تقبل الله من الجميع الصيام والقيام ، وأعانكم ووفقكم لطاعته

قد رأيت إنكاراً من بعض الإخوة والأخوات على من يقول
"رمضان كريم" ؛ مُستشهدين بفتوى الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله وأكرم مثواه- في كونها لا تصح . . والعلّة كما جاء في الفتوى أن العطاء من الله وليس من رمضان . . وإليكم نص الفتوى :

سـ/: حينما يقع الصائم في معصية من المعاصي وينهى عنها يقول‏:‏ ‏"‏رمضان كريم‏"‏ فما حكم هذه الكلمة‏؟‏ وما حكم هذا التصرف‏؟‏

جـ/: حكم ذلك أن هذه الكلمة ‏"‏رمضان كريم‏"‏ غير صحيحة، وإنما يقال‏:‏ ‏"‏رمضان مبارك‏"‏ وما أشبه ذلك، لأن رمضان ليس هو الذي يعطي حتى يكون كريماً، وإنما الله تعالى هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهراً فاضلاً، ووقتاً لأداء ركن من أركان الإسلام، وكأن هذا القائل يظن أنه لشرف الزمان يجوز فيه فعل المعاصي، وهذا خلاف ما قاله أهل العلم بأن السيئات تعظم في الزمان والمكان الفاضل، عكس ما يتصوره هذا القائل، وقالوا‏:‏ يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل في كل وقت وفي كل مكان، لاسيما في الأوقات الفاضلة والأماكن الفاضلة، وقد قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ‏}‏ فالحكمة من فرض الصوم تقوى الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه‏"‏ فالصيام عبادة لله، وتربية للنفس وصيانة لها عن محارم الله، وليس كما قال هذا الجاهل‏:‏ إن هذا الشهر لشرفه وبركته يسوغ فيه فعل المعاصي‏.‏ . .
لنرجع إلى السؤال ، ويتضح منه أن سبب القول هو الوقوع في المعصية ، فكأن رمضان هو من يغفر السيئات أو يكفرّها عنه ، لذلك يقول
"رمضان كريم" ، ونعلم أن الزمن لا يعطي ولا يأخذ وليس هو المسبب حتى يغفر لأحد !!

ولو عُدنا إلى اسم
الكريم فمعناه: "المحمود فيما تحتاج إليه فيه . . والكريم: اسم جامع لكل ما يُحمد" . .

ونعلم جواز نسبة الشيء إلى سببه ، سواء أكان جماد أو حيوان أو إنسان . .
والله سبحانه من وراء الأسباب كلها فهو مسببها ، وهذه أمثلة مما تيسر من آيات القرآن تدل على جواز تلك الكلمة :
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} (النمل:29)
{وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} (الشعراء:58)
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} (الشعراء:7)
{وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} (الواقعة:44)
{فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (الحج:50)
{إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} (يّـس:11)
{مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} (يوسف:31)
{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} (الدخان:17)


إذن فالجملة لا تخلو من معنى صحيح . . فهي لفظة مجملة وتحتمل معناً خاطئ . .

ولم ترد هذه اللفظة في النصوص الشرعية ولم تُذكر عن السلف ، يقول الشيخ الفوزان : "قولهم رمضان كريم فهذا لا أصل له ، أما رمضان شريف ورمضان مبارك ورمضان عظيم هذه أوصاف جاءت في الأحاديث" . .

ولا شك أن التقيّد بالألفاظ الواردة هو الأفضل ، ومما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله
((قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك)) . .

وقد وردت هذه الجملة -رمضان كريم- في ثنايا كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، كما في كتابه (مجالس شهر رمضان) وفي غيرها ، وكذلك عند الشيخ ابن باز رحمه الله ،، مما يرجح عندنا أن سبب المنع من إطلاق هذا اللفظ
"رمضان كريم" ؛ في جعلها سبباً للتساهل والمعصية وأن رمضان كريم فيجوز له أن يأتي بذنب لكرم هذا الشهر فيتوب عليه . . والله أعلم

يقول الشيخ عبد الرحمن السحيم :
وأشكَل على بعض مشايخنا قول :
"رمضان كريم" ، قال: "لأن رمضان ليس هو الذي يعطي حتى يكون كريما" .
والذي يظهر أنه لا إشكال في وصف شهر رمضان بالكَرَم ؛ لِكثرة ما فيه من الخير .
والكَرَم يُطلَق على كثرة الخير ، وعلى الْحُسْن .
ومِما يدلّ على ذلك قوله تعالى :
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}
قال ابن كثير ، أي: مِن كُلّ زوج مِن النبات كريم ، أي : حَسن المنظر .

وقال عَزّ وَجلّ :
{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} .
قال سعيد بن المسيب : كُلّ ما لا خير فيه فليس بِكَرِيم .
وقال قتادة : لا بارِد المنزل ولا كَريم المنظر .
ومفهومه : أن كلّ ما فيه خير كثير فهو كريم . .انتهى


وعليه فالأمر فيه سعة ، والحكم عليها بعدم الصحة مرجوح ، ولا يصح الإنكار على من قالها . . لكن يبقى التنبيه على أمر أن الله قد جعل في هذا الشهر فضائل وأجور مضاعفه وبركة عظيمة ، لكن دون الاعتقاد أن رمضان هو المُعطي وأنه كريم يجود ويغفر الذنب . .

والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم