قل لي يا سيدي .. كيف تنسى؟
سألته وقد اكتست ملامحها علامات التلهف!
وسرعان ما اختفت , عندما أجاب بلامبالاة يشوبها عدم التفكير:
لا أنسى!
لم ينظر تجاهها حتى , كان يتأمل قطرات المطر المحتشدة حول قدميه ,
بدا وكأنه متعمق في عالمه الخاص ..
لم يكن هذا الجواب الذي تنتظره , أو بالأصح الذي تتمناه!
كاد السؤال الثاني أن يخرج من بين شفتيها لولا أنها فضلت أن تحوله إلى تنهيدة عميقة تمزق أحشاءها ,
وهي تنظر لأثر أنفاسها التي تشق الهواء البارد ~
أرادت أن تصرخ مستنكرة .. كيف تعيش إذاًَ؟!!
لكنها خافت من أن يقول , لا أعيش!
تركته ببطء , قبل أن يرمقها بنظرات الاستغراب أو بعض الشفقة!
وهو يقف في محطة انتظار الحافلة , كان أنيقاً جداً .. وعليه أمارات الغنى .. الشيء الذي جعلها تتساءل في نفسها .. مالذي يفعله شخص مثله في هذا المكان؟
وبدأت برسم العديد من السيناريوهات في خيالها وهي تخط خطاها مبتعدة ,
فضلت السير .. وأخذت تفكر كم هو غريب أن تسأل شخصاً للتو صادفته!
ألهذه الدرجة أصبحت بائسة؟
ربما ~
لكن الأغرب من ذلك أن تسأل عن النسيان .. ألم تكن هي من تدعي نسيان أي شيء يزعجها في الحياة إذا أرادت ذلك؟ نعم كانت تستطيع! تستطيع نسيان المواقف , الأشخاص , الأماكن!
لكنها عجزت من نسيان بعض المشاعر التي علقت في شباك الذاكرة , تأبى إلا أن تنغمس أكثر إذا أرادت انتزاعها!
توقفت فجأة! ثم رفعت نظرها للسماء .. لم تكن تمطر ~
لكن لا تزال الأرض رطبة .. والهواء مليء برائحة المطر ..
حاولت استنشاق بعض الهواء لعل وعسى يتوقف صدرها عن الاختناق!
ولم تكن إلا محاولة باءت بالفشل ~
استمرت بالسير , مشت , ثم مشت .. خطوة بعد خطوة بدون أن تدرك إلى أين تتجه ..
أرادت أن تستمر بذلك .. حتى تخر قواها تماماً , لا يهم إلى أين تذهب .. فقط تريد الابتعاد ..
حيث اللاوجود!
بات جسدها يشعر بالتعب , لكن لم يصل ذلك الاحساس لدماغها بعد!
فهي كانت مستغرقة بأفكارها , دون السماح لأي شيء آخر بالانسياب لعقلها وفكرها!
ولم تعد تسمع أي شيء من العالم الخارجي , سوى صوت خطواتها التي تتوافق مع دقات قلبها ..
أن تعيش .. بدون وجود من يتمنى بقاءك , من يحتاج إلى وجودك ..
من يهتم بك حتى وإن لم تهتم فيه! من يحبك أنت لشخصك وليست العلاقة التي بينكما!
وعند انتهاء هذه العلاقة أو الابتعاد عنك , يدفنك في مقبرة الذكريات!
والمضحك في الموضوع , أنها هي من أكدت من قبل .. عدم حاجتها لأي أحد لكي تعيش!
لكنها كانت تتمنى من يحتاجها , ويا له من تناقض أليم ~
ألم يكن لمن يعيش بدون هدف أو حلم أو أمل في الحياة متبعة بنظرات البعض .. كأنك ثقل أو عبء ..
حق الرغبة في الاختفاء والتلاشي في السماء؟
هل كانت تتمنى أمراً صعباً؟ أو غاية مستحيلة؟
وبدأت بالنظر حولها , كأنها تريد إستجابة!
حيث السماء القرمزية , تشهد غروب الشمس بروية ,
والطيور التي ترفرف جناحيها بحرية ,
وترى النفوس البشرية , كلٌ منغمس في أشغاله اليومية!
وقد أدركت أخيراً , أنها ..
لم تكن تعيش من أجل الحياة , بل كانت تعيش من أجل أن تموت!
منتظرة اليوم الذي ستنسحب فيه من هذه الحياة البالية ..
إلى الراحة الأبدية ~
* الموضوع لي , ولكن قد نشرته في مكان غير هذا من قبل فوجب التنبيه ~
المفضلات