[تقرير] ~~~ جادك الغيث إذا الغيث همى ~~~

[ منتدى اللغة العربية ]


النتائج 1 إلى 20 من 38

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية سجين العالمَين

    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المـشـــاركــات
    2,110
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Cool [تقرير] ~~~ جادك الغيث إذا الغيث همى ~~~






    حفظتُ -بحمد الله- موشحةَ لسانِ الدين ابنِ الخطيبِ، فأحببتُ كتابتَها علَّ قارئًا شَغُوفًا أو مارًّا مَلْهوفًا يستمتعُ بها كما استمتعَ صاحبُكم بها، ويستقي منها عن ظمأ اليأس كأس الأمل؛ فهي -بحق- قمةٌ في المتعةِ والجمالِ الأدبيِّ، فيا ليته أطالها فطالتْ وأطالتْ أبياتًا طِوالاً..


    موشّحة لسان الدين ابن الخطيب : جادك الغيث إذا الغيث همى



    ذَكَرَ ابنُ سناء الملك في كتابِه "دار الطراز" مُعرّفاً الموشحَ فقال :
    " الموشحُ كلامٌ منظومٌ على وزنٍ مخصوصٍ . وهو يتألفُ في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات ويقال له التام، وفي الأقل من خمسةِ أقفالٍ وخمسةِ أبياتٍ ويقالُ له الأقرع. فالتامُّ ما ابتُدِئ فيه بالأقفال، والأقرعُ ما ابتُدِئ فيه بالأبيات"


    وقد سُميَ هذا الفنُّ بالموشَّح(أو التوشيح أو الموشحة) لما فيه من ترصيعٍ وتزيينٍ وتناظرٍ وصنعةٍ؛ فكأنهم شبهوه بوشاحِ المرأةِ المرصّعِ باللؤلؤِ والجوهرِ.

    ويقال له الموشَّح (بفتح الشين لا بكسرها)
    لأن الموشِّح (بالكسر) هو الشاعر !
    أما الموشَّح (بالفتح) فتعود للقصيدة.



    أجمع مؤرخو الشعرِ العربيِّ على أن فنَ الموشحاتِ فن أندلسيٌّ خالصٌ ، عُرِف به أبناءُ الأندلسِ ومنهمُ انْتقلَ مُتأخِراً إلى المشرق ، وهو من أروعِ ما خلّفَ الأندلسيون من تراث أدبي.



    بالإضافة إلى الجمع بين الفصحى والعاميةِ تميزتِ الموشحاتُ بتحريرِ الوزنِ والقافيةِ، وتوشيحِ (أي ترصيعِ) أبياتِها بفنونِ صناعةِ النَظْمِ المختلفةِ: من تقابلٍ وتناظرٍ واستعراضِ أوزانَ وقوافيَ جديدةً تكسرُ مللَ القصائد، وتبع ذلك أن تلحينها جاء أيضا مغايرا لتلحين القصيدة، فاللحنُ يَنطوي على تغيراتٍ الهدفُ منها الإكثارُ من التشكيلِ والتلوينِ ، ويُمكن تلحينُ الموشح على أي وزن موسيقي لكن عرفت لها موازينٌ خاصةٌ غيرُ معتادةٍ في القصائدِ وأشكالِ الغناءِ الأخرى.



    قصيدتنا في هذا الموضوع هي قصيدة بلغت من شهرتها أن طغت على الأصل! وهل هناك أصل لها؟ نعم
    فبماذا عرفت قصيدتنا وما هو الأصل إذاً؟
    عرفت القصيدة التي سنتناولها في هذا المجلس بموشحة "جادك الغيث" وتُعرف أحياناً بـ "زمان الوصل"
    عارضَ فيها قائُلها قصيدةَ "هل دَرَى ظبيُ الحِمى"


    قائلها هو:
    هو الشاعر الأندلسي أبو إسحاق إبراهيم بن سهل الإشبيلي ولد في إشبيلية وسكن سبتة في المغرب الأقصى، كان يهوديا فأسلم؛ لذا يقال له بعض الأحيان ابن سهل الإسرائيلي رحمه الله.
    له ديوان شعري صغير أكثره من الوجدانيات يتميز شعره بالرقة، والعذوبة، ونظم الموشحات. مات غرقا بعد أن انقلب به المركب وهو في الثالثة والأربعين من العمر وتوفي معه والي سبتة.
    كان مولده عام:
    605 هـ، 1208م
    وتوفيَ عام :
    649هـ ،1251م
    أما عن قصيدته فهي من روائع الموشحات -حقيقة- ولنذكرها كاملة فهي رائعة وتستحق القراءة والإستمتاع بما قيل فيها :

    هل درى ظبيُ الحمى أن قد حمى --*-- قلبَ صبٍّ حلَّه عن مَكنَسِ
    فهو في حرٍ وخفقٍ مثلما --*-- لعِبَتْ ريحُ الصَّبا بالقَبَسِ

    يا بدوراً أطلعتْ يومَ النوى --*-- غرراً تسلكُ بي نهجَ الغررْ
    ما لنفسي وحدها ذنبٌ سوى --*-- منكمُ الحسنُ ومن عيني النظرْ
    أجتني اللذاتِ مكلومَ الجوى --*-- والتذاذي من حبيبي بالفكرْ
    وإذا أشكو بوجدي بسما --*-- كالربى والعارضِ المنبجسِ
    إذ يُقيمُ القَطرُ فيه مأتَما --*-- وهيَ من بَهجَتِها في عُرُسِ

    من غذا أملي عليهِ حرقي --*-- طارحتني مقلتاهُ الدنفا
    تركتْ أجفانهْ من رمقي --*-- أثرَ النملِ على صمّ الصفا
    وأنا أشكُرُهُ فيما بقي --*-- لستُ ألحاهُ على ما أتلفا
    فهوَ عندي عادلٌ إن ظلما --*-- وعَذُولي نُطقُهُ كالخَرَسِ
    لَيْس لي في الأمرِ حُكمٌ بعدما --*-- حلَّ من نفسي محلَّ النفسِ

    غالِبٌ لي غالِبٌ بالتُّؤدَهْ --*-- بأبي أفديه من جافٍ رقيقْ
    ما علمنا قبلَ ثَغرٍ نَضَّدَهْ --*-- أقحواناً عصرتْ منه رحيقْ
    أخذتْ عيناهْ منها العربدهْ --*-- وفؤادي سُكرُهُ ما إن يُفِيقْ
    فاحمُ اللمة ِ معسولُ اللمى --*-- ساحرُ الغُنجِ شهِيُّ اللَّعَسِ
    حسنهُ يتلو " الضحى " مبتسما --*-- وهوَ من إعراضه في "عبسِ "

    أيها السائلُ عن جُرمي لدَيهْ --*-- لي جزاءُ الذنبِ وهوَ المذنبُ
    أخذتْ شمسُ الضحى من وجنتيهْ --*-- مَشرِقاً للشمسِ فيه مَغرِبُ
    ذَهَّبَتْ دمعيَ أشواقي إلَيْهْ --*-- وله خَدٌّ بلَحظي مَذهَبُ
    يُنبِتُ الوردَ بغَرسي كُلّما --*-- لحظتْهُ مُقلتي في الخُلَسِ
    ليتَ شعري أيّ شيءٍ حرما --*-- ذلك الوردَ على المُغتَرِسِ

    أنفدَتْ دمعيَ نارٌ في ضرامْ --*-- تَلْتظي في كلِّ حِينٍ ما يشا
    هيَ في خَدّيه بَردٌ وسلامْ --*-- وهي ضرٌّ وحريقٌ في الحشا
    أتقي منه على حكمِ الغرامْ --*-- أسد الغاب، وأهواهُ رشا
    قلتُ لما أن تبدى معلما --*-- و هو من ألحاظهِ في حرسِ :
    أيها الآخِذُ قلبي مَغنَما --*-- اجعلِ الوَصلَ مَكانَ الخُمُسِ



    أما قائلُها فهو:
    أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ سعيدِ بنِ الخطيبِ.
    عرف بـ "ذي الوزارتين" وزارةِ الأدبِ ووزارةِ السيفِ .
    كان مولدهُ عامَ :
    713 هـ/1313م
    وتوفيَ عام :
    776 هـ/ 1374م في مدينة فاس.

    أطلت يا صاحبي فما رأيك أن تُعطيَنيها؟
    حسناً فلنبحر سوياً في هذا السحر الأدبي



    جــادك الغـيث إذا الغـيث هـمى ~~~ يــازمــــان الــوصل بالأندلس
    لــم يــكن وصــلـك إلا حــلـمـــا~~~ في الكـرى أو خلسة المختلس


    إذ يقـود الدهر أشتات المنى ~~~ ننقل الخـطـو على مـا ترسم
    زمـــراً بين فــرادى وثـنــــا ~~~ مثلما يدعو الحجيج الموسم
    والحيا قد جلل الروض سنا ~~~ فـثـغــور الـزهــر فيــه تبسم


    وروى النعــمان عـن مــاء السما ~~~ كيف يـروي مـالك عـن أنـس
    فـكـســاه الحسـن ثــوباً مـعـلـمــا ~~~ يــزدهي منـه بـأبـهى ملـبس


    في ليــالٍ كتمت ســر الهـــوى ~~~ بالـدجى لـولا شـمـوس الغــرر
    مــال نجـم الكأس فيها وهـوى ~~~ مستـقـيـم السـير سعــد الأثـــر
    وطــرٌ مـا فيه مـن عـيب سوى ~~~ أنـــه مـــر كـلـمــح الــبــصــر
    حين لـذ النــوم شيئـاً أو كـمــا ~~~ هـجــم الصبح هجــوم الحرس
    غــارت الشهـب بنــا أو ربمــا ~~~ أثــرت فـينــا عـيون الـنرجس


    أي شيء لامرئ قد خلصا ~~~ فيكون الروض قـد مُكـِّن فـيـه
    تنهب الأزهار فيه الفرصا ~~~ أمـنت مـن مـكـره مــا تتقـيـه
    فإذا الماء تناجى والحصا ~~~ وخــلا كـل خـليـل بــأخـــيـــه
    تبصر الورد غيوراً برمـا ~~~ يكتسي مـن غـيظـه ما يكتـسي
    وتـرى الآس لبيـبـاً فهما ~~~ يســرق السمـع بـــأُذني فــرس


    يــاأهيـل الحي مـن وادي الـغـضــا ~~~ وبـقــلــبي مـسـكـن أنتـم بــه
    ضاق عن وجهي بكم رحب الفضا ~~~ لا أبـالي شــرقــه مـن غـربـه
    فــأعـيدوا عـهـد أنـس قــد مـضـى ~~~ تعـتـقـوا عـبدكــم مـن كـربـه
    واتقوا الله وأحيوا مغرماً ~~~ يتلاشى نفساً في نفس
    حبس القلب عليكم كرما ~~~ أفترضون عفاء الحبس



    وبـقـلـبـي مـنـكـــم مـقــتــرب ~~~ بــأحاديث المـنى وهـــو بعـــيد
    قـمــر أطـلـع مـنــه الـمـغــرب ~~~ شـقـوة المضنى به وهـو سعيد
    قــد تسـاوى محسن أو مـذنب ~~~ في هـــواه بين وعــد ووعــيـد
    أحــور المقـلة معسـول اللمى ~~~ جــال في النفـس مجـال النفـس
    سـدد السهـم فـأصمى إذ رمى ~~~ بـفـــؤادي نـبـلـة الـمــفــتــرس

    إن يكـن جـار وخـاب الأمـل ~~~ فـفـؤاد الصـب بـالشوق يذوب
    فـهــو للـنفـس حـبـيـب أول ~~~ ليس في الحب لمحبوب ذنوب
    أمــــره مـعــتـمـل مـمـتـثـل ~~~ في ضـلـوع قـد بـراهـا وقـلوب
    حـكـم اللـحـظ بـه واحـتـكـما ~~~ لـم يـراقب في ضعـاف الأنفـس
    يـنـصف المظلوم ممن ظـلما ~~~ ويـجـازي الـبر منهـا والمـسي


    ما لقلبي كلما هبت صبا ~~~ عـاده عـيد مـن الشوق جديد
    جلب الهـم لـه والوصـبا ~~~ فهو للأشجان في جهد جهيد
    كان في اللوح له مكتـتبا ~~~ قــولـه : إن عـذابي لـشـديـد
    لاعج في أضلعي قد أُضرما ~~~ فهي نار في هشيم اليبس
    لم يدع في مهجتي إلا ذمـا ~~~ كـبقاء الصبح بعد الغـلس

    سلـمي يــانفـس في حـكـم الـقـضـا ~~~ واعـمري الوقت برجعـى ومتاب
    ودعــي ذكــــر زمـــان قـــد مضـى ~~~ بين عـتبى قــد تقـضت وعـتـاب
    واصرفي القول إلى المولى الرضى ~~~ مـلهـم التـوفـيق فـي أم الكـتـاب
    الـكــريـم المنتهى والمنتمى ~~~ أسـد السرج وبـدر المجـلس
    يـنزل النصر عـليـه مـثلـمـا ~~~ ينزل الـوحي بروح الـقـدس
    مصطــفى الله سـمي المصطـفى ~~~ الـغــني بـــالله عــن كـل أحـــد
    مــن إذا مــا عـقــد العـهــد وفى ~~~ وإذا مــــا فـتـح الخطـب عـقــد
    مــن بني قـيـس بن سعـد وكفى ~~~ حيث بيت النصر مرفوع العـمد
    حيث بيت النصر محـمي الحـمى ~~~ وجـنى الفـضل زكـي الـمغـرس
    والـهــوى ظــل ظـلـيـل خـيـمـــا ~~~ والـنــدى هــب إلى المـغــتـرس


    هـاكهـا يـاسـبـط أنصـار الـعلا ~~~ والــذي إن عـثر الـدهر أقـال
    غــادة ألـبسهــا الحســن مــلا ~~~ تـبـهـر العـين جـلاء وصقـال
    عـارضـت لفـظاً ومعنى وحلى ~~~ قـول مـن أنطقه الحب فـقـال:
    هـل درى ظبي الحمى أن قـد حمى ~~~ قـلب صـب حـله عـن مكـنس
    فـهــو في حـــر وخـفــق مـثـلـمـــا ~~~ لعـبت ريـح الصـبـا بالقـبس




    من لطائفِ وظرائفِ هذه القصيدةِ أنه أثناء بحثي عنها وجدتُ ما استوقفني ضاحكًا متعجبًا!
    فقد غنّت فيروزُ بعضَ أبياتِ هذه الموشحةِ (وليس من باب المفاخرة ولا الإعلان) مما حدى بالأديب والشاعر يوسف العظم -رحمه الله- بمعارضة هذه القصيدة أيضاً رداً على فيروزَ حيث كان مطلعها:
    خندقي قبري وقبري خندقي~~~وزنادي صامتُ لم ينطقِ
    إلى أن بلغ:
    نحن يافيروز ماعاد لنا~~~أذنُ تهفو وللحن تحن
    كل مافينا جراحُ ودمُ~~~نازفُ من كبدٍ حرى تئن
    إلى آخر القصيدة وهذا رابطها لمن أحب الإستماع:
    هـــــــــــــــــنــــــــــــــــــــــــا
    ملاحظة:تم إنشادها مرتين ووضعتهما جميعاً



    أطلت فعذراً، لكنها الزيارة الرسمية الأولى لي في ذا القسم المبارك؛ فلم أرد أن تكون زيارة باهتة
    أتمنى أن يكون الموضوع نال على إستحسانكم واستمتعتم به ^^
    لايشكر الله من لايشكر الناس فأتوجه بالشكر لأخي Mr.K.K.B على مابذل في تنسيق وتصحيح في الموضوع فالشكر لربي عز وجل ثم له.


    ولمن أراد النقل فليتفضل فقط ليذكر المصدر ولكم التحية.
    <سجين العالمين>[/CENTER]
    التعديل الأخير تم بواسطة سجين العالمَين ; 18-1-2010 الساعة 08:48 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...