الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد صل الله عليه وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ، أما بعد .. يا ليت الناس يعلمون بهذا الوباء العظيم..
إنه داء العصر.. إنها{ النظرة المحرمة }
إنها البداية، لكنها كم قادت صاحبها إلى الهاوية... إنها تذكرة وعبرة... فهل من مجيب؟!!
في زمان أصبح فيه العري هو شعار التقدم والرقي، وهو عنوان الحضارة، في زمان أصبحت فيه لغة الأجساد العارية هي السوق الذي تروج على حسابه تجارة الناس ومعاملات الناس، في زمان أصبحت فيه لغة العري هو السلم الذي يصعد عليه المنحرفون والمفسدون من أصحاب الفضائيات والقنوات الهابطة والمجلات الخليعة إلى الربح السريع الذي لا بركة فيه، بل هو كسب خبيث على حساب العفة والأعراض والأخلاق على حساب دمار وضياع المجتمعات.
أخي وأختي رعاكما الله:
امنحاني من وقتكما دقائق قليلة، وقفا مع وقفة يسيرة نطل من خلالها على أثر وخطر هذه النظرة المحرمة، ولن نقف على حدود بيان حرمتها بل سنتجاوز معا إلى عظم أثرها على دينك وأخلاقك وأسرتك ومجتمعك.
-ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟!
قال تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٣٠﴾ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } [سورة النور: 30-31].
قال السيوطي في تفسير هذه الآية: "وفي الآية تحريم النظر إلى النساء وعورات الرجال وتحريم كشفها".
وانظر كيف قدم الله غض البصر على حفظ الفرج والسر في ذلك أن النظر بريد الزنا ورائد الفجور.
يقول ابن القيم في كتابه (الجواب الكافي): "ولما كان مبدأ ذلك أي الزنا من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج؛ فإن البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج؛ فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر تكون نظرة، ثم تكون خطرة، ثم خطوة، ثم خطيئة".
ثم قال رحمه الله: "فمن أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلاك، والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ومن آفاته؛ أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى الإنسان ما ليس قادرا عليه ولا صابرا عنه وهذا من أعظم العذاب".
قال تعالى: {ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ} أي أن غض البصر وحفظ الفرج أطهر للنفس، وأتقى للدين، وأزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة.
فإن الله لم يشرع هذه الشريعة والأمر بغض البصر وحفظ الفرج تعنتًا على الناس ومشقة على النفس، إنما رحمة بهم لأنه إذا فتح هذا الباب فإنه يؤدي إلى اختلاط الأعراض والأنساب وفساد عريض في الأرض.
- إطلاق البصر زنى العين:
أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة؛ فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه».
فبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بزنى العين لأنه أصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج، وهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصي بالنظر وأن ذلك زناها.
قال ابن بطال رحمه الله: "سمى النظر والنطق زنا؛ لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي"
وأخرج الإمام مسلم من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
«سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: "اصرف بصرك"»، وفي رواية: «فأمرني أن أصرف بصري"».
بل جعل الرسول صلى الله عليه وسلم غض البصر من حقوق الطريق التي تلزم كل جالس فيها، حتى لا تتخذ الطرقات ذرائع للترفة بمحاسن النساء وتأمل مفتن الغايات والرائحات.
فقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إياكم والجلوس في الطرقات"، قالوا: "يا رسول الله، مالنا بد من مجالسنا، نتحدث فيها"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه"، قالوا: "وما حقه؟"، قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"».
وقد كان السلف الصالح أشد إيمانا وأكثر عملا ومع هذا فإنهم لا يأمنون على أنفسهم فتنة النساء؛
1- فكان أنس -رضي الله عنه- يقول: "إذا مرت بك امرأة فغض عينك حتى تجاوزك".
2- وكان الربيع ابن خثيم: يمشي فمر به نسوة فغض بصره وأطرق حتى ظن النسوة أنه أعمى فتعوذن بالله من العمى.
3- وقال وكيع خرجنا مع الثوري في يوم عيد فقال: "إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا".
4- وخرج حسان بن أبي سنان يوم عيد؛ فلما عاد قالت له امرأته: "كم من امرأة حسناء قد رأيت؟"، فقال: "والله ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك إلى أن رجعت إليك".
الله أكبر إنها قلوب عفت عن الحرام فعوضها الله خيرا وأذاقها حلاوة الإيمان.
- كلمة إلى الذين يطلقون أبصارهم ولا يغضونها:
أين هؤلاء ممن يطلقون أبصارهم ليل نهار؟!
أين هؤلاء ممن يتابع مشاهد الفجور في التلفاز والفضائيات؟!
أين هؤلاء ممن يجلسون على المقاهي والطرقات ينظرون إلى الغاديات والرائحات؟!
أين هؤلاء ممن يجلسون في الأندية والأسواق ينظرون إلى كل رائحة غادية؟!
لا تظن أن هذه النظرة ستروي ظمأك؛ فما أنت بذلك إلا كالذي يشرب من ماء البحر فكلما ازداد شربا ازداد عطشا، ويظل هكذا حتى يقتله.
وصدق أبو الأعلى المودودي حيث قال:
"من الذي يكابر في أن كل ما يحدث في الدنيا على هذا اليوم ولا يزال يحدث فيها من الفحشاء والفجور باعثة الأول والأعظم هو فتنة النظر".
فيا من وقعت في هذا المرض اعلم أنك ستسأل عن هذا البصر؛ قال تعالى:
{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [سورة الإسراء: 36].
بل اعلم أن هذه العين ستشهد عليك يوم القيامة؛ قال تعالى:
{حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة فصلت: 20].
- وفي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: "هل تدرون مما أضحك؟"، قال قلنا: "الله ورسوله أعلم". قال: "من مخاطبة العبد ربه"، يقول: "يا رب، ألم تجرني من الظلم؟"، قال يقول: "بلى"، قال فيقول: "فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني"، قال فيقول: "كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا"، قال فيختم على فيه، فيقال لأركانه: "انطقي"، قال فتنطق بأعماله، قال ثم يخلى بينه وبين الكلام، قال فيقول: بعدا لكن وسحقا، فعنكن كنت أناضل».
ألم تسمع قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر: 19].
قال ابن عباس في هذه الآية: هو الرجل يكون في القوم فتمر به المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها فإن رأى منهم غفلة نظر أليها فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره وقد أطلع الله عز وجل من قلبه أنه يود لو نظر إلى عورتها.
قال الإمام أحمد:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما تخفي عليه يغيب
وقد سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟
قال: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك إليه.
في البداية النظر وفي النهاية الوقوع في المحظور؛ كما قال ابن القيم رحمه الله في (الجواب الكافي): "والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد، ما لم يمنع مانع ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعد".
فغض أخي / أختي بصرك وأحفظ فرجك إلا من حلال وعندها أبشر بوعد الله عز وجل حيث قال:
{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٤٠﴾ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ} [سورة النازعات: 40-41].
- شهد شاهد من أهلها:
إن الانفتاح الإعلامي من فضائيات وانترنت ووسائل إعلام دون ضوابط شرعية، أدى إلى تساهل كثير من المسلمين في النظر إلى ما حرم الله تعالى من خلال المسلسلات والأفلام وكثير من البرامج التي تشكل النساء المتبرجات عنصرا أساسيا فيها، بل إن بعض المسلمين سمح بتواجد القنوات الإباحية في بيته من خلال الدش دون إحساس بالخطر الذي أدخله على أسرته وأطفاله، ودون متابعة أو رقابه في بيته مما أدى إلى وقوع ما لا تحمد عقباه وإليك بعض هذه الآثار.
- أثر النظرة المحرمة في انحطاط القيم وتفشي الإجرام:
لقد وجد أن القنوات الفضائية الإباحية في المنزل تؤدي إلى نتائج وخيمة كاعتداء الأطفال على أخواتهم الصغار واغتصابهم جنسيا. لقد قامت الاستخبارات الأمريكية (FBI) بمقابلة واستجواب 24 مجرما في السجون، كلهم قد اغتصب وقتل عددا كبيرا من البالغين أو الأطفال فوجوا أن 81% منهم كان يعرض نفسه بكثرة للمواد الإباحية ثم يقوم بتطبيق ما قد رأى على الآخرين بطرق شنيعة وفظيعة تفوق الوصف!!
إن أثر التساهل في مشاهدة الفضائيات والمسلسلات والأفلام فيها نشر التربج والتفسخ والعري والاختلاط وفساد الأخلاق. بل أدى هذا التساهل إلى ذهاب الغيرة وقتل الحمية في النفس.
بل وصل التساهل في رقابة الأطفال والمراهقين ومشاهدتهم للتلفاز والفضائيات حتى في أفلام الرسوم المتحركة.
وهذا كثيرا وكثير جدا في تلك الرسوم وأكاد أجزم أنه ليس هناك برنامج كرتوني يعرض الآن ولا يوجد فيه عري... أو غزل.. وملاحقة فتيات .. ولا عجب فهذا ما يحتويه مجتمعهم.. وهذا ما يريدونه من العالم.
كما تفيد الإحصاءات بأن 63% من المراهقين الذين يرتادون صفحات وصور الدعارة لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحونه على الانترنت؛ علما بأن الدراسات تفيد أن أكثر مستخدمي المواد الإباحية تتراوح أعمارهم ما بين 12 إلى 17 سنة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل هذه الأبحاث قام بها غربيون غير مسلمين. وأن القيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية ارفع وأجل وأشمخ من قيمهم؛ فهم لا يقيسون مثلا نسبة الازدياد في جريمة الزنا لأنهم لا يرون ذلك جريمة؛ فكيف بهذه الإحصاءات كلها لو أخذت معايير الإسلام في الحسبان؟
محاولة تصدير الإباحية بدعوى الحرية:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة النور: 19].
أما في زماننا فإن أهل الغرب بقيمهم الفاسدة وأمراضهم الخبيثة ومبادئهم الذميمة لميكتفوا بإفشاء الرذائل والمنكرات وواعي غضب الجبار بينهم ولكن تمادى بهم الحال إلى محاولة تصدير هذه المصائب والأمراض إلى دول الإسلام. فنجد جمعية مراقبة حقوق الإنسان (Human rights Watch) مثلا تذم وتنكر بشدة أي محاولات لدول الخليج العربي لحجب الانترنت ويدعوننا إلى الانفتاح والحرية.
ومن الأعراض الصحية المصاحبة لإدمان مشاهدة الصور المحرمة والإباحية:
1- انخفاض مستوى التركيز مما يضعف الذاكرة، ويجعل عملية الاستيعاب بطيئة جدا، كما تجعل الشخص أكثر عرضة لسرعة النسيان ولا شك أن ذلك يخفض القدرة الإنتاجية للفرد المدمن على مشاهدة مثل هذه الأفلام.
2- كما تسبب الأفلام الإباحية الأرق وقلة النوم والسرحان الدائم نتيجة للانشغال بتلك الأفلام إضافة إلى انشغال الفكر بأفكار بعيدة عن الواقع أو المنطق والعقل.
3- الشعور بالإرهاق العام والخمول والكسل والميل للوحدة والابتعاد عن النشاطات الاجتماعية والأسرية.
4- الإرهاق الذهني والذي يصاحبه عادة عصبيه في المزاج وسرعة الغضب والاستثارة والشعور بصداع شديد ومتكرر.
5- يضاف إلى ذلك ظواهر مرضية منها الإصابة بآلام فيا لظهر وكثرة إدماع الينين وتحسسها.
6- وأخيرا: الشعور بالاكتئاب وهو النهاية الحتمية للإدمان على مشاهدة الأفلام والصور المحرمة.
العلاج:
1- معرفة عواقب إطلاق البصر من فساد القلب وأسره، تشتت النفس، فقدان حلاوة الإيمان، فقدان لذة العبادة والخشوع، نسيان العلم وضعف الذاكرة قسوة القلب والغفلة عن الآخرة، الوحشة، الظلمة، القلق، الاكتئاب، تيسير مدخل الشيطان (لأن مدخل القلب العين).
2- الدعاء: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما عند الترمذي وحسنه الألباني:
«اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك».
بل كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود وحسنه الألباني:
«اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي».
3- الزواج : لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم من حديث عبد الله بن مسعود:
« يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء».
ولتعلمي أختي المسلمة أن لك دورا أساسيا في القضاء على هذا المرض والقضاء على تلك الفاحشة؛ فكما حرضنا الشباب على غض البصر فلا ننسى أن نعالج أساس وأصل هذا المرض ألا وهو خروج المرأة المتبرجة متعطرة سافرة عن محاسنها ومفاتنها فتكون سببا في إغواء الرجال والنظرة المحرمة وحصول الفاحشة فقد أخرج البخاري من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله على وسلم قال: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء».
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
« فاتقوا الدنيا واتقوا النساء».
فأنا لا أرضى لكِ أختي المسلمة أن تكوني سببا لإشعال فتيل الشهوة عند الرجال، كما لا أرضى لكِ أن تكوني ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الإمام مسلم:
« صنفان من أهل النار لم أرهما؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات ****** مميلات مائلات؛ رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة؛ لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؛ وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا».
4- ومن وسائل العلاج النظر في فوائد غض البصر: ومن ذلك أنه يخلص القلب من أسر الشهوة فغن الاسير هو أسير شهوته وهواه، كما قيل طليق برأي العين وهو أسير.
ومتى أسرت الشهوة والهوى القلب تمكن منه عدوه وسامة سوء العذاب وصار:
كعصفورة في كف طفل يسومها ** حياض الردى والطفل يلهو ويلعب
وكذلك يسد عنه بابا من أبواب جهنم فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل، وتحريم الرب تعالى وشرعه حجاب مانع من الوصول إلى الفاحشة.
ومن فوائد غض البصر أنه يقوي عقله ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب، فإن خاصة العقل ملاحظة العواقب، ومرسل النظر لو علم ما تجني عواقب نظرة عليه لما أطلق بصره.
أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق، كما قال الله تعالى عن عشاق الصور:
{ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [سورة الحجر: 72]؛
فالنظرة كأس من خمر، والعشق هو سكر ذلك الشراب، وسكر العشق أعظم من سكرا لخمر، فإن سكران الخمر يفيق، وسكران العشق قلمايفيق إلا وهو في عسكر الأموات.
5- ننصحك في خاصة نفسك بالحرص على البعد عن الجلوس في الغرفة التي تكون بها مرئيات أو مسموعات محرمة، وأن تواصل السير في طريق الهدى والاشتغال بحفظ القرآن والتفقه في الدين، ومصاحبة أهل الخير والحفظ على الصلاة في المسجد وحضور مجالس العلم.
6- واعلم أن من أنفع وأولى ما يجب الاعتناء به في علاج الانحرافات التركيز على تقوية الإيمان وإصلاح القلوب وإتقان الصلاة، والحرص على تقوية صلة النفوس بالله تعالى، والرغبة في ما عنده واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار والترغيب في ذكر الله تعالى : وتعلم الأحكام الشرعية.
وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور و الآخرة يقمع الشهوات والأهواء وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله» [حسنه الألباني].
ومن أحسن ما يسلي به التذكير بما ينعم الله تعالى به على المؤمن في الجنة من الحور العين، وإنه كلما ارتفعت درجته كلما زاد نعيمه، وإن أحظى الناس بالظفر بالحور العين فيا لجنة هو أشدهم عفة في الدنيا. وما أحسن ما قاله ابن القيم في نونيته:
وأعفهم في هذه الدنيا هو الـ *** أقوى هناك لزهده في الفاني.
انظر إلى الروعة في الوصف لهذه الحور العين في قول ربنا جل وعلا:
{ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ﴿٤٨﴾ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} [سورة الصافات: 48-49].
وقوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [سورة الرحمن: 58]؛
والياقوت والمرجان حجران كريمان لهما منظر حسن بديع، وقد وصف الحور بأنهن قاصرات الطرف وهن اللواتي قصرن بصرهن على أزواجهن فلم تطمح أنظارهن لغير أزواجهن، وقد شهد الله سبحانه للحور بالحسن والجمال، وحسبك أن الله شهد بهذا ليكون قد بلغ غاية الحسن والجمال ونساء الجنة مطهرات عما يعتري نساء الدنيا من الحيض والنفاس والمخاط وما إلى ذلك وهذا مقتضى قوله تعالى:
{ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة البقرة: 25]، وقوله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ ﴿٢٢﴾ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [سورة الواقعة: 22-23]؛
والمراد بالمكنون: المصان الذي لم يغير صفاء لونه ضوء الشمس ولا عبث الأيدي، وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن جمال نساء أهل الجنة ففي الحديث الذي يرويه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- والحديث عن أول زمرة تدخل الجنة – «ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن».
وانظر إلى هذا الجمال الذي يحدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم هل تجد له نظيرا مما تعرف؟ «ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأته ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها» [رواه البخاري].
كلنا أمير نفسه وكلنا عليه الاختيار؛ خدمة الإنترنت واقع لا مفر منه، وهذه الخدمة تفتح أمانا أيديها بعطاء وخير ومنافع لا تحصى. ولكنها خدمة تجر معها مسؤوليات فعلينا نحن أن نكون خير مستخدمين و خير مربيين لأبنائنا ومن نعول.
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. فيا رب البيت هل تعلم ما يفعل أبناؤك وبناتك عندما ينعزلون ساعات لا تحصى في غرف مغلقة أمام شاشة الإنترنت؟!، وهل سألت عنهم حينما غابوا عنك أياما في مقاهي الانترنت في الغرف الخاصة أو وراء الشاشات المستورة؟!
الأمر بيديك وأنت مسؤول عن أهل بيتك...
ألا هل بلغت...
أسأل المولى عز وجل أن يعينك على حسن استخدام هذه الخدمة وعدم استخدامها فيما يضر.
وختاما نقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
ودمتم
المفضلات