الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ، ومن أتبع هداه إلى يوم الدين ،،، وبعد :


قال تعالى في محكم التنزيل { وأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ } ، لقد أمرنا ربنا جل في علاه بطاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وكرر ذلك في أكثر من موضع من القرآن الكريم ، والطاعة تكون في كل ما أمر وما نهى عنه وزجر ، وأخبر سبحانه أن من أطاعه وأطاع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فذلك هو الفوز العظيم قال تعالى { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ، وأمر عباده أن يقتدوا برسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن في ذلك سبيل النجاة وطريق الخلاص ، فقال جل جلاله { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } ، ومع كل هذه الآيات الكريمات ترى كثير من المسلمين اليوم يبتعدون عن الدين ، ويلهثون وراء المميعين ، عباد الدينار والدرهم ، حتى باتت كثير من "أحكام الدين" اليوم عادة قديمة غير متحضرة همجية ، تشوه الإنسان ، ومن يطبق السنة فهو متحجر متشدد ( متقوقع ) ، وهابي ...... الخ .


ومن تلك الأحكام التي تساهل بها المسلمون في وقتنا الحاضر إسبال الثوب وإطالته ، حتى أصبح الأمر عادي ،، والبعض يجادل في ذلك ويرميك بمئات من شبه إبليس ، واليوم من يقصر ثوبه فهو محارب ..



حتى أن في بعض البلدان إذا رأوك مقصر ثوبك ، (( الله ،،، الله )) إلى وادي "السياط" لترى الموت يا .. إرهابي يا وهابي يا تكفيري ، "مجرم متطرف" !!؟
الله المستعــــان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله



قد ذكرت الأدلة على التحريم والأقوال ولم استطرد في ذلك فالمهم عندنا الراجح











نبدأ على بركة الله تعالى في صلب الموضوع :



الإسبال في اللغة :الإرخاء والإرسال من غير تقيد .

اصطلاحاً :المسبل إزاره : المرخي له الجار طرفه ، وهو أيضاً : إرخاء اللباس وإرساله بحيث يتجاوز الحد المقرر في النصوص الشرعية ولا يتقيد بالخيلاء .



أدلة تحريم الإسبال إجمالاً :

وردت أحاديث كثيرة في ذلك واخترت منها أربع لعموم اللفظ .. وهي :

1- عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )) متفق عليه .

2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار )) رواه البخاري .

3- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : ( مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء ، فقال : (( يا عبد الله ارفع إزارك )) فرفعته . ثم قال(( زد )) فزدت ، فما زلت أتحراها بعد . فقال له بعض القوم : إلى أين ؟ قال : إلى أنصاف الساقين ) رواه مسلم .

4- وعن جابر بن سليم رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة ... )) رواه أبي داود في السنن وصححه ابن القيم .







وينقسم الإسبال إلى قسمين ( خيلاء ولغير الخيلاء )

حكم الإسبال الخيلاء :

أتفق أهل العلم بأن من أسبل للخيلاء فهو متعرض للعذاب وأنها من الكبائر وأن الله لا ينظر إليه يوم القيامة .

قال ابن عبد البر -رحمه الله- : " والخيلاء والاختيال وهو التكبّر والتَّبَخْتُر والزهو ، وكل ذلك أَشَرٌ وبَطَر ، وازدراء على الناس واحتقار لهم ، والله لا يُحبّ كل مختال فخور ، ولا يحب المُستكبرين " .

وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- : "إسبال الإزار للخيلاء كبيرة " ، أي : من كبائر الذنوب .

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- : " الذي يجرُ ثوبه خيلاء ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له أربع عقوبات والعياذ بالله لا يكلمه الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليه (يعني نظرة رحمة) ولا يُزكيه ، وله عذابٌ أليم ... أربع عقوبات يُعاقب بها المرءُ إذا جر ثوبه خيلاء " .







حكم الإسبال لغير الخيلاء :

اختلفوا في الذي يسبل لتساهل منه أو لعادة قومه أو عدم المبالاة في ذلك ... ولكن لا يقصد في ذلك البطر والكبر والرياء على قولين وهما :

القول الأول : حرام .

والأدلة حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم (( ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار )) ، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما " مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء ، فقال (( يا عبد الله ارفع إزارك )) فرفعته ، ثم قال (( زد )) فزدت ، فما زلت أتحراها بعد . فقال له بعض القوم : إلى أين ؟ ، قال ( إلى نصف الساق ) " ، وأيضاً أحاديث المسبل للخيلاء ...

لأن الإسبال مظنة للخيلاء ، وذريعة إليها ، وهو إسراف ولو كان بغير قصد ، والإسبال يسبب في تعلق النجسات .







القول الثاني : مكروه ، كراهة تنزيه .

واستدلوا بما استدل به أصحاب القول الأول ولكن اختلفوا في تفسيرها ، فقالوا : " الأمر برفع الإزار للاستحباب وليس للوجوب " ، وحملوا النصوص التي فيها النهي عن الإسبال مُطلقاً إلى النصوص المقيدة بحال الخيلاء .

واستدلوا أيضاً بحديث ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )) ، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ( يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه ) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( لست ممن يصنعه خيلاء )) متفق عليه .

والراجح كما هو معلوم من الأحاديث النبوية هو القول الأول ( التحريم )

قال ابن عثيمين : ( والصحيح أنه حرام سواءً كان للخيلاء أم لغير الخيلاء ) .








شبهة والرد عليها من كلام الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- :


" وهنا شبهة ترد كثيراً وكثيراً في مثل هذه المناسبة ، يقولون : إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قال في الحديث ((من جر إزاره خيلاء )) ، فنحن اليوم سواءً كنا شباباً أو شيوخاً ، لا نجر الثياب تحت الكعبين خيلاء ، وإنما هو عادة و(موضة) ويحتج أولئك بما جاء في صحيح البخاري : أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- لما سمع هذا الوعيد الشديد لمن يجر إزاره خيلاء قال (( يا رسول الله ! فإن ثوبي يقع ، فقال له عليه الصلاة السلام : إنك لا تفعله خيلاء )) ، فيتمسك أولئك بقول الرسول عليه الصلاة والسلام هذا لـ أبي بكر ، ويحتجون به على أنإطالة الثوب تحت الكعبين إنما يكون ممنوعاً إذا اقترن بهذا القصد السيئ ، ألا وهو : الخيلاء والتكبر .


الآن أقول : جوابي على هذا من وجهين اثنين : الأول : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يقل : أنا حينما أُفَصِّل ثوبي أجعله طويلاً تحت الكعبين لا أقصد بذلك الخيلاء ، وإنما قال: ( يقع !) وهذا يعرفه الذين اعتادوا أن يلبسوا العباءة ، فقد تكون العباءة مُفَصَّلة حسب السنة ، أي فوق الكعبين ؛ لكن مع الانطلاق والسير والعمل والصلاة تصبح العباءة متدلية إلى الخلف فتنزل إلى ما تحت الكعبين هذا هو الذي أشار إليه أبو بكر في سؤاله ، وقال له الرسول صلوات الله وسلامه عليه (( إنك لا تفعله خيلاء )) .


أما أن يأتي الرجل فيُفَصِّل الثوب -أيَّ ثوبٍ كان مما سبقت الإشارة إليه- طويلاً خلافاً للشرع ، ويبرر ذلك بأنه لا يفعل ذلك خيلاء ، فهذا من تلبيسات الشيطان على بني الإنسان .


وبعد هذا نقول في الجواب عن هذه الشبهة ، بعد أن أوضحنا أن حديث أبي بكر الصديق إنَّما يعني الثوب الذي يستطيل بدون قصد صاحبه ، ما لَمْ يُوْصِلُه صاحبه ويفصِّله طويلاً تحت الكعبين ، ويدَّعي أنه إنما يفعل ذلك بغير قصد الخيلاء ، نقول: ليس من المفروض في المجتمع الإسلامي الصحيح أن يعمل المسلم – فضلاً عن جماهير المسلمين- عملاً يحتاج كل منهم إلى أن يبرر هذا العمل بحسن النية ، فهذا الأمر لا يكاد ينتهي ، وهذا يخالف نصوصاً من الأحاديث الصحيحة التي تربي المسلم على ألاَّ يعمل عملاً ، وألاَّ يتكلم كلاماً ، وألاَّ يقول قولاً يحتاج بعد ذلك كله إلىأن يقدم له عذراً ، حيث قال عليه الصلاة والسلام ((لا تَكَلَّمَنَّ بكلام تعتذر به عند الناس)) هذا خاص بالكلام ؛ لكن يأتي الحديث الآخر يشمله ويشمل غيره من الأعمال ، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام ((إياك وما يُعْتَذَرُ منه ! )) .


فمن يطيل ثوبه تحت الكعبين ، فيُنْكِرُه عليه العارف بالسنة ، فيقول : يا أخي! أنا لا أفعل ذلك خيلاءً ، -كما قال أبو بكر الصديق- .


فأولاً : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف أبابكر الصديق ، وعرف تواضعه ، وأنه قد تبرأ من الكِبْر ولو ذرة منه ، فقال وشهد له بأنه لا يفعل ذلك خيلاء ، فليس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد يستطيع أن يشهد مثل هذه الشهادة لإنسان آخر ، لا سيما في مثل هذه المجتمعات الفاسدة .


وثانياً : قد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر (( أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق ... )) هذا الحديث يضع لك منهجاً عملياً يجب أن تلتزمه ، دونأن تبرر مخالفتك إياه بحجة أنك لا تفعل تلك المخالفة خيلاء ، حيث يقول (( أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق، فإن طال فإلى الكعبين، فإن طال ففي النار )) .


فهنا لا يُسْمَعُ مِنأحد يطيل ثوبه إلى ما تحت الكعبين أنه لا يفعل ذلك خيلاءً ؛ لأننا نقول: إنك تفعل ذلك مخالفة لهذا النهج النبوي ، وانتهى الأمر ، أما إن انضمَّ إلى ذلك أنك فعلتَه خيلاءً فقد استحققت ذلك الوعيد الشديد ، ألاَّ ينظر الله تبارك وتعالى إليك يومالقيامة نظرةَ رحمة .


ذلك هو ما ابتلي به شباب اليوم ، لاسيما وهم يتخذون ذلك من باب إتباع التقاليد الأوروبية والموضة الغربية ، من إطالة السروال -أعني: البنطلون- حتى يكاد يتهرَّى من أسفل بسبب اتصاله بالأرض ، فهذا محرم لا يجوز ؛ سواءً قصد لابسُه الخيلاء أو لم يقصده ، وهي في الأصل ابتُدِعَت من هناك تكبراً وخيلاء ، لا شك في هذا ولا وريب ؛ لأن الكفار لا يهمهم فيهذه الدنيا إلا التمسك بحب الظهور والتكبر على الناس ونحو ذلك ، وما دام أن هذهالأزياء إنما تأتينا من تلك البلاد فهي لم يُقْصَد بها قطعاً وجه الله تبارك وتعالى ، إنما قُصِد بها وجه الشيطان .


وهذا الكلام يشمل كل الأزياء التي تَرِد إلى هذه البلاد الإسلامية ؛ سواء ما كان منها متعلقاً بأزياء الرجال أو بأزياء النساء ، فكيف ما كان منها مخالفاً لمثل ذلك الحديث الصريح الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم ((أَزْرَة المؤمن إلى نصف الساق ، فإن طال فإلى الكعبين ، فإن طال ففي النار؟! )) ، هذا مما يجب على كل مسلم يغار على دينه ويهتم به أن يكون بعيداً عن غضب ربه تبارك وتعالى عليه ، ولا نقول: هو حريص على اتباع السنة ؛ لأن السنة مراتب ، قد تدخل تحتها الأمور المستحبة ، نحن الآن نتكلم عن الأمور الواجبة ، انظر الحديث السابق (( أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق.. )) هذا هو المستحب ؛لكن إذا أطاله إلى الكعبين فهذا جائز وليس بمحرم ؛ لكن إن زاد في الإطالة حتى تحت الكعبين فهذا محرم وصاحبه في النار ، وينبغي أن يُفْهم من قوله عليه السلام: (( وما طال ففي النار)) أنه لا يعني : الثوب ؛ لأن الثوب ليس مكلفاً ولا يحاسَب ! وهذا له أمثلة كثيرة في الشريعة ، منها ما نفتتح به خُطَبَنا ودروسَنا من قوله عليه الصلاة السلام (( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )) أي : كل بدعة في النار ، فما هي البدعة ؟! هي شيء معنوي وليس شيئاً مُجَسَّماً ؛ لكن معنى قوله (( وكل ضلالة في النار ))أي: صاحبها في النار .


وكذلك الإزار الذي يطيله صاحبه إلى أسفل الكعبين ،صاحبه في النار.


هذه تذكرة أردتُ أن أوجهها إليكم ؛ لإرشاد من كان يريد منكم أن يكون تحت رحمة ربه عز وجل يوم يُحْشَر الناس { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } " أهـ .



ختاماً : في هذا الزمن أنتكست الفطرة وأنقلبت الموازين فاليوم نرى الرجل يطيل والمرآة تقصر حتى أصبح الوضع مزري للغاية ومهازل لا نهاية لها ، فحسبنا الله ونعم الوكيل ..