-أطياف ذكريات:



"ج1من أطياف ذكريات "



الحقيقة ! .. حقيقةُ الخذلان، حقيقةُ التهمة الباطلة، تسقطُ على رأسها وتثقله، تُشيع فيهِ صداعًا مراً ترقُصُ أحْدَاقها برجْفةً مُرغمة، تحتَ سطوةِ الحقيقة المرة المنكفئة على نفسها ! شعرتُ بغصة في حلْقها، تقافزت أسئلتها ونطقت
" مَا هو ذنْبه ؟.. ما هو ؟ - يجبُ أن أعرف ، يجبُ أن أعرف " ...

بِصعوبةٍ جمّة أجبرتُ أطرافها على الحركةِ وجرت نفسها حتى وصلت إلى المذكرات .. تلمستها بأكف مرتجفة واستدارت عائدة نحو الطاولة .. حيث يجلس يوري .




أطلقت العنان لمقلتيها وهي تـقف أمام تلك السطور التي تربعت عليها أنواعٌ مختلفة من الأحداث أحداث لا يتصورها عقل وخيال قاصر كخيالها ، حيرة طفيفة تتملك ملامحها التي باتت تتعرج في حين وتنفرج في حين آخر وكأنها تبحث عن تعبير يصف تلك الشحنات المتصادمة في داخلها من جراء ما تقرأه! قطبت حاجبها محاولة منع طيف الخوف والمفاجأة من أن يتملكانها , ولكن هيهات فهاهما يزحفان إلى ملامحها مجدداً ويطبقان عليها بقبضتهما ، وما لبثت نظراتها المشتعلة قليلاً حتى انصاعت لهما وتبعثرت نظراتها لتصطدم بالزاوية التي تجلس عندها الروح مخاطبة إياها:

- م اذا و ج د تِ ؟؟

تشبعت أطرافها ببرودة كالجليد و هي تروي ما حوته الأسطر التي قرأتها قبل لحظات , أحست بصوت يولد في صمت الغرفة المطبق كشرارة هوجاء كلمات تنبثق من نفس مستعرة ولا عجب !! يعيش محجوزا. بين أربعة جدران ولا يملك إلا أن ينتصب أمام هاته السطور يبث نفسه إليها يتسع و يتشعب .. يكتب بكل إصرار .. يزيل شبهة علقت بقدسية عقله بكلمات تنفرط كبكرة أثيرية حمراء







[ لا يُمكِنُنِي الفَهْمُ أبَداً .. إنَّ هذَا الاكْتِئَابَ الّذِي يُصاِحبُ لحَظاتي لا ينفَّكُ يُراودِنُي كُلَّما أغدَق عليَّ اللَّيْلُ بـهذَا السُّكون . رُبمَّا كانَ هذَا بسِبِب الزنزانة المصحة التي أسكنها , فمِن أيْنَ لِي أنْ أُمتِّعَ نفسي وأنا مُحاط بـأربع جدران منكفئة على نفسها !؟, أوْ رُبَّما لأنَّهُ اللَّيْلُ - علَى أيَّةِ حال - أعيش الآن حياةً ملؤها الصخب و الأشخاص .. ولكنها في نظري ضيقة .. حزينة.. فارغة من كل معنى ولون عدى معنى الخسران و الفجيعة .. خالية من أعز الأشخاص : يوري .. تومومي .. واكانا .. كوتا , كئيبة عيشتي من بعدهم .. كل يوم أحس بشعور المنفي الغريب عن وطنه وكل يوم أنتظر شخصاً ينتشلني من براثن هذه الغرفة .. ولا مجيب!! أحاول الكذب على نفسي و إقناعها أن وضعي هنا كان خطأً لا أكثر .. وسيحضر أقربائي لإنقاذي في أقرب وقت .. ولكنهم لم يمهلوني طويلاً .. لماذا لا تكاد عقولهم تستوعب أنهم يمزقون قلبي بسهامهم التي يتقاذفونها .. سلبوا كل ما تبقى لدي من آمال كنت أهذي بها لنفسي .. أخبروني بأني مجنون أهذي بكلام غير مفهوم .. و أن هذا المكان هو الأنسب لي , لم اعد أشعر بالأمان .. أفتقد أصدقائي حد الموت .. امتنعت عن الطعام و الشراب وزهدت في الحياة .. كرهت كل شيء حتى نفسي .. لماذا لم أمت معهم ؟؟ لماذا نجوت وحدي ؟ أشتاقكم .. أشتاقكم يا أصدقائي ]




رفعت رأسها .. وأطلقت لجام حدقتيها لتوشح تلك السماء الزرقاء والسحب الباسقة التي انتشرت على محياها ، وشيئاً فشيئاً انسلت نبرة حزينة مصحوبة بنوبة بكاء إلى مسامعها لتملأها كمداً ! كان أنين الروح التي تشاطرها المكان , اشتعل لهيب حدقتيها مرة أخرى وانسلت دمعة ساخنة من مقلتيها فأشعلت وجنتيها حرارة !!

- ه ل .. ص د ق ت .. ا ل آ ن

كانت تدرك حقيقة شخص عمها و مع هذا لم تجب إلا بدموع عينيها.. وصوت نشيج يمزق صدرها أغلقت فمها بقبضة يدها بقوة أشعرتها بالألم.. فعلت ذلك كي لا يخرج صوت بكائها فيوقظ الجميع .


*
*
*