الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله :
في حياتنا مواقف كثيرة تمر مرّ الرياح ، و لا نلتفت لها بعد أن تمضي .الا أننا لو توقفنا عندها للحظة ، و تركنا الفكر يسرح في خبايا الكون، لبكينا والله من شدة جهلنا برب هذا الكون الرحيم و مدى لطفه لعباده.
و لقد أحببت أخواتي و اخوتي أن أسطر لكم هذه القصة التي جرت معي في رابع أيام العيد الأضحى الماضي ، عندما ذهبت و عائلتي من مدينتي طرابلس الى العاصمة بيروت للتنزه و اغتنام العطلة (التي لا تعود أبداً بسبب الدراسة ).
و بينما نحن على الطريق اذ حانت الساعة 1:30 ظهراً تقريباً ، فعرجنا الى مطعم على الطريق العام (أي دخلنا )، و بعد أن جلسنا و طلبنا الغداء اذ يظهر من خلال النافذة أمامنا طفل صغير يبلغ 9 سنوات كما يبدو ، تظهر عليه آثار الشقاء و التعاسة و الحرمان.
(وصلتوا معي ، طيب كملوا قربنا نخلص )
فنظرت اليه ، الى هذا الوجه البريء الذي يبدو حاملاً جبال الهموم على ظهره و هو لا يزال طفلاً .
الا أني لم أستطع أن أطيل النظر اليه ، أحسست بالذنب و أحسست أن نظراته تؤنبني و تتهمني . و أتي الطعام و بدء الجميع الأكل ، الا أنا ظللت أنظر اليه خلسة و قلبي والله يتفطر من الحزن و الشفقة ، هاهي نظراته ترقب الطعام الممدود على الطاولة ، و أرى يده تمتد نحو الزجاج كأنها تحاول التقاط شيء من على الطاولة ، ثم ترتد خائبة .
لا أخفيكم أني والله دمعت عيناي فما عاد لي رغبة في أكل أو شراب ، و أنا أفكر ، هل أذهب و أعطيه بعض المال لعلها تقر عينه ، أم أنه لا داعي لذلك ؟ كدت أستجيب لنفسي الأمارة بالسوء ، و نسيته و بدأت الأكل ، الا أن نفسي لم تطاوعني أن أضع لقمة في فمي و هذا الطفل خارجاً معدته خاوية . و أخيراً قررت بحمد الله أن أذهب و أعطيه بعض النقود التي ادخرتها من العيد ، و ما أن هممت بالقيام اذ رأيت عاملاً من المطعم يوبخه و يطرده بعيداً .
و كم وددت لو أني هممت عليه فضربته كفاً يوقظ ضميره! و ما ضرك يا أخي لو أعطيته و لو قطعة نقدية واحدة ...!!! أليس في قلبك شفقة ؟ تخيل لو كنت مكانه هل كنت تريد أن تعامل بهذه الطريقة ؟!! بالطبع لا .
فإذاً أخواتي و اخوتي ، لم نبخل على الفقير بما رزقنا الله عز و جل من مال و هو قادر على أن يسلبه منا وقتما يشاء ؟
و قال عليه الصلاة و السلام :" ما نقصت صدقة من مال... ".فلم قست قلوبنا على اخوة لنا في الدين لهم حاجة ، فلم لا نساعدهم بما نقدر عليه ، و لو حتى مجرد مواساة .. ألم يأتي في القرآن في سورة الضحى في كلام وجهه الله تعالى للرسول عليه الصلاة و السلام ( و أما السائل فلا تنهر ) ؟..
هل أدركت رحمة الله بك الآن أخي ؟
هل أحسست بنعمة الله عليك الآن أختي أن من عليك بمسكن مريح و أنواع الطعام و الشراب ؟
فاحمدوا الله و اقنعوا بما رزقكم ، فإن الجنة فيها كل ما تشتهي الأنفس ، فلا تستعجل اللذة في الدنيا و تترك لذة الآخرة من أجل دار فانية و مال راحل و لتكن في قلوبنا رحمة لهؤلاء المحتاجين .
و تذكروا هذا الدعاء ، قولوه قبل أن تناموا و هو في كتاب (حصن المسلم من أدعية الكتاب و السنة) :" الحمد لله الذي أطعمنا و سقانا و كفانا و آوانا ، فكم ممن لا كافي له و لا مؤوي ".
و بعد الطعام :" الحمد لله الذي هو أشبعنا و أنعم علينا و أفضل".
و صدق تعالى اذ قال في كتابه ( و ان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ).
أسأل الله أن ينفعنا بما قرأنا و أن يتغمدنا بواسع رحمته انه على ذلك قدير .
في أمان الله
أختكم *أفنان*
المفضلات