لقاء بين البحر و النهر .. من تأليفي ..
إلتقى البحرُ بالنهرِ في نقطةٍ على الأرضِ
فَوُضِعَ حاجزٌ بينهما و هو البرزخُ الوَهمي
لِأنْ لا تَخْتَلِطَ صِفاتُ النهرِ بالبحرِ
أو يَتَداخَلانِ على الخَطِّ وَيُقالُ ياللهَوْلِ لا مَفَرَّ من الغَرَقِ
فَبادَرَ النهرُ و قالَ للبحرِ : أَيا بَحرُ أَلا تَدْري عَنْ الخَبَرِ
يُقالُ عَني حُلْوُ الصََّفاءِ وَ عَذْبُ المَذاقِ
وَ عَنْكَ يُقالُ : كَبيرٌ بَلْ مُخيفٌ مُظْلِمٌ وَ أَعْظِمْ بِهَيْبَتٍ لَهُ في كُلِّ نَفْسِ
فَلَهُ طَعْمٌ لا يُسْتَساغُ في شَرابٍ بَلْ في الطَّعامِ
أَلا وَ هو المِلْحُ الذي يُعَكِّرُ صَفْوَ العُذوبَةِ في المَذاقِ
أَلا يا بَحْرُ هَلََّا أَخْبَرْتَني عن ما سَمِعْتَ ثُمََّ عن الرََّأْيِ
فَبادَرَ البَحْرُ بِقَوْلِهِ : سَمِعْتُ بِأَنََّ خَيْرَ الكَلامِ ما قَلََّ وَدَلََّ عن الهَدَفِ
فَسَأَكْتَفي بالرََّأْي ...
أَلا وَ إِنََّكَ مَغْرورٌ يَتَباها أَو أَنََّكَ جاحدٌ يَتَعَجْرَفِ
فَكَأَنََّ البَحْرَ بِقَوْلِهِ هذا لَطَمَ النََّهْرَ لَطْمَتاً أَعادَتْهُ للوَعْيِ
بَلْ كَأَنََّهُ صَعْقَةٌ على القَلْبِ أَزالَتْ غُبارَ الوَهْمِ عن العَينِ
فَتَبَيََّنَ للنََّهْرِ اِغْتِرارِهِ بِنَفْسِهِ لِمَدْحِهِ الدائِمْ وَعَدَمْ سَماعِهِ للذََّمِّ
فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ خَجَلاً مُقِرََّاً بِذَنْبِهِ ثُمََّ تَوَجََّهَ بِاعْتِذارِهِ لِصاحِبِ النُّصْحِ
و الإرشادِ قائِلاً :
عُذْراً يا أَخاً في الجِوارِ و النََّسَبِ ..
.. عُذْراً فَمِنْكَ الصََّفْحُ إِنْ شِئْتَ وَ إن لم تَشَأْ فَإِلَيْكَ نَدَمي وَإِلْحاحِ
فَقال البَحْرُ مُبْتَسِماً ... حَمْداً للهِ على عَوْدَتِكَ للرُّشْدِ
سامَحْتُكَ فالتّسامُحُ كَما تَعْلَمُ مِنْ شِيَمي
المفضلات