₪ ][ رحلةُ الإيمانِ ][ ₪

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 16 من 16

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية ابن الفاتح

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    984
    الــــدولــــــــة
    السودان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي ₪ ][ رحلةُ الإيمانِ ][ ₪


    ... بسم الله الرحمن الرحيم ...

    ... السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...


    و جادت على كفِّيه ... عبراتٌ كيما يُسلمَها ... و اختلجت تلك العبرات أهازيجٌ و أناشيدٌ ... فرحا برؤية المباركة الآمنة ... و انطلق بين تلك الأفواج الزائرة ... متجاوزاً كل الجموع العاكفة ... مترقبا أي طريقٍ أقصرَ حتّى يَسلُك ... و ما إن رآها ... ما إن وقع بصره عليها ... حتى هاجت بين أضلعه ذكرياتٌ ... و ثارت في حناياه قصص و أخبار ... بل حياة كل السابقين ترددت أصدائها في هذا المكانْ ... و تساقطت عبرات مُحِبٍّ صادقةٌ ... فكأنما كلُّ تلك المشاعرِ أُلجمت ... و أفرجَ عنها اليومَ بلا شرطٍ أو قيْد ... فحلَّقت به عالياً بين السُّحُب ... آآه كم يذكر ... آآه كم عانى من أجلنا ... آآه كم أحبك ... آآه كم أود رؤيتك ... يا مُحمَّد ... و ي كأني أراك اليوم تقول يا صباحاه ... كذبَّكَ القوم كلهم أيها الصادق الأمين ... كم أنت رحمةٌ أيها الرسول ... فلما أن عدت لنفسِ المقامِ لم تزد على أن قلتَ : اذهبوا فأنتم الطلقاءُ ... ياه ما أحلمك ... ياه ما ألطفك ...

    و إنَّكَ لعلى خلقٍ عظيمٍ ...



    تساقط سيلٌ آخر من الدموع و كأنه جيش جرّار ... يدكُّ صيوان الأرض بخُطواتٍ مثقلة ... لكنه مع ذلك يعكس على صفحته ذكرى لطيفة ... ذكرى هادئة ... صورةٌ لشيخ و غلام ... أحدهما ينقل و الآخرُ يرصفُ ... كلاهما يَعمُران ... كلاهما يبنيان ... كلاهما يُرسِيَانِ القواعدَ ... كلاهما ... لم يستطع إكمال الذكرى فقد قاطعته أخرى ... تحوي منظرا لرجل آخر يصيح مناديا ... اللهُ أكبرُ ... اللهُ أكبرُ ... مِنْ على فوقِ أعرش تلك الكريمة ... من ثم تعاود ذكرى الحبيبِ الرجوعَ ... أهُنا كنت تسجد ؟ ... أهُنا أوذيت ؟ أهُنا صابرت و دافعت ؟ لعل قدميَ الآن تمسُّ موضعاً مسَّتهُ قَدمُكَ ... لعلي و لعلي ... ولم يتوقف هطل الأمطارِ تلكَ ... إلا على رؤية ذاك السوادِ الجميلِ ... كم علا مقامك أيُّها الجمادُ الصامت ... كم ارتفع شأنكَ بين صخورِ الأرضِ كلِّهَا ... أتدري كم عدد من قبَّلك ... يا ترى هل تحصي عدد القُبُلات الدافئة ... أم تَرقُبُ أوجهَ العشَّاقِ المُقبِلينَ ... لتشهد لهم فيما بعد بأنَّهم قد أوفوك حقَّك ...

    ربَّنَا تقبَّل مِنَّا إنَّكَ أنتَ السميعُ البصيرُ ...



    لم يُردْ مفارقةَ المكانِ فقد ذابَ في حُبّهِ ... لم يسطع أن يتركَ وراءهُ كلَّ ذلكَ ... ولكنَّ الشوقَ اجترَّهُ لما بقِيَ من شريطِ الذِّكرياتِ ... حتى يُكملَ نسج تلك الأُلبُوسَةِ الرَّائعةِ ... فواعدَ قلبهُ بالعودةِ و الإيابِ بعد قليلٍ من الزمانِ ... و أثناءَ الطريقِ أخذَ ينهلُ من تلكَ الكأسِ ... تدافعتْ تلكَ القطراتُ إلى جوفهِ ... و أحسَّ بطَمْأنينةٍ تسكنُ في قلبهِ ... وكأنَّه لم يَرتوِ قطُّ في عمره ... تساؤلٌ راوده في نفسه ... أما نشربُهُ نحنُ ماءٌ أم هذا ؟ ... تابعَ المسيرَ حتَّى وصلَ لذلكَ الجبلِ ... تسارعت إلي مخيَّلتِهِ وصورت له عيناهُ مشهداً تَتَفَطَّرُ لهُ القلوبُ ... أمٌّ حنونٌ و طفلٌ رضيعٌ يبكي و يصيحُ ... أمَّاهُ أريدُ الماءَ أريدَ أن أشربَ ... من دونِ أن ينطقَ طبعاً ... و لكنَّهَا تلكَ اللغةُ التي تفهمُها الأمُّ فقط ... تراكضت مُهرِعَةً باحثةً عن قطرةِ ماء ... هُنا و هُناك ... حتّى إذا ابتعدت قليلاً عن صوتِ البكاءِ أشفقَ قلبُهَا و خافت على حبيبِهَا ... فتعودُ إليهِ كي تسليهِ برؤيتهَا و تعلِّلُهُ بقولهَا لا يضيِّعُنَا ... حتى أكلمتْ سبعَاً من السَّعَيَاتِ ... من لي بثقةِ تلكَ الأمِّ الخاليةِ الوِفاضِ ... لا تملكُ شيئاً غيرَ نفسهَا و ابنِها ... و كلمةً لم تراجع فيها خليلهَا ... ثقةُ مؤمنةٍ بربها متوكلةٌ عليهِ ... عاملةٌ بأسبابِ التحقيقِ كلِّهَا ... و ينزلُ الفرجُ من الرَّحمنِ ... و يحلُّ الرِّضَا على كل الأهْلِ ... فتسمعُ صوتاً غريباً ... تجري نحوَ ابنِهَا خوفاً من أن يكونَ قد أصابهُ مكروهٌ ... فإذا بهَا تجدُ آثارَ رطبةً في تلكَ الأرضِ القاحلةِ ... فقد تفجَّرَ من وسْطِ القَحْطِ و من بَيْنِ أصلُبِ الجَفَافِ ... سرُّ الحياةِ ... فلَكَ الحمد يا ربَّاهُ ...

    ربنا إنِّي أسكنتُ من ذريَّتيَ بوادٍ غيرَ ذي زرعٍ ...



    تَزايلتْ أمامهُ الكثير من الصُّورِ ... و تساقطتْ على أرضِ تلكَ الطاهرةِ ... كثيرٌ بل كثيفٌ من الدموعِ ... وكأنَّ على رأسِ كلِّ جمعٍ كثيفٍ كثيبٌ ... على اختلافِ مواضِعِ تساقُطِهَا ففي كلِ مكانٍ دليلٌ ... أما أشَدُّها فكانت على ذلك الجبل الطَّاهِرِ ... حيثُ تُقبَلُ الدَّعَواتُ ولا تُردُّ ... و تكثُرُ الأسئلةُ بكلِّ ألوانِ اللُّغاتِ و أشكالِ اللَّهجَاتِ ... فتأتِي الإجابةُ على كلِّ سُؤالٍ منفرداً حالَ سُؤالِهِ ... سَلُوا مَا شِئتُم فإنِّي قد غَفَرتُ لكُم ... و اطلُبُوا ما أرَدْتُم فقد رَضيتُ عنكُم ... إلهي لإن لم أسطع اللحاقَ بتلكَ الأفواجِ فلا تَحرمنيَ أجرَ ذاكَ اليومِ العظيمِ ... و هُنا حُقَّ للعَبَراتِ فٍعلاً أن تُسكبَ ...

    مَا أَرَادَ هؤُلاءِ ، أُشْهِدُكُم أنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُم ...



    عودةٌ أخرى لتحقيقِ الوعدِ ... و الرجوعِ للحبيبِ المنتظرِ ... نَظرةٌ أخيرةٌ قبلَ الفِراق ... فقد آذنَ الرَّحيلُ ... هذه المرَّة لا تسكب عبرات إنما تهطِلُ أمطارٌ ... يبدأُ قطرةً و يُحَالُ غيثاً ... حُزنَاً على فراقِ البيتِ ... و رغبةً في المكوثِ أكثرَ في ضيافةِ ربِّ البيتِ ... وبينَمَا هُوَ على ذلكَ إذ تَبرُقُ لهُ خاطرةٌ ... ينظرُ عن يمينهِ فإذا بذاكَ أعَجَمِيٌّ ... عنْ يسارهِ فإذا بهِ عربيٌّ ... أحَسَّ بأنَّ عينهُ قدْ أخطأتِ النَّظرَ .. عاودَ مرَّةً أخرى ليلقيَ البصرَ ... مُسلمٌ عن يمينهِ و هوَ عن يمينِ مسلمٍ ... نَعَمْ ... هكَذا أفضلْ هكذا أصَحُّ و أسلم ... و ليستْ كُلُّ عباراتِ البشرِ ... فهُنَا الكلُّ واحدٌ ... فهُنا كل الرؤسِ تخضعُ ... فهُنا كلُّ الهامات تركَعُ ... فهنا الكلُّ مُسلِمْ ... و الكلُّ عبدُ اللهِ و لهُ كلُّهُم يتبَع ... لكنْ ليسَ هنا فقط ففي أيِّ مكانٍ و زمانٍ ... يظلُّ الإسلامُ إصْرَاً فوقَ كُلِّ رَبطٍ و جامِعٍ ... أخذَ يردد ... إلا بالتقوى ... إلا بالتقوى ... إلا بالتقوى ... .

    يأتوك رجالاً وعلى كلِّ ضامرٍ يأتينَ من كلِّ فجٍّ عميق ...



    آخرُ ما تبادرَ إلى ذهنهِ ذلكَ الموقفُ الأَبَوِيُّ العجيبُ ... رحمةٌ أبويَّةٌ و إيمانٌ صادقٌ ... طاعةٌ بَنَوِيَّةٌ و بِرٌّ بربِّ حَلِيمٍ ... قامَ الشيخُ فزعاً من المنامِ فقد رأى حُلُمَا مُزعِجَاً ... عاودَ النَّومَ فإذا بذاتِ الحلم يتكرَّر ... فعلم أنه ليسَ مجردَ أضغاثٍ إنما هي حقٌ وجب إِعمالهُ ... أيَقظَ حبيبَ قلبهِ و فلذةَ كبدهِ ... أيقظهُ من نومهِ ليُخبِرَهُ بأنَّ الأمرَ وقعَ عليهِ بالموتِ و على أبيهِ بالتنفيذِ ... لمْ تردْ خاطرةٌ أو فكرةٌ في ذِهنِ ذاكَ الابنِ المحبِّ ... بل حتَّى لم يرِد في تفكيرهِ كلُّ هذا ... كانتْ بسيطةً واضحةً تلكَ الإجابةُ التي قدَّمَهَا ... افعلْ ما تُؤمَر يا أبتِ ... لنْ أعصي يوماً مولايَ ... و استَلَّ الوالدُ سكِّيناً و استسلمَ ابنٌ لرداهُ ... و بدأ بالنَّحرِ ... ألكَ أن تتخيلَ شُعورهُ ؟ ... هل لكَ أنْ تُحِسَّ ببعضِ ما يَكتنِفُ دواخلهُ ؟ ... كيفَ كانَ يُمسِكُ تلكَ السِكِّينَ بيديهِ ؟ ... كيفَ أمضَاهَا يا تُرى ؟ ... و لطائفُ المنَّانِ بالكونِ نازلةٌ ... و تَضَرُّعاتُ الكونِ إلى اللهِ صاعدةٌ ... فوقع الأمرُ بحذفِ خاصيةِ القطعِ مِن تلكَ السكينِ ...و وقعَ الجوابُ أنْ صدَّقتَ الرؤيا ... لا تحَزنْ فلنْ نُحزِنَ قلبكَ ... و ها قد فديناهُ بكبشٍ من أرضِ الجنانِ ...

    سلامٌ على آلِ إبراهيمَ و سلامٌ على إسماعيلَ و سلامٌ على مُحَمَّدٍ ... و سلامٌ على من اتَّبَعَهُم أجمعين ...


    في أمان الله




    التعديل الأخير تم بواسطة ابن الفاتح ; 23-11-2009 الساعة 01:15 AM سبب آخر: لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك .

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...