بسم الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

من نَظرَ إلى كثيرٍ من القضايا الفكرية والاجتماعية وقضايا الرأي بشكلٍ عام سيجد بوناً شاسعاً بين الناس في الآراء والدوافع نحو الفكرةِ أو المبدأ ، وكذلك طبيعة فهم الأمور وما يدور في فلك الحياة من مستجداتٍ من لم يواكبها أصبح كالعملة المسكوكة في متحفِ الآثار ليس لها حظٌّ في التداول ولا هي تملك غير حقيقة الوجود دون روحه وعيشِه .

يختلف الناس كثيراً في تحديد الثوابت والمتغيرات ، فما هو ثابت عند البعض قد يكون قابلاً للتغيير عند البعضِ الآخر - تماماً كمبدأ النسبية - ، ويعود ذلك الاختلاف إلى المرجعيات الثقافية و درجة تعلم الفرد ، وتلعبُ الأهواء فيه دوراً مهماً كذلك .

إننا نعيش في زمنٍ قد أصبحت النسبيَّة فيه تطغى على كل شيء ، فلم يعد للثوابت والمسلمات وجودٌ عند البعض ، وفي الطرف الآخر لم يعد للتغيير والتجديد أي معنىً ولا مغزىً في الحياة ، فهو - عندهم - خروجٌ على المألوف ، وفلسفةٌ لا داعي لها .

قدرةُ الإنسان على استيعاب الأشياء على حقيقتها صعبةٌ جداً إذا اعتمد في ذلك على نفسه ، فحدود عقله وإدراكه هي بحدود حواسِّه ، ولذلك ما اعتمدَ بشرٌ على العقلِ المحض إلا وأورده المهالك في فضاءات المطلقِ واللامحدود .

إنَّ الإنسان يحتاج إلى من يبصره بأمور معاشه ومعاده - ومسألةُ ما بعد الموت قد أرَّقت الفلاسفة والمفكرين ممن اعتمدوا العقلَ مرجعاً وآية - فآل بهم ذلك إلى الحيرة والرجوع إلى نقطة الصفر ، فأنَّى لهم أن يفهموا كنه شيءٍ لم يسبروه أو يجربوه .

ولذلك فإنَّ المسلم الحق والمؤمن الحصيف ليعلمُ أنَّ الخالقَ العظيم الذي أحاط بكلِّ شيءٍ خبرا ، ووسعَ كلَّ شيءٍ علما ، قد عرَّفه نفسه ومبدأها ومنتهاها ومآلها وما يصلح دنياها ويضمن آخرتها ، فأرسل له الرسول وأنزل الكتاب تبياناً لكلِّ شيء ، فلم يعد يحتاج إلى أن يحبس نفسهُ بضيق الأفق في الفكر ، فقد أصبح لديه من الثوابت والمسلمات ما تصوغ له طريق الصلاحِ وعمارة الأرض ومن ثمَّ معرفة المتغير وما يقبلُ التغيير .

إلى مصارحةٍ أخرى نلقاكم على خير