السيمفونية الصماء
في ليلة من ليالي الشتاء القارصة وحيث كنت أعيش أنا وأخي أحمد بمفردنا وكنت مفتقدا لحنان أمي الفيّاض ، وكنت لا أجد سبيلاً لأستمد الدفيئ والحنان إلا من وسادتي وغطائي (لحافي)، وأذكر أني كنت نائما من شدة التعب بعد يوم حافل بالجد واللعب ومذاكرةٍ معروفة السبب، فقد بقيت لنا أيام ثم نُحمل إلى الإمتحان حيث يكرم المرأ أو يهان .
بدأ ينساب إلى أذني صوت عجيب بوقعٍ غريب مقتحما ذلك الصمت الرهيب، وشيئا فشيئا أخذ الصوت يعلو رويداً رويداً ووجدتُني أصبح لزاماً عليّ أن أفيق من حنان وسادتي ودفيئ غطائي لإستطلع الأمر، وأخذت بتلابيب الغطاء أجره عن وجهي بتباطئٍ مقصود لأتحاشى الهواء البارد الموجود، ولكني لم ألبث إلاوقد بدأ الهواء البارد يتقاتل ويتسارع للفتك بوجهي الدافيئ المسكين وقد بدت في عينيه الشماتة ونشوة الأنتصار وضحكات شريرة متقطعة، ولكني تجاهلته كالعادة حفظاً لكبريائي ولأستوثق من مصدر الصوت وسببه وكنهه حيث كان هو شغالي الشاغل آن ذاك، وإذا بي أتلفت يمنة ويسرة ثم أحوقل في نفسي قائلا (( لا حول ولا قوة إلا بالله )) فكما توقعت تماماً إنه أخي أحمد ، لقد أخذ ينهال عليّ بسمفونياته الشهيرة المعهودة والتي تعرف بأسم ( الشخير )، وما أن ينتهي من واحدة إلا جاء بمن هي أقوى منها وأعظم شراً، فقلت لنفسي كان الله في عونه فبلا شكٍ قد أعياه طول السهر أو ألمت به شدة السفر أو كثرة النظر إلى ضوء القمر –كان كاتب كتابه ساعتها- ، لا عليكم فكل ما قلته عن أخي فشر، فأخي أحمد ليس ككل البشر إنه أعتى و أمَرّ فلا يحتاج إلى غياب سببٍ من هذه الأسباب فيستتر، هكذا خلقه الله وأحبه كما هو بغض النظر، فقمت أعتدل في مضجعي و وجدتُني اعتلو مكتبي وأمسك بيمناي قلمي وبالأخرى دفتري وأكتب إليكم ما يلي:
في آخر الليل
يصاب الناس بالإعياء
يرجون نوماً بهدوءٍ
دونما عناء
فتغلق الأنوار
وتسدل الأستار
وتبدأ سيمفونيات صماء
عفواً .. ليست صماء
لكنها تعرف عند العقلاء
بضجيجٍ وأزيزٍ
تسبب لك الشقاء
مع أنه والله
مجرد هواء
ولكن الخلل كل الخلل
في الأعضاء
فلا تُمنّي نفسك
نوماً بهناء
أو تفكيرٍ بصفاء
أو قول أو عمل
يجعلك من الأتقياء
لكنّ نصيحة الأطباء
في مثل هذا البلاء
أن تتجه فوراً
إلى بيت الخلاء
لتريح الأذن
بما فيها من أصداء
أما قول العارفين بالله
الحكماء
أن ترفع يديك إلى رب السماء
وأن تقول بلا استحياء
اللهم أنا نسألك اللطف
و نسألك رد القضاء
المفضلات