السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
إيمانا منا واعتقادا لما في الرسوم المتحركة من ضرر بالغ على شباب المسلمين، وما بها من مخالفات خطيرة ، نضع بين أيديكم هذا الموضوع ، وبسم الله نستعين وعليه نتكل:
السؤال: لدي بعض الأسئلة أتمنى أن تجد جواباً شافياً ، وسوف تساعدني في بحثي . انتشرت في المنتديات استخدام صور الأنمي ( الصور المرسومة ذات أرواح ) ، ما هي الوسائل المعينة في التصدي لمثل هذه المظاهر ، مع ولعهم الشديد وحبهم لها ، وخصوصاً بين الفتيات ؟ وما هي البدائل الممكنة ؟ . أرجو الرد سريعاً ، الوقت ليس في صالحي . وجزاك الله خيراً .
الجواب:الحمد لله
أولاً:
لا يشك عاقل ما للرسوم المتحركة من أثر على الأطفال ، وهو الأثر الذي ازداد شدة لأجل قوة العرض ، وانعدام الدفع ؛ فقد باتت الوسائل التي تعرض بها تلك الرسوم غاية في القوة والإثارة ، حتى إن كثيراً من الكبار ليُفتن بها ، يضاف هذا إلى انعدام القوة الدافعة لمثل هذا عند الأطفال ، من اكتمال العقل ، إلى قوة الاعتقاد ، ولذا فإنك لو سألت كل من شاهد تلك الرسوم المتحركة في أوائل عمره : فإنه سيذكر لك كثيراً من قصصها وحوادثها كأنه يراها الآن رأي العين ، ولينظر كم انطبع في ذهن أولئك الأطفال من صور تحكي عقيدة ، أو تعلم سلوكاً ، ومن تأمل واقع تلك الرسوم علَم شدة خطرها على الأطفال بله الكبار .وقد أشارت " جريدة الجزيرة " ـ العدد : 12321 ، الجمعة 27 جمادى الأولى عام 1427 هـ ـ إلى دراسة أكاديمية ـ للباحثة هدى الغفيص ـ تناولت أثر الرسوم المتحركة على الطفل ، في مختلف نواحي حياته ، ومما جاء فيها :
" حذَّرت دراسة علمية من خطورة تأثير الرسوم المتحركة المستوردة على عقيدة أطفال المسلمين ؛ لما تتضمنه من انحرافات في الأفكار تستهدف زعزعة الإيمان في عقول النشء ، مؤكدة على ضرورة تضافر جميع الجهود لإصلاح القنوات ، والفضائيات لحماية نشئنا مما يحاك ضده ، فالقضية لم تعد خافية .وأشارت الدراسة إلى أن حرباً فكرية عقدية ضد الإسلام ، وأهله ، تستهدف أولاً عقيدة أبناء المسلمين ، ومرتكزات الدين ، والإيمان بالله ، وكتبه ، ورسله .وكشفت الدراسة أن فترة تعلق الأطفال بوسائل الإعلام مرتفعة عند سن الثالثة للذكور ، والخامسة للإناث ، وهذه أخطر مراحل نمو الطفل ، وبناء أفكاره ، ومعتقداته .وأظهرت الدراسة عدم إدراك نسبة عالية من الأمهات لدور الرسوم المتحركة في ترسيخ العقيدة الصحيحة ، ومن عدمها لدى الأطفال ، حيث إن 75 % ممن شملتهم الدراسة لم يجزم بأثر الرسوم المتحركة في بناء عقيدة الطفل ، وهذا ينم عن حاجة ماسة لإعادة بناء ما يشاهده الأطفال ، مشيرة إلى أن دور الرسوم المتحركة في بناء خيال الطفل الذي يقوده لتبني قناعات في غاية الخطورة على نفسية الطفل ، وللأسف أن هذه القضية - قضية أثر الرسوم المتحركة على عقلية الأطفال – ورغم عِظم متعلقها : لم تطرح بصورة تلائم ، وتساوي مستوى الخطر المحدق بأطفالنا "انتهى باختصار .
ثانياً:
يجب على القائمين على وسائل الإعلام أن يتقوا الله تعالى في أطفال المسلمين ، وأن يعلموا أنهم بإعلامهم قد ساهموا في تدمير المجتمعات ، ونشر الرذيلة ، والعنف ، والفساد ، فهم لم يكتفوا بما يفسد الفتيات والشباب والرجال والنساء بالأفلام والتمثيليات والأغاني حتى أضافوا لرصيدهم ما يُفسد عقائد وأخلاق الأطفال بما يجلبونه لهم من الشرق الهالك ، أو الغرب الفاسد من برامج للأطفال ورسوم متحركة تساهم في إتلافهم وإفسادهم .
ثالثاً:
من الوسائل التي يُنصح الآباء وأولياء الأمور بسلوكها في محاربة هذه الهجمة على الأطفال وصدها :1. الاهتمام بتحفيظ الأطفال كتاب الله تعالى ، واستثمار صغر سنهم لأجل ذلك .2. تربيتهم على حب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام من خلال النظر في سيرتهم وتراجمهم ، وحسن اختيار الكتب المناسبة لأعمارهم .3. تعليمهم شيئاً من مسائل العقائد بأسلوب سهل ميسَّر ، كتوحيد الله ، وتعظيمه ، ومحبته ، والخوف منه ، وقدرته على كل شيء ، وأنه الخالق ، الرازق ، وغير ذلك مما يتناسب مع سنهم وتفكيرهم .4. تربيتهم على إنكار المنكر ، وبغضه ، فيعلَّم أنه لا يرى رسوماً فيها موسيقى ، أو فيها بنات متبرجات ، أو فيها صليب ، بل وحتى لو رأى أحداً يشرب أو يأكل ولا يسمي الله فإنه يُنكر ذلك ، وإذا رأى من يسرق أو يخطف أو يقتل فإنه ينكر ذلك ، وتربيته السابقة لمشاهدته نافعة بإذن الله ؛ لأنه قد يرى أشياء تعرض في غير بيت أهله ، فيسارع إلى إغلاقها ، أو عدم مشاهدتها ، وللأطفال الذين تربوا على ذلك قصص لطيفة ، كانت سبباً في منع كثير من المنكرات .
ومن البدائل المقترحة لتلك الرسوم المفسدة :
1. إنتاج برامج مشابهة لتلك الرسوم توافق منهج الإسلام ، فتخلو من المنكرات ، وتربي على الفضائل ، ولا مانع من أن تكون هي نفسها لكن بإنتاج جديد ، تُحذف فيه المنكرات ، وتؤدى فيه الأدوار بكلمات مباحة لا تخالف الشرع ، وقد أحسنت قناة " المجد " حين سلكت هذا الطريق ، فلها برامجها الخاصة بها من الرسوم المتحركة ، ولها " دبلجات " نافعة لرسوم متحركة مشهورة ، فيجمع الطفل بين تحقيق الرغبة ، وحسن التربية والتعليم .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :ظهر الآن في بعض التسجيلات الإسلامية رسوم متحركة ، يقولون : إنها إسلامية ، يعني : ظهر منها مثلاً " فتح القسطنطينية " ، أو " رحلة السلام " ، وأخيراً ظهر " غلام نجران " الذي ذكر في سورة البروج ، أو في الحديث الذي في صحيح مسلم ، وهذه الرسوم المتحركة يجعلونها بديلاً عن الرسوم المتحركة الفاسدة ، ما هو الحكم في ذلك يا شيخ ؟! .
فأجاب:
أنا أرى أنها إن شاء الله ما فيها بأس ؛ لأن الواقع - أنك كما تفضلتَ - أنها تحمي الصبيان عن الأشياء المحرمة ، فأقل ما فيها إذا كان ولا بد أن نقول بالتشديد أنها أسهل من الرسوم الأخرى التي يسمونها " أفلام الكرتون " ، يعني : تلك - كما سمعنا - فيها التشكيك في العقيدة ، وتمثيل - والعياذ بالله - للرب عز وجل عند إنزال المطر ، وما أشبه ذلك ، فعلى كل حال لا أرى فيها بأساً ... .فأرى أنه إذا كانت ليس فيها إلا الخير : ما فيها شيء إن شاء الله ، وإذا كانت مصحوبة بموسيقى : فهذا لا يجوز ؛ لأن الموسيقى من المعازف المحرمة ." لقاءات الباب المفتوح " ( 127 / السؤال رقم 10 ) .
2. اختيار برامج ثقافية تعليمية ، تجمع بين المتعة والتعليم ، وقد انتشرت مثل هذه البرامج بالصوت والصورة ، وفيها الحديث عن عالَم البحار ، وعالَم الحيوانات ، ولقناة المجد الوثائقية مشاركة فاعلة في هذا الباب ، وبرامجها تخلو من الموسيقى والنساء .وهذه الرسوم ، وتلك البرامج ينبغي أن تكون وفق ضوابط شرعية . وقد ذكرت الأخت هدى الغفيص في رسالتها بعضها ، فقد قالت جريدة الجزيرة في سياق عرض رسالتها :" وتقترح الدراسة بعض الخصائص التي ينبغي على صانعي برامج الأطفال أن يضعوها أمام أعينهم ، ومنها : البعد عن إنتاج البرامج التي تثير الرعب ، وتزرع الخوف في قلب الطفل ؛ لأنه يكون في مرحلة مهيأ فيها نفسيّاً لتقبُّل مثل هذه المثيرات ؛ لأن الطفل من سنتين إلى خمس سنوات يخاف من الوحدة ، ومن النار ، ومن الحيوانات ، ومن الأشياء الخيالية ، مثل الأشباح ، والعفاريت ، وتصوير مثل هذه المشاهد يخرِّج أطفالاً مضطربين نفسيّاً .وأن تهتم البرامج المخصصة للأطفال ببث القيَم ، وعدم إعطاء جرعة كبيرة للبكاء ؛ لأن هذا لا يبني إلا شخصية ضعيفة غير قادرة على تحمل الصعاب ، إنما تبث القيم من خلال القوالب المرحة ، والأفكار التفاؤلية السعيدة .مؤكدة الدراسة على أن إعلام الطفل عِلْم وفَن قبل أن يكون هواية ، وعلينا أن نهتم بهذه المنظومة العلمية والمهارية والفنية ، ولا نفرط في استخدام الخيال لأنه أمر غاية في الخطورة على مدركات الأطفال فينبغي إدراجه بصورة قليلة .وتؤكد الدراسة على ضرورة تحليل أثر الرسوم المتحركة ، الموافقة للمعايير الشرعية حتى لا تكون الغاية منها التسلية وإيجاد البديل ، وأن نعرف ماذا قدم البديل الإسلامي للأطفال ؛ لأن الملاحظ أن غالبية البدائل تُعنى بعدم إيراد ما يخالف المعايير الإسلامية ، لكن أهملت جانباً مهمّاً ، وهو كيف تساهم في غرس العقائد الإسلامية ، وفق خطة مدروسة ، مناسبة لعمر المتلقي ، وضرورة أن يقوم المتخصصون بالعلوم الشرعية بواجب التصدي للحملات التي تستهدف عقول الناشئة دون هوادة " . انتهى
3. إشغال الأطفال ببرنامج صحي مفيد ، يمارس فيها الرياضة ، والسباحة ، وغيرها من الألعاب المباحة ، وهي تجمع له بين المتعة والفائدة ، على أن يُحسن اختيار النادي الذي يمارس فيه تلك الألعاب ، ويحسن اختيار الأصدقاء الذين يشاركونه فيها .
4. مشاهدة المواقع الإسلامية التي تُعنى في بعض أقسامها بالأطفال ، وذلك من خلال عرضهم لفلاشات مفيدة ، أو لعب مسلية ، أو رسوم متحركة فيها قصص الأنبياء ، والصالحين ، وفيها عرض للغزوات والمعارك الإسلامية ، وفي " الشبكة الإسلامية " قسم خاص بالأطفال فيه نفع كبير لهم .وكما تلاحظ - أخي – فإننا لا نتعامل مع الأطفال كما نتعامل مع الكبار ، فيجب أن يُلحظ أننا نحث أولياء الأمور على إشباع رغبة الطفل من متعة المشاهدة ، ومن اللعب ، لكننا في الوقت نفسه لا نترك الحبل على غاربه ؛ لئلا نقع في مخالفات شرعية ؛ ولئلا ينقلب الطفل علينا فاسداً مُفْسِداً ، ولذا فإننا نحث الشركات والمؤسسات القادرة على إنتاج ما يستفيد منه الطفل بالصوت والصورة أن لا يُقَصّر في ذلك ، فهم أحوج ما يكونون لهذا ، وأولياء الأمور أحوج ما يكونون لبديل نافع مفيد ممتع يقدمونه لأولادهم ، ونرى ضرورة إنتاج أشياء خاصة بالفتيات حتى تربى الابنة على الحياء وغض البصر من صغرها .وقد ذكرت الأخت " هدى الغفيص " في رسالتها المشار إليها في أول الجواب بعض الأشياء النافعة في هذا الباب .
وقد جاء في عرض جريدة الجزيرة لدراستها قولهم :
" أما عن الآثار السلبية لوسائل الإعلام وكيفية علاجها : فقد أشارت الدراسة إلى تبني منهج تربوي قائم على التنشئة الإيمانية ، المبني على إصلاح القلوب ، وتقوية العقيدة ، يمنع ، أو يحد من هذه الآثار السلبية ، وقد رصدت الدراسة بعض هذه الآثار وكيفية وضع الحلول لها منها :أولاً : كثرة إجراء المقابلات الإعلامية مع نجوم الكرة ، والفن ، والاشتغال بحياتهم ، وحفلاتهم ، وتحويلهم قدوة للأبناء ، وتقترح الدراسة : ربط الطفل بقدوته رسول الله ، عن طريق تحويل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى واقع قصصي يعيشه الطفل .ثانياً : حفظ الطفل لأسماء شخصيات الرسوم المتحركة ، وطلبه ملابس مثل التي يرتديها هؤلاء ، والحل : أن نجعل الطفل يحاكي حياة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والصحابة ، وتاريخ المسلمين .ثالثاً : سهولة تلقي الطفل وتقبله لأفكار لا تتوافق ومعتقداتنا ، وتعالج الدراسة هذه النقطة : بتقوية الحصانة الذاتية لدى الأطفال ، وتعليمهم كتاب الله ، والعناية به ، وبربطهم به في كل من شؤون حياتهم .رابعاً : تدني مستوى الاعتزاز ، والفخر بالانتماء للإسلام ، وذلك بسبب عدم تربية الطفل على حب الإسلام ، وتوعيته بقيمة كونه مسلماً موحداً ، ولحل هذه المسألة : يجب الاستمرار في عرض مزايا الإسلام ، واستغلال المناسبات لذلك ، ومقارنته بغيره من الأديان ، وعلينا أن نحس بالمسؤولية والصدق في حمل الأمانة " .انتهى
والله أعلم: الإسلام سؤال وجواب الفتوى رقم 112018
المفضلات