بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كيف حالكم يا أهل " قلم الأعضاء" ؟ أسأل الله أن تكونوا بخير صحة.
قصة قصيرة هي.. أو بالأحرى أظنها تندرج في "القصة القصيرة" إلا أنها متوسطة الطول.
أبطالها أشخاص مثلنا ، أعرفهم معرفة شخصية لكن هذه القصة لم تحدث معهم.. للدقة استعرتهم ليكونوا أبطال هذه القصة xD ..!
القصة غريبة بعض الشيء ، إلا أنها لا تخلو من شيء من الطرافة >>>> سمعتم عن مداح نفسه (&)؟
أتمنى أن تقرؤوها و أن تجدوها ممتعة ، و أن تعطوني ملاحظاتكم و أراءكم حولها.
مدخل :
إنهم هنا..
يقطنون بيننا..
قد لا نراهم ، لكنهم يقضون وقتاً طيباً على كل حال..
فقط لنتمنّ
أن لا يشعروا بالملل !!
اجتمع أفراد العائلة في الثانية بعد منتصف الليل حول الطاولة على إضاءة خافتة.. ثمة جو مقلق غريب يلفهم..
- إذن ؟
قالها زوج الابنة – الأخت الكبرى – و ابتلع ريقه مجيلاً عينيه بين الجميع.. قالت الأم :
- لا شيء..! ماذا تتوقع منا أن نفعل ؟
التفتوا إليها.. كانت منذ بداية الجلسة تجلس و يدها على خدها.. إنها حزينة و يائسة تماماً.. أجابها زوج ابنتها :
- لكن.. على هذه الحال..!
لم يقل أحد شيئاً.. قال في عصبية :
- لا يمكن أن نترك هذا الشيء يتسلى بنا..! لماذا لا تقولون شيئاً؟ أتريدون أن نبقى على هذه الحال ؟
صاحت به زوجته (الابنة – الأخت الكبرى) في عصبية :
- و ماذا تريد منا أن نفعل ؟! ليس بيدنا فعل شيء ! أتينا بخبير فئران.. أتينا بخبير قطط..!
- هذا الشيء ليس فأراً و لا قطة !
- ماذا يكون إذن ؟! ليس بالتأكيد أحدنا !! رأيت أننا نمنا في غرفة واحدة و أقفلنا الباب بالمفتاح كي نتأكد من أنه ليس أحدنا !!
قالت الأم دون أن تغير جلستها :
- فعلنا كل ما بوسعنا..!
ابتلع ريقه.. قالت الأخت الصغرى :
- ما الذي يقلقك إلى هذا الحد ؟ عش مع الأمر و كأنه لا يحدث..!
و ابتسمت بابتذال.. قال في عصبية :
- أتقولين هذا جادة ؟!
- أجل.. أعني أن أذاه مقتصر على الجدران و الستائر كما أرى.. لم يمس أياً منا بأذى..!
- أنت..! ألا تخافين ؟ ألست خائفة ؟! كما أن..
تبادل نظرة مع زوجته – الأخت الكبرى.. قال :
- كما أن لدينا طفلة..! لا يمكن أن أخاطر و أجعلها تسكن هنا مع هذا الشيء تحت سقف واحد !
- إذن انتقل !
قالتها الأم و هي تنهض من مكانها لتصنع الشاي.. نظر إليها غير مصدق.. نظرت إليه و بسمت بابتذال هي الأخرى..
- إنني أمزح طبعاً !
زفر.. قالت الأخت الكبرى في عصبية :
- أترين أنه وضع مناسب للمزاح يا أمي ؟!
ضحكت الأخت الصغرى قائلة :
- و لم لا ؟ في الواقع قرار حكيم !
التفتت إليها أختها الكبرى وقالت حانقة :
- أنت أيضاً ! كفي عن سخريتك و اقتراحاتك العبقرية و فكري بجدية !
- و لماذا ؟ دعوا الأمر حتى يعود أبي..!
- ماذاع ؟!!
كذا صاح زوج الابنة و زوجته معاً.. واصلت الأخت الصغرى بلا مبالاة :
- أنا جادة..! فلنتحمل قليلاً و نعش مع الأمر حتى يعود أبي من السفر و هو سيجد حلاً..!
هز زوج الابنة رأسه غير مصدق في حين قالت زوجته – الأخت الكبرى :
- أجننت ؟ أنت جننت حتماً ! اذهبي و نامي !
- لماذا ؟!
- أيتها الحمقاء ! نحن نريد أن ننهي الأمر بل و أن نعيد طلاء الجدران و نجدد الستائر قبل عودة أبي ! نريد أن نجعله يشعر و كأن شيئاً لم يكن ! سيفقد صوابه حتماً لو عاد و رأى البيت على هذه الحال !
- لا بأس ! فليفقد صوابه قليلاً ! أليس هذا أفضل من أن نفقد صوابنا جميعاً ؟!
دخلت الأم بصينية الشاي قائلة :
- ألا تعرفين أباك ؟! أتظنين أن بوسعه أن يفقد صوابه دون أن يفقدنا صوابنا ؟!
نهضت الأخت الكبرى.. قالت :
- أنا لن أستمر في هذا الحوار..! أرجو أن تفكروا بجدية ريثما أعود..!
- و لكن إلى أين تذهبين ؟ لقد أعددت الشاي..!
- سأذهب قليلاً إلى الغرفة لأطمئن على ابنتي النائمة.. سأعود حتماً كي ننهي هذا الهراء..
و غادرت الغرفة..
جلست الأم بصينيتها و بدأت تسكب الشاي.. تنهد زوج الابنة.. قال للأم و الأخت الصغرى :
- أرجوكما..! دعونا نفكر بالأمر بجدية..!
قالت الأخت الصغرى :
- أنا نفدت أفكاري..!
نظرت الأم إليها..
- أتسمين ذاك الهراء أفكاراً ؟!
- سامحيني على غبائي !
- أنت لست غبية و أنت تعرفين ذلك ! فكري بجدية فقط !
صمت الثلاثة يفكرون.. قالت الأم :
- كما قال الخبير.. علينا أن نحضر شيخاً.. ما من خيار آخـ..
فجأة ، قاطعها صوت صرخة من الداخل..
- عااااااااااااااااااااااااااااااااااااه!!!!!!
كان ذلك صوت الأخت الكبرى.. قفز زوجها كالملسوع و وصل إلى الغرفة بقفزتين ليجدها تقف على ركبتين منحلتين أمام سرير الطفلة تحضنها بين ذراعيها و ترتجف ، و الطفلة تبكي..
اقترب منها و قلبه يخفق كالمجنون..
- ماذا ؟ ما الأمر ؟ هل حدث شيء لابنتنا ؟
هزت رأسها أن لا و هي ترتجف.. الابنة تبكي.. كان منفعلاً.. صاح :
- ما الأمر إذاً ؟!
هنا صاحت الأخت الصغرى خلفه بعد أن دخلت الغرفة.. صاحت و احتضنت أمها فاحتضنتها تلك بقوة و عيناها متسعتان تحدقان بجدار الغرفة..
رفع زوج الابنة رأسه للمرة الأولى إلى الجدار.. اتسعت عيناه.. التفت تلقائياً إلى الستائر..
تباً..
تباً !!
اليوم كان اليوم الثالث..
بدأ الأمر عندما لاحظت الأم خدوشاً غريبة في الجدران عندما أزاحت الستارة خلف أريكة غرفة الضيوف لتنظف وراءها.. كانت كمخالب القطة.. حسناً.. كان من الممكن أن نقول أن هناك قطة خدشت هذا الجدار لسبب ما ، إلا أن هناك مشكلتين صغيرتين متعلقتين بتلك الخدوش.. المشكلة الأولى هي أنها قوية لدرجة أنها اقتلعت الدهان مكانها ليظهر اللون الأصلي الرمادي للجدار.. المشكلة الثانية و هي الحقيقية هنا هي أن الخدوش كانت تصل إلى أعلى الجدار.. و هذا مستحيل بالنظر إلى أن أسقف بيتهم عالية.. أي قطة تلك التي ستصل إلى هذا الارتفاع لتخدش الجدار ؟!
عندما رأى زوج الابنة هذا ضحك.. أعني من تلك القطة التي ستخدش الجدار وراء الستارة ؟ قال بعد أن تفحص الخدوش :
- هممم.. حسبما أرى.. ألا تلاحظون أن الخدوش في الأعلى أعمق منها في الأسفل ؟ أيضاً..
نظر إليهن.. واصل :
- الخدوش من الأعلى للأسفل متصلة..!!
تبادلت الأم و ابنتاها النظرات.. قالت الأخت الكبرى :
- و ما معنى هذا ؟
- ربما لا يبدو هذا منطقياً.. لكني أعتقد أن ما خدش هذا الجدار أياً يكن قد بدأ من الأعلى و نزل إلى الأسفل..!
نظروا إلى الأعلى.. السقف عال جداً.. كلامه منطقي بالنظر إلى الخدوش لكنه غير منطقي بالنظر إلى ارتفاع السقف..علا الرعب وجوههن فأضحكه ذلك.. ضحك ضحكة شريرة ليخيفهن.. لم يخطر له وقتها أنه محق لدرجة ستثير رعبه هو كفاية فيما بعد..
أغلقت الأخت الصغرى الستارة على الجدار على أن يبحثوا الأمر الغريب فيما بعد.. قالت و هي تغلق الستارة :
- لحظة ! ألم تلاحظوا..؟
التفتوا إليها.. قالت الأم :
- ماذا أيضاً ؟
- الستارة أيضاً مليئة بالخدوش !
- ماذا ؟
قالتها الأم و اتجهت نحو الستارة لتمسكها في مزيج من الغضب و التحسر..
- تلك القطة اللعينة ! يجب أن نجدها !
تبادلوا بسمة و غادروا الغرفة مغلقين بابها.. نعم.. إنها قطة.. لا يمكن أن تكون سوى قطة.. و كيف وصلت إلى أعلى الجدار لتخمشه ؟ للدقة ، من أين دخلت إلى هذه الغرفة المغلقة أصلاً و كيف خرجت ؟ و ما الذي دفعها لخمش الجدار ؟ لم يغادر أي من ذلك رأس الأخت الكبرى للحظة.. لكن هذا لا يهم.. المهم أنهم سيجدون هذه القطة غريبة الأطوار و سيحرصون على أن لا يتكرر ذلك..
كما لنا أن نفهم ، تكرر الأمر بعد ذلك عدة مرات.. لكن على نحو أقوى و أشد..
في اليوم التالي ، و عندما دخلت الأخت الصغرى إلى غرفة الضيوف لتدرس بها باعتبارها الغرفة الأهدأ ، راعها ما رأت..
لقد كان هناك جدار كامل مليء بالخدوش إياها ، و كانت الستائر مهترئة تماماً..
وقف زوج الابنة و وقفت الأم إلى جانبه في حين وقفت الأخت الصغرى خلفه.. همت الأخت الكبرى بدخول الغرفة حاملة ابنتها إلا أن أمها زجرتها.. ماذا لو قفزت القطة و هاجمت ابنتك ؟
نظرت الابنة الكبرى غير مصدقة..
- مازلت تعتقدين أنها قطة ؟!
- طبعاً هي قطة !
- أي قطة ستفعل كل هذا ؟! كيف ؟ من أين دخلت أصلاً ؟!
- لا علم لي.. لو لم تكن قطة فماذا ستكون إذن ؟!
- لا أعرف..!
لم ينته ذلك اليوم إلا و أتى زوج الابنة بخبير فئران و خبير قطط ليفحصا البيت.. ضحكت الأخت الصغرى فهي لم تكن تعلم أن هناك في بلادهم "خبير قطط" ، إلا أن الرجل بدا يعمل بجدية.. طبعاً لم تكن هناك نتيجة..
قال خبير القطط لزوج الابنة :
- اعذرني يا سيدي.. لكن هل تعتقد أن هناك قطة يمكن أن تفعل كل هذا ؟!
- و لنقل أنها قطط ! ليست قطة واحدة ! أهناك غير القطط ؟!
نظر الرجل إليه بامتعاض.. قال :
- من فضلك تعال معي يا سيدي..
أخذه إلى غرفة الضيوف.. قال :
- فلننس ارتفاع السقف ، و لننس عمق الخدوش ، و لننس أنني لم أجد أثر دخول قطة واحدة فضلاً عن سرب قطط ليفعل كل هذا.. فلنقل أنني أحمق و لم أجد عملي.. انظر يا سيدي إلى المسافات بين الخدوش.. أنت ترى أن كل 5 خدوش متقاربة..
- أجل.. و لذلك افترضت أنها من صنع (كف).. أي أنها ليست سكيناً مثلاً..! كما أنها دقيقة كالمخالب..
- حسناً سيدي.. برأيك أهناك قطة كفها بهذا الحجم ؟!
اتسعت عينا زوج الابنة و قد فكر في الموضوع للمرة الأولى.. هذا صحيح.. حجم الكف كبير جداً على قطة.. ابتلع ريقه. قال بصوت مبحوح :
- ما معنى هذا ؟ أي حيوان إذن يمكن أن يتسبب بهذه الخدوش ؟
- نظراً إلى حجم (الكف) ، نستطيع أن نقول أن هذا من عمل نمر..! و هناك احتمال آخر أكثر منطقية و بساطة..
أمسك الخبير يد زوج الابنة ، و وضعه على الجدار.. اتسعت عينا زوج الابنة أكثر و تصبب العرق منه بغزارة..
بغض النظر عن أن يده ليست مطابقة تماماً ، إلا أنه فهم ما أراد الخبير قوله..
الكف الذي قام بهذه الخدوش.. حجمه كحجم كف إنسان..!
نظر زوج الابنة إلى الخبير برعب و قد عجز عن قول شيء.. قال له الخبير و هو يضرب على كتفه كصديق :
- أقترح أن تأتوا بشيخ !
و غادر الغرفة ليترك زوج الابنة – الأخت الكبرى واقفاً في مكانه مذهولاً..
و لم يأتوا بشيخ ليلتها..
للدقة ، أرادوا أن يقرروا قبل أن يأتوا بالشيخ ، هل سيحضرونه ليرى الغرفة أو ليرى أحدهم ؟
الفكرة كانت مرعبة ، و ربما مرفوضة تماماً لدى بعضهم ، لكن لم يكن أمامهم سوى أن يطيعوا و يجربوا.. كذا رجاهم زوج الابنة فوافقوا على مضض ، و منه ناموا جميعاً في غرفته و غرفة زوجته ، فنامت الإناث على السرير في ضيقة و نام هو على الأريكة هناك.. جلبوا كل ما يمكن أن يحتاجوه أثناء النوم من مستلزمات الطفلة ، و أقفلوا الباب حتى الصباح..
عندما استيقظوا صباحاً أخذوا جميعاً يبحثون كالمجانين عن أي خدوش على أي جدار.. عندما لم يجدوا أي شيء وقفوا صامتين.. قالت الأخت الصغرى في رعب :
- ما معنى هذا ؟
و نظرت إليهم و انكمشت على نفسها..
هذا صحيح.. هذا يعني أن الفاعل كان حقاً أحدهم !!
همت الأخت الكبرى أن تصيح بها أن توقفي ، إلا أن صوت زوجها أتى من مكان ما داخل البيت أن تعالوا انظروا..
لقد كانت هناك خدوش.. لكنها في دورة المياه المعطلة التي لا يستخدمها أحد في الداخل.. تنهدوا.. حسناً.. لم يعد من الواضح أبداً إن كان هذا خبراً جيداً أو سيئاً..
قالت الأخت الكبرى :
- و كيف نعرف أن هذه الخدوش لم تكن موجودة منذ البارحة ؟ لا أحد يستخدم دورة المياه هذه !
قال زوجها :
- بخصوص هذا فقد دخلت مع الخبيرين البارحة إلى هنا و لم تكن هناك أي خدوش.. هذه الخدوش حصلت هنا البارحة و نحن نيام !
تنهدت الأم أن حمداً لله.. نظروا إليها.. قالت :
- أليس هذا أفضل من أن يكون أحدنا ممسوساً ؟! بسم الله عليكم !
تبادلوا نظرة و لم يعلقوا.. أتى صوت بكاء الطفلة من الداخل ، فذهبت أمها إليها و حملتها و وقفت بها بعيداً قليلاً عن دورة المياه..
قال زوج الابنة :
- إذن سأخرج لأسأل عن شيخ..
- توقف !
كذا قالت زوجته فالتفت الجميع إليها.. واصلت :
- أنا أعارض !
- ماذا ؟
قالت الأم :
- ماذا تقولين ؟
- شيوخ هذه الأيام دجالون.. كيف نعرف أنه لن ينصب علينا أو أنه لن يزيد المشكلة سوءاً ؟
- لا وقت لدينا لهذا الكلام.. ما من خيار آخر !
- أنا لن أسمح بدخول شيخ إلى هذا البيت.. و افعلوا ما يحلو لكم !
نظرت إليها الأخت الصغرى في تعجب..
- ماذا أصابك فجأة ؟
- قلت كلامي و كان واضحاً.. لن يدخل شيخ إلى هذا البيت و أنا مقيمة فيه !
- هل لديك حل آخر إذن ؟!
- ربما ستنتهي هذه الظاهرة وحدها كما بدأت إذا انتظرنا..
قالت الأم لزوج ابنتها :
- اذهب ابحث عن شيخ.. لا تستمع إليها !
- لا تذهب !
كذا صاحت زوجته فتوقف في مكانه محتاراً.. صاحت الأم :
- ما بك ؟ تريدين أن نعيش مع هذا الشيء ؟
- طبعاً لا ! أنا أيضاً لا أريد لكن لا بد من حل آخر..
- رائع ! و أنت ستأتين إلينا بهذا الحل ؟
لم ترد ، و حملت ابنتها و ذهبت إلى غرفتها.. لحقها زوجها ليحاول إقناعها..
- ما بك ؟
كذا قال فلم تجب.. ناداها باسمها فتنهدت.. وضعت الطفلة في سريرها و التفتت إليه.. قالت :
- ليس بي شيء !
نظر إليها طويلاً في صمت فأبعدت عينيها عن عينيه.. قالت :
- ما بك ؟
- ما بك أنت ! لماذا تعارضين قدوم الشيخ ؟ إنه الحل الوحيد المتبقي..
- هذه الطفلة..
نظر إليها و إلى الطفلة تمرح في مهدها.. واصلت :
- هذه الطفلة قليلاً ما تبكي.. أنت تعرف.. الأطفال بريئون و طاهرون و أقرب منا إلى الكائنات الروحية..
- ما علاقة هذا...؟
- لقد بكت !!
كذا صاحت و نظرة قلقة على وجهها.. قال في غيظ :
- الأطفال يبكون !
- ليس هذه الطفلة ! ثم ألم تلاحظ توقيت بكائها ؟ لقد بكت عندما خرجت لتأتي بشيخ !
نظر في وجهها طويلاً و لم يعلق.. قالت و قد تركت ابنتها تلعب بيدها :
- أنا أؤمن بهذه الطفلة.. أثق بها.. في هذا الوضع الذي عجزنا فيه نحن الكبار عن فعل شيء بقدراتنا أشعر أنها ستكون مرشدنا بقدرتها.. لذلك.. أرجوك.. لا تأت بالشيخ !
زفر زوجها و لم يعلق.. شرح لأمها أن لديها سبباً تراه وجيهاً جداً كيلا يأتوا بشيخ.. قالت الأم :
- و العمل ؟
- هي ستفكر.. و دعونا نحن أيضاً نفكر.. لكن من فضلكم دعونا لا نأت على ذكر الشيخ أمامها !
و هكذا ، تراهم و قد اجتمعوا بعد منتصف الليل يتناقشون.. عندما صرخت الابنة الكبرى و تبعها الجميع إلى غرفتها هالهم ما رأوا..
لقد كانت جدران الغرفة بالكامل مليئة بالخدوش اللعينة.. كذلك كانت الستائر في حالة يرثى لها..
وقف زوج الابنة محتاراً.. أمامه زوجته تحتضن ابنته الباكية و ترتجف.. خلفه والدتها و أختها تحتضن إحداهما الأخرى و تصيح الثانية وسط دموعها.. ماذا يفعل ؟ ماذا يفعل ؟
اتجه نحو زوجته.. ساعدها على النهوض..
- فلنخرج من هنا !
نهضت معه.. قال و هو يدفع أمها و أختها برفق معه و هو يخرج :
- فلنخرج ! فلنخرج !
خرج الجميع و أغلقوا الباب ، و عادوا إلى طاولتهم السابقة.. البعض يبكي و البعض يرتجف.. قالت الأخت الصغرى وسط دموعها :
- أين أبي في مثل هذا الوقت ؟
ابتلع زوج الابنة ريقه.. التفت إلى زوجته.. قال :
-اسمعي.. سآتي بالشيخ غداً.. لا تمانعين صحيح ؟
هزت رأسها و هي تحضن الطفلة التي بدأت تهدأ.. رفعت رأسها فجأة إليه :
- ماذا لو كان قد حدث لها شيء ؟
- لقد تفحصتِ جسدها صحيح ؟
- أجل لكن ماذا لو كان شيئاً..
لم تكمل الجملة.. إلا أن المعنى وصل على كل حال.. اتسعت عيون الأم و الأخت الصغرى في حين احتضنت الأخت الكبرى ابنتها أكثر.. قال زوجها باسماً :
- لا مشكلة.. سنريها للشيخ غداً أيضاً.. كذلك..
أين ذهبت ثقتك بها ؟
نظرت إليه فاتسعت بسمته.. على نحو ما أشعرها هذا بالاطمئنان..
انتهى اليوم و رحل الشيخ.. جلست الأم على الأريكة تزفر.. قالت في عصبية :
- لا بد أنه نصاب !
قالت الأخت الصغرى و هي تنفخ أظافرها :
- و هل يجب أن يقول كما نشاء كي يثبت أنه ليس نصاباً ؟ على العكس..
رفعت رأسها إلى أمها.. واصلت :
- عندما يقول الشيخ أنه لا يوجد شيء فهذا دليل أكبر على صدقه.. الدجالون لا يفعلون ذلك !
صاحت الأم :
- إذن كيف تفسرين تلك الجدران و الستائر ؟!
صمتت الأخت الصغرى.. ابتلعت ريقها.. قالت و هي تواصل النظر إلى أظافرها :
- لا علم لي..! المهم أن البيت ليس مسكوناً و هذا مطمئن..
قالت الأخت الكبرى ضاحكة و هي تلاعب ابنتها :
- كما أن نورا الصغيرة بخير و ما من مشكلة..!
قالت الأم :
- إذن ؟ ماذا سنفعل ؟
صمتوا و تبادلوا النظرات.. قالت الأخت الصغرى :
- أنا مازلت مصرة على أن ننتظر عودة أبي.. أياً كان ما سيفعله سيكون صحيحاً جداً مقارنة بأي شيء قد نفعله نحن الآن..
صمتوا.. قالت الأخت الكبرى :
- أنا لا أمانع أي شيء بما أن ابنتي و مسكنها بخير..
التفتت أمها إليها.. قالت بحنق :
- إذن ما رأيك لو تعودين للنوم في غرفتك عوضاً عن احتلال غرفتي ؟
- ماذا ؟ أتريدين أن أعرض ابنتي للخطر ؟!
- أنت قلت الآن أن الفتاة و المسكن بخير !
- و ماذا لو تساقط الدهان المخدوش عليها ؟
- يا سلام !
دخل زوج الابنة و قال :
- الشيخ قال لي شيئاً مهماً..
التفتن إليه.. واصل :
- قال الشيخ أنه ما من شيء يسكن البيت أو الفتاة ، لكنه لا يستبعد أن يكون مصدر المشكلة موجوداً في أحد الأشياء في البيت..! و كما قال الشيخ..
نظر إليهم.. واصل :
- ليس من المستبعد أن يكون في أحد الأشخاص !
تبادلوا نظرة.. قالت الأخت الصغرى :
- لكننا أثبتنا أن ذلك غير ممكن عندما نمنا سوياً و أقفلنا الباب !
- المفتاح كان في متناول الجميع !
- لو تحرك أحدنا لشعر به أحد ما !
- و من قال لك أن الفاعل واحد ؟
صمتن و تبادلن نظرات مرتعبة.. واصل زوج الابنة :
- ليس هدفي أن أخيفكن.. لكن الشيخ يقول أن بوسعنا معرفة الفاعل !
نظرن إليه متسعات الأعين.. واصل :
- قال الشيخ : اليوم عندما يدخل الثلث الأخير من الليل ، سيكون أول ما يصدر صوتاً هو مصدر المشكلة..!
- الثلث الأخير من الليل ؟! و متى هذا ؟!
- قام الشيخ بحساب الوقت ، و قال أن الليل يدخل ثلثه الأخير في حوالي الساعة الثانية و الربع صباحاً.. أول ما يصدر صوتاً بعد الثانية و الربع هو المتهم الأول !
نظر في وجههن.. قال بلهجة مميزة :
- هذا طبعاً ينطبق على الأشخاص أيضاً..!
تبادلت الأم و الأخت الصغرى نظرات مرتعبة.. قالت الأخت الكبرى بلهجة عملية :
- إذن أنت تطلب منا أن نلزم الصمت بعد الثانية و الربع حتى يصدر شيء آخر صوتاُ..!
بسم.. قال :
- بالضبط..! تفهمينني يا زوجتي العزيزة..! هذا طبعاً..
نظر إلى الجميع.. قال ببسمة أوسع :
- ما لم يكن أحدنا فعلاً مصدر المشكلة..!
قالت الأم و قد أغاظها :
- احرص إذن على أن لا تفتح فمك و إلا ستكون عاقبتك وخيمة على يديّ !
بسم و لم يعلق..
جلس الجميع مجتمعين.. الساعة الآن الثانية ليلاً..
عندما فكروا في الموضوع تذكروا أنهم وجدوا الخدوش على جدار غرفة النوم أمس في وقت مماثل.. قد لا يكون الشيخ كاذباً..
كان الجو عموماً متوتراً ، إلا أنهم لاحظوا الأخت الصغرى تقاوم جاهدة أن تكتم ضحكة.. التفتت إليها الأخت الكبرى..
- ما بك؟
- ثمة ضحكة تركبني و لا أستطيع كتمها ! ههههههههه !
قالتها و انفجرت ضاحكة فضحك الجميع.. قالت الأخت الكبرى في غيظ :
- أجل.. أنا أوافقك.. خلال ربع ساعة سنواجه ذاك الشيء و الذي قد يكون أحدنا.. مضحك جداً !
واصلت الأخت الصغرى ضحكها.. قالت :
- ماذا لو دخلت الساعة الثانية و الربع دون أن ترحل الضحكة ؟
قال زوج الابنة و هو ينهض :
- عندها ستكونين أنت المتهم الأول للأسف !
- هذا ليس عدلاً !
- الشيخ قال أن أول ما يصدر صوتاً بعد الثانية و الربع هو الفاعل.. لم يحدد إن كان الصوت متصلاً مع قبل الثانية و الربع أو لا !
- و العمل ؟ ههههههههههههههه ! لا أريد أن يتم اتهامي بسبب ضحكة !
قالت الأم و هي تنظر إلى الساعة :
- معك خمس دقائق قبل أن ندخل في الثانية و الربع.. أزيلي ضحكتك بأي وسيلة ! أين تذهب ؟
قالتها لزوج ابنتها الذي كان يتجه خارج الغرفة.. قال :
- لحظة فقط..
و عاد بعد دقيقة و معه بطانيات.. نظرن إليه مستفهمات.. قال :
- أياً كان الفاعل فالأكيد أننا لا نريد قتله أو التخلص منه قبل أن نفهم كل شيء.. لو لم يكن أحدنا – و هذا ما أتمناه – فعلينا
أن نحبسه كي نعرف كيف دخل و نحرص على أن لا يأتي غيره.. لذلك..
أعطى لكل منهن بطانية و احتفظ بواحدة لنفسه :
- هذه ستساعدنا على تقييد حركته..
قالت الأخت الكبرى و هي تقلب بطانيتها بيدها :
- آمل أن يكون شيئاً يمكننا حبسه في البطانية..!
قالت الأم فجأة :
- هيا كفوا عن الكلام ! بقيت دقيقة واحدة فقط !
التفتت إلى الأخت الصغرى.. قالت لها :
- أنت.. هل زالت ضحكتك ؟
- أجل.. عندما وزع علينا البطانيات.. لا أدري.. شعرت بجدية الموضوع..
- هذا جيد..
راقب الجميع بتوتر شديد عقرب الثواني يتجه إلى الـ12 بخطى حثيثة.. قلوبهم تخفق بشدة.. فكر كل منهم في رأسه :
- سر يا عقرب الثواني !
هيا سر !
هنا أيها القارئ الكريم ، أيتها القارئة الكريمة ، أضعكما أمام ثلاث نهايات رأت النور من عدة نهايات فكرت بها للقصة قمت بتقسيمها حسب درجة فتحها إلى مفتوحة ، شبه مفتوحة و مغلقة ، اقرآ منها ما يروق لكما.
فقط تذكرا عند قراءة كل نهاية أنها متصلة بالمقطع السابق الذي ينتهي بـ"هيا سر" ، لا بالنهاية التي قبلها. فهي مجرد احتملات ثلاث لما آلت له القصة في نهايتها..
فإليكما النهايات :
- تمت بحمد الله -
أنتظر آراءكم و تعليقاتكم بفارغ الصبر !!
فأسلوب هذه القصة يختلف حتى عن أسلوبي الذي يتسم بالواقعية ^^"
أراكم على خير إن شاء الله ،
و السلام خير ختام.
المفضلات