:..بسم الله الرحمن الرحيم..:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، أما بعد :
يتضحُ من عنوان هذا الموضوع أنَّه امتدادٌ لسابقهِ ..
وفكرةُ هذا الامتداد أتتْ بفضلِ اللهِ ثمَّ أحدِ الإخوان -جُزيَ الخيْرات-
وكما في السَّابق ، نُوردُ بعضًا من اللمحات البلاغيَّة الجميلة في هذا الكتاب المُعْجز .. على بركة الله :
* نكرة مكررة ثلاث مرات في آية واحدة :
قال تعالى في سورة الروم: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ". (54)
يجب التذكير بالقاعدة البيانية:أنَّ النكرة إذا تكرَّرت فإنها في كل مرة تفيدُ معنى جديداً.
( ضعف ) نكرة تكرارها في نفس الموضع يفيدُ أنَّ الضعف الأول غير الثاني وغير الثالث.
المراد بالضعف الأول: النطفة ؛ ضعيفة فهي ماء مهين .
والضعف الثاني: الطفولة ؛ لأنه بحاجة إلى رعاية أمه في مرحلة الرضاع وعناية خاصة حتى يجتاز مرحلة المراهقة ويصل البلوغ .
والضعف الثالث: الشيخوخة ؛ لأنه يعود في مرحلة الشيخوخة ضعيفا عاجزا.. ضعيف الفكر.. ضعيف الحركة والسعي والنشاط .
واللطيف في الآية أن ( قوة ) وردت نكرة وكُرِّرت مرتين؛ إذًا.. القوة غير القوة -حسب القاعدة-
القوة الأولى: قوَّة فترة الصبا ؛ الصبي قوي مندفع كثير الحركة .
القوة الثانية: قوَّة الشباب ؛ قوة الجسم والمشاعر والأحاسيس والهمة والعزيمة والانطلاق في الفكر والأحلام والطموح .
" ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا "القوة الأولى تقود إلى القوة الثانية.
هذه الآية الكريمة تلخص حياة الإنسان على الأرض وأنها تقوم على خمس مراحل:
1.الضعف : وهو جنين في بطن أمه .
2.الضعف : وهو رضيع في حضن أمه .
3.القوة : وهو صبي مندفع .
4.القوة : وهو شاب نشيط فاعل .
5.الضعف : وهو شيخ عجوز هرم ..
هنا روعة الإعجاز البياني القرآني .. التعبير الحق البليغ .. عن أدق التفاصيل .. بأقل عدد من الكلمات.. في نظم محكم بديع..دون أن يخل بالسياق ..في جرْس موسيقي يأخذ بالألباب . (أ.عبدالرحيم الشريف)
* قدّم-سبحانهُ- المفعول به في " إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين " ولمْ يقدمهُ في " اهدنا الصراط المستقيم " :
إيَّاك : ضمير منفصل ( مفعول به ) مقدم على فعليه : نعبد ، نستعين .
اهدنا : نا ( مفعول به أول ) والصراط مفعول به ثان .
فلماذا لم يقدم هذا المفعول به فيصير : إيانا اهد . كما قال قبلها إياك نعبد ؟؟
سبب تقديمه في الأولى هو الاختصاص فالعبادة لا تكون إلا لله ومن عبد غير الله واستعان بغيره فقد كفر، ومن هنا تظهر حكمة التقديم لغرض إيماني من خلال هذا الأسلوب البلاغي.
وذلك مثل قوله تعالى: " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " .
أما عدم تقديمه في " اهدنا الصراط المستقيم " لأن طلب الاختصاص في الهداية لا يصح فالله يهدي من يشاء.. وهم كثيرون.
فيجوز لك أن تقول : اللهم اهدني وارزقني .... أي جعلني في زمرة من كتبت لهم الهداية والرزق.
ولا يجوز لك أن تقول : إيَّاي اهد ، إيَّاي ارزق ... بمعنى اللهم اهدني وحدي وارزقني وحدي.
فالمسلم ليس أنانياً. (أ. عبدالرحيم الشريف )
* تقديم القتل على الموت وعكسه في نفس الموضع :
من روائع التقديم والتأخير في بيان القرآن الكريم المعجز ورود آيتين متتابعتين قدَّم اللفظ في الأولى وأخر اللفظ نفسه في الثانية:
قال تعالى في سورة آل عمران: " وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(157)وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ(158) ".
الآيات الكريمة في سياق غزوة أحد .. والتي كان فيها من الشهداء ما هو معلوم .. وبما أنَّ الموت في سبيل الله هو أشرف موت وأعظمه أجرًا عند الله؛قدَّم القتل على الموت.
وهذا غير مُراد الآية الثانية التي تتحدث عن سنَّة اللهِ على جميع الناس بالموت.
وبما أنَّ الموتَ على الفراش هو الأعمُ والأغلب فمعظمُ الناسِ يموتون ميتة طبيعية قدم الموت.
والدليل على أن المقصود في الثانية هو بيان سنَّة الله في الناسِ كافة هو عدمُ اقترانِ القتل فيها بعبارة " في سبيل الله " التي اقترنت بها في الآية الأولى.
(أ. عبدالرحيم الشريف)
. .. . .. . .. . .. . .. . .. . .. .
ولا أجدُ تعليقًا مناسبًا لما سَبقَ ذكرُه .. غيرَ قوله تعالى :
[ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ] الزمر-28-.
وحريٌّ بنا كمُسلمينَ وعربٍ-خصوصًا- أنْ نستزيدَ علمًا عنْ هذا القرآن المُعجز
الذي اسألُ اللهَ أنْ يرفعَ به درجاتِنا ويجعلهُ شفيعًا لنا يومَ نلقاه .
وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين .
* ومضة : اللمحاتُ البلاغية مقتبسة من كتاب "الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن لـ نايف الشحود"،
والكتابُ متواجدٌ هُـنا في موضوع الأخ: إبراهيم-جزاهُ اللهُ الخيرات-.
أتمنى الفائدة للجميع ..
( من الممكن أنْ أؤلف كتاب في الكيمياء النووية ، لكن أنْ أتقن التنسيق أمرٌ فيه نظر !!)
~ فائق احترامي ~
المسلم
المفضلات