كان توم لايزال مهموماً يفكر بمولي. فقال لنفسه : " لقد أعطتني كل مالديها من حب, وأنا وعدتها أن أساندها, وهي تثق بأن وعدي هذا سيجلب السعادة "
ثم خطر بباله فكرة : " ربما كانت تحتاج بعض المال. عليّ أن أذهب وأرى "
وهكذا توجه توم إلى آل سيغريم. وهناك قالت له أمها : " مولي ليست موجودة. إنها ليست في المنزل " ولكن أختها الكبرى بيتي أشارت له : " إنها في غرفتها في الطابق العلوي "
فصعد توم السلم الذي يقود إلى غرفة مولي الواقعة في أعلى المنزل, تحت السقف المنحدر, ولدهشته وجد بابها موصداً, فطرقه ولكنه لم يلق جواباً لفترة من الوقت. وفي نهاية الأمر فتحت الباب. وحينما رأت توم كانت دهشتها وارتباكها كبيرين لدرجة عقدت لسانها عن الكلام. حدثها توم بعد ذلك عن قصده من الزيارة قائلاً : " لقد أمرني السيد أولوورثي ألا أراك ثانية أبداً, وإذا عصيته فستكون النتائج خطيرة , حتى أنها قد تصل إلى حد تدميري. لذلك وبما أننا يجب أن نفترق فإنني أود أن أظهر لك حقيقة حبي من خلال تقدمة سخية اسخى مما تتوقعين إنني واثق من أنك ستجدين رجلاً يتزوجك ويجعلك تعيشين في سعادة أكبر من تلك التي قد تجدينها معي "
ظلت مولي صامتة لبضع لحظات ثم انفجرت باكية بسيل من الدموع وصاحت به قائلة : " هل هذا هو حبك لي ؟ أن تتركني بعد أن قضيت عليّ ؟ إن كنوز الدنيا كلها لا تعني لي شيئاً بدونك. لماذا تتحدث عن رجل آخر ؟ لا يمكن أن أحب رجلاً آخر ما دمت على قيد الحياة ! هذا محال ! "
وكانت تنوي قول المزيد لولا أن حادثاً أوقفها.
كانت غرفة مولي تقع تحت سقف منحدر ولم يكن فيها أية خزانة لذا فقد قامت بتثبيت ستارة بالمسامر أمام ملابسها وبعض الأشياء الأخرى في أحد أركان الغرفة. وربما لمست مولي الستارة بقدمها, أو لعل توم جونز هو الذي فعل ذلك : فقد سقطت الستارة بعد أن خرج المسمار من مكانه وكسف عن كل ما كان خلفها - كل ملابس مولي وكذلك - السيد سكوير! وقف ينظر إلى توم جونز والرعب الشديد يملاً عينيه المتسعتين
كان السيد سكوير قد رأى مولي في الكنيسة وأعجب بمظهرها كثيراً, فبدأ يحوم حول منزلها وهو على جواده آملاً في رأيتها ثانية. ونجح السيد سكوير في مسعاه مستفيداً من عدم وجود توم لمدة أسبوعين.
هذا هو السبب الذي جعل السيدة سيغريم تقول أن مولي " ليست في المنزل " بينما أن بيتي, شقيقة مولي, كانت تكرهها لذلك قالت : " إن مولي في الطابق العلوي"
انفجر توم ضاحكاً, واقترب من السيد سكوير ماداً له يده ليساعده على الخروج من مخبأه.
قال سكوير : " حسناً يا سيدي, أرى أنك تستمتع باكتشافك, وأنك مبتهج لفكرة إخبار الجميع بالأمر "فرد توم : " آه, لا ! لم أكن في يوم من الأيام أسعد بك كما الآن. إنك تقدم لي خدمة كبيرة وستبقى هذه العلاقة سراً على الدوام. وإذا كنت لطيفاً مع الفتاة فلن أخبر أحداً بالأمر. وأنت يا مولي, يجب أن تكوني مخلصة لصديقك الجديد "
كان توم لا يزال يخامره شعور بالذنب لتصوره أنه أول من قاد مولي لارتكاب الخطيئة, إلا أن أختها الكبرى, بيتي, أخبرته فيما بعد عن ويل بارنس. فقالت : " كان ويل بارنس رجلاً عظيماً في نظر النساء. وقد وقع في حبي في أحد الأيام إلى أن كبرت مولي, عندئذ تركني من أجلها. وهذا هو سبب كرهي لها, فقد أخذت من الرجل الذي أحب. إنه والد طفلها لا أنت"
كانت هذه هي نهاية مول بالنسبة لتوم. ولقد أصبح قلبه حراً لا يشغله سوى حبه لصوفيا الذي ازداد قوة عما قبل
(14)
مرض السيد أولوورثي
كان حب توم لصوفيا كبيراً, نابعاً من صميم قلبه. وكان يعتقد أنها تحبه أيضاً, ولكنه كان يقول لنفسه: " لكن والدها لن يوافق على زواجنا أبداً, وأنا لا أستطيع أن أطلب منها أن تحبني بلا زواج يربطنا معاً. فهذا أمر مريع - مريع بالنسبة لكل من السيد وسترن والسيد أولوورثي. لذلك يجب أن تكون لقاءاتي معها أقل ما يمكن, وعندما نلتقي يجب أن يكون سلوكي تجاهها متسماً بالبرود الشديد "
كان يصاب بالشحوب عند رؤيتها تقترب منه, وإذا التقت عيناه بعينيها اندفع الدم إلى وجنتيه, أما إذا اضطر إلى شرب نخبها على مائدة الطعام, أحس بصعوبة في إيجاد الكلمات.
لم يلاحظ السيد وسترن هذا الأمر, ولكن صوفيا لاحظته وعرفت السبب.
كانت تحترمه لقدرته على السيطرة على نفسه, وفي الوقت ذاته, كانت تشفق عليه. وقد زاد هذا من مكانته في قلبها. وعندما التقيا في صباح أحد الأيام في الحديقة, كان كلاهما تعيسين حتى إنه تحتم على توم أن يساعدها في العودة إلى داخل المنزل وبالرغم من أنه كان ممسكاً بذراعها, إلا أنه لم يجرؤ على الضغط عليها
كانت ذراع توم قد شفيت تماماً الآن, ولكن السيد وسترن رجاه أن يبقى في منزله بسبب تعلقه الشديد به. وبقي توم حوالي عشرة أيام أخرى دون أن يذهب إلى منزل السيد أولوورثي أو يسمع أخباره.
أصيب السيد أولوورثي بالزكام لبضعة أيام, ولكنه لم يلزم غرفته وتابع القيام بأعماله المعتادة مما زاد حالته سوءاً حتى إنه اضطر إلى استدعاء الطبيب. وعندما حضر هذا الأخير وفحصه هزّ رأسه قائلاً : "كان عليك أن تستدعيني من قبل يجب أن أعترف الآن بأنك في خطر ". فأرسل السيد أولوورثي إثر ذلك في طلب جميع أفراد عائلته
قال الخادم لتوم : " احضر حالاً, فالسيد أولوورثي يحتضر ". فأبعدت هذه الأنباء كل أفكار الحب التي كانت تشغل تفكير توم.
اجتمعت العائلة المكونة من بليفيل وتوم و ثواكم و سكوير حول سرير السيد أولوورثي. أما السيدة بليفيل فقد كانت في لندن.
قال السيد أولوورثي : " لقد أخبرني الطبيب أن حياتي في خطر, ولذلك فقد قررت أنت أخبركم عن الترتيبات التي وضعتها في وصيتي. ستحصل أنت يا بليفيل على كل شيء, ما عدا خمسمائة جنيه ستكون من نصيب والدتك, ولكنك ستستردها بعد وفاتها. وقد أعطيتك يا توم ستمائة جنيه, وسوف أضيف إلى هذا المبلغ ألف جنيه "
فصاح توم : " آه يا والدي, يا صديقي ! إن طيبتك معي الآن وفيما مضى أكثر بكثير مما أستحق "وضغط السيد أولوورثي على يد توم قائلاً : " إنك تتحلى بالكثير من الطيبة والكرم والشرف. إذا أضفت الإيمان والحكمة إلى هذه الصفات, فإنني واثق من أنك ستكون سعيداً "
كما أترك ألف جنيه لكل من ثواكم و سكوير, وكذلك بعض المال للخدم.
وهنا دخل رجل إلى الغرفة وقال : " هناك محام من ساليز بري يحمل رسالة إلى السيد أولوورثي ذاته, وهو في عجلة كبيرة من أمره ". فقال السيد أولوورثي : " اذهب يا بليفيل واعرف ما يريد فأنا لا أستطيع أن أقابل أحداً الآن "
عاد بليفيل وقال للطبيب لقد توفيت والدتي في ساليز بري أثناء عودتها من لندن "
فقال الطبيب : " يجب ألا يعلم السيد أولوورثي بوفاة أخته, فقد يكون لهذا تأثير سيء عليه في حالته الراهنة "
ولكن بليفيل لم يوافقه الرأي : " إذا شفي خالي, فإنه لن يغفر لي أبداً إخفائي عنه سراً كهذا "
وهكذا دخل الطبيب و بليفيل إلى غرفة المريض. وفي الحقيقة, لم يكن مرض السيد أولوورثي شديداً إلى الدرجة التي ذكرها الطبيب. إذ أن الأطباء كقادة الجيوش : يجعلون الأخطار والصعوبات تبدو دوماً أكبر مما هي عليه في الواقع, فإذا انتصروا, حصلوا عندئذ على مجد أكبر, أما إذا خسروا, فلا أحد يستطيع أن يلومهم.
تلقى السيد أولوورثي النبأ بهدوء وقال : " إنها مشيئة الله, ومشيئة الله يجب أن تنفذ ". ثم طلب من بليفيل أن يتولى أمر الجنازة.؟
المفضلات