إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71] . أما بعد: فإن علم العقيدة الإسلامية من أشرف العلوم وأجلها؛ لأنه العلم بالله تعالى وآياته، وأسمائه، وصفاته، وحقوقه على عباده، وكذلك العلم بالنبوات، وكل ما يتعلق بأمور الآخرة من بعث وجنة ونار. . . الخ. وهذه هي المقاصد الثلاثة، التي نزلت بها الكتب السماوية، وأجمعت الرسل على الدعوة إليها. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] . وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] . . وقال تعالى إشارة إلى اتفاق الرسل والكتب السماوية على إثبات اليوم الآخر: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71] . وقال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا - وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى - إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى - صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 16 - 19] . والإيمان باليوم الآخر رأس هذه المقاصد، وأصل من أصول الإيمان وأركانه، كما قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] . . فالحصول على البر، لا يتحقق إلا بالإيمان باليوم الآخر، ولذلك فإن للإيمان باليوم الآخر أثرا عظيما على الإنسان في الدنيا والآخرة. فإن الإيمان باليوم الآخر، والإكثار من ذكره، والتصديق الجازم بوقوعه، يزيد إيمان الإنسان، ويجعله من المتقين الذين قال الله عز وجل عنهم: {الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ - أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 1 - 5] .






لقد تكلمنا في الموضوع السابق عن علامات الساعة الصغري
واليوم ان شاء الله تعالي سوف نتكلم
عن العلامات الكبري
ومن يريد تحميل الكتاب كاملا..
تفضل
--------------------------

الكتاب: أشراط الساعة

المؤلف: عبد الله بن سليمان الغفيلي
الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى، 1422هـ
عدد الصفحات: 208 عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

************************
المطلب الأول: خروج المهدي
المطلب الثاني: فتنة المسيح الدجال
المطلب الثالث: نزول عيسى ابن مريم عليه السلام
المطلب الرابع: خروج يأجوج ومأجوج
المطلب الخامس: طلوع الشمس من مغربها
المطلب السادس: خروج الدابة
المطلب السابع: الدخان الذي يكون في آخر الزمان
المطلب الثامن: الخسوفات الثلاثة
المطلب التاسع: النار التي تحشر الناس








المطلب الأول: خروج المهدي
لغة اسم مفعول من: هداه هدى وهديا وهداية، والهدى: هو الرشاد والدلالة، يقال: هداه الله للدين هدى، وهداية، والهدى: هو الرشاد والدلالة، يقال: هداه الله للدين هدى، وهديته الطريق، وإلى الطريق هداية: أي عرفته .
وقال ابن الأثير: المهدي الذي هداه الله إلى الحق، وقد استعمل في الأسماء حتى صار كالأسماء الغالبة .
وقد وردت هذه الكلمة في أحاديث عديدة، منها حديث العرباض بن سارية، وفيه: «وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» .
وقال ابن الأثير: " ويريد بالخلفاء المهديين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم أجمعين وإن كان عاما في كل من سار سيرتهم " .
والمراد بالمهدي هنا: هو الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجيء في آخر الزمان، ويؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية، ويكون من أهل بيته صلى الله عليه وسلم، ويخرج في زمنه عيسى عليه السلام، والدجال.
وقد وردت في شأن المهدي أحاديث كثيرة ما بين صحاح وحسان وضعاف تنجبر وضعاف شديدة الضعف .
وهذه الأحاديث توضح وتخبر عن خروجه في الناس، وذلك بعد ما يعم الأرض الظلم والفساد والطغيان؛ فيأتي ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت جورا وظلما.
وهو من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبناء فاطمة - رضي الله عنها - وعلى خده شامة كأنها كوكب دري.






اسم المهدي (محمد) ، واسم أبيه (عبد الله) .
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض. . .» الحديث.
وفي رواية أخرى: «لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» .
وفي رواية أخرى: «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» ، قال: وقال أبو هريرة: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي. . .»
وأما نسبه: فالروايات الكثيرة تبين لنا أنه من ولد فاطمة البتول، ابنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام - رضي الله عنها - وعن أولادها الطاهرين.
عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة» .
فهذه الأخبار كلها تؤكد أن المهدي من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ولد فاطمة الزهراء، وهذا ما عليه جماهير الأمة، فلا يسوغ العدول عنه ولا الالتفات إلى غيره من الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في المهدي: وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه







صفة المهدي من صفات المهدي الواردة في السنة ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " المهدي مني، أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، ويملك سبع سنين» .
ومن الأمور الدالة عليه، أنه يخرج في زمان ساد فيه الجور والظلم، فيقيم هو بأمر الله العدل والحق، ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة، حيث يسقيه الله الغيث فتمطر السماء كثيا لا تدخر شيئا من قطرها، وتؤتي الأرض أكلها لا تدخر عن الناس شيئا من نباتها، وتكثر المواشي بسبب الخيرات، ويفيض المال فيقسمه بين الناس بالسوية. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعا، أو ثمانيا، يعني حججا»






مكان خروج المهدي وزمانه ومدة مكثه في الأرض ليست هناك روايات صحيحة صريحة تدل على مكان خروجه، أو الزمن الذي يخرج فيه، ولكن استأنس أهل العلم في بيان ذلك من مفهوم بعض الروايات وإن لم تكن قطعية.
فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقتتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ". ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال: " فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي»

قال ابن كثير - رحمه الله -: والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة، يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامرا، كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، شديد من الشيطان؛ إذ لا دليل على ذلك، ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان، إلى أن قال: " ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه، وتكون راياتهم سودا أيضا، وهو زي عليه الوقار؛ لأن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء يقال له العقاب " إلى أن قال: " والمقصود: أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك نص الأحاديث "
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة» .






يقول الحافظ أبو الحسن الآبري " وقد تواترت الأخبار واستفاضت وكثرت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بخروجه، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلا، وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه "
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم " .
ويقول الحافظ ابن كثير: " فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان، وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض وترتجي ظهوره من سرداب في سامرا، فإن ذاك ما لا حقيقة له ولا عين ولا أثر. . . وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه في آخر الدهر، وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث " .
ويقول العلامة محمد السفاريني في المهدي: " وقد كثرت بخروجه - أي المهدي - الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عد من معتقداتهم " .
ويقول أيضا: " وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد بمجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب، كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة ".
ويقول العلامة محمد البرزنجي في كتابه - الإشاعة لأشراط الساعة -: " قد علمت أن أحاديث المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها "






أقسام الناس في المهدي انقسم الناس في أمر المهدي إلى طرفين ووسط:
- أما المذهب الوسط: فهو معتقد أهل السنة والجماعة الذين يثبتون خروج المهدي على ما دلت عليه النصوص الثابتة التي ذكر فيها اسمه واسم أبيه ونسبه وصفاته وأنه خليفة راشد ومصلح يظهر في آخر الزمان يؤيده الله ويصلح به العباد والبلاد.
يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله - حينما تكلم عن أقسام الناس في المهدي عن معتقد أهل السنة والجماعة: " القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان، وقد امتلأت الأرض جورا وظلما، فيملؤها قسطا وعدلا، وأكثر الأحاديث على هذا تدل (1) ".
وقد سبق ذكر الأدلة التي تدل على خروجه وجملة من أقوال أهل العلم التي تبين معتقد أهل السنة والجماعة في المهدي.
2 - وأما الطرف الأول: فهم الذين ينكرون خروج المهدي قديما وحديثا من الذين ليس لهم خبرة بالنصوص وأقوال أهل العلم، تمشيا مع مذهبهم الباطل في نفي الأمور الغيبية التي لا تدركها عقولهم ولا توافق أهواءهم ويقولون: إن المهدي أسطورة وخرافة دخلت على أهل السنة من جهة الشيعة، ويقولون أيضا: إن الأحاديث الواردة فيه بعضها باطل والبعض الآخر متناقض.
وقد رد العلماء على هؤلاء وبينوا فساد قولهم ومخالفته لما ثبت في النصوص الصحيحة.
ومن أجمل الردود في هذا الباب ما كتبه فضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد - حفظه الله - في رسالته: الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي، وما كتبه فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله بن حمد التويجري - رحمه الله - في كتابه الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر.
يقول شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله -: " أما الجواب عن السؤال الثاني فهو أني لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي أو تردد فيها سوى رجلين اثنين، أما أحدهما فهو أبو محمد بن الوليد البغدادي الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة، وقد مضى حكاية كلام شيخ الإسلام عنه وأنه قد اعتمد على حديث: «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم» ، وقال ابن تيمية: وليس مما يعتمد عليه لضعفه، انتهى، وسبق في أثناء كلام الذين نقلت عنهم أنه لو صح هذا الحديث فالجمع بينه وبين
أحاديث المهدي ممكن. ولم أقف على ترجمة لأبي محمد المذكور.
وأما الثاني: فهو عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور، وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيفه أحاديث المهدي، وقد رجعت إلى كلامه في مقدمة تاريخه فظهر لي منه التردد لا الجزم بالإنكار، وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق ونكوب عن الجادة المطروقة، وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه الإذاعة حيث قال: " لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام؛ لما تواتر من الأخبار في الباب واتفق عليه جمهور الأمة خلفا عن سلف إلا من لا يعتد بخلافه " وقال: " لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظر المدلول عليه بالأدلة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر " انتهى.







لمطلب الثاني: فتنة المسيح الدجال لفظ الدجال على وزن فعال بفتح أوله والتشديد من الدجل وهو التغطية، وأصل الدجل معناه: الخلط، يقال: دجل إذا لبس وموه، وجمع دجال: دجالون، ودجاجلة.
وسمي الدجال دجالا؛ لأنه يغطي الحق بباطله، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم .
المراد بالدجال هنا: الدجال الأكبر الذي يخرج قبيل قيام الساعة في زمن المهدي وعيسى عليه السلام.
وخروجه من الأشراط العظيمة المؤذنة بقيام الساعة، وفتنته من أعظم الفتن والمحن التي تمر على الناس، ويسمى مسيحا؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوما، ولفظة المسيح تطلق على الصديق، وهو عيسى عليه السلام، وعلى الضليل الكذاب وهو الأعور الدجال .
قال القرطبي: " واختلف في لفظة المسيح لغة على ثلاثة وعشرين قولا، ذكرها الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه مجمع البحرين، وقال: لم أر من جمعها قبلي ممن رحل وجال ولقي الرجال " .
والمقصود بالمسيح هنا مسيح الضلالة الذي يفتن الناس بما يجري على يديه من الآيات، كإنزال المطر وإحياء الأرض، وبما يظهر على يديه من عجائب وخوارق للعادات، وأما مسيح الهدى فهو عيسى ابن مريم عليه السلام الذي سيأتي الكلام عليه.
وقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر خروج الدجال في آخر الزمان والتحذير منه، حيث وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وصفا دقيقا لا يخفى على ذي بصيرة، كما حذر منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله أممهم ووصفوه لهم أوصافا ظاهرة.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: " إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، إنه أعور، وان الله ليس بأعور» .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم عن الدجال حديثا ما حدثه نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه» .
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوما بين ظهراني الناس الدجال فقال: " إن الله تعالى ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية»
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما يحدثنا به أنه قال: " يأتي الدجال، وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو من خير الناس - فيقول له: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم الآن، قال: فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه»
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه ك. ف. ر» .
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال: " ما شأنكم؟ " قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: " غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط عينه طافئة، كأني
أشبهه بـ (عبد العزى بن قطن) فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا، وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا. قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فذاك اليوم الذي كسنة: أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره، قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كان ذرا وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله. قال: فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أحوالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فيتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك، إذ بعث الله المسيح ابن مريم عليه السلام، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد، فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوما قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم: إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار، فيرغب نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى، كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ كل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله ريحا طيبا، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن ومسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة»






المطلب الثالث نزول عيسى ابن مريم عليه السلام

نزول عيسى ابن مريم عليه السلام من أمارات الساعة العظام وأشراطها الكبار نزول عيسى ابن مريم عليه السلام آخر الزمان من السماء، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أنه ينزل قبل قيام الساعة فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويحكم بالقسط ويقضي بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحيي من شأنها ما تركه الناس، ثم يمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يموت ويصلى عليه ويدفن.
والكلام على عيسى عليه السلام يتضمن عدة مسائل:
المسألة الأولى: الأدلة على نزوله من الكتاب والسنة: ورد في القرآن الكريم ثلاث آيات تدل على نزول عيسى عليه السلام:
الآية الأولى: قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] . أي أن نزول عيس عليه السلام قبل القيامة علامة على قرب الساعة، ويدل على هذا: القراءة الأخرى (وإنه لَعَلَم للساعة) بفتح العين واللام، أي خروجه علم من أعلام الساعة وشرط من شروطها وأمارة على قرب قيامها. وروى الإمام أحمد والحاكم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسير هذه الآية {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] قال: هو خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة .
وهذا المعنى مروي عن عدد من أئمة التفسير واختاره - الحافظ ابن كثير وغيره .
الآية الثانية: قوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]
قال البغوي - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: معنى الآية: " أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام، ويكون الدين كله لله، فلا يكون بعده جهاد ولا قتال، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام ".
والآية الثالثة: قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] .
قرر كثير من المفسرين أن الضميرين في (به) ، و (موته) لعيسى ابن مريم عليه السلام .
وقد روى ابن جرير الطبري - رحمه الله - عن أبي مالك - رحمه الله - في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: 159] قال: " ذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن به " .
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: " ولا شك أن هذا هو الصحيح؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك، وإنما شبه لهم، فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، فأخبر الله أنه رفعه إليه، وأنه باق حي، وأنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريبا، فيقتل مسيح الضلالة، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، يعني: لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم "
وأما الأدلة من السنة المطهرة على نزوله فهي كثيرة جدا منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، لا يقبلها من كافر، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها» .
ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرأوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] .
ومنها حديث جابر رضي الله عنه: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة "، قال: " فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله لهذه الأمة» .
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم؛ لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمنة على الأرض، حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون» إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.







صفات عيسى عليه السلام أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن صفات عيسى عليه السلام فجاء في الروايات أنه رجل مربوع القامة ليس بالطويل ولا بالقصير، جعد أحمر اللون، عريض الصدر، أقرب الناس شبها به عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر» .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يكن بيني وبينه نبي - يعني عيسى - وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، فيهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام. . .» الحديث.
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عرض علي الأنبياء فإذا موسى. . . ورأيت عيسى ابن مريم، فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود. . .» الحديث







مكان نزوله ينزل عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق واضعا كفيه على أجنحة ملكين، وعليه مهرودتان، ويكون هذا مع صلاة الفجر حيث اصطف المسلمون للصلاة، وقد تقدم إمامهم - والغالب أنه المهدي كما سبق - للصلاة بهم، فعندما يعلم بعيسى عليه السلام يتأخر ويطلب من عيسى أن يتقدم ليؤمهم فيأبى، فيصلي بهم المهدي، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «. . . فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلب بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوما قد عصمهم الله منه، فيسمح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة» .
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: " الأشهر في موضع نزوله أنه على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق، وقد رأيت في بعض الكتب أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي جامع دمشق، فلعل هذا هو المحفوظ، وتكون الرواية فينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق، فتصرف الراوي في التعبير بحسب ما فهم، وليس بدمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى شرق الجامع الأموي، وهذا هو الأنسب والأليق؛ لأنه ينزل وقد أقيمت الصلاة "
ويقول الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: " وبالشام ينزل عيسى ابن مريم في آخر الزمان، وهو المبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم ويحكم به ولا يقبل من أحد غير دينه، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويصلي خلف إمام المسلمين ويقول: إن هذه الأمة أئمة بعضهم لبعض " .
وأما مدة بقاء عيسى عليه السلام إذا نزل: ففي بعض الروايات أنه يمكث سبع سنين، وفي الروايات الأخرى أنه يمكث أربعين عاما ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون، ففي حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيبعث الله عيسى ابن مريم. . . ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته» .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق: «ثم يمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون» .
وقد جمع الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بين الروايتين فقال: " هكذا وقع في الحديث: أنه يمكث أربعين سنة، وثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أنه يمكث في الأرض سبع سنين، فهذا مع هذا مشكل، اللهم إلا إذا حملت هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله، وتكون مضافة إلى مدة مكثه فيها قبل رفعه إلى السماء، وكان عمره إذ ذاك ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور، والله أعلم " .
وقد عارض السفاريني هذا الجمع فقال بعد أن ذكره بدون عزو: وهذا - والله أعلم - ليس بشيء لما مر من حديث عائشة عند الإمام أحمد وغيره «فيقتل الدجال، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة» ، ثم حكى عن البيهقي أنه اعتمد رواية " أربعين "، كما نقل عن السيوطي أنه ذهب إلى ترجيحها؛ لأن زيادة الثقة يحتج بها، ولأنهم يأخذون برواية الأكثر ويقدمونها على رواية الأقل لما معها من زيادة العلم، ولأنه مثبت والمثبت مقدم .
وقال البرزنجي: " إن القليل لا ينافي الكثير " .
ولعل الراجح أن يقال: إن رواية " أربعين سنة " هي المعتمدة؛ لأنها رواية الأكثر، كما أشار إلى ذلك السفاريني، ولعل هذه السنين تمر كأنها سبع سنين، ويستأنس لذلك بما رواه عبد بن حميد عن أبي هريرة رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61] . قال: خروج عيسى، يمكث في الأرض أربعين سنة، وتكون تلك الأربعون كأربع سنين، يحج ويعتمر. والله أعلم.







الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام متواترة سبق ذكر بعض الأحاديث الواردة في نزول عيسى عليه السلام، وهي تدل دلالة واضحة على ثبوت نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، ولا حجة لمن ردها أو قال: إنها أحاديث آحاد لا تقوم بها الحجة أو أن نزوله ليس عقيدة من عقائد المسلمين التي يجب عليهم أن يؤمنوا بها؛ لأنه إذا ثبت الحديث وجب الإيمان به وتصديق ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لنا رد قوله لكونه حديث آحاد؛ لأن هذه حجة واهية؛ لأن حديث الآحاد إذا صح وجب تصديق ما فيه، وإذا قلنا إن حديث الآحاد ليس بحجة، فإننا نرد كثيرا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ما قاله عليه الصلاة والسلام عبثا لا معنى له، كيف والعلماء قد نصوا على تواتر الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام.
قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - " أصوله السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة ثم ذكر جملة من عقيدة أهل السنة ثم قال: والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه " كافر"، والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ينزل فيقتله بباب لد " . وقال أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - في سرده لعقيدة أهل الحديث والسنة " الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله وما رواه الثقّات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئا ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى يقتله، ثم قال في آخر كلامه: وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول: وإليه نذهب " .
وقال ابن جرير الطبري بعد ذكره الخلاف في معنى وفاة عيسى عليه السلام، " وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إلي؛ لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال " ثم ساق بعض الأحاديث الواردة في نزوله.
وقال ابن كثير " تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا " . وقال صديق حسن خان "والأحاديث في نزوله عليه السلام كثيرة، ذكر الشوكاني منها تسعة وعشرين حديثا ما بين صحيح وحسن وضعيف منجبر، منها ما هو مذكور في أحاديث الدجال. . . ومنها ما هو مذكور في أحاديث المنتظر، وتنضم إلى ذلك أيضا الآثار الواردة عن الصحابة فلها حكم الرفع؛ إذ لا مجال للاجتهاد في ذلك، ثم ساقها وقال: جميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع " .
وقال الغماري: " وقد ثبت القول بنزول عيسى عليه السلام عن غير واحد من الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة والعلماء من سائر المذاهب على ممر الزمان إلى وقتنا هذا وقال: تواتر هذا تواترا لا شك فيه بحيث لا يصح أن ينكره إلا الجهلة الأغبياء كالقاديانية ومن نحا نحوهم؛ لأنه نقل بطريق جمع عن جمع حتى استقر في كتب السنة التي وصلت إلينا تواترا بتلقي جيل عن جيل " . وممن جمع الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام الشيخ محمد أنور شاه الكشميري في كتابه " التصريح بما تواتر في نزول المسيح " فذكر أكثر من سبعين حديثا.
وقال صاحب عون المعبود شرح سن أبي داود: " تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم
في نزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم من السماء بجسده العنصري إلى الأرض عند قرب الساعة، وهذا هو مذهب أهل السنة " .
وقال الشيخ أحمد شاكر: " نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان مما لم يختلف فيه المسلمون لورود الأخبار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. . . وهذا معلوم من الدين بالضرورة لا يؤمن من أنكره " .
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: " اعلم أن أحاديث الدجال، ونزول عيسى عليه السلام متواترة، يجب الإيمان بها، ولا تغتر بمن يدعي فيها أنها أحاديث آحاد، فإنهم جهال بهذا العلم، وليس فيهم من تتبع طرقها ولو فعل لوجدها متواترة كما شهد بذلك أئمة هذا العلم كالحافظ ابن حجر وغيره، ومن المؤسف حقا أن يتجرأ البعض على الكلام فيما ليس من اختصاصهم لا سيما والأمر دين وعقيدة "







الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره ذكر بعض العلماء - رحمهم الله تعالى - الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره، ومن أقوالهم في ذلك:
1 - الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوا عيسى عليه السلام، فبين الله تعالى كذبهم، وأنه الذي يقتلهم ويقتل رئيسهم الدجال، ورجح الحافظ ابن حجر هذا القول على غيره (4) .
2 - أن عيسى عليه السلام وجد في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29] (5) فدعا الله أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل آخر الزمان مجددا لما درس من دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة والسلام، فتوافق خروج الدجال فيقتله (1) .
3 - أن نزول عيسى عليه السلام من السماء لدنو أجله ليدفن في الأرض؛ إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها، فيوافق نزوله خروج الدجال فيقتله عيسى عليه السلام (2) .
4 - أنه ينزل مكذبا للنصارى فيظهر زيفهم في دعواهم الأباطيل، ويهلك الله الملل كلها في زمنه إلا الإسلام فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية.
5 - أن خصوصيته بهذه الأمور المذكورة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، ليس بيني وبينه نبي» (3) فرسول الله صلى الله عليه وسلم أخص الناس وأقربهم إليه، فإن عيسى مبشر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي من بعده ودعا الخلق إلى تصديقه والإيمان به (4) . كما في قوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] (5) وفي الحديث: «قالوا يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال: " نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى»







المسألة السادسة الأمور التي تكون في زمن عيسى عليه السلام


1-قتل المسيح الدجال
سبق ذكر أن نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل والمسلمون في حال إعداد أنفسهم لحرب الدجال، وعلمنا أن الصلاة تقام في ذلك الوقت، فيصلي عيسى ابن مريم عليه السلام خلف الرجل الصالح، وعند ما يعلم الدجال بنزول عيسى عليه السلام يهرب، فيلحقه نبي الله إلى بيت المقدس فيدركه وقد حاصر عصابة من المسلمين، فيأمرهم عيسى عليه السلام بفتح الباب فيفعلون ويكون وراءه الدجال فينطلق هاربا، فيلحقه نبي الله عليه السلام فيدركه عند باب لد الشرقي فيقضي عليه وعلى من معه من يهود.
ففي الحديث الصحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب، فيفتحون ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربا، فيقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب لد الشرقي، فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله عز وجل ليتوارى به يهودي إلا أنطق ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق، إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله. . .»
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «. . . فبينما هم يعدون للقتال ويسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكنه يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته» ".
وهكذا يكون أول عمل يقوم به نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام بعد نزوله من السماء هو مواجهة الدجال والقضاء عليه وعلى من يتبعه من يهود.
***************************
2-هلاك يأجوج ومأجوج
إن خروج قوم يأجوج ومأجوج علامة من علامات الساعة الكبرى، وسيأتي الكلام على هذه العلامة، والمراد هنا بيان أن عيسى عليه السلام بعد أن يقضي على الدجال وفتنته، يفسد هؤلاء القوم في الأرض فسادا كبيرا، فيتضرع نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله تعالى فيهلكهم شر هلكة، ويصبحون موتى لا يبقى منهم أحد، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله في الكلام على يأجوج ومأجوج.
******************************
3-القضاء على كل الشرائع والحكم بالإسلام
عيسى عليه السلام عندما ينزل من السماء يكون تابعا لشرع الإسلام، فيحكم بكتاب الله عز وجل، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك يقضي على كل الشرائع التي تحكم الناس سوى الإسلام، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، فإن شريعة الإسلام ناسخة للشرائع قبلها، وقد أخذ الله العهد والميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويتابعوه إذا بعث وهم أحياء، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81]
ومن أجل هذا فهو يكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل من أحد إلا الإسلام، أو القتل. يقول القرطبي - رحمه الله -: " ذهب قوم إلى أنه بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم، وهذا أمر مردود بالأخبار التي ذكرناها. . . وبقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا نبي بعدي»
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا العاقب» . يريد آخر الأنبياء وخاتمهم، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبيا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه وسلم، بل إذا أنزل فإنه يكون يومئذ من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعمر: «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي» . فعيسى عليه السلام إنما ينزل مقررا لهذه الشريعة مجددا لها؛ إذ هي آخر الشرائع ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل

****************************
4-رفع الشحناء والتباغض من بين الناس وانتشار الأمن والرخاء بين الخلق
من الأمور التي أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تحدث في زمن عيسى عليه السلام: أن الشحناء والتباغض والتحاسد ترفع من بين الناس حيث تجتمع كلمة الجميع على الإسلام، وتعم البركة، وتكثر الخيرات، حيث تنبت الأرض نبتها، ولا يرغب في اقتناء المال لكثرته، وينزع الله في ذلك الوقت سم كل ذي سم حتى يلعب الأولاد بالحيات والعقارب فلا تضرهم، وترعى الشاة مع الذئب فلا يضرها، فتملأ الأرض أمنا وسلما، وينعدم القتال بين البشر فترخص الخيل لعدم القتال، وترتفع أسعار الثور؛ لأن الأرض تحرث كلها.
ففي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «. . . ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرِسْل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس. . .» الحديث .
ومن حديث أبي أمامة الطويل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «. . . فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكما عدلا، وإماما مقسطا يدق الصليب، ويذبح الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات. . .»
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لينزلن عيسى ابن مريم حكما عادلا. . . وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد» .
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: ومعناه أن يزهد الناس فيها، ولا يرغب في اقتنائها لكثرة الأموال وقلة الآمال وعدم الحاجة والعلم بقرب القيامة، وإنما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل التي هي أنفس الأموال عند العرب وهي شبيهة بمعنى قول الله عز وجل: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] . ومعنى لا يسعى عليها: لا يعتني بها








موت عيسى عليه السلام ودفنه لم يرد عن الشارع نص يبين لنا مكان موت عيسى عليه السلام، ولكن ذكر بعض العلماء أنه يموت عليه السلام في المدينة النبوية، وقيل إنه يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما.
قال القرطبي - رحمه الله -: " واختلف حيث يدفن فقيل: بالأرض المقدسة ذكره الحليمي، وقيل: يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرناه من الأخبار"

-------------
يتبع....