|
|
إن تاريخ الأندلس بشذاه وعبقه الذي يفوح وسطوره ،
وصفحاته المشرقة يرافقنا ويحف بنا بل ويعطر أنفاسنا وينير السبل أمامنا
ففي أعماق بحرها تاريخ ، وعلى قممها تاريخ ، وفي سهولها وأوديتها تاريخ ، وتاريخ مجيد !
ولن نتعمق في استقراء كافة محتويات ذلك التاريخ لأنه يوصلنا إلى نهاية وأعماق لا نريد الخوض فيها لا جُبنًا ولا هربًا من الحقائق التاريخية ولكن لأن ذلك لا يجدي شيئًا ، ولا يعيد إلينا ما فقدناه !!
فما هنا مجرد حديث عابر من خلال إطلالة متواضعة عبر نافذة التاريخ ننفض بها ما ران على ذلك المجد ونجدد وهجه في عيوننا ، فهاهي موشحة لسان الدين الخطيب تقفز إلى أذهاننا ، تتلألأ أبياتها على هامات الحسان وعلى ضفائر شعورهن مجدولة :
وينتقل في توشيحه :
فأسبانيا والبرتغال تمثلان شعار الخطوط الأسبانية ، أو التسمية الدولية المطلقة عليها مشتقة من هذه الحضارة العربية كواحدة من تلك الحضارات واضحة الملامح ، بعد أن دخلها العرب أقاموا فيها حضارة كبيرة وتركوا فيها آثارًا رائعة وامتزجت دماؤهم بدماء السكان الأصليين ونشروا فيها الثقافة !
والأندلس كما تقول المصطلحات مأخوذة من قبائل الوندال التي تعود إلى أصل جرماني احتلت شبه الجزيرة الإيبيرية وسميت باسمها في حوالي القرن الثالث والرابع الميلادي .
فأندلسيا أي بلاد الوندال ثم نُطقت بالعربية ، وتطلق اليوم كلمة أندلثيا بالإسبانية على المنطقة الجنوبية من أسبانيا وهو اصطلاح إداري لا يمثل المعنى التاريخي لمصطلح الأندلس !
وقد تركز حكم العرب واستقر على هذه الجزيرة مذ فتحها طارق بن زياد عام 92 حتى سقوط غرناطة عام 897
ومن المدن التي التي تركزت فيها الجهود والآثار العربية أبان هذه القرون " قرطبة - طليطلة - غرناطة - مالقة - مدريرد "
وكل مدينة منها تستحق مؤلفًا كي تستوفي حقها من الوصف ، مع ما لها من ارتباط وثيق بالحكم والآثار العربية والتطرق لبعض الشخصيات البارزة ، والنخل سامقات تشرئب بأعناقها وتعلو بهاماتها من بين الأشجار كشجرة غريبة حينما جلبها الخليفة عبد الرحمن الداخل من دمشق وغرسها في مدينة الرصافة بظاهر قرطبة ، فلما رآها فريدة بين الأشجار أنشد :
والآثار العربية كمحصلة لتلك القرون بالأندلس كثيرة وما زالت شامخة تمثل عظمة الرجال في تلك الحقب على الرغم من مضي عدة قرون عليها إلا أنها لا زالت قائمة يتهافت عليها السياح ليشهدوا تاريخ العرب فتظهر على ملامحهم بوادر الإعجاب والتقدير لتلك الأدوار التي تمثلت في قدرة العرب ومستوى تفكيرهم وعظمة غنجازاتهم في زمن كانت الدول تعاني التخلف والضعف والتقهقر ، وذلك من خلال جامع قرطبة الذي يُعتبر قطعة فنية من أروع المعالم الأثرية نظرًا لدقة تصميمه وروعة بنائه والإبداع الفني فيه .
وقصر الحمراءبغرناطة وما يستشف من تصميمه من روح ذلك العصر وأساليب الحياة فيه ، والأبراج واقلاع والحدائق التي تثير الإعجاب وتظهر الإبداع !
وفي إشبيلية القصر القديم الذي بُني على أنقاض قصر الملك المعتمد بن عباد ، وفيه سكن ملوك الطوائف والموحدين ، هذه مجرد معالم بارزة تمثل فن العمران الذي نبغ فيه المسلمون .
ولازالت مدن الأندلس تتخذ من فن العمارة الإسلامية طابعها ، ولم تستطع الخروج عن هذا الجانب الفني الأصيل الذي أبرز تفوقه على مدى القرون ، فمشاهد التمدن وجمال الطبيعة وتلك الخضرة الممتدة التي تمتد وتبسط رداءها إلى مرمى الأفق ، وعلى مدى النظرات البعيدة يمينًا وشمالًا واستغلال الثروات واستخراج المحاصيل ، فلا يقع النظر إلا على بساط أخضر ، كل ذلك يمثل فردوس الدنيا المسلوب ويستثير شهيتنا التي تبحث عن ما يروي ظمأها من ينابيع اأندلس ومعارفه .
قصر الحمراء :
صورة معبرة لحضارة عربية عريقة ازدهرت في أوروبا .
بهو الأسود :
تحفة فنية رائعة تنساب منه المياه !!
يَأَهلَ أَندَلُسٍ لِلَّهِ دَرُّكُمُ ماءٌ ::: وَظِلٌّ وَأَنهارٌ وَأَشجارُ
ما جَنَّةُ الخُلدِ إِلّا في دِيارِكُمُ:::وَلَو تَخَيَّرتُ هَذا كُنتُ أَختارُ
لاتَختَشوا بَعدَ ذا أَن تَدخُلوا سَقراً::: فَلَيسَ تُدخَلُ بَعدَ الجَنَّةِ النارُ
الحمراء مجموعة من الأبنية تقوم على ربوة تطل على غرناطة بالأندلس ،
يعد أحد أهم الشواهد على سمو الحضارة الإسلامية ، بل إنه أحد أكبر العوامل الرئيسية
لاجتذاب السياح من كل أنحاء العالم فصارت أهم مصدر دخل في حياة الإسبان .
فالفنادق تمتلئ بهم والشوارع والسيارات ، وأولى وجهتهم " قصر الحمراء "
بغرناطة لأنه يمثل بحق الفن المعماري الراقي ،
فشباك التذاكر يغص بهم وثمن التذكرة للشخص (300) بازتا ،
والبهو مزدحم بالزائرين والمتأملين ، والمرشدون يشرحون لهم عن تفاصيل القصر وكيفية تصميمه ، فالسياح الغربيون يأتون على شكل مجموعات وحافلات تقلهم وتتجول بهم ،
فالزائر لقصر الحمراء يحتاج على الأقل 4 ساعات سيرًا على الأقدام لينهل من نبع المعرفة والتاريخ التليد ، وإنه لمن المؤلم أن ترى أغلب وافدي ذلك المكان من السياح الأوربيين حيث لا يحظى من العرب إلا باهتمام ضئيل للغاية أو ربما ينعدم .
يتكون قصر الحمراء من عدة منشآت يجمعها سور يحيط بها وتصل بينهما البساتين ، وينسب بناؤه إلى أكثر من شخص ولكن اسم السلطان أبي الحجاج يوسف بن الأحمر أكثرها صلة بعمارة هذا القصر .
- قاعة العدل :
بناها السلطان أبو الحجاج ، وهي مربعة مزخرفة بنقوش وفي خارجها بهو مزخرف ذو أعمدة رخامية .
دقة العمارة تتجلى في أنحاء القصر
- بهو الأختين :
قيل أنها سميت بهذا الاسم لاحتواء أرضها على قطعتين متساويتين وفريدتين من الرخام ، وقد نقش عند مدخلها بالخط الكوفي " ولا غالب إلا الله " إلى جانب شيء من عيون الشعر العربي :
تبــارك مــن أعطــى الإمـام محمــداً ::: مغانـي زانــت بالجمــال المغانيا
وإلا فهــذا الــروض فيـه بدايـع ::: أبـى الله أن يلقــى لهـا الحسـن ثانيـا
ومنحوتـه مـن لؤلـؤ شـق نورهـا ::: تجلـى بمرفـض الجمـان النواعيــا
يذوب لجيـن ســال بين جواهـر ::: غـدا مثلهـا في الحسن أبيض صافيا
تشابـــه جــار للعيـــون بجامـــد ::: فـلــم نـدر أيّ منهمـــا آان جاريـــا
ألــم تـر أن المـاء يجـري بصفحهــا ::: ولكنهـا مــدت عليــه المجاريـا
آمثــل محب فاض بالدمع جفنه ::: وغــص بـذاك الدمع إذ خاف واشيا
وهـل هي في التحقيـق غير غمامة ::: تفيض إلى الآساد منها السواقيا
وقـد أشبهـت آف الخليفـة إذ غـدت ::: تفيـض إلـى أسـد الجهـاد الأياديا
فيـا من رأى الآسـاد وهي روابـض ::: عداها الحيا عن أن تكون عواديا
ويا وارث الأنصـار لا عـن آلالـة ::: تـراث جـلال يستخــف الرواسيـا
عليـــك سـلام الله فاسلـــم مخلــداً ::: تجـــدد أعيــاداً وتبلـي أعاديــــا
ويحيط بدار الأختين شرفات عدة ، تسمى منظرة وهي دار لعائشة!
بهو الأسود :
تؤدي قاعة الأختين من بابها الجنوبي إلى أروع أجنحة الحمراء - بهو الأسود - ،
والفناء مستطيل الشكل مكسو برخام يحيط به رواق يتكون من 128 عمودًا من المرمر ،
وفي وسطه نافورة من الرخام الأزرق محمولة على إنثني عشر سبعًا ومنها اُشتق الاسم ،
وفي بهو الأسود تُلتمس حياة الدعة وراء النور المتسلل من البهو والمنساب في أرجاء المكان منتشرًا على مياه القنوات الصغيرة التي تشق أديم الأرض .
قاعة بني سراج :
قاعة تنسب إلى وزراء بني الأحمر ، مربعة الشكل وسقفها من المقرنصات وأرضها رخامية تتوسطها بركة ماء وأمامها قاعة أخرى .
قاعة الملوك :
تقع قاعة الملوك في الناحية الشرقية لبهو الأسود وتعرف أيضًا بقاعة العدل ، مدخلها مثلث الجوانب رُسمت في سقف حناياها الثلاثة صورة عشرة فرسان مسلمين يلبسون العمائم ويجلسون على الوسائد تكتسيهم سمة الوقار ، ويقال بأنهم ملوك غرناطة العشرة الذين تولوا الحكم قبل أبي عبد الله ، أولهم الغني بالله وآخرهم أبو الحسن والدي أبي عبد الله !
بهو السفراء :
نقشت في باب بهو السفراء العبارات التالية " الحمد لله على نعمة الإسلام وعز لمولانا أبو الحجاج عز نصره " وهو على شكل مربع ويعرف بقاعة السفراء .
ساحة الرياحين ذات الخضرة والمياه
حمامات الحمراء :
يعتبر حمام الحمراء الواقع إلى جانب السور قرب بهو البركة من أروع الحمامات العربية ، وتشتمل هذه الحمامات على 3 أقسام : الاستراحة ، والغرفة الدافئة ، والغرفة الساخنة .
أما الاستراحة فتتألف من سريرين أقيما بالطوب وكُسيا بالقراميد ذات الألوان المختلفة ، أما القسم الثاني فهو الغرفة الدافئة وفيها حوض كبير تتصل به أنابيب سفلية علاوة على أنابيب أخرى بالحوائط لتدفئة المكان .
جنة العريف :
حديقة يقصد إليها ملوك بني نصر للاستجمام والنزهة والتمعن في محاسن الطبيعة ، تطل أبهاؤها على منظر عام للمدينة ومروجها على الحمراء المجاورة ، ومن أهم ملحقاتها الرئيسية بهو لاريا وبهو السلطانة والحديقة العليا سلالمها التي تنحدر المياه من حوافيها حيث يرى الزائر في جنة العريف منظرًا طبيعيًا رائعًا تحيط به أشجار السرو ، والآن نرى سفهاء بني الأسبان يعقدون مهرجانهم الدولي للموسيقى والرقص في هذا البهو وإلى الله المشتكى .
القصبة :
حيث بنيت على مراحل ما بين القرن الحادي عشر والقرن الخامس عشر الميلادي، وتقع على أعلى مرتفع من جبل الحمراء، وكانت هي المركز العسكري ومركز الحماية للقصر، وكانت تعرف في حينها بالقصبة الجديدة لأنه كانت توجد قصبة أخرى في حي البيّاسين وكانت تعرف بالقصبة القديمة. تحتوي القصبة على ثمانية أبراج، ففي القسم الشمالي من القصبة يقع برج الأشراف (دي لو إيدالقوس)، وبرج الحراسة (دي لا فيلا) وهو برج مربع عرض كل جانب منه 16م وارتفاعة 26.80، ويعتبر هذا البرج رمزا للقصبة لأنه في واجهتها، وعند سقوط غرناطة قامت جيوش النصارى برفع العلم على هذا البرج إيذانا بسقوط غرناطة. أما البرج الثالث فهو برج البارود (بولبورا) وهو برج تخزين البارود. أما على جانبي القصبة فيقع برجان، البرج الشرقي وهو برج الأسلحة وفيه بوابة الأسلحة وكانت هي البوابة التي تصل القصبة بحي البياسين عبر جسر القاضي وجسر القاضي هذا يقع في أسفر المدينة ويمكن رؤية بقاياه في بداية حي البيّاسين بالقرب من الساحة الجديدة (بلاثا نويبا). أما البرج الغربي فهو برج السلطانة وهو من أصغر الأبراج وكان يعد مخزنا وسكنا. أما الجزء الجنوبي فيه أربعة أبراج الأول وهو برج الدلو وهو برج تم بناؤه بعد سقوط غرناطة على يد النصارى وهو برج يصل القصبة بالقصر الناصري، والبرج الثاني المقابل له وهو برج التكريم (أوميناخي) وهي من أقدم أجزاء هذه القصبة ويبلغ ارتفاعها 26مترا ويحتوي هذا البرج على ستة طوابق وكانت هي المركز القيادة للقصبة كلها أما البرج الثالث فهو البرج المهدوم (كيبرادا ) ويقع هذا البرج في الواجهة الجنوبية الغربية للقصبة، والذي يطل على ساحة الآبار التي كانت تحتوي على آبار مياه، وهناك باب آخر يقع في الجهة الغربية من القصر وهو باب الشريعة أو العدالة (خوستيثيا). و البرج الرابع وهو برج الدراق (أدارجيرو) والمقصود بالدراق هو صانع الدرقات وهي تروس الجلد، أما بالنسبة لقلب القصبة فقد كانت تحتوي على مساكن العسكر.
والمناسبة تدعو رائعة نزار قباني لتقفز إلى أذهاننا ، إذ أنه زار الحمراء فتمثل التاريخ أمامه ككومة رماد فاحتشدت الذكريات ثم ترجمت نبضًل يدق في الأعماق حين قال :
في مدخل " الحمراء " كان لقاؤنا..يتبع ~
ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
عينان سوداوان.. في حجريهما
تتوالد الأبعاد من أبعاد
هل أنت إسبانية؟ .. ساءلتها
قالت: وفي غرناطة ميلادي
غرناطة! وصحت قرون سبعة
في تينك العينين.. بعد رقاد
وأمية .. راياتها مرفوعة
وجيادها موصولة بجياد
ما أغرب التاريخ.. كيف أعادني
لحفيدة سمراء.. من أحفادي
وجه دمشقي .. رأيت خلاله
أجفان بلقيس .. وجيد سعاد
ورأيت منزلنا القديم .. وحجرة
كانت بها أمي تمد وسادي
والياسمينة، رصعت بنجومها
والبركة الذهبية الإنشاد
:::
ودمشق .. أين تكون؟ قلت : ترينها
في شعرك المنساب نهر سواد
في وجهك العربي، في الثغر الذي
ما زال مختزنا شموس بلادي
في طيب " جنات العريف " ومائها
في الفل ، في الريحان، في الكباد
سارت معي .. والشعر يلهث خلفها
كسنابل تركت بغير حصاد
يتألق القرط الطويل بجيدها
مثل الشموع بليلة الميلاد
ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي
وورائي التاريخ .. كوم رماد
الزخرفات أكاد أسمع نبضها
والزركشات على السقوف تنادي
قالت : هنا الحمراء .. زهو جدودنا
فأقرأ على جدرانها أمجادي
أمجادها!! ومسحت جرحا نازفا
ومسحت جرحا ثانيا بفؤادي
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت
أن الذين عنتهم أجدادي
عانقت فيها عندما ودعتها
رجلا يسمى " طارق بن زياد "
|
المدينة الأندلسية التي شهدت أمجاد المعتمدين عباد
في القصر يبدو أثر مواطئ أقدام الرميكية
وتفوح رائحة المسك والكافور وماء الورد
لمحة تاريخية :
سيطر الرومان عليها عام 205 قبل الميلاد وأصبحت رومانية لدرجة أ،ها أنجبت أباطرة لروما ، أما ازدهار إشبيلية على عهد العرب فظاهر في بناء المنارة " الخيرالدة " فقلد قال عنها المؤرخ العربي " الشقندي " إذا طلبت حليب العصفور في إشبيلية لوجدته !
ويتحدث عنها التاريخ الإسلامي فيقول أنها أعظم مدينة في الأندلس ، ومن أهم مآثرها المتعلقة بالتاريخ الإسلامي :
الخيرالدة أو الخالدة :
برج ماثل لعظمة العرب مبني على أربع زوايا مذهبة ،
أكمل بناؤه عام 1568 وزُين بقباب ضمنت 25 ناقوسًا !!
النهر والبرج الذهبي :
يطل على الضفة اليسرى من نهر الوادي الكبير البرج الذهبي ، وسمي بذلك لأنه كان مكسوًا بالزليج المذهب ، وقد بُني للدفاع عن المرفأ ومراقبة المراكب القادمة ونهر الوادي الكبير هو الاسم الذي أطلقته العرب عليه ، وقد قيل بأن هذا النهر كأنه صُنع للإشبيلية خصيصًا .
القصر العربي :
بني القصر على أنقاض قصر الملك المعتمد بن عباد وفيه سكن ملوك الطوائف والموحدين ، وفي داخله ساحة العذارى وساحة الدمى بقاعاتها الشهيرة واهمها قاعة السفراء بقبتها الجميلة ، وغرفة نوم ملوك العرب كما يحتوي القصر على عدد كبير من المخطوطات والوثائق النادرة والخرائط والرسائل وغيرها ، كذا النقوش التي تزين جدران القصر .
بنو عباد أصحاب إشبيلية :
لقد ازدهرت إشبيلية ازدهارًا ثقافيًا وتجاريًا أيام دول المرابطين والموحدين ، فلقد أصبحت مقر بني عباد من ملوك الطوائف بالأندلس من عام 414-384 هـ حيث قامت دولتهم على أنقاض دولة بني أمية الأندلسية ، وأسس دولة بني العباد قاضٍ واسع الحيلة كبير الثراء اسمه القاسم بن إسماعيل بن عباد اللخمي ، توفي فخلفه ابنه وهكذا تسلسلت الخلافة حتى وصلت إلى أحد بني عباد يسمى عباد ولقب نفسه بالمعتضد بالله فخلفه ابنه المعتمد على الله آخر ملوك إشبيلية وأكثرهم شهرة ، وكان أديبًا شاعرًا مفوهًا مرهف الإحساس جزل الألفاظ كثير المعاني جمع إلى جانب ذلك الشجاعة والجود والطموح .
الحياة الباذخة في إحدى جوانب القصر
ولشعر المعتمد طعم ومذاق فقال في الهجر :
وفي موضع آخر يظهر تشوقه ويبدي لوعته لمن يحب غير أنه يخشى عيون الرقباء فيقول :
ومن دلائل مستوى البذخ في ذلك العصر قصيدة المعتمد المشهورة لما كان في الأسر وزارته ابنتاه حافيتا القدمين فأنشد :
يطأن في الطين والأقدام حافية ::: كأنها لم تطأ مسكًا وكافورًا
ويقال بأن زوجة المعتمد أيام حكمه تمنت أن تسير حافية القدمين على الطين لكون القصر مفروش بالديباج والمفارش الناعمة، فأمر زوجها أن تفرش بالمسك والكافور بعد خلطه بماء الورد T^T
وبعد أن قُبض على المعتمد وحمل مأسورًا ، أنشد في رثائه الكثير انتقيت لكم إحدى تلك الأبيات :
تبكي السماء بمزنٍ رائحٍ غادي ::: على البهاليل من أبناء عباد
ومن جملتها :
جازاكم الله خيراً أنكم نفر:: لم تعرفوا غير فعل الخير من عاد
إن كان بعدكم في العيش من أرب:: فإن في غصصٍ عيشي وأنكاد
هذه الأرض شهدت مجد بني عباد
|
مدينة الفكر والشعراء والفلاسفة
منها انطلقت أول محاولة للطيران
قرطبة ، إشبيلية ، وغرناطة . هذه المدن الأندلسية الثلاث في مواقعها تشكل أضلاع مثلث .
فإشبيلية تقع إلى الغرب وغرناطة في الشرق وبينهما قرطبة ، مع ارتفاع موقعها إلى الشمال ّ
قرطبة تبعد عن العاصمة مدريد 400 كيلو متر تقريبًا ، ويخترق أراضيها من الشرق إلى الغرب نهر الوادي الكبير ، ويفصل مجراه بين المناطق الجبلية الواقعة إلى الشمال وبين الجنوب . ويأتي إليها فصل الربيع مبكرًا مع فيض من الأزهار وتنوع مناظر الطبيعة ، وتتعدد فيها الوديان الجميلة ، ويتوفر فيها صيد الطيور والحيوانات وتنتشر المزارع على ضفاف الوادي الكبير ، ويبدو الريف القرطبي بتموجات أراضيه وتكثر الغابات ، وبها مغارات وأطلال وحصون قديمة من العصور الموغلة في القدم .
قرطبة مدينة تاريخية :
تعتبر قرطبة من أقدم المدن الأسبانية حيث كانت مقاطعة رومانية ، ثم أصبحت عاصمة الأندلس ومقر بلاط خلفاء المغرب العربي ، ابتداءً من القرن الثامن عشر وحتى الحادي عشر ، وكانت أبان ذلك منارًا للثقافة ومهدًا للعلوم والفنون عاش في أحضانها الإسلام ، وقد وصفتها الألمانية هرو سونيا بأنها " زينة الدنيا " !!
قرطبةمدينة الفكر والفلاسفة والأدباء ، حيث ساهم أبناؤها أمثال ابن رشد وابن حزم وابن ميمون في بناء الحضارة الأوروبية ، وتلقت أوروبا ثمار الثقافة الإغريقية عن طريق قرطبة ، فهي موطن الإمام القرطبي الشهير ومدينة أول محاولة للطيران حيث صنع عباس بن فرناس جناحين وقام بالتحليق في سمائها وقضى نحبه إثر ذلك .
وصفها ابن زيدون صاحب قصيدة " أضحى التنائي " في محبوبته ولادة بنت المستكفي بقوله :
سقى جنبات القصر صوب الغمائمِ
وغنى على الأغصان وُرق الحمائم
بقرطبة الغراء دار الأكارم
بلاد بها شق الشباب تمائمي
وأنجبني قوم هناك كرامُ
وقد بلغت أوج عظمتها كعاصمة لأمارة عربية في العهد الأموي " 756 " وأقصى ازدهارها كان فيحكم عبد الرحمن الثالث ولكنها تدهورت بعد سقوط الأمويين وخضعت لإشبيلية .
الآثار العربية بقرطبة :
جامع قرطبة :
قطعة فنية لا يوجد لها مثيل ، يعد من أروع المعالم الأثرية العربية نظرًا لدقة تصميمه ، بني في عصر عبد الرحمن الداخل وأدخلت عليه تعديلات في عهد عبد الرحمن الثاني وأكملت عمارته في أواخر القرن العاشر أبان حكم المنصور .
تقول بعض المصادر والمراجع أن عبد الرحمن الداخل أتبع في بنائه لجامع قرطبة النظام التخطيطي للمسجد الأقصى الذي أعاد الوليد بن عبد الملك بناءه .
ماذا عن الرصافة ، مدينة الزهراء ، ولادة ، وابن زيدون ؟!!
مدينة الزهراء :
تقع المدينة في ضواحي قرطبة وكانت مقرًا للخليفة عبد الرحمن الثالث ومن أعقبوه ، وقد شيدت هذه المدينة على 3 مواقع لسفح جبل "سيرامورينا" في القرن العاشر وما زالت بعض آثارها باقية .
رصافة قرطبة :
شيد الخليفة عبد الرحمن الداخل الرصافة بظاهر قرطبة على غرار قصر الحير الذي بناه جده هشام بن عبد الملك في الشام ، فأجرى الماء لهذه المنية وأحضر لها بعض الأغراس كالدراق والرمان وغرس بها نخلة جاء بها من دمشق ذكرنا أبياته فيها سلفًا .
الزهراء وابن زيدون :
كما أسلفنا فعبد الرحمن الثالث هو من اختط الزهراء وأنفق فيها أموالًا تجازت حد الإسراف ، فجلب الرخام من أقطار البلاد وقسم جباية بلاده ثلاثًا ، ثلث لجنده وثلث لبيت ماله وثلث لبناء الزهراء ، وقد أكثر أهل قرطبة في وصفها وكان من أحسن ما قيل فيها من الأشعار أبيات ابن زيدون :
إنّي ذكرْتُكِ، بالزّهراء، مشتاقا،"
"والأفقُ طلقٌ ومرْأى الأرض قد راقَا
وَللنّسيمِ اعْتِلالٌ، في أصائِلِهِ،"
"كأنّنهُ رَقّ لي، فاعْتَلّ إشْفَاقَا
والرّوضُ، عن مائِه الفضّيّ، مبتسمٌ،"
"كما شقَقتَ، عنِ اللَّبّاتِ، أطواقَا
يَوْمٌ، كأيّامِ لَذّاتٍ لَنَا انصرَمتْ،"
"بتْنَا لها، حينَ نامَ الدّهرُ، سرّاقَا
نلهُو بما يستميلُ العينَ من زهرٍ"
"جالَ النّدَى فيهِ، حتى مالَ أعناقَا
كَأنّ أعْيُنَهُ، إذْ عايَنَتْ أرَقى ،"
"بَكَتْ لِما بي، فجالَ الدّمعُ رَقَرَاقَا
وردٌ تألّقَ، في ضاحي منابتِهِ،"
"فازْدادَ منهُ الضّحى ، في العينِ، إشراقَا
سرى ينافحُهُ نيلوفرٌ عبقٌ،"
"وَسْنَانُ نَبّهَ مِنْهُ الصّبْحُ أحْدَاقَا
معالم قرطبة :
توجد في عدة أنحاء من مدينة قرطبة بقايا أسوار من العصور
الرومانية والإسلامية والمسيحية وقد بقيت منها حتى الآن بوابات .
كما تشكل أبهاء قرطبة أحد الملامح الرئيسية للمدينة وهي على نوعين شعبي وأرستقراطي :
فالأول ترى حوائط مطلاة بالكلس تتشابك عليها أغصان النبات المعرش وفي وسطه بئر ويمتاز النوع الثاني بتناسق عناصره وشيوع استخدام الرخام في أعمدته ، وفي أرضيته مع وجود النافورة في وسطه وتجمع بين النوعين انتشار الأزهار التي تزين القضبان الحديدية المزخرفة وكذا الشرفات ويتجلى ذلك في فصل الربيع كما توجد تماثيل لأعلام قرطبة كابن رشد وابن حزم وابن ميمون وغيرهم ممن أنجبتهم المدينة !!
التعديل الأخير تم بواسطة أثير الفكر ; 6-12-2014 الساعة 07:58 AM
|
آخر معاقل العرب بأسبانيا :
عندما قالت عائشة الأندلسية :
" أجل فلتبكِ كالنساء " !!
اللحظات الحرجة والمنظر المؤثر أثناء تسليم مفاتيح الحمراء !!
يأتي موقع غرناطة محتلًا مكانًا استراتيجيًا يمتد من قمم جبال سيرا نيفادا حتى شزاطئ كوستاديل سول على البحر الأبيض في قطاعه الأندلسي ، مما جعل لها مركز الصدارة في المجال السياحي بالأندلس الشرقية ، فغرناطة مدينة فريدة الطابع تحتضنها مناظر طبيعية جميلة ، مناخها جاف معتدل وهواؤها نقي عليل مع سماء صافية الأديم .
جدير بالذكر أن لهذه المدينة قوة سحرية ووحيًا لا يجارى ، فالعرب الذي جاء من البداية اكتسبها فيها دماثة الخلق ورقة الإحساس ، وقد أحبها العرب وتفاخروا فيها وقابل بعضهم نهرها شنيل بألف نيل :
وما مصر تفخر بنيلها ::: وألف منه في شنيلها .
الخضرة تمتد وتكاد تغطي مساحات الأندلس
معالم غرناطة :
تتواجد أكثر الآثار والمعالم العربية في غرناطة والتي لازالت تمثل حضارة العرب وتاريخهم من تلك الآثار.
الحمراء ، القصر العربي ، جنة العريف ، القصبة ، وقد تحدثت عنها سابقًا .
أما معالمها الحديثة :
- حي البيازين :
من أكبر أحياء غرناطة ، وما يزال إلى اليوم يحتفظ بطابعه الأندلسي ويقع شمال شرقي غرناطة تجاه هضبة الحمراء ويفصلها عنه نهر حدرة .
- سييرانيفادا :
منطقة ثلجية تعد مكانًا مناسبًا لرياضة التزلج إذ أن الثلج يغطيها طوال العام .
- الأعياد والمهرجانات :
تشتهر غرناطة بأعيادها الشعبية وخاصة احتفالات كوربوس كريستي ، وتسير فيها مواكب دينية ومهرجانات شعبية ومصارعة للثيران ، وفي مايو يُحتفى بعيد القرنفل وفي أواخر يونيو يقام المهرجان الدولي للموسيقى والرقص !!
لمحة تاريخية :
ذكر ياقوت الحموي في معجمه ص 195 :
غرناطة بفتح أوله وسكون ثانيه ثم نون ، معنى غرناطة : رمانة ، بلسان عجم الأندلس فسمي بذلك لحسنه .
قال الأنصاري : وهي أقدم مدن كورة البيرة من أعمال الأندلس وأعظمها وأحسنها وأحصنها ، يشقها النهر المعروف بنهر قلزم في القديم ، ويعرف الآن بنهر حداره يلقط منه حالة الذهب الخالص وعليه أرجاء كثيرة في داخل المدينة ،وقد اقتطع منه ساقية أخرى تخترق النصف الآخر فتعمه مع كثير من الأرباض .
جنة العريف
سقوط غرناطة :
تم سقوط غرناطة في 2 ربيع الأول عام 897 هـ ما يوافق 2 يناير 1492 بتسليم الملك أبو عبد الله محمد الصغير إياها إلى الملك فرديناند الخامس بعد حصار خانق دام 9 أشهر.
دب الضعف في أوصال دولة الإسلام في الأندلس، وسرى الوهن في أطرافها، وراح العدو القشتالي يتربص بها، وينتظر تلك اللحظة التي ينقضّ فيها على الجسد الواهن، فيمزقه ويقضي عليه، لم تصرفه القرون الطوال عن تحقيق أمله الطامح إلى إزالة الوجود الإسلامي في الأندلس، فلم يكد ينتصف القرن السابع الهجري حتى كانت ولاية الأندلس الشرقية والوسطى في قبضة النصارى القشتاليين، وأصبحت حواضر الأندلس الكبرى أسيرة في قبضتهم؛ حيث سقطت قرطبة وبلنسية، وإشبيلية، وبطليوس، وهي حواضر كانت تموج علما وثقافة وحضارة.
ولم يبق من دولة الإسلام هناك سوى بضع ولايات صغيرة في الطرف الجنوبي من الأندلس، قامت فيها مملكة صغيرة عُرفت بمملكة غرناطة، شاءت الأقدار لها أن تحمل راية الإسلام أكثر من قرنين من الزمان، وأن تقيم حضارة زاهية وحياة ثقافية رائعة، حتى انقض عليها الملكان المسيحيان: "فرديناند الخامس" و"إيزابيلا"، وحاصرا بقواتهما غرناطة في 12 من جمادى الآخرة 896هـ= 30 أبريل 1491 حصارا شديدا، وأتلفا الزروع المحيطة بالمدينة، وقطعا أي اتصال لها بالخارج، ومنعا أي مدد يمكن أن يأتي لنجدتها من المغرب الأقصى؛ حتى تستسلم المدينة، ويسقط آخر معقل للإسلام في الأندلس.
أهالي غرناطة مروا بمعاناة قاسية خلال اعوام الحصار، وقامت القوات الاسبانية بتحطيم وحرق الحقول المجاورة للمدينة، ما تسبب في مجاعة رهيبة بين سكان غرناطة، ولهذا السبب اكلوا الخيول والكلاب والقطط. لم تكن تملك غرناطة سلاحا أقوى من الشجاعة، ولا أمضى من الصبر في المواجهة والثبات عند اللقاء، فصمدت إلى حين، وظلت المدينة تعاني الحصار زهاء سبعة أشهر، وتغالب نكباته في صبر ويقين، وتواجه الجوع والبلاء بعزيمة لا تلين، وحاول الفرسان المسلمون أن يدفعوا هجمة النصارى الشرسة بكل ما يملكون خارج أسوار المدينة، لكن ذلك لم يغن من الأمر شيئا، فالأحوال تزداد سوءا، والمسلمون تتفاقم محنتهم، وانقطع الأمل في نجدتهم من بلاد المغرب.
فوزع فرديناند وإيزابلا ثلاثين ألف رجل على الحقول التي تمد غرناطة بالغذاء ليكتسحوها. فأتلفت الطواحين ومخازن الغلال ودور الفلاحين والكروم وغياض الزيتون والبرتقال، وحوصرت مالقة ليمنعوها من تلقي المؤن إلى غرناطة أو إرسالها وصمدت مالقة للحصار حتى أكل سكانها كل ما تقع عليه أيديهم من الخيل والكلاب والقطط، وكانوا يموتون بالمئات من الجوع أو المرض. وأرغمها فرديناند على أن تسلم بلا قيد ولا شرط، واستعبد الأثني عشر ألف الذين بقوا من سكانها، ولكنه سمح للأغنياء منهم بأن يفتدوا أنفسهم بتسليم كل ما يملكونه. واستسلم عز زغرل وأصبح إقليم غرناطة بأسره خارج العاصمة في أيدي المسيحيين.
وشيد الملكان الكاثوليكان، فسطاطاً كاملاً لجندهم، حول القلعة المحاصرة وأطلقوا عليها اسم سانتافيه، وانتظروا أن يموت أهلها جوعاً، ليجعلا مفخرة الأندلس تحت رحمتها، وخرج الفرسان المسلمون من غرناطة، يطلبون مبارزة فرسان الأسبان فرداً لفرد، واستجاب هؤلاء بعزم مماثل، بيد أن فرديناند لما رأى أن خير المحاربين من رجاله يقتلون واحداً بعد واحد، على أساس خطة الفروسية هذه، وضع حداً لتلك المبارزة، وقاد أبو عبد الله قواته في هجوم يائس، لكنهم ردوا على أعقابهم وأنفذت الرسائل تطلب العون من سلطان تركيا ومصر، ولم يتلقوا شيئاً، فقد كان العالم الإسلامي منقسماً على نفسه كالعالم المسيحي.
ولم يجد أبو عبد الله بداً من توقيع شروط التسليم التي أسبغت شرفاً نادراً على الفاتحين. ذلك لأنه سمح لأهل غرناطة أن يحتفظوا بمالهم ولغتهم وزيهم ودينهم وشعائرهم، ولهم أن يحتكموا إلى شريعتهم وقضائهم ولا تفرض عليهم ضرائب إلا بعد ثلاث سنوات، وعند ذلك يؤخذ منهم ما كان يجبيه الحكام المسلمون، وكان على المدينة أن تفتح أبوابها لاحتلال الأسبان، وللمسلمين حق الهجرة من المدينة إذا شاءوا، ويجب أن توفر وسائل المواصلات لمن يرغب في العبور إلى إفريقية الإسلامية.
في ظل هذه المحنة القاسية تداعت أصوات بعض القادة إلى ضرورة التسليم؛ حفاظا على الأرواح، وكان "أبو عبد الله محمد" سلطان غرناطة وبعض وزرائه يتزعمون هذه الدعوى، وضاع في زحام تلك الدعوة المتخاذلة كل صوت يستصرخ البطولة والفداء في النفوس، ويعظّم قيمة التضحية والكرامة في القلوب، فاتفق القائمون على غرناطة على اختيار الوزير "أبي القاسم عبد الملك" للقيام بمهمة التفاوض مع الملكين الكاثوليكيين.
أبو عبد الله محمد الصغير سلطان غرناطة
وليس ثمة شك في أن هذين الملكين كانا وراء سريان روح التخاذل وإشاعة اليأس في غرناطة، وتهيئة الأوضاع لقبول التسليم، واستخدما في ذلك كل وسائل الإغراء مع السلطان أبي عبد الله وبعض خاصته.
استمرت المفاوضات بضعة أسابيع، وانتهى الفريقان إلى وضع معاهدة للتسليم، وافق عليها الملكان في 21 من المحرم 897هـ= 25 نوفمبر 1491، وكانت المفاوضات تجري في سرية خشية ثورة أهالي غرناطة، وحتى تحقق غايتها المرجوة.
ويتعجب المرء حين يعلم أن أبا القاسم بن عبد الملك ومساعده في المفاوضات الوزير "يوسف بن كماشة" كان سلوكهما مريبا، يقدمان المنفعة الشخصية على الصالح العام، فقد كتبا إلى الملكين الكاثوليكيين خطابا يؤكدان فيه إخلاصهما وولاءهما واستعدادهما لخدمتهما حتى تتحقق رغباتهما.
وفي الوقت الذي كانت تجري فيه مفاوضات التسليم، عُقدت معاهدة سرية أخرى، مُنح فيها أبو عبد الله وأفراد أسرته ووزراؤه منحًا خاصة بين ضياع وأموال نقدية.
وما كادت تذاع أنباء الموافقة على تسليم غرناطة حتى عمّ الحزن ربوعها، واكتست الكآبة نفوس الناس، واشتعل الناس غضبا حين تسربت أنباء المعاهدة السرية، وما حققه السلطان وخاصته من مغانم ومكاسب رخيصة، فسرت بين الناس الدعوة إلى الدفاع عن المدينة، وخشي السلطان من تفاقم الأحوال وإفلات الأمر من بين يديه، فاتفق مع ملك قشتالة على تسليم المدينة قبل الموعد المحدد في 2 ربيع الأول 897هـ= 2 يناير 1492م.
ومع ذلك فقد احتج أهل غرناطة على استسلام أبى عبد الله. وتهددته الثورة حتى دفع بمفاتيح المدينة إلى فرديناند (2 يناير 1492) وركب مع أقاربه وفرسانه الخمسين، وسط صفوف المسيحيين، إلى إمارته الجبلية الصغيرة التي كان عليه أن يحكمها تابعاً لقشتالة، ومن فوق الصخور الشماء التي عبر عليها ألقى نظرة أخيرة على المدينة الرائعة التي فقدها، ول اتزال هذه القنة تسمى آخر زفرة للعربي وأنبته أمه على بكائه قائلة " أبكِ كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال".
ودخل في الوقت نفسه الجيش الإسباني بالمدينة. ورفع الكاردينال مندوزا صليباً فضياً عظيماً فوق الحمراء، وركع فرديناند وإيزابلا في ساحة المدينة شكراً لله الذي أخرج الإسلام من إسبانيا بعد إحدى وثمانين وسبعمائة سنة.
تسليم المدينة
وفي هذا اليوم استعد الجيش القشتالي لدخول المدينة، وأطلقت المدافع في قصر الحمراء طلقاتها إيذانا بالاستعداد للتسليم، ودخلت القوات المسيحية، واتجهت توا إلى قصر الحمراء، وما إن دخلت القوات حتى رفعت فوق برج القصر الأعلى صليبا فضيًا كبيرًا، وهو الذي كان يحمله الملك "فرديناند" خلال المعارك مع غرناطة.. وأعلن المنادي بصوت قوي من فوق البرج أنّ غرناطة أصبحت تابعة للملكين الكاثوليكيين.
وباستيلاء القشتاليين على غرناطة طُويت آخر صفحة من تاريخ دولة المسلمين في الأندلس، وقُضي على الحضارة الأندلسية الباهرة وآدابها وعلومها وفنونها.
هكذا غادروها !!
حضارة غرناطة
ساحة السباع بقصر الحمراء
قامت مملكة غرناطة في الفترة التي ظهرت فيها بالحفاظ على تراث الأندلس، وبإيواء الوافدين إليها من المدن الأخرى، وكان من بينهم العلماء والكتاب والشعراء، وبإثراء الحياة الفكرية بالمؤلفات الجيدة في مختلف العلوم والفنون.
ويأتي في مقدمة من أنجبتهم غرناطة: أبو عبد الله محمد بن جُزى الكاتب الشاعر، ت. 1356م، وابن خاتمة الشاعر المعروف المتوفي 1369م، ولسان الدين بن الخطيب المتوفي سنة 1375م وهو يعد من كبار الأعلام في الثقافة العربية، فهو أديب وطبيب وفيلسوف وشاعر ومؤرخ، من أشهر إنتاجه: الإحاطة في أخبار غرناطة، وكتاب الإشارة إلى أدب الوزارة، واللمحة البدرية في الدولة النصرية.
وأيضا: الوزير ابن زمرك المتوفى سنة 797هـ=1395م، تلميذ ابن الخطيب، وكان شاعرا جيدا، وابن الأزرق المتوفى سنة 895هـ=1490م وكان بارعا في النثر والنظم والتاريخ، وله كتاب قيم في الفكر السياسي بعنوان: بدائع الأندلس في طبائع الملك، والشريف العقيلي وزير السلطان أبي عبد الله محمد آخر ملوك الأندلس، وكان إمام عصره في النثر والنظم، ووُصف بأنه خاتمة أدباء الأندلس.
وكثر في غرناطة إنشاء المدارس ومعاهد العلم، وارتقت الصناعات والفنون، فازدهرت صناعة السفن والأنسجة والورق، والفخار والذهب، وصناعة الحلي، وتطورت صناعة الأسلحة، فظهرت المدافع والبنادق، ويحتفظ متحف مدريد الوطني بنماذج من البنادق التي استعملها المسلمون في دفاعهم عن غرناطة.
أجمل مدينة في العالم
كانت مدينة غرناطة في هذا العصر أجمل مدن العالم بشوارعها النظيفة وميادينها الرائعة وحدائقها الغنّاء، ومبانيها ومرافقها الجميلة، ولا تزال آثارها الباقية تشهد على ما بلغته المدينة من رقي ومدنية.
وقد اشتهرت مساجد غرناطة باستخدام الرخام، وتجميل صحونها بحدائق الفاكهة، وإقامة المآذن منفصلة عن المساجد، وتوجد الآن مئذنتان يرجع إنشاؤهما إلى هذه الفترة الأولى: مئذنة مسجد تحوّل إلى كنيسة، وهي المعروفة باسم كنيسة "سان خوان دي لوس ريس"، والأخرى ببلدة "رندة" التي تحول مسجدها إلى كنيسة باسم "سان سباستيان".
ويعد قصر الحمراء من أعظم الآثار الأندلسية الباقية، بما حواه من بدائع الصنع، والمهارة الفنية الراقية، بالإضافة إلى قصر جنة العريف، وهو يقع بالقرب من قصر الحمراء ويطلّ عليه، وكان يتخذه ملوك غرناطة متنزها للراحة والاستجمام.
الآثار شاهدة على عظمة الأيام !!
|
المدينة التي تبتسم في وجوه الزائرين
ما زال في سوادها يتام ليل البادية
أنشأها العرب وسموها " مجريط "
مدريد تاريخيًا :
تقول العديد من المصادر أن أول من اكتشف مدريد ووضع أول حجر فيها هم العرب ، فالسلطان محمد الأول عشق هذه المنطقة التي تشكل مدريد وأقام فيها برجًا في المكان الذي يحتله الآن القصر الملكي - قصر الشرق - وهو القصر الذي يستقبل في البلاط الملكي الأسباني السفراء لتقديم أوراق اعتمادهم
وقد جاء برج السلطان ليطل على أجمل بقعة تخلب الأنظار ، حدائق نسقتها الطبيعة العذراء ، نهر وفير وغابات خضراء تحيط بالبرج العربي وفي حمايته أقيم أول حي كان أساس إنشاء مدريد ، وخلف جدران هذا الحي ارتفعت الأسوار لتدافع عن حضارتها التي بناها العرب الذين بكوها حتى جفت المآقي وغادروها عام 1083 م .
العرب والاستراتيجية :
أنشأ العرب مجريط في ها الموقع لكي يسدوا بها حاجة استراتيجية ماسة للثغور الإسلامية المتاخمة ، وسرعان ما اتسعت القلعة العربية حتى أصبحت مدينة "شريفة" كما يصفها سائر الجغرافيين العرب !
وعلى الرغم من أن العرب منشئوا مدريد أو مجريط إلا أن كثيرًا من المؤرخين اختلفوا حول اسمها ، ويُقال أن الاسم "مجريط" معنى مركب من كلمة عربية وهو "مجرى" مضاف إليه مقطع نهائي من اللاتينية الدارجة "يط" بمعنى تكثير
ويقصد بها المدينة التي تكثر المجاري فيها ، والمجاري هي قنوات الري والقنوات الجوفية التي كانت تحمل المياه إلى البيوت المزارع ، فقد حفر العرب في مجريط مئات من الآبار الارتوازية لضحالة ماء نهرها المسمى بالمنثناريس .
تحوي مدريد العديد من المعالم السياحية ولست بصدد التفصيل عنها هنا إذ أنها جميعًا ترتبط بالأسبان كمصارعة الثيران ومتحف الشموع والقصر الملكي الأسباني ، وعلى الرغم من ذلك ما زالت تحتف بذاك الطابع العربي القديم بل إن أحد أحيائها يسمى بحي العرب ، سكنه سابقًا أبناء الشمس الذين لم تسمح لهم قلوبهم بمفارقة الأرض التي عشقوها يومًا .
|
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
موضوع فخم وراااااااااااااائع جدا.. يحتاج جلسة وارتحالا في أرجائه ♥
لي عودة بحول الله فلدي الكثير لأتحدث عنه هنا :""")
حقا منتهى الإبداع ♥
+
ألا يوجد بنر للموضوع؟
|
|
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
يحتار المرء من أين يبدأ. موضوع أشبه بالكنز المفقود الذي ظل مطمورًا ومغمورًا سنين وعقودًا. من فتح الأندلس على يد طارق بن زياد ومن ورائه موسى بن نصير، إلى خرابها على الإسبان والبرتغاليين وتضييعها ملوكها لها بعد أن انشغلوا بزهرة الحياة الدنيا عن آخرتهم وما يصلح لهم من إدارة حكمهم وأمور معيشتهم...
استمتعتُ بقراءة كل حرف، وكأني بي أرى ذلك المجد الضائع قد تراءى أمامي من بين طيّات السطور قبل أن يأتي الواقع فيطرده بعيدًا ويوقظ العين بصفعة الحقيقة.
بارك الله فيك وفي شيزوكا، ولا حرمنا من إبداعكما هنا.
|
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
استحييتُ من المرور على هذا الموضوع الرائع الذي يمس فترةً تاريخيةً إسلاميةً مؤثرةً دون توجيه كلمة شكر بسيطة، فلكما الشكر الجزيل يا أثير الفكر ويا شيزوكا.
لعلي سأقترح على من يحب الاستماع أثناء القراءة (وأعلم أن بعض الناس لا يطيق ذلك xD)، لعلي أقترح عليهم بعض الأناشيد ذات العلاقة بالموضوع لترافقهم أثناء القراءة:
1- جادك الغيث
2- يا أرض أندلس الحبيبة
3- بالله إن زرتَ المغاني مرةً
4- لكل شيء إذا ما تم نقصان
وحفظكم الله ورعاكم.
|
صدقت وما أعظم مصاب المسلمين فيهاوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
يحتار المرء من أين يبدأ. موضوع أشبه بالكنز المفقود الذي ظل مطمورًا ومغمورًا سنين وعقودًا. من فتح الأندلس على يد طارق بن زياد ومن ورائه موسى بن نصير، إلى خرابها على الإسبان والبرتغاليين وتضييعها ملوكها لها بعد أن انشغلوا بزهرة الحياة الدنيا عن آخرتهم وما يصلح لهم من إدارة حكمهم وأمور معيشتهم...
استمتعتُ بقراءة كل حرف، وكأني بي أرى ذلك المجد الضائع قد تراءى أمامي من بين طيّات السطور قبل أن يأتي الواقع فيطرده بعيدًا ويوقظ العين بصفعة الحقيقة.
بارك الله فيك وفي شيزوكا، ولا حرمنا من إبداعكما هنا.
بكوها حتى جفت المآقي ، جديًا لم أقرأ شيئًا بيلغًا يصف مشهد غرناطة كقصة الذكرى بكتاب العبرات :"(
الأندلس أسطورة لن يكررها الزمن
شكرًا على طيب مرورك ، بقلبي امتنان لبق ^^
صدقتِ "(ولا يكاد يجتمع منتهى الحسن مع منتهى الألم إلا عند الحديث عن الأندلس :"(
يحدوني الأمل أن أزورها يومًا
افورة الأسود ♥
للتو أعرف بأنها ساعة *^*هناك قصيدة لأحد شعراء الأندلس في وصف النافورة والقصر قد نقشت عند هذه النافورة، كل بيت أمام أحد الأسود الاثني عشر..
وفي الواقع لم تكن هذه مجرد نافورة بل كانت ساعة كذلك!
عند الساعة الواحدة كان أحد الأسود يُخرج الماء، وعند الثانية يُخرج أسدان المياه، وهكذا حتى تخرج المياه من جميع أسود النافورة عند الساعة الثانية عشر ♥
احتار الإسبان في كيفية خروج الماء بهذه الطريقة دون وجود مضخات، ففككوها محاولين فهم طريقة عملها دون فائدة.. وعندما أعادوا تركيبها لم تعد تعمل!
النافورة وقصر الحمراء لا يزالان يحملان الكثير من الألغاز..
الأسبان والبرتغاليين أبالسة في صورة بشر
أذكر أني حنقت على إيزابيلا لما علمت بأنها دُفٍنت في إحدى حدائق قصر الحمراء -_-
مثلك بيد أنها المرة الأولى التي أُعجب فيها بشيء لنزار >_>يا للجمال..! ♥
هذه أول مرة أقرأ فيها هذه القصيدة الرائعة ♥
قصة غرناطة حكتها لي والدتي في الماضي لما كنت بالسابعةسمعت القصة لأول مرة في برنامج قصة وفكرة للدكتور طارق السويدان وقد ذكر فيها كيف أن موسى من الأبطال المنسيين الذين يجب على الجميع معرفتهم..
ملخص القصة أن موسى بن أبي غسان كان من أشجع وأمهر فرسان الأندلس، وكان ممن عارض التسليم وبشدة..
فلما توصل أبو عبد الله الصغير إلى قرار التسليم، لبس موسى عتاد حربه وخرج لملاقاة الإسبان وحيداً..
قابلته كتيبة منهم عند نهر، فقاتلهم حتى أثخن فيهم القتل والجراح.. وانتهت حكايته بسقوطه إلى النهر ليلقى حتفه غريقا..
أذكر أنني وشقيقتني عشنا جوًا معها وبكينا xDDD
وبعد بضعة سنوات قرأت كتابًا عن محاكم التفتيش تقشعر له الأبدان "(
+
رحم الله الموسى الذي قال بأن العربي ولد للجواد والرمح فإن طمح فرناندو لسيوفهم فليكسبها غالية
وما أشد المذلة التي تعرضت لها الأسرة الحاكمة حتى انتهى بهم الأمر إلى المغرب وقيل بأن البعض من أفرادها بات متسولًا يبحث عن لقمة العيش
وإياكِجزيل الشكر لك ولشيزوكا لا حُرمنا إبداعكما دوما ♥
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
استحييتُ من المرور على هذا الموضوع الرائع الذي يمس فترةً تاريخيةً إسلاميةً مؤثرةً دون توجيه كلمة شكر بسيطة، فلكما الشكر الجزيل يا أثير الفكر ويا شيزوكا.
لعلي سأقترح على من يحب الاستماع أثناء القراءة (وأعلم أن بعض الناس لا يطيق ذلك xD)، لعلي أقترح عليهم بعض الأناشيد ذات العلاقة بالموضوع لترافقهم أثناء القراءة:
1- جادك الغيث
حياك أخي ^^
العفو وسعيدة بمرورك وقراءتك للموضوع
+
لما كتبت الموضوع كنت أستمع إلى جادك الغيث في وقت الاستراحة بيد أنها بصوت مختلف
وفيها بعض التحريف في الكلمات ولكنها رائعة ^^
+
جديًا لا أستطبع القراءة بتركيز مع أي همس حتى الساعة في يدي أخلعها إن عزمت على القراءة كي لا تشوش علي xD
وإياكم :")وحفظكم الله ورعاكم.
|
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،،
لكم أعشق الأندلس وأخبار الأندلس وأهيم شوقاً بموشحاتها وأشعارها ....
وخصوصاً الزهريات منها والروضيات
يا باقة في يميني بالردى ذبلت أذاب قلبي عليها الحزن والأسف
ألم تكوني لتاج الحسن جوهرة لما غرقت فهلا صانك الصدف
.......
وروضٍ كساه الطل وشياً مجدّدَا
إذا صافحته الريح ظلتْ غصونُهُ
إذا ما انسيابُ الماء عاينتَ خِلتهُ
فأضحى مُقيماً للنفوس ومُقعدَا
رواقصَ في خُضرٍ من العَصْبِ مُيَّدَا
وقد كسَّرتْهُ راحةُ الريح .. مِبردا
حسرات في القلوب الوالهة
يا أهــل الأندلس لله دركـــــم ماء وظل وأنـــــهار وأشـجار
ماجنة الخلد إلا في دياركم ولو تخيرت هذا كنت اختار
والمحزن في الأمر أننا فقدناها كما فقدنا غيرها الكثير ولا زلنا نفقد ....
سلمت يمينك يا أثير فقد أثرت ثورة في كياني بجميل ما نثرت من الدرر هاهنا ....
شكرا لك مع وردة
|
المفضلات