وحسن الظن يكون صحيحا مقبولا من المؤمن ..
إذا كان العبد منيبا إلى الله مقبلا على طاعته محسنا في عمله.... أما إذا كان العبد مسيئا في عمله متجاوزا لحدود الله في سائر حاله فهذا سيء الظن بالله ,وإن تظاهر بحسن الظن...
لأن حسن الظن يحمل على حسن العمل وسوء الظن يحمل على سوء العمل.
قال الحسن البصري:
(إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل,
وأن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل). ولهذا جاء في الخبر: (
حسن الظن من حسن العبادة). رواه أحمد.
وقد يكون أيضا حسن الظن بالله من ناحية الرجاء وتأميل العفو والله جواد كريم لا آخذنا الله بسوء أفعالنا ولا وكلنا إلى حسن أعمالنا برحمته.
وأما الفاجر الذي يغشى الكبائر واستوحش قلبه بالظلمات ولم يتب فقد أساء الظن بربه وهرب من إحسان الله وعمل بأسباب مقته وعذابه في الآخرة فإن عوتب في حاله فتحجج برحمة الله وإحسانه,, فهو كاذب في دعواه ولا يسمى عمله حسن ظن بل غرور لأنه طلب الإحسان بالتمني وعمله يكذب قوله وظنه.
وكذلك الكافر قد أساء الظن بربه وأفعاله وصفاته فعطل الله عن جماله وجلاله وألحد في أسمائه وصفاته وأشرك معه غيره من المخلوقين وادعى له الولد وجعل الملائكة بنات الله وكذب بنعيمه وعذابه في اليوم الآخر وجحد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وادعى أنه لم يبعث أو بعث للعرب خاصة وظن به غير ذلك من مساوئ الظنون.
كما قال تعالى: (وَ
ذَلِكُمُ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُم أَردَاكُم فَأَصبَحتُم مِنَ الخَاسِرِينَ). وقال تعالى فيهم:
(أئِفكاً ءَالِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ. فَمَا ظَنُّكُـــم بِرَبِّ العَالَمِيـــنَ).
وأما المنافق المستتر بنفاقه فيظن أن الغلبة للكفر وأهله والخسارة ودائرة السوء لحزب الإيمان وأن الباطل منتصر على الحق فيظن بالله ظن السوء...
وقد عاب الله على المنافقين وذمهم حين تركوا محمدا صلى الله عليه وسلم وصحبه في غزوة أحد بقوله: (
وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ). وقال تعالى فيهم:
(الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ).
* ومن سوء الظن بالله أن ييأس العبد ويقنط من رحمة الله ويغلب عذاب الله.
* ومن سوء الظن أن يعتقد بأن الله يخلف وعده في إثابة المطيع وقبول عمله
*ومن سوء الظن أن يعتقد أن ربه يعامل الصالحين معاملة المسيئين فلا يعدل مع العباد.
* ومن سوء ظنه بربه أنه ـ تعالى ـ لا يقبل من دعاه وأناب إليه ولاذ ببابه وارتجى كرمه وستره.
فكل ذلك من سوء الظن الذي ينزه عنه الله جل جلاله وتباركت ذاته وتقدست أسماؤه وصفاته.
وبالجملة
فكل ظن سيء لا يجوز لقلب المؤمن أن يعتقده وأن يستقر فيه بحال من الأحـــوال.
*
ومن سوء الظن بالله أن يدع الداعي ربه كثيرا فلا يجاب له فيسيء الظن بربه وينقطع عن الدعاء ولو علم أن الله ربما منع عنه شرا في الدنيا أو ادخر له خيرا في الآخرة بدعائه لما تعجل في الظن.
ففي مسند أحمد من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل).
قالوا: يا نبي الله وكيف يستعجل؟؟ قال: (
يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي).
*
ومن سوء الظن بحكمة الله أن يعمل الرجل بالتقوى واتباع الشرع فيبتلى ويمنع من الدنيا, ويرى أهل المعصية قد بسط لهم في الرزق وعجلت لهم طيباتهم فيسيء الظن بربه ويترك العمل الصالح ويطيع الشيطان...
ولو علم أن الله قضى عليه ذلك لحكمة وأنه لا تلازم بين التقوى وبسط الرزق وأن الله اختار لنبيه الفقر وأن عطاء الله في الآخرة أعظم لما أساء الظن بربه!
*
ومن سوء الظن بقدر الله المنتشر في الناس أن يقول العبد ـ إذا أصابته ضراء ـ: يارب حرام تصيبني بذلك أو أنا ماذا عملت أنا لا أستحق هذا البلاء ونحو ذلك من عبارات التسخط والاعتراض على القدر والعياذ بالله ولو علم هذا المسكين سر القدر في الخلق لما اعترض عليه!
ويجب على المؤمن أن يفتش في قلبه عن سوء الظن بالله بجميع شعبه وصوره وأن يتخلص منه إن وجده ويعالج قلبه بدواء الإيمان ويملأ قلبه بحسن الظن بالله والرجاء واليقين والتوكل .
.لأن كثيرا من الخلق مبتلى بسوء الظن بالله بصورة خفية كامنة تظهر وتقدح في فلتات اللسان وعمل الجوارح عند المحن والمضايق ونزول البلاء.
والتفاؤل بالأسماء والأحوال الحسنة من حسن الظن بالله والتشاؤم بالأسماء والأحوال السيئة من سوء الظن بالله.. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل). متفق عليه.
ومن كان له صبيان صغار وليس له دنيا تكفيهم فلا يخف من المستقبل وليحسن الظن بربه ويوقن أن الله سيكفيهم رزقهم ويتكفل تربيتهم ويصونهم من الشرور إذا أصلح قصده وعمله وتعاهدهم بالدعاء....
فصلاح الوالد يعود على الولد بالصلاح والبركة واليمن، كما جاء في قصة الولدين الذين ترك لهم أبوهم كنزا فتولاهما الله وحرسهما...
قال تعالى: (وَ
أَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ). قال الحسن البصري في بيان الكنز: (لوح من ذهب مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم..
عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن... وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح.. وعجبت لمن يعرف الدنيا ومقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها...
لا إله إلا الله محمد رسول الله).
وقال ابن كثير:
(فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم كما جاء في القرآن ووردت به السنة). فلا ينبغي لك أيها المؤمن التأثر بطريقة أهل العصر الماديين الذين يبالغون في الخوف على مستقبل أولادهم و ينتابهم القلق والوساوس ويؤمنون على حياتهم ويتلاعب بهم الشيطان
بل توكل على ربك واطمأن ونم قرير العين.
ومن حسن الظن...
أن ينفق المسلم ماله في سبيل الله ولا يخش القلة والفقر بل يوقن أن الله سيخلف عليه خيرا وينمي ماله ويبارك فيه, فإذا كان العبد محسنا الظن بربه لم يخف الإقلال لأن الله تعالى يقول: (وَ
مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
وفي صحيح البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(قال الله عز وجل أنفق عليك ,وقال يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار, وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع).
ومن خشي الإقلال فقد أساء الظن بربه.
ومن أعظم ما يعين المؤمن على حسن الظن بربه :
معرفته بواسع رحمة الله وكرمه وجوده وعظيم إحسانه بالخلق مهما أذنبوا وقصروا في طاعته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء.. ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي). رواه الترمذي.
ومما يعين أيضا النظر في قصص الفرج بعد الشدة ومعية الله ومعونته ونصرته وتوليه لأهل الحسن بالظن بالله.
المفضلات