من السير الذهبية للعلماء -: سيرة الإمام الحسن البصري :- للشيخ محمد صالح المنجد

[ المكتبة الإسلامية ]


النتائج 1 إلى 18 من 18

مشاهدة المواضيع

  1. #1
    -[ كـودو ]-
    [ ضيف ]

    افتراضي من السير الذهبية للعلماء -: سيرة الإمام الحسن البصري :- للشيخ محمد صالح المنجد

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له.
    و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله.

    -( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتنّ إلا و أنتم مسلمون )-
    -( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحامَ إن الله كان عليكم رقيباً )-
    -( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )-

    أما بعد
    فيسرّني من باب نشر الخير أن أقدّم لكم :


    .:. محاضرة للشيخ محمد بن صالح المنجّد حفظه الله ، و هي جزء من سلسلة للتعريف بعلماء الأمة و سيرهم .:.
    .:. المصدر :- سلسلة ميراث الأنبياء .:.
    .:. مصدر تفريغ المحاضرة :- إسلام ويب .:.
    .:. تصميم :- فاعلوا خير جزاهم الله خيراً .:.

    الجزء الأول
    الجزء الثاني

    الحمد لله رب العالمين، و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين...
    و بعد:
    فالحمد لله الذي قيض لهذه الأمة رجالاً ينيرون لها الطريق ، و يحيون السنة، و يميتون البدعة ، و يجددون الدين ، و يتخلقون بأخلاق الأنبياء ، فيكونون قدوة للناس ، و مصلحين لأحوالهم ، و معلمين لهم ، و مذكرين لهم بربهم . و لا شك أن التعرف على سير هؤلاء العلماء الأجلاء من الأمور المطلوبة للإنسان المسلم ليقتدي ، و تنوُّع القدوات مهمٌّ ؛ لأن كل قدوة قد يكون له جانب من التفوق ليس عند الآخر ، فإذا حرص الإنسان على تتبع أحوالهم ، إجتمع فيه الخير .
    و حديثنا في هذه الليلة -إن شاء الله تعالى- عن الإمام العلم الحسن البصري رحمه الله تعالى .
    و اسمه: الحسن بن يسار .
    يلقب بـالبصري ، و يُدعى تارة : بـابن أبي الحسن .
    و كنيته رحمه الله : أبو سعيد .
    و أبوه اسمه : يسار ، كان مولىً لـزيد بن ثابت في أحد الأقوال.
    و أمه : خَيْرَة ، كانت مولاة لـأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها.
    يسار تزوج بـخَيْرَة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فولدت له الحسن لسنتين بقِيَتا من خلافة عمر رحمه الله .
    و قال يونس عن الحسن : [ قال لي الحجاج : ما أمدك يا حسن ؟ قلت : سنتان من خلافة عمر ] .
    و كانت أم سلمة تبعث أم الحسن في الحاجة ، فعندما تحتاج أم سلمة إلى شيء تبعث إليه أم الحسن ، و يبقى الولد عند أم سلمة رضي الله عنها، فيبكي و هو طفل، فتسكته أم سلمة بثدييها ، و تخرجه إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو صغير ، و كانت أمه منقطعة لخدمة أم سلمة ، فكان الصحابة إذا أُخرج إليهم الحسن رضي الله عنهم يدعون له ، فقيل : إنه أُخرج لـعمر رضي الله عنه، فدعا له ، و قال: [ اللهم فقهه في الدين، و حببه إلى الناس ] .
    قال ابن كثير رحمه الل ه: و أمُّه خَيْرَة مولاة لـأم سلمة ، كانت تخدمه ا، و ربما أرسلتها في حاجة فتشتغل عن ولدها الحسن و هو رضيع ، فتشاغله أم سلمة بثدييها ، فيدران عليه .
    و هذه مسألة تحصل في الواقع ، من أن المرأة الكبيرة حتى لو انقطعت عن الزوج و عن الولادة بسبب الحنان قد يدر لبنها ، و لذلك تكلم العلماء في حكم هذا اللبن ، و اختلفوا هل له حكم أم لا؟ و هل تكون أماً له من الرضاع ؟ و هل تثبت به المحرمية ؟ و كانوا يرون أن تلك الحكمة و العلوم التي أوتيها الحسن من بركة رضاعته من أم سلمة رضي الله عنها ، من الثدي المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم . و نلاحظ كذلك أثر بركة دعاء الصحابة رضي الله عنهم لهذا المولود ، و كيف نشأ و صار بعد ذلك .
    و لذلك يجب أن يكثر الإنسان من الدعاء لذريته ، فقد يكون صلاحهم بدعائه ، و دعوة منه قد تكون سبباً لصلاح الولد ،و لذلك ندعو لهم و لا ندعو عليهم .
    و في كلام كثير من الصالحين دعاء للذرية ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) [ الفرقان: 74] .
    كان الحسن رحمه الله في خلقته رجلاً جميلاً وسيماً ،
    قال محمد بن سعد يصفه : كان الحسن رحمه الله جامعاً ، عالماً ، رفيعاً ، فقيهاً ، ثقةً ، حجةً ، مأموناً ، عابداً ، ناسكاً ، كثيرَ العلم ، فصيحاً ، جميلاً ، وسيماً .
    و قال الذهبي : قلت : كان رجلاً تامَّ الشكل ، مليحَ الصورة ، بهياً ، و كان من الشجعان الموصوفين.
    و قال أبو عمرو بن العلاء : نشأ الحسن بـوادي القرى ، و كان من أجمل أهل البصرة ، حتى سقط عن دابته فحدث بأنفه ما حدث .
    و قال الشعبي لرجل يريد قدوم البصرة : إذا نظرت إلى رجل أجـمل أهل البصرة ، و أهيبهم ، فهو الحسن ، فأقرئه مني السلام .
    و قال الأصمعي عن أبيه "ما رأيت زنداً أعرض من زند الحسن البصري ، كان عرضه شبراً "
    و هذا يدل على اكتمال خلقته و قوته و جسمه رضي الله عنه ورحمه .
    كان يرافق بعض المشهورين بالشجاعة ، كـقَطَرِي بن الفجاءة ، و المهلب بن أبي صُفْرة ؛ و لذلك تعلم الشجاعة و تربى عليها .
    قال هشام بن حسان : كان الحسن أشجع أهل زمانه.
    و قال جعفر بن سليمان : كان الحسن من أشد الناس ، و كان المهلب إذا قاتل المشركين يقَدِّمُه .
    فهذه ميزة في الحسن رحمه الله ،
    و هو معروف برقة القلب و بالوعظ ،
    و لو سألت إنساناً و قلت له: ما هو انطباعك عن الحسن ؟
    فسيقول لك : هو زاهد و واعظ .
    و هذا صحيح ؛ لكنه قلَّما يُعرف بأن الحسن كان رجلاً شجاعاً مقداماً مقاتلاً ، و كان يُقَدَّم في القتال ، كان قوي البنية ، شديد البأس ، و هذا يدل على أن الإنسان الزاهد الواعظ ليس من طبعه الضعف ، و لا تلازم بين ضعف البدن و الزهد و أن يكون واعظاً ، فقد يكون الإنسان واعظاً رقيق القلب ، و هو من أشجع الشجعان ، و لا تعني الشجاعة و قوة الجسد غلظة القلب بالضرورة أبداً . كما أن رقة القلب و كثرة البكاء من خشية الله تعالى و الوعظ لا تعني أن الواعظ يجب أن يكون ضعيف البدن ، ل ا. فهذا الحسن رحمه الله قوي البنية ، و مع ذلك فهو رقيق القلب للغاية .
    و أما من جهة الجهاد، فإنه رحمه الله كان كثير الجهاد و يخرج للقتال ، و لذلك لا انفصام بين العالم و المجاهد ، لا انفصام بين الوعظ و الجهاد ، كلها أمور تجتمع في شخصيات السلف رحمهم الله .
    أما فصاحته و بلاغته ، فإنه رحمه الله تعالى كان فصيحاً بليغاً .
    قال حماد بن زيد : سمعت أيوب يقول : كان الحسن يتكلم بكلام كأنه الدر ، فتكلم قوم من بعده بكلام يخرج من أفواههم كأنه القيء .
    و هذا الفرق بين من يخرج كلامه من القلب بنور الكتاب و السنة ، و بين من يخرجه بتكلف كأنه يقيء قيئاً .
    و قال أبو عمرو بن العلاء : ما رأيت أفصح من الحسن البصري ، و من الحجاج بن يوسف الثقفي ، فقيل له: فأيهما كان أفصح؟ قال: الحسن .
    و قال له رجل: أنا أزهد منك و أفصح ، قال [ أما أفصح فلا ] - الزهد لا أزكي نفسي به ؛ أما الفصاحة فنعم - ..
    قال : فخذ عليَّ كلمة واحدة ، قال [ هذه ] . أي: التي أنت قلتها الآن.
    و قيل للحجاج : من أخطب الناس ؟ قال : صاحب العمامة السوداء بين أخصاص البصرة . يعني: الحسن رحمه الله تعـالى .
    و من جهة لباسه و زينته و طعامه ربما يظن بعض الناس أن الحسن عندما كان واعظاً ، أنه يلبس أسمالاً بالية و ثياباً مرقعة ؛ و لكن الرجل كان جيد اللباس ، ليس عنده تعارض بين الزهد و بين جودة اللباس و جماله ،
    فقال ابن عُلَي عن يونس : كان الحسن يلبس في الشتاء قباءً حِبَرَة ، و طيلساناً كردياً ، و عمامة سوداء ، و في الصيف إزارَ كتَّانٍ ، و قميصاً ، و برداً حِبَرَة .
    و قال أيوب : ما وجدتُ ريح مرقة طُبِخَت أطيب مِن ريح قِدر الحسن .
    و قال أبو هلال : قلَّما دخلنا على الحسن ، إلا و قد رأينا قِدراً يفوح منه ريح طيبة .
    و كان يأكل الفاكهة ، فلم يكن الحسن صوفياً مثل هؤلاء الصوفية الذين يتعمدون أن يُرى عليهم اللباس البالي و المرقع ، و لا يأكلون اللحم و لا الفاكهة ،
    بل كان يعتني بأمر حاله ، و يتجمل لإخوانه ، كيف و هو يُغْشَى ؟!
    فالواحد إذا كان لوحده ربما يلبس ما شاء ، لكن إذا كان يتصدى للناس ، و يأتونه و يسألونه ، و يقتربون منه ، و يجلسون حوله ، فلا بد أن يكون طيب الرائحة ، حسن الثياب ، يتجمل للناس ، حتى يحبوه .
    و لذلك كان النبي صلى الله عليه و سلم في الأعياد و الجُمع يتزين . أرْسِلَت إليه جُبَّة، فعرض عليه عمر رضي الله عنه أن يلبسها و يتزين بها للوفود ؛ لأن الناس يهتمون بالمظاهر ، و لا يناسب أن يكون العالم مظهره رث ، و هيئته بالية ، و رائحته غير طيبة ، و ثيابه غير نظيفة ،
    بل إنه يكون نظيف الثياب ، طيب الرائحة ؛ لأنه يُغْشَى و يُخْتَلَط به ،
    و هكذا يجب أن يكون الدعاة إلى الله الذين يأتون إلى الناس و يخالطونهم ، فيجب أن يكون أحدهم كالشامة بين الناس ، لا بأس أن يكون ثوب أحدهم حسناً ، و نعله حسنة ، و رائحته طيبة ، و ثيابه مرتبة ،
    لكن الإنكار على مَن أسرف ، ( كُلْ ما شئت ، و البس ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سَرَفٌ ، و مخيلة )
    المشكلة في السَّرَف و الخُيَلاء ، و إضاعة الأموال في التوافه ، و وضع المال في شيء لا يستحق ؛ كالمبالغة في الزينة ، و الزخرفة .
    قال قتادة : دخلنا على الحسن و هو نائم ، و عند رأسه سَلَّة ، فجذبناها ؛ فإذا فيها خبز و فاكهة ، فجعلنا نأكل ، فانتبه - أي : من النوم - فرآنا ، فتبسم - ارتاح جداً أن يرى إخوانه يأكلون من طعامه ؛ لأنه يؤجر - و هو يقرأ: ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) [النور:61] إشارة إلى الآية التي فيها ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ ... ) [النور:61] إلى أن قال: ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) [النور:61]
    فإذا علمت أن صديقك يرضى إذا أكلتَ من بيته ، و لو كان غير موجود ، أو بدون إذن ، فلا يحتاج الأمر إلى إذن ، لا يشترط إذن الصديق إذا أذن لك في بيته أن تأكل منه ، فلو أعطاك مفتاح البيت و أذن لك بدخوله ، و أنت تعلم أنه يرضى أن تأكل من طعامه ، فلا حرج عليك أن تفتح الثلاجة و تأكل من طعامه مما هو موجود في البيت دون إفساد ،
    و هذا الحسن رحمه الله لما رأى إخوانه يأكلون من فاكهته و هو نائم سره ذلك ، و قرأ الآية ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) [النور:61] .
    التعديل الأخير تم بواسطة -[ كـودو ]- ; 12-4-2011 الساعة 12:50 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...