا شاحبًا بفعلِ البرد ، فكرتُ في نفسي : لكن شكلي عادي ، لم قالتْ ذلك ؟!
وللحافلة حكايةٌ أخرى هنا ، فقد كانت مزدحمةً بشكلٍ لا يصدّق ، لكأنما ترى أكداسًا من الناس تلتهم المكان ، ولذا فقد آثرتُ الجلوس بجوار الباب ، لسببين : أن بيتي قريبٌ جدًا ، والآخر أن صوتي لن يصل إن تراجعتُ للخلف ..


لكنّ مشرفة الحافلة كانت تردّني للخلف دومًا فأرفض بحجة أنني أصلُ أولًا ، لم أكنْ لأريد أن يترك السائق منزلي ثم يعود إليه ، فغضبتْ المشرفة وتوعدتْ أن سيكونُ لي عقابٌ السبت القادم*** ، فبتُّ الأربعاء والخميس والجمعة ، كمن يترقب موعد الشنق ويشطب الأيام لتصل اللحظة الحاسمة ، فَرَقًا لا حُبًا ، لم أكنْ لأريد أن تتبدل صورة الفتاة الهادئة المتفوقة في عيون الطالبات وأمامهن ، لم أكن أريد أن تسمع معلماتي (فدوى) و(أمل) اسمي ينادى به كما لو كنتُ أساقُ لمذبحتي، لكنَّ كلَّ مخاوفي تحققت بعد الاستماع إلى الإذاعة الصباحية ، نودي باسمي وبأسماء خمس فتيات ، حينها ، احترق جسدي حزنًا ، بدت الأعين كسهام مصوبة نحوي لا أحسنُ تخيل عدم وجودها ، ولا أحسنُ الركض خارج مسرح هذه اللعبة ، والأدهى ماذا سأقول؟!


كنتُ أعلمُ ، كم عينًًا أحببتُها تنظرُ إليّ الآن، أو تسمعُ أن (عذاري) تتحركُ للعقاب، وسواءً أُلبستُ ثوبًا غير ثوبي لديهن أم لا ، فقد كانت خطواتي أثقل ما وجدتُ ، وكانت خفقاتي تتصاعدُ في حلقي المرتعش ..


وبختنا المراقبة وقتها ، أردتُ أن أبرر ما حصل ، فلم أجدْ أصدق من دمعي المترقرق ..فرحمتْ المراقبة كما ظننتُ وضعنا ، فسكتت و أمرتْ بانصرافنا..وبقي شجنُ ذلك اليوم يتردد على مخيلتي..


في السنة الثالثة من المرحلة المتوسطة ، أردتُ التقدير "ممتاز" ، وكانت المنافسة على أشدّها ، لكن النفوس صفت وارتقت ، فأحرزتُ المركز الخامس على مستوى الفصول..وكانت فرحة قلبي الصغير تكادُ تطيش منه حين كرّمتُ أمام طوابير الفتيات..


وفي الحفلِ ، شاركتُ في أنشودةٍ عن الأم ، على أملِ أن تسمعني أمي وأنا أشدو : أنتِ أحبُّ الناس إليَّ أنتِ أحبُّ الناس ، أنتِ أعز الناس عليَّ أنتِ أعز الناس ..أمي أنتِ حياة الروح، أنتِ الأغلى من عينيَّ.
.
ركضتُ في نهاية الحفل أبحثُ عن والدتي ، رأيتُ الكثير والكثير ، لكنني بحثتُ عن وجهٍ واحدٍ انتظرته ، وانتظرته طويلًا حتى نهاية اليوم ولم يأتِ ..






تلك كانت قصاصات دفتر مذكرات المتوسطة ، و بقي من روحي الكثير لأعيرها إليكم ..


*وهذا من الأساليب غير الجيدة مع من أنجز إنجازًا جميلًا ووقف أمام التحديات ، فالأفضلُ " برأيي " أن تهنئها حتى لو لم تكن أنجزت مثلها .
** أي أنها أصبحت تضع أفكارها لنفسها لا تقلّد ما تسمع .
*** وهذا أيضًا كما أراه غير مجدٍ لفتاة في المتوسطة ، أجل أسلوب العقاب جيد لكن التشهير بالبعض قد يحبط الفتاة لدرجة تمنعها فيما بعد من المواصلة على ذات المنوال بحجة أن النظرة تغيرتْ عنها .



الفصل القادم : .....


.
.
.
http://www.gallery.7oob.net/data/media/20/26_3.gif