المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [إبداع] قصص كليلة ودمنة المعاصرة (1)



Hercule Poirot
21-12-2008, 06:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


زعموا أنه كان في الغابة مملكة حكمت بالعدل، وساد رعاياها السلام والأمن. وكان من قاطنيها أخوان من بنات آوى، يُقال لهما كليلة ودمنة، عُرفا بالمعرفة والحكمة، وفاقا في ذلك كل ذي نسمة. ومرّةً اشتكى كليلة من مرض ألزمه الفراش، واشتدّ به الوجع حتى ظنّ اقتراب المنيّة، فجمع أبناءه من حوله، وأخذ يوصيهم وصية مودّع لهذه الدنيا. فكان مما قاله لهم: اعلموا يا أبنائي أنّه لا يزداد المرء مكانةً ورِفعةً بين الناس إلا باهتمامه بإصلاح ذاته وتنقيتها من الشوائب، وأنّ التهاون بصغار الأعمال لا يورث إلا الندم والمهانة، فقطرات الماء الصغيرة تصنع جدولاً، وضربات الفأس المتتالية لا تلبث أن تحطّم الصخرة العظيمة التي لم تبدُ متأثرة بكل ضربة على حدة. فتقدّمت صغرى بناته منه، وكانت فَتِيّةً مورّدة الخدين، وقبّلت جبينه وسألته: وكيف تؤثر أعمال المرء في سلوك الناس تجاهه؟ فمسح على رأسها وأجاب: إنما مثل ذلك كمثل الغزالة وزوجها. فهتفوا به جميعًا: قُصَّ علينا قصتهما. فتنحنح وقال:

** حكاية الغزالة وزوجها **

زعموا أنّ غزالة شابّة اشتكت من جفاء زوجها لها، وساءها ما ظهر لها من قلة اهتمامه بأمرها، فقصدت نمرًا عجوزًا حكيمًا، فقصّت عليه المشكلة، وطلبت منه النصح لحلّ المعضلة. فنظر النمر إلى وجه السائلة، فألفاها ذات جمال، فعلم أنّ ما أصابها هو من صنيع يديها، ووجد في ذاتها كبرياءً قد حطّمها ما أظهره زوجها من ازدراء وقلة اكتراث. فطلب إليها النمر أن تصحبه إلى حانوت الجوهريّ، ونصحها بأن تبتاع لها من صاحبه الثور ما يشدّ انتباه زوجها ويلفته إليها. فانطلق النمر متكئًا على عصاه مع الغزالة الصبيّة، وبلغا حانوت الثور فرحّب بهما صاحبه، ولمّا أعربا عن غرضهما قادهما إلى واجهة الدكّان حيث عُرضت مجموعة من الحليّ من أساور وخواتم وعقود تخطف الأبصار ببريقها. وشدّ ما سرّ الغزالة أن سمح لها الثور برحابة صدر أن تجرّب هذه الحليّ على نفسها، لتختار ما يوافق هواها منها. وبينما الغزالة في شُغل بالجواهر، إذ عثرت قدم النمر فوقع أرضًا، واصطدمت عصاه بحافة الواجهة فأسقطت عددًا من الحليّ، فسارع بعض غلمان المتجر فعاون أحدهم النمر العجوز على النهوض بينما شرع الآخرون يجمعون الحليّ الساقطة ويعيدونها إلى مكانها. وطفق لسان النمر يلهج بالاعتذارات، فهدّأ الثور من روعه دون أن تفارق البشاشة محيّاه أو تغيض الابتسامة من وجهه. وما لبث أن وقع اختيار الغزالة على خاتم تزيّنه ماسة متلألئة، وسألت الجوهريّ عن ثمنه، فراعها أن وجدت ثمنه زهيدًا رغم جماله وروعته والماسة التي فيه. وقبل أن تستوضح الثور عن ذلك، دخلت الحانوت بجعة من ذوات المقام والغنى، فولجت المكان في شموخ، ملتفة بوشاح من فراء ثمين، فترك غلمان المتجر ما بأيديهم وهرعوا لاستقبالها، واعتذر الثور من الغزالة وخفّ للترحيب بها. وأعلنت البجعة أنها تبغي شيئًا مميزًا ترتديه في حفل زفاف صديقة مقرّبة، فلمعت عينا الثور ببريق الفهم، وغاب في المستودع دقائق عاد بعدها يحمل بين يديه عقدًا تعجز عن وصفه الألسن وتذبل الورود أمام جماله وتنقطع زقزقة العصافير من بهائه، تتوسطه ياقوتة بحجم بيضة الحمامة، تضارع في صفائها أنقى المياه، وتفوق في نعومتها ملمس جلد الطفل الرضيع. فلم تستطع البجعة إخفاء انبهارها بها، وأعلنت من فورها عن موافقتها على شرائها، وغادرت الحانوت وهي في صحبتها بعد أن نقدت البائع ثمنها، ولم تلبث الغزالة أن حذت حذوها فغادرت هي والنمر بعد أن دفعت ثمن ما ابتاعته.

ولمّا خرج الاثنان من الدكّان، وابتعدا بضع خطوات عنه، شرع النمر يقول للغزالة موضحًا ومفسّرًا: إنما مثل كل أنثى كمثل الجوهرة، وإنّ الجواهر لتنتمي إلى نوعين: فنوعٌ مقلّدٌ يوضع في الواجهات ويُباع بثمن بخس ويسمح الجوهريّ لأيّ كان بلمسه وتجربته، ولا يكترث له إن أصابه مكروه، وذلك مثل من تخدع نفسها وتغض الطرف عن بعض حشمتها وتتهاون في ذلك، فتقلّ قيمتها في أعين الرجال؛ وأما النوع الثاني فجوهر نادر ثمين لا يعرضه بائعه إلا على من يقدر على شرائه، ولا يلمسه إلا من يأخذه بحقه، وذلك مثل الأنثى التي تعتصم بالحشمة والحياء لتحصّن عفتها، ولا تبيح لأحد لمسها إلا لزوجٍ أو ذي مَحْرم، فتلك التي يُجمع صالح الرجال وطالحهم على احترامها وتقديرها ويعترفون برفعة مكانتها.
فوعت الغزالة الدرس، ووقع من قلبها موقعًا، فعادت إلى منزلها بعد أن عرفت الداء، لتعدّ له بلسم الشفاء.


(يُتبع)


dete.ctive2

MaJiD
21-12-2008, 06:45 PM
متابع يا مقفع عصرنا !

النصل القاطع
22-12-2008, 12:22 AM
بعد سماح صاحب الموضوع لي .. أريد وضع موضوع نشره أحد الأدباء الناشئة الذين تربطهم بي روابط المحبة ووشائج الإخاء .. وقد نشر الموضوع في أكثر من منتدى ونال استحسان كثير من دهاقنة القوم,,
وهو الأديب : عبدالمنعم حسن .. من طلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة, ومن الذين لا زالت لهم علي فضائل كثيرة وكبيرة منها توجيهي للأدب والشعر وإفادتي في ذلك ..
ودونكم الموضوع ..
بيد أن حقوق نشره محفوظة لكاتبه ,, وذلك للأمانة العلمية والأدبية ..


أباطرة الجنون في مهرجان العبقرية
( فصلٌ من كليلة و دمنة لم يترجمه ابن المقفع )

... قال كليلة ـــ وهو يسري عن دمنة ويحمِّضه (1) ويدخل الابرنشاق (2) في نفسه ، وكان دمنة قد داخله ملل صارخ وداهمته كآبة عارمة وظهر منه التذمر والتأفف ولقيت نفسه من ثقله وتبرمه وإلحافه ضيقاً شديداً وعنتاً مقيتاً ـــ :

واعلم يا دمنة أن النفس إذا أُخذت بالجد ، وسيقت إلى العمل ، وأُرغمت على النسك ... لقِسَتْ وخبثت ، وجفاها صاحبها وتقيأها ، إلا إذا سبقه إليها داعي الاستجمام ، وأنقذها منه قول الأول : ( أجموا النفوس بشيء من الباطل لتستعينوا به على الحق ) . لكن أغلب النفوس لا تستجيب لهذا الداعي ولا تنقاد لمعنى الأثر ؛ لاتباعها أهواء أصحابها وانسياقها خلف ما يتملاها أربابها من جهات تتصرف فيهم كيف شاءت وتوجههم أنى أرادت ، فتندُّ عقول أصحابها وتخلي أماكنها من الأدمغة للأخلاط الثورية الملطفة تلطيفاً إنسانياً ، فيتعقد الوضع ويتأزم الأمر ، ويختلط الحابل بالنابل ، ويهيج مهرجان العبقرية ..

ولو كان الجادون نالوا وسام هذا اللقب والمفردون سبقوا إلى هذا الإطلاق ، والمجُّلون حازوا هذه السمة بقتل أوقاتهم جدية ، وكبح جماح طبائعهم ، وكف ضرورات فطرهم لحق لكل من سلك فجاجهم فتعثر ، وأمّ سننهم فتقهقر أن يحتج ويعتذر بملائكيَّتهم وبَشريَّته وبسمائيَّتهم وأرضيَّته ، وبخياليتهم وحقيقيَّته ، والذين تربعوا على قلل النجاح وتعرشوا عروش المنح وتقلدوا رتب التميز لم ينالوا تلك بفرط الجد مطلقاً ؛ لكن بخفة الطبع أثقلتها العزيمة وحريةِ الفطرة قيدها الإصرار .

قال كليلة : وبالتجربة حمد أباطرة الجنون هذه النظرية وهتفوا رضىً عنها : هِيَ .. هِيَ ..

قال دمنة : وكيف كان ذلك ؟

قال كليلة : زعموا أن رهطاً من الناس ألفتهم العبقرية وعقد بينهم النبوغ صحبة ومودة فانقطعوا عن المحيط ، وتغربوا عن الحدود وأخذوا على أنفسهم العهد بالانجحار في نافقاء (3) الجد ، وأسلموا قيادهم لداعي الكبت والعزيمة ، وتعاقب عليهم الليل والنهار خمساً وثلاثين مرة وهم على العهد الذي قطعوه ، والقيد الذي وضعوه ، وكلما طرفت لهم عين لهوٍ كحلوها برماد الإعراض ، وكلما ومض لهم برق ترويح تشاءموا بذلك الإيماض حتى أنكرتهم عقولهم وعافتهم طبائعهم وناءت بهم نفوسهم فصاح نذير الحرب بين حلومهم ولحومهم وأعلن أعلاهم الثورة على أسفلهم ، وبدأت الأخلاط الثورية الملطفة تلطيفاً إنسانياً تعمل أعمالها المتممة لفصول الاستعمار في أدمغتهم ، ورغا (4) قرد هناك ، وثغا (5) قط هنا ، وخار (6) دب هنالك ، واختلط كشيش (7) بنات الليل بزئير بنات آوى ، بنميم (8) بنات عم مالك الحزين ، وكركر السناجب ، ونطنط أطفال الجرابيع ، وهاج مهرجان العبقرية ..

قال دمنة : وما مهرجان العبقرية ؟

قال كليلة : زعموا أن ملوكاً أربعة كانوا على أكبر ممالك الدنيا الخالية من القُطَّان ، اجتمعوا على أن يبرموا صلحاً بينهم ويتحدوا على لقب يكون فيهم قاسماً مشتركاً أعظم ، يضمهم ولا ينثرهم ، وبينما هم يتفاوضون ويديرون الآراء ، إذ احتدم الجدال بينهم ، وضرب الدهر ضربته ، فاستحال جدهم هزلاً ، وعاد حلمهم سفهاً، ورجعت حكمتهم طيشاً ، وانكفأت واعياتهم وفيها عقولهم ، فحل فيهم منطق الحيوان الملطف تلطيفاً إنسانياً ، واتفق أن مر بهم موكب المهرجان وكان لم يسم بعدُ بهذه التسمية ، فرآهم النظارة وهم مستغرقون في حالتهم الحاضرة ، فأغراهم وضعهم ، فنصَّبوهم أباطرة عليهم بعد أن سمّوا المهرجان الإمبراطورية ، فلما ثبتت لهم دعائم الملك ، واستقرت لهم السلطة قفز أشدهم جدية وهو جامعهم وتمرغ في التراب ، ثم استوى ورفع عقيرته : أيها الشعب العبقري يعلن كبير الأباطرة باسمه واسمهم واسمكم جميعاً عن قيام مهرجان العبقرية . فتعالى الهتاف ، وترامت العمائم والعصي وثار القتام ، وتلبد الأفق ، ثم تابع الإمبراطور الأعظم خطبته : هذا من جهة ، ومن جهة .. يعلن شاه الشياه باسمكم واسمهم واسمه وحده التلقيب بأباطرة الجنون . فاهتز المهرجان وثار وزمجر التنور وفار ، وماج العباقرة ، وتغطلمطلست الإمبراطورية وكان من النظارة هائج لمسته يد الحكمة فهدأ وتكوم ، واجتمع على نفسه وتقرفص ، لكن الوجود من حوله مائج فتوسط الميدان ، وخاض المعمعة ، معلناً اعتزاله للفتنة لما رأى الأركان والنواحي مشغولة بالاضطراب العنيف .

قال كليلة : وهكذا تكوم الكل واجتمع على نفسه وتقرفص واعتزل الفتنة وتوسط الميدان وركد المهرجان وتعذرت السيطرة على الأركان الأربعة .

قال دمنة : وأين أباطرة الجنون ؟

قال كليلة : زعموا أن دمنة سأل عن الأباطرة فأجابه كليلة بتعذر السيطرة على الأركان الأربعة .

قال الراوي الفيلسوف : فضحك دمنة حتى بدت لهاتُه ، ثم رجع إلى نفسه وقال : إن من الجد لسقماً ، وإن من الجنون لحكمة .



* لم أضع الحواشي حتى يتكلف القارئ عناء البحث معني الغريب حيث تكمن لذة الوجدان .

MaJiD
22-12-2008, 12:29 AM
دهاقنة القومأنعم بهم من دهاقنة !
ترفق بنا يا أبا الليث

معجمنا بالكاد يتسع لـ علية !
فتأتينا بالدهاقنة !

أحسبك دهقونا و الله حسيبك http://majiid.net/vb/images/smilies/wdgtBg.gif
هذا إذا كان معناها علية علية كما خمنت !

و لقد إنني قرأت الموضوع عندما تم وضعه هناك
لا أذكر كاتبه لكنه دهقون هو الآخر http://majiid.net/vb/images/smilies/vor.gif

Soufray
22-12-2008, 02:06 AM
لـ (يُتبع) !

فتاة الصداقة
22-12-2008, 05:49 PM
شكرا على الموضوع وبالمناسبة أنا عندي كثير من قصص كليلة ودمنة لابن المفقع بس هي جزء أول ومافي جزء ثاني واذا كان جزء ثاني مافي جزء اول
http://pic.3sl.com/data/media/4/23sl-com-9-.jpg