{{ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب)
قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد عن هذه الآية فقالوا لي: كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب، وكذلك قال سائر المفسرين: قال مجاهد : كل عاص فهو جاهل حين معصيته، وقال الحسن وقتادة وعطا والسدي وغيرهم : إنما سموا جهالاً لمعاصيهم، لا أنهم غير مميزين، وقال الزجاج: ليس معنى الآية أنهم يجهلون أنه سوء، لأن المسلم لو أتى مايجهله كان كم لم يواقع سوءاً، وإنما يحتمل أمرين:
أحدهما: إنهم عملوه وهم يجهلون المكروه فيه.
والثاني: أنهم اقدموا على بصيرة وعلم بأن عاقبته مكروهة، وآثروا العاجل على الآجل، فسموا جهالاً لإيثارهم القليل على الراحة الكثيرة، والعافية الدائمة، فقد جعل الزجاج {{ الجهل }} إما عدم العلم بعاقبة الفعل، وأما فساد الإرادة، وقد يقال: هما متلازمان، وهذا مبسوط في الكلام مع الجهمية.
والمقصود هنا أن كل عاص لله فهو جاهل، وكل خائف منه فهو عالم مطيع لله، وإنما يكون جاهلاً لنقص خوفه من الله، إذ لو تم خوفه من الله لم يعص، ومنه قول ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار بالله جهلاً، وذلك لأن تصور المخوف يوجب الهرب منه، وتصور المحبوب يوجب طلبه، فإذا لم يهرب من هذا،ولم يطلب هذا، دل على أنه لم يتصوره تصوراً تاماً، ولكن قد يتصور الخبر عنه،وتصور الخبر وتصديقه وحفظ حروفه غير تصور المخبر عنه، وكذلك إذا لم يكن المتصور محبوباً له ولا مكروهاً، فإن الإنسان يصدق بما هو مخوف على غيره ومحبوب لغيره، ولايورثه ذلك هرباً ولا طلباً، وكذلك إذا اخبر بما هو محبوب له ومكروه، ولم يكذب المخبر بل عرف صدقه، لكن قلبه مشغول بأمور أخرى وعن تصور ما أخبر به فهذا لايتحرك للهرب ولا للطلب}}

المجموع {7/22}