الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده صلى الله وسلم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ،أمّا بعد:
{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}الزمر: ٧٦
إذا كان التأدب مع أصحاب الفضل واجباً فإن من أوجب الواجبات الأدب مع الله ..فهو سلوك الأنبياء والصالحين ، وواجب على جميع المكلفين ، يقول رب العزة سبحانه :
{ مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً(13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً }نوح (13-14)لقد أعتني سلفنا الصالح بالآداب فقال ابن القيم رحمه الله : الأدب مع الله -تعالى- هو القيام بدينه، والتأدب بآدابه ظاهراً وباطناً، ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء: معرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه، وما يحبه وما يكرهه، ونفس مستعدة، قابلة، ليِّنة، متهيئة لقبول الحق علماً وعملاً وحالاً. والله المستعان } مدارج السالكين 2/358..
وقال ابن المبارك :
{ نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم ، وأرقي الآداب وأكدها الأدب مع الله سبحانه}
ولقد كان للصفوة – عليهم الصلاة والسلام – النصيب الأكبر من ذاك الأدب ، فهذا آدم – عليه السلام- يتأدب مع ربه قائلاً : {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الأعراف:23 ولم يقل كما قال إبليس}: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} {الحجر:39}
أما أدب الخليل -عليه السلام- فتجده في قوله :
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِين}(الشعراء:78-79)ثم لم يقل: (وإذا أمرضني فهو يشفني) ، وإنما عدل عن ذلك تادبا معه فقال { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِيني} (الشعراء:80}
أما المسيح -عليه السلام- فقد كان الأدب شعاره ودثاره حتى في أصعب اللحظات وأشدها، وذلك يوم أن يقول الله له :{ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } (المائدة: من الآية116 ) ، فيقول :{ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ}{المائدة: من الآية116)، ولم يقل: أنا لم أقل ذلك.
والأدب مع الله يتجلى في أبهى صوره عند رسول الله -صلى الله عليه سلم - فلقد كان - عليه الصلاة والسلام- آية في أدبه حتى وصفه ربه بقوله :
{ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } (النجم:17)أي: ما تجاوز ما أمر به طرفة عين.
ولقد نهل الصحابة الكرام من معين أدبه -عليه الصلاة والسلام-، وكان في سيرتهم آيات للسائلين عن الأخلاق والآداب .ِ
المفضلات