أهلاً بكم من جديد وعلى بركة الله نبدأ ..

سنتحدث اليوم عن نفس الله عز وجل التي هي ذاته المقدسة المتصفة بصفاته تبارك وتعالى ..


[1] إثبات نفسه تبارك وتعالى ...

المراد بنفسه ذاته المقدسة ، فعند جمهور العلماء : المراد بلفظ النفس الله نفسه التي هي ذاته ، والمتصفة بصفاته ، وليس المراد بها ذاتاً منفكة متجردة عن الصفات ولا المراد بها صفة الذات .

قال تعالى : [ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ] .. [المائدة اا 116 ]
وقال تعالى : [ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ] .. [ آل عمران اا 28 ]
[ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ] .. [ الأنعام اا 54 ] ، [ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ] .. [ طه اا 41 ]

وكذا جاء في الحديث الصحيح . يقول تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي .. ) - الحديث - [ متفق عليه ]
وعن أبي وائل عن عبد الله قال : قال رسول الله صلة الله عليه وسلم : ( ليس أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذالك مدح نفسه ..) - الحديث - [ متفق عليه ]

وهذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تدل على أن المراد بالنفس هو الله تعالى . لا صفة للذات .

وجاء في تفسير ابن جرير عند قوله : [ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ] يقول : "إنك يارب لا يخفى عليك ما أضمرته نفسي مما لم أنطق به ولم أظهره بجوارحي ، فكيف بما نطقت به وأظهرتهبجوارحي ولو كنت قد قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ، كنت قد علمته لأنك تعلم ضمائر النفوس مما لم تنطق به ، فكيف بما نطقت به " [ وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ] يقول : "ولا أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه لأني إنما أعلم من الأشياء ما علمتنيه " ، وعنه أيضاً عند تفسيره لقوله تعالى [ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ] " أنعمت عليك ياموسى هذه النعم ، ومننت عليك هذه المنن اجتباء مني لك واختباراً لرسالتي والبلاغ عني والقيام بأمري ونهيي ".

وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية [ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ] أي اصطفيتك واجتبيتك رسولاً لنفسي أي كما أريد وأشاء.

وقال شيخ الإسلام : ونفسه هي ذاته المقدسة . ويراد بنفس الشيء ذاته ، وعينه ، كما يقال رأيت زيداً نفسه ، وعينه .

وقال أبو إسحاق الزجاج في قوله تعالى : [ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ] أي إياه .

وجاء عن البيهقي في الأسماء والصفات ، عند قوله : [ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ] ومعناه تعلم ما أكنه وما أسره ولا أعلم ماتسره عني . انتهى كلامه .

ومن جعل النفس من الصفات فقد أخطأ ومن إعتقد أنها الذات المجردة عن الصفات كذلك أخطأ . والصواب هو أن المراد بالنفس في هذا : الله تعالى ، فالمراد بنفسه ذاته المقدسة المتصفة بصفاته ، وليس المراد بها صفة للذات .



[ الأحاديث النبوية التي جاء فيها ذكر نفسه عز وجل ]


  • عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لما خلق الله الخلق كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه وهو وضع عنده على العرش أن رحمتي تغلب غضبي ) .. [ متفق عليه وهذا لفظ البخاري ] .


والشاهد في الحديث لموضوع الباب هو قوله : (يكتب على نفسه ) ونفسه تعالى ذاته المقدسة كما بينا ذالك .



  • عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً وإن تقرب إلى ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) .. [ متفق عليه وهذا لفظ البخاري ] .

وقوله : ( ذكرته في نفسي ) هو الشاهد لموضوع الباب . ونفسه تعالى تليق به وليست كأنفس أحدٍ من خلقه .



  • عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (التقى آدم موسى فقال موسى لآدم : أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة ، قال له آدم : أنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة ، قال نعم قال فوجدتها كتب علىّ قبل أن يخلقني قال نعم فحج آدم موسى ) .. [ متفق عليه وهذا لفظ البخاري ] .

والشاهد قوله : ( واصطفاك لنفسه ) .




  • عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال : ( لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه ) .. [ متفق عليه وهذا لفظ البخاري ] .

قوله: ( مدح نفسه ) هو الشاهد لموضوع الباب .

الله سبحانه وتعالى أهل للمدح والثناء فلكماله المطلق مدح نفسه لأن الخلق غير قادرين على مدحه بما يستحق فلذلك مدح نفسه .



  • عن ابن عباس عن جويرية : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : مازلت على الحال التي فارقتك فيه ؟ قالت : نعم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاثة مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ) .. [ رواه مسلم ] .

الشاهد في الحديث لموضوع الباب فوله : ( ورضا نفسه ) .




هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرا ...