باسم الله أبدأ وبه أستعين..
الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد..
لقد حذرنا الله تعالى من النكوص والردة، وتوعد من يرتد بأنه سوف يأتي بخير منه، وأمرنا بإتباع ما أنزل، { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء }.
أمرنا بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحذرنا من الانحراف عن ذلك، { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }.
واليوم يريد أعداء الإسلام في الداخل والخارج الصد عن سبيل الله، { ويحرفون الكلم عن مواضعه}، { يريدون أن يبدلوا كلام الله}، { ودوا لو تدهن }، هؤلاء الذين يريدون إطفاء نور الله وتغيير أحكام الشريعة ونشر الفساد، يريدونها عوجاً ويبغونها فساداً، والله سبحانه وتعالى قد تكفل بنصر دينه وهو عزوجل غالب على أمره، { والله متم نوره ولو كره الكافرون }.
إن الله سبحانه يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، أي: ما درس من العمل بالكتاب والسنة، وما ذهب ونقص من الناس فيعيده الله مرة أخرى على أيدي أوليائه.
ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته، ولا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله.
ومطلوب منا نحن أن نستمسك بالذي أوحي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن نستقيم على ذلك، إن هذا مقتضى دين الإسلام إن هذا مقتضى التوحيد، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وصول دعوته.
أولا : التمسك بدين الإسلام الذي قال الله فيه: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه }.
ثانياً: دعوة الناس إلى التوحيد الذي قال الله فيه: { قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن أتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }.
ثالثاً: النهي الناس عن الشرك الذي قال الله فيه: { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار }.
__________________________________________________ ________________
لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، قاموا أصحابه بعده بحراسة التوحيد، وحراسة الملة والدين، وجردوا السيوف لذلك، وأريقت الدماء لأجل إقامة لا إله إلا الله.
هذه الملة العظيمة التي بعث الله بها محمداً صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه في وقت قوة أهل الإسلام ما كان أهل الباطل يجرؤون على أن ينالوا منه.
قصص وآثار شاهدة
ولذلك ما حفظ في عهد عمر رضي الله عنه أن أحداً أستطاع أن ينشر بدعة فقد كان لهم بالمرصاد.
ومنذ أن حاول أحد الناس أن يشكك الحاضرين في مشتبهات، وأن يسأل عن آيات من القرآن يجمعها يوهم الناس أن بعضها يتعارض مع بعض، حضر له عمر رضي الله عنه تلك العصي حتى أفرغ جميع ما في رأسه من تلك الشبهات!.
ثم بدأت البدع بعد ذلك لما أنكسر الباب تدخل على أهل الإسلام فقاومها الصحابة خير المقاومة، وقاموا في إنكارها أحسن القيام.
{ يقول واحد من السلف: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن يعني أبن مسعود؟، قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمراً أنكرته، قال: فما هو؟، قال: إن عشت فستراه، رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً، ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟، قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك، وانتظار أمرك. قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم، وفي رواية، أنه كان قد وضع لثاماً فلما حضر فوقهم كشف لثامه وأخبرهم أنه عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قال: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد بها التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبلى وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعل ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه.}
عباد الله، قاوم الصحابة ولأدنى محاولة ولأدنى شبهة بدعة، يقول: مالك رحمه الله، ليعلن الحرب على أصحاب ذلك في مسجد النبوي، وينادي الحراس لأخذ من فعل شيئاً غير معهود لا يعهد في أيام النبي صلى الله أي مخالفة.
ولما بلغ عبد الله بن عمر مذهب القدرية، وأنهم يقولون: إن الناس يخلقون الشر والله لا يخلق هذه الأفعال مع أن الله عزوجل خالق كل شيء سبحانه، قال لمن أبلغه: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر.
وهكذا مضى التابعون وأتباعهم والأئمة، ولما قامت فتنة خلق القرآن ثبت أحمد رحمه الله، والبويطي، وأحمد بن نصر، وغيرهم،، من الأئمة ابتغاء القيام بكلمة الحق وإنكار هذا المنكر، وصد هذه البدعة.
وناظر أحمد رحمه الله هؤلاء المبتدعة أمام الخليفة يقول: أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسولي حتى أقول به، لدرجة أن ابن أبي دوآد المجرم، قال له: وأنت لا تقول إلا بهذا وهذا. قال أحمد: وهل يقوم الإسلام إلى بهما، إلا بالكتاب والسنة، أتريدون أن أخذ شيئاً من غير الكتاب والسنة؟.
إن مقاومة البدع والمحدثات، مقاومة الشرك شيئاً عظيم واجب، ولذلك كان أهل السنة إذا سمعوا بقبر عليه ضريح، أو أناس يستغيثون بغير الله، أتوا ذلك المكان فطهروه من الشرك.
ولذلك فإن الصحابة رضوان الله عليهم لما فتحوا (تستر) وجدوا سرير ميت باق بحاله، وذكر لهم أنه دانيال من الأنبياء، جسده كما هو باق، فكتب أبو موسى الأشعري إلى عمر يستشيره، فكتب عمر إليهم أن يحفروا بالنهار ثلاثة عشرة قبراً، ثم يدفن بالليل في واحد منها ويعفى قبره، لألى يفتتن الناس به، لأن الميت يدفن، ولا يبقى ظاهراً، ولألى يصبح هذا القبر مزاراً يعبد من دون الله.
أمر عمر رضي الله عنه بحفر ثلاثة عشر قبراً، يدفن في واحد منها وتطم كلها ولا يميز بينه وبينه، وهكذا يكون الدفن بالليل ولا يعرف ذلك إلا هؤلاء القلة من الصحابة، لألى يتخذ هذا القبر وثناً يعبد من دون الله.
لقد قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي حصلت عندها بيعة الرضوان، لماذا؟ صيانة للتوحيد والدين، ولما حاول بعض الناس جعل بعض الآثار مزارات يزورونها غار حراء، وغار الثور، وجبل النور، والمساجد السبعة، ونحو ذلك،، كتب العلماء التوضيح والبيان، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ( وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة، غير المشاعر عرفة، ومزدلفة، ومنى، قصد الجبال والبقاع التي حول مكة كجبل حراء، والجبل الذي عند المنى، والذي يقال إنه كان فيه قبة الفداء، ونحو ذلك،، فإنه ليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيارة شيئاً من ذلك بل بدعة ).
المفضلات