يحكى أن فتاة تعيش في كوخ صغير في قرية ريفية جميلة وهادئة ~
كل صباح تجتاح الطرق الوعرة و الممرات الضيقة وسط كومة كثيفة من الضباب المُعتِم بمفردها لتشق طريقها إلى المدرسة، حاملة حقيبها المهترئة التي تحمل بضع أقلام و كراسين، إحداهما للمدرسة و الآخر ابتاعته صديقتها لها في يوم مولدها الفائت حينما كانتا عائدتين للمنزل~
و حينما يحين موعد الغداء، تذهب تحت شجرة معمرة تتسلقها و تنظر للشمس الدافئة و الغيوم التي تشبه حلوى القطن المبهرة و التي لم تشاهدها سوى مرة واحدة في حياتها حينما ذهبت لمهرجان في المدينة مع والديها و رافقتهما تلك الصديقة، بعيدة عن إزعاج الأطفال الذين ينعتوها كل يوم بالبائسة، و ألقاب أخرى حتى ما عاد ما يقولونه يهمها ~
تنزل الشمس رويداً من كبد السماء، و يعتدل الجو، في هذا الوقت يهرول كل الأطفال للعب معاً ملطخين ثيابهم بالطين، أو يجلسون للغناء بعشوائية أغان الطفولة بصوت يُزعج تلك الفتاة التي تتجنبهم و تعود للمنزل لتنهي فروضها قبل حلول الظلام #
بعد العشاء، تجلس عائلتها أمام التلفاز الصغير ذي الألوان الباهتة، في حين أنها تخرج للفناء
و في يدها قلم مكسور و كراس، تسطر في عالمها الخاص شيئاً لم يره و لن يراه أحد سواها،إذا ما شعرت بعدم الرغبة في الكتابة، تذهب للسقف و تتأمل السماء، حتى يحين موعد النوم فتهرع إلى الفراش ~
ينام الجميع، و تبقى هي مستيقظة، و حينما ينتصف الليل، تتسلل بخفة من فراشها إلى الخارج، و في إحدى يديها شمعة صغيرة، والأخرى تمسك بالقلم و الكراس نفسه!!
تمضي و من حولها يراعات مضيئة، تزين طريقها و ترقص لها على أنغام يعزفها صرار الليل، تستمر في المشي بلا خوف أو تردد نحو بركة ساكنة مياهها راكدة~
تطفئ شمعتها الواهنة رغم أن البدر يحجبه السحاب، و تتأمل زهرة نيلوفر البيضاء القابعة بعيدة عن زهور النيلوفر الأخرى، و التي تعد الأقرب إلى ناظري الفتاة الصامتة~
تتأمل الفتاة زهرتها المفضلة و تقول:
" أتعلمين؟! أنت جميلة حينما تكونين نائمة، تذكرينني بالأوقات الرائعة التي قضيتها مع..."
لم تكمل، إذ شقت الدموع طريقها عبر خديها المتوردتين:
" هل سترحلين قريباً؟! أرجوكِ إبقي معي أكثر، إني وحيدة بعد أن رحلت صديقتي إلى المدينة، ما عدت أعرف أين هي؟ اختفت في هذا العالم الكبير جداً"
توقفت قليلاً و تأملت الزهرة ثم فكرت:
" كلانا وحيدتان، فرغم وجود الناس من حولي فإني لا أحتك بهم، أخاف أن يرحلوا... الأمر مشابه بالنسبة لك، وحيدة رغم تواجد زهور النيلوفر في الجوار... "
ظهر البدر من جديد إثر انسحاب السحاب من طريقه ليضيء المكان ببريقه، نظرت الفتاة للبدر مطولاً و تأملته و من ثم لزهرتها، مسحت دمعها و هي تردد:
" ليس علي البكاء، ستعودين إليّ، و ستزهرين من جديد عما قريب، لتنعمي في سباتك بينما أواجه قسوة الحياة بقوة، سأمضي، فلأي شيء أكترث؟! سأخطو للأمام مهما كان طريقي وعراً..."
نهضت من مكانها و عادت لكوخها الدافئ لتنعم بنوم عميق فغداً يوم حافل تعزِم فيه التغيير ~
للقصة تتمة ~
المفضلات