بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلى الله وسلم على نبينا مُحمد وعلى آله وصحبهِ أجمعين , أما بعد:
نزولًا عند رغبةِ بعضِ إخواني الكرام في كتابةِ مقالٍ مُبسط في "مسألة الحجاب وهل وجه المرأة من العورة التي يجب سترها أم لا ؟ ", وبعيدًا عن الأسلوب العلمي والذي قد يستعصي فهمه على عامة الناس ,فإنّي أجبتهم إلى ما طلبوا بكتابةِ هذا المقالِ سائلًا المولى عزَّ و جلَّ أنْ ينفعَ بهِ من قرأهُ أو اطلع عليه وهو وحدهُ الموفِّقُ والهادي إلى الصواب.
*مَدْخَلٌ بَيْنَ يَديّ هَذِهِ المَسْأَلَةِ:
لابُدَّ قبل الخوضِ في هذهِ المسألة من توضيح أمرٍ مُهمِ وهو أنَّ العَهْد النبوي مُنذ بعثة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وحتى وفاته قد انقسمَ إلى مرحلتين: مرحلة يمكن أنْ نسميها ما قبلَ الحجابِ ومرحلة نسميها ما بعد الحجاب كما هو الدليل على هذا التقسيم, وما هي طبيعة وسمات كل مرحلة من هاتين المرحلتين؟
*وَكَانَ قَدْ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ:
في حديثِ الإفْك الطويل الذي رواهُ عددٌ من أئمةِ الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد في مسنده وغيرهم في هذا الحديث الطويل ذكرت عائشة -رضي الله عنها- "أنَّ الجيشَ حينما ارْتَحلَ وسارَ وتركها نَامتْ في مَكانِها ثُمَّ إنَّ الصحابيَ الجليل صفوان بن المُعطِّل -رضي الله عنه- كانَ يتأخرُ ليتفقد ما يسقطُ من حاجاتِ النَّاس وأشيائهم, فلما اقتربَ من عائشة -رضي الله عنها- ووقف عليها قال: "حليلة رسول الله إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعون" , قالت عائشة: "فاستيقظت على استرجاعه فخمرت وجهي وكان قد رآني قبل الحجاب"[1] اهـ.
فهذهِ العبارةُ من أُمِّ المُؤْمنينَ عائشة -رضي الله عنها- تُفيدُ بأنَّ هناك مرحلتين:
مرحلةٌ قبلَ الحِجابِ ومرحلةٌ بَعد الحجاب.
وتبينَ أنَّهُ إنّما عرفها لأنَّهُ كان قد رآها قبل الحجاب, إذن فقبلَ الحجابِ كانَ الوجهُ مكشوفًا؛ ولهذا عرفها, لكن بعدَ الحجابِ الوضع اختلف ولذلك فإنَّ أولَ عملٍ قامتْ بهِ أنّها خمَّرت وجهها, والتخمير: بمعنى التغطية, وإذن قامت بتغطية وجهها؛ لأنَّ الوضعَ بعد نزولِ الحجابِ يقضي بتغطية الوجه بخلافِ الوضع قبل نزول الحجاب.
من هُنا ندرك أننا يمكن أنْ نجد أحاديث تفيدُ بأنَّ المرأة كانت تكشفُ وجهها, وهذهِ الأحاديث يمكنُ القول بأنّها كانت في حالةِ وزمن ما قبل نزول الحجاب.
وفي بعض الأحيان يُعرف تاريخ هذهِ الأحاديث كما في الأحاديث التي فيها أنَّ النساء في "غزوة بدر" كُنَّ يقُمْنَ بتمريض الجرحى وغير ذلك فظاهرُ هذهِ الأحاديث أنهنَّ كُنَّ كاشفات الوجوه لكن كان هذا في "غزوة بدر" سنة 2هـ, والحجاب حينما نزل في السنة الخامسة في سورة الأحزاب فتكون بعد غزوة الأحزاب المعروفة "بغزوة الخندق", وهناك أحاديث لا نعرف تاريخها وبالتالي لا يُمكن الجزم بأنّها وقعت في زمن ما بعد نزول الحجاب فلا تصلح بأنْ نستدل بها على جوازِ كشف الوجه فتنبه لهذا يرحمك الله.
*تَغْطِيَةُ الوَجْهِ ليْسَتْ خَاصَةً بِأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ:
بعضُ الناس لما ذكر له هذا الحديث وأنَّهُ - كما ترى- واضحٌ صريحٌ في تغطيةِ الوجه, قال:"إنَّ هذا أمرٌ خاصٌ بأمهاتِ المؤمنين وأنَّهُ كما لا يجوزُ لواحدةٍ منهنَّ الزواج بعدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكذلكَ الحِجاب الذي هُو تغطيةُ الوجه خاصٌ بأمهاتِ المؤمنين", وهذا الكلام خطأ من عدة وجوه:
- أن حرمة أمهات المؤمنين وحرمة نكاحهن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دلَّ عليها القرآن كما في قوله تعالى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا غڑ إِنَّ ذَظ°لِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا }
}[2] وقوله تعالى:{ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }[3] لكن ليس هناك دليل على أنَّ الحجاب بتغطية الوجه خاصٌ بأمهاتِ المؤمنين والأصل أنَّ التشريعَ عامٌ لجميعِ نساءِ الأُمة, فمن ادعى الخصوصية فعليهِ أنْ يُقدم الدليل.
-أنَّ الله -سبحانه وتعالى- حينما أنزل آيةَ الحجاب قال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}
}[4] فالله سبحانه جعل الحكمة والعلة من فرض الحجاب هو طهارة القلب, والسؤال الآن:
هل طهارة القلب أمرٌ مطلوب من أمهات المؤمنين فقط؟ أم أنها مطلوبة من جميع نساء الأمة؟
والجوابُ واضحٌ لاشكَّ فيه ولا نزاع أنَّ طهارةَ القلب أمرٌ مطلوبٌ من جميعِ نساءِ الأُمة وبالتالي فإنَّ الحجاب الذي عُلِّلَ فرضه لهذه العلة يكون أمرًا عامًا لجميع نساءِ الأُمّة, كما أنَّ حكمته وعلته أمرٌ عامٌ مطلوبٌ من جميعِ نساءِ الأمة, يقول الفقهاء: "فلما علل فرض الحجاب بعلة عامة كان الحكم عامًا", هذه العبارة هي التي شرحتها في الكلام السابق وإنّما ذكرتها لأنّها تُعتبرُ من قواعدِ الاستدلالِ في أُصول الفقه ولا يفهم هذا إلا طلبة العلم.
*اَسْدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا عَلى وَجْهِهَا:
مما يُؤكد هذا الأمر -أعني أن تغطيةَ الوجهِ أمرٌ مطلوبٌ من أمهات المؤمنين ومن غيرهن- الحديث الذي رواهُ أحمد في مسنده عن عائشة -رضي الله عنها - وذلك في شأن الحج-:" كان الرُّكْبانُ يَمُرُّونَ بِنا ونحنُ معَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - مُحْرِماتٌ، فإذا حاذَوا بنا أسْدَلَتْ إحدانا جِلْبابَها مِنْ رأسِها علَى وجهِها ، فإذا جاوَزونا كشَفْنَاهُ"[5], فهي لا تتحدثُ عن نفسها فقط وإنّما تتحدث عن نفسها وعمن معها من النساءِ وأنَّ المرأة الحاجّة يُشرع لها كشف الوجه إذا لم يكن هناك رجال أجانب وأما مع وجود رجال أجانب فعند ذلك لابد من تغطية الوجه ويكون ذلك بإسدالِ الجلباب أو الخمارِ من فوق الرأس على الوجه.
*لا تَنْتَقِبُ المُحْرِمَةُ وَلا تَلْبَسُ القُفَّازَيْنِ:
ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- المحظوراتِ على الرجال وعلى النساء وهي ما يعرفُ (بمحظورات الإحرام), فقال فيما يتعلق بالنساء بخصوص لباسهن:" المُحْرِمَةُ لا تَنتقِبُ ، و لا تلبَسُ القُفَّازَيْنِ "[6] , وهذا يدلك على أن النقاب والقفازات معروفة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنَّ النساء كُنَّ ينتقبن ويلبسن القفازات, وأنَّ هذا الفعل ليس خاصًا بأمهاتِ المُؤمنين أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلّا لتوجه النهي إليهن فقط, ومع وجود هذا النص فإن بعض الناس يقول:"إن النقاب بدعة وبعضهم يقول إنه حرام" !! ولو لم يكن النقاب والقفازات موجودة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكان النهي عنها للمحرمة من العبث الذي يُنَزَّهُ عنه الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه.
*تنبيه: فَهِمَ بعض الناس من هذا الحديث " ولا تنتقِبِ المرأةُ الحرامُ ولا تلبسِ القفَّازَينِ "[7], أنَّ المُحرمة تبقي وجهها مكشوفًا وكذلك يديها, وهذا خطأ في الفهم فإن الرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما سئل ما يَلْبَسُ المحرم؟ قال: "لا يَلبسَ المُحْرِمُ القميصَ، ولا السراويلَ ، ولا البُرنُسَ ، ولا الخفينِ ، إلا أن لا يجدَ النعلينِ ، فليلبسْ ما هو أسفلُ من الكعبين"[8].
فهل يفهم أحد أن قوله "لا يلبس السراويل" أنه يبقى عريانا ؟!
الجواب: لا ولكنه يستر مكان السراويل بالإزار, وهكذا حينما قال "لا تنتقب المحرمة", ليس معناه أن يبقى الوجه عاريًا مكشوفًا وإنما يُستر بالخمار كما فعلت عائشة -رضي الله عنها- ومن معها في الحديث المتقدم, فالمنهي عنه السراويل لأنّها مفصلة على قدر الأعضاء الرجلين وكذلك النقاب لأنه مفصل على قدر الوجه وتبدو منه العينان, فإذا سُترت الرجلان وسُتر الوجه بغطاء ليس مفصل على قدر العضو فإن ذلك يكون جائزًا وقد نبه على هذهِ الفائدة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه (بدائع الفوائد).
*الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ:
جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال "المرأةُ عورةٌ وإنَّها إذا خرَجتْ استشرَفها الشَّيطانُ وإنَّها لا تكونُ إلى وجهِ اللهِ أقربَ منها في قعرِ بيتِها"[9], ومعنى هذا الوصف عورة: العورة عند العرب ما يُستحيا من إظهاره وكشفه, وليس المعنى أنّها عورة كعورة القبل والدبر فهذا خطأ في الفهم وحاشا للمرأة أنْ تكون كذلك, والمقصود أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما وصفها بهذا الوصف وصف العورة فإن هذا الوصف وصفٌ عامٌ يشمل جميعَ أعضائها بما في ذلك الوجه واليدين والقدمين وغيرها.
فإذا قال قائل: "إنَّ الوجه ليس بعورة", قلنا له: إن هذا الحديث يردُّ عليك فهو حديث عام, لا يصلح أن تُخرِجَ أي عضو من أعضاء المرأة من هذا الوصف العام وصف العورة إلا بدليل, كأن يقول:" المرأة عورة إلا وجهها", وهذا غير موجود وبالتالي فإنَّ هذا الحديث فيه دليلٌ على أنَّ وجه المرأة وكفيها من العورة الواجب سترها وأن من قال بخلاف هذا فقد أخطأ في الفهم أو خفي عليه هذا الدليل.
وما يذكره بعضُ أهلِ العلم من أنَّ الأصل هو إباحةُ كشفِ الوجهِ وليسَ هنُاك دليلٌ من الكتابِ والسُنَّة يدل على خلاف هذا الأصل, فإننا نرد عليه ونقول: إنَّهُ ثبتَ في السنة أنَّ المرأة عورة, وهذا وصفٌ يشملُ جميع أعضائها بما في ذلك الوجه واليدين ولكنَّهُ خفي عليك.
*فَاخْتَبَأْتُ لَهَا:
حدث الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- وعن أبيه بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمعه يقول" إذا خطبَ أحدكم المرأة فإنِ استطاعَ أنْ ينظرَ إلى ما يدعُوهُ إلى نِكاحها فليفعل" قال:فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها"[10].
و السؤال الآن:
إذا كانتِ المرأةُ تمشي في المدينةِ وهي كاشفةٌ عن وجهها ويديها, فلماذا يختبأُ جابر حتى ينظرَ إليها وإلى ما يدعوهُ لنِكاحِها ؟!
إنّك يمكن أن تستنتج من هذا الحديث أنَّ المرأةَ تمشي وقد سترت جميع بدنها, ولذلك احتاج إلى أنْ يختبأ لها فينظر إليها وهي في حال قد كشفتْ عن وجهها -على الأقل- وبالتالي يكونُ قد نظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها أي: الزواج منها.
*فَإنَّ في أَعْيُنِ الأنْصَارِ شيْئًا:
ومما يدلُّ لما سبقَ ويؤكدهُ الحديث الذي رواهُ أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: كنتُ عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فأتاه رجلٌ فأخبره أنه تزوَّج امرأةً من الأنصارِ . فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : " أَنظَرْتَ إليها ؟ " قال : لا . قال : " فاذهبْ فانظُرْ إليها, فإنَّ في أعيُنِ الأنصارِ شيئًا [11]".
ويفهم من هذا أنَّ النساءَ لم يكنَّ يكشفْنَ عن وجوههن وإلّا لأمكنَ أنْ يعرفَ هذا الرجلُ هذا العيبَ الذي قد يكونُ عيبًا عندَ بعضِ الناسِ وهوَ صغر العين, وهو المعني في قوله -عليه الصلاة والسلام- :" فإنَّ في أعيُنِ الأنصارِ شيئًا".
ويدلُّ كذلكَ على أنَّ النظرَ عندَ خطبةِ المرأة يتعلقُ بوجهها ,فهو الذي يشتمل على العينينِ.
فهذا الحديث والذي قبلهُ وغيرهما من الأحاديث التي يُفهم منها عدمُ كشفِ الوجه من قِبَلِ النساء هو ممّا يُعضدُ القول بوجوبِ سترِ الوجهِ وأنَّ ذلك الوضع كان سائدًا في مُجتمعِ المدينة.
أحببت أنْ أقدم هذهِ الأدلةَ حتى يتقرر أنْ هناك تغطية للوجه, وأنْ هناك نقابًا وقفازات يلبسها نساء المسلمين, وأنْ هناك حشمة واحتجاب بحيث لا يُرى من المسلمةِ حينما تمشي في الشارع شيءٌ من بدنها فإذا تقرر هذا ننتقل إلى أدلةٍ أخرى.
*يُدْنِيْنَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيْبِهِنَّ:
ذكر الله سبحانه ضمن آيات الحجاب قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْجَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
هذه الآية دليلٌ واضحٌ على أنَّ الحجابَ ليس خاصًا بأزواجِ الرسول -عليه الصلاة والسلام- وبناته, بل إنَّ الخطاب موجه كذلك لنساء المؤمنين, وحتى نعرف كيف فَهِمَ نساءُ الصحابة -رضوان الله عليهم- هذه الآية الكريمة حينما نزلت فلنستمعْ إلى ما قالتهُ أمُّ سلمة -رضي الله عنها- وهي زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي تصفُ التطبيقَ العملي لنساءِ الصحابةِ لهذه الآية وكيفَ فهمنْها تقول -رضي الله عنها-: "لما نَزَلتْ (يُدنينَ عليهن من جلابيبهن) خرجَ نساءُ الأنْصارِ كأنَّ على رؤوسهنَّ الغربانُ من الأكسية"[13].
فهذا يدلك على استعمالهنَّ الأغطية السود في الحجاب, وهذا هو الأصل في كون لون العباءةِ أسودًا, لأنَّ بعض الناس يقول: "من أين جاء وصف السواد للعباءة؟ ويمكن أن يكون الحجاب بأي لون", ففي هذا الحديث ما يبين الجواب على هذا التساؤل, ولأن غير اللون الأسود يمكن أنْ يلفت النظر والانتباه وبالتالي لا يحصلُ المقصود من الحجاب, وإذا لم تكن الدلالة واضحة في هذا الحديث وتفسير هذه الآية فهاك دليل آخر.
* وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ:
أنزل الله سبحانه في سورة النور قوله عزَّ وجلَّ :{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[14] .
فكيف فهم نساء الصحابة هذه الآية وكيف عملن بها؟
تقول عائشة -رضي الله عنها-:"يرحمُ الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن مروطهن فاختمرن بها".[15]
وهذا الحديث يدلك على أنَّ النساءَ المُهاجرات عمدنَ إلى مُروطهن- والمروط: جمع مرط, وهو الإزار- فقمن بشق قطعة من أُزُرهن واختمرن بها, قال ابن حجر:"أي غطين وجوههن وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع" اهـ.
وهذا كلامٌ واضحٌ في أنهن قُمن بتغطية وجوههن, وأنَّ هذا هو تفسير الآية وهذا هو فهمهن لها وقد أثنتْ عائشة -رضي الله عنها- على فعلهن وعلى هذه المبادرة في امتثالِ أمرِ الله عزَّ وجلَّ وتطبيقهِ وليس هذا خاصًا بالنساء المهاجرات بل حتى نساء الأنصار, ولكن النساء المهاجرات كُنَّ هُنَّ المُبادرات والأسرع في التنفيذ والتطبيق لأمر الله عزَّ وجلَّ, وفي شأن نساء الأنصار فقد تقدم حديث أم سلمة -رضي الله عنها- وقولها:"كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية".
وتقول عائشة -رضي الله عنها - كذلك -:
"لقد كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي الفَجرَ، فيَشهَدُ معَه نِساءٌ مِنَ المُؤمِناتِ، مُتَلَفِّعَاتٍ في مُروطِهِنَّ، ثم يَرجِعنَ إلى بُيوتِهِنَّ، ما يَعرِفُهُنَّ أحَدٌ "[16].
فهذا هو وصف النساء المؤمنات اللاتي كُنَّ يحضرن ويشهدن صلاةَ الفجرِ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وأنَّهُ لا يعرفهن أحد, وهذا مبالغة منهن في التغطية والستر لأبدانهن, وكل هذا امتثال لأمر الله عزَّ وجلَّ في آيات الحجاب سواء ما كان في سورة النور أو ما كان في سورة الأحزاب, ولا يُقال أنَّ هذا الفعل منهن على سبيل الأكمل والأفضل وأنَّ هذا ليس بواجب عليهن لأنَّهُ تقدم أنَّ غطاء الوجه ثابت بفعل أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- كما في فعل عائشة -رضي الله عنها- في حديث الإفك الذي تقدم ولأنَّ المرأة عورة وهذا الفعل منهن -أي من نساء الصحابة- هو مقتضى تطبيق الأمر في القرآن والأمر في السنة.
*حَدِيْثُ الْخَثْعَمِيَّةِ:
روى البخاري في صحيحهِ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان الفضل رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظرُ إليها وتنظر إليه, وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج قد أدركت أبي شيخا كبيرًا لا يثبت على الراحلة, أفأحُج عنه؟, قال: "نعم" وذلك في حجة الوداع.
وفي رواية للبخاري أيضًا: أنَّ الفضل كان رجلاً وضيئًا, وأنَّ هذهِ المرأة من خَثْعَم كانت وضيئة يعني: جميلة.
تمسك القائلون بجواز كشف الوجه بهذا الحديث, وقالوا:"إن الفضلَ كان ينظر إليها, والراوي ابن عباس -رضي الله عنه- وصف المرأة الخثعمية بأنَّها وضيئة, وهذا يدلُّ على أنّها كانت كاشفةً عن وجهها, والرسول -عليه الصلاة والسلام- لم ينكر عليها ولم يأمرها بتغطية وجهها ,وعلى هذا فيكونُ كشف الوجه جائزًا وقد كان هذا في حجة الوداع يعني: في آخر عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد نزول آيات الحجاب".
نقول: إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- تركَ الإنكارَ على المرأةِ ولمْ يأمُرها بتغطيةِ وجهها بسببٍ لا نعلمُ ما هو, وإنَّ النصوص السابقة التي أوردناها تدل بصراحة على تغطية الوجه, وأما هذا الحديث فإنه ليس صريح الدلالة في جواز كشف الوجه.
ولتوضيحِ ذلك نقول:إنَّ المرأة كانت تنظرُ إلى الفضل, والفضلُ ينظرُ إليها, والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:
هل نظر المرأة إلى الفضل جائز؟
الجواب: لا.
سؤال آخر: إذا كان نظرها غير جائز فلماذا لم ينكر عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
الجواب: لا نعلم فقد تكون هناك علة أو حكمة لأجلها ترك الإنكار عليها, ولكنه أنكر على الفضل فصرف وجهه عنها.
والسؤال الآن: هل لما ترك الرسول -عليه الصلاة والسلام- الإنكار على المرأة لأنها كانت تنظر إلى الفضل هل يدل ذلك على أن المرأة يجوز لها أن تنظر إلى الرجل؟
الجواب: لا, لأنه تقرر في القرآن عدم جواز ذلك في قوله تعالى:{ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } ,فكذلك نقول لما ترك الإنكار عليها ولم يأمرها بتغطية الوجه لم يدل ذلك على أنَّ كشف الوجه أمر جائز, وإنما يؤخذ حكم هذه المسألة من الأدلة الأخرى التي قدمناها من الكتاب و السنة.
فكما لا يُفهم من تركِ الإنكارِ على المرأة حينما كانت تنظر إلى الفضل لا يُفهم جواز نظر المرأة إلى الرجل فكذلك لا يُفهم من ترك الإنكار على المرأة كشفها عن وجهها لا يُفهم جواز كشف الوجه لأنَّ الأدلة الأخرى المُحكمة تدلُّ على وجوب ستره.
وقد أجابَ بعضُ العلماءِ عن هذا الحديث بإجاباتٍ متعددةٍ لا تسلمُ من النقد, من ذلك:
- قال بعضهم إنها كانت محرمة والمحرمة يشرع لها كشف الوجه ولذلك لم ينكر عليها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- وقال بعضهم إنَّ الحديث ليس صريحًا في أنّها كانت كاشفةً عن وجهها, وأنَّهُ يُمكن للفضل أنْ ينظر إليها وهي قد سترت وجهها وهي كذلك تنظر إليه, ويُعرف هذا من حركة الرأس وأنَّ نظر الفضل إليها قد يكون متعلقًا بشكل الجسم وبنية الجسم, وأنَّ قول الرائي إنها كانت وضيئة لا يشترط أن تُعرف الوضائة من كشف الوجه بل يمكن أن تعرف الوضائة من كشف اليدين وأنه يمكن أن يُحكم عن طريق لون وبياض اليدين والكفين بأنَّ المرأة وضيئة أي: بيضاء.
هذه كلها احتمالات واردة وليس في الحديث التصريح بأنَّها كانت كاشفة عن وجهها وإنما هذا أمٌر يُفهم من الحديث, وما سبق من الأدلة التي قدمناها فيها التصريح بتغطيةِ الوجه وأنَّ المرأة عورة وليس مجرد فهم قد يصيب وقد يخطيء, وإنَّ طريقةَ الراسخين في العلم أنهم يردون المتشابه إلى المحكم, بمعنى: أنهم يردون الدليل المحتمل لعدة احتمالات إلى الدليل الذي هو محكم لا يحتمل غير ما دل عليه.
وعلى هذا فإنَّ حديث (الخثعمية) يعتبر حديثًا محتملًا لأكثر من احتمال, وليس فيه التصريح بكشف الوجه فلا نحتج به وهو حديثٌ واحدٌ ونترك جميع الأدلة السابقة من القرآن والسنة والتي هي أكثرُ من آية وحديث, فهذه ليست طريقة الراسخين في العلم.
وأمَّا أنْ يتمسك بعض الناس بأنَّ المسألة مختلف فيها بين أهل العلم, فمنهم من يرى أنَّ وجه المرأة ليس بعورة وأنه يجوز كشفه, ومنهم من يرى أنَّ وجه المرأة عورة وكشفه أمام الأجانب محرم.
فنقول:
إنَّ العامي لا يجوزُ له أنْ يأخذ من أقوال العلماء ما شاء, وأنَّ أهل العلم يوجبون عليه أنْ يستفتي من يثقُ في علمه وتقواه وورعه من أهل العلم, وأنه ليس له مذهب بل مذهبهُ ما يفتيه به العالِم.
والعامي ليس عنده القدرة على التمييز بين قول عالمٍ وآخر, وهل هذا قولٌ راجحٌ أم قولٌ مرجوح؟
وإذا أصبحَ العاميُّ يختارُ من أقوال العلماء ما يحلو له ويراه أسهل عليه فإنَّهُ في هذهِ الحالة ليس مُتبعًا للدين وإنّما هو متبع لهواه وما يشتهيه, ولذلك لو أنَّهُ قلد واتبع عالمًا في هذه المسألة - مسألة الحجاب - ومشى على تقليده واتباعه في جميع ما يفتي به فإنه في هذه الحالة لا يُظن به اتباع الهوى بل هو قلد هذا العالم واتبعه لأنَّهُ يثقُ في علمه وتقواه وورعه, أما أنْ يأخذُ بقولهِ بجواز كشفِ الوجه ثم لا يأخذ -مثلا- بقوله في تحريم أمرٍ آخر يُفتي آخرون من أهل العلم بجوازهِ, فهو في هذه الحالةِ ليس متبعًا للدين ولما أمر الله به من سؤال أهل العلم, وإلا فعلى أي أساسٍ أخذَ بقوله في مسألةٍ وتركَ قولهُ في مسألةٍ أُخرى, وليس عنده أيُّ قدرةٍ على التمييز ومعرفةِ الأدلة وصحتها من ضعفها والراجحةِ من المرجوح ؟!
إنَّ هناك من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم ما إنْ فتحنا الباب لأنْ يأخذ كل إنسان ما شاء من أقوال أهل العلم فإن الأمور ستضطرب عليه ولا يسلم دينه.
وقد قال بعض أهل العلم : "من تتبع رخص الفقهاء تزندق", والمعنى: أنَّ الإنسان إذا أصبح يأخذ بفتوى العالم الفلاني السهلة في مسألة ما و بفتوى عالم آخر سهلة أيضًا في موضوع آخر وهكذا أصبح يجمعُ الفتاوى السهلة بدون أن يتقي الله فيمن يسألهُ من أهل العلم فإنَّ نهايتهُ أنَّهُ سوفَ يقع والعياذ بالله في الكفر والزندقة.
إنَّ المُسلم إذا استبانت له سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- واتضحت له الأدلة لم يجز لهُ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ أنْ يأخذ بقولٍ آخرَ مُخالف بحجة أنَّ هذه المسألة مُختلف فيها بين أهْل العلم فإنه في هذه الحالة يكون قد ترك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخذ بقول غيره وهذا أمرٌ خطيرٌ يقدح في عقيدة الإنسان المسلم والعياذ بالله.
وتأمل معي كيفَ أنَّ النّاس لا يمكن أن يأخذوا - مثلا- بالخلافِ الموجود بين أهل العلم في مسألة "الطلاق البدعي المحرم" فإنَّ من العلماء -وهم جمهور العلماء- يقولون بأن الطلاق البدعي المحرم واقع, فإذا طلق زوجتهُ في حال الحيض وقعت الطلقة, وإذا طلقها في حال طهر قد جامعها فيه وقعت الطلقة, وإذا طلقها في حال النفاس وقعت الطلقة, وإذا طلقها بالثلاث وقعت الثلاث.
وهناك من العلماء - وهم قلة- من يقولُ بأنَّ الطلاق البدعي المحرم غير واقع وأنَّهُ إذا طلقها في حيض أو نفاس أو طهر جامعها فيه كل هذا طلاق بدعة ولا يقع منه شيء, وإذا طلقها بالثلاث فإنها تقع طلقة واحدة, أقول:
تأمل معي هل يستطيع شخص أن يأخذ بقول من يرى عدم وقوع الطلاق البدعي فيقول المسألة فيها خلاف؟
وهل الناس سوف يوافقونه على ذلك؟ وهل سيرضى أولياء الزوجة بأن يأخذ ما شاء من أقوال العلماء؟
إنَّ الأمر في الحالتين كله دين سواءً في الحجابِ أو الطلاقِ أو الغناء والمعازف أو ...أو... إلى غير ذلك من المسائل, فكما لا يجوز أنْ ينتقي الإنسان القول الذي يراه سهلاً في مسألة الطلاق فكذلك لا يجوز أن يأخذ بالقول الذي يراه سهلاً في مسألة الحجابِ أو الغناءِ والمعازفِ بل الواجب عليه - كما قرر أهل العلم- أنْ يستفتي من يثقُ في علمه ودينه وتقواه وورعه في هذه المسائل كلها ولا يعدل عن فتوى من يثقُ فيه من أهلِ العلمِ إلى فتوى غيرهِ لأنّها أسهل وإلا لكان مًتبعًا لهواهً ولا يُغنيه هذا شيئًا أمام الله يوم القيامة.
الحذرَ الحذرَ إخواني وأخواتي من سلوكِ هذا المسلك وعدمِ الاتكاءِ على خلاف العلماءِ وإلا لوقع الإنسانُ في الانْحراف والضلال لأنَّهُ ليسَ متبعًا للحق والدليل وإنَّما هُو مُتبع للهوى وما تشتهيه النفس, فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: "إنَّ الحَلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحَرامَ بيِّنٌ وبينَهمَا مشْتَبَهَاتٌ لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من الناسِ . فمنْ اتَّقَى الشبهَاتِ استَبرَأَ لدينِهِ وعِرضِهِ . ومن وقعَ في الشبهَاتِ وقعَ في الحرامِ"[17], فإما أنْ تسلك مسلك الاحتياط إذا تعذر عليك وجود عالِم تثق في علمه ودينه وتقواه وورعه فهذا ما دلَّ عليهِ الحديث, وإما أنْ تسأل من تثقُ فيه من أهل العلم بالوصف المذكور وتعمل بفتواه, وإياك إياك أنْ تعدل عن فتواهُ لأنّها ثقيلةٌ عليك وتأخذ بفتوى غيره مع أنَّهُ أقل في العلم أو في التقوى والورع وتأخذ بها لأنّها أسهل, فإنْ هذا لا يُنجيكَ عند الله ولم تعمل بما أمر الله وسوف تحاسب على التقصير في السؤال والاستفتاء.
هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يُبصرنا بالحقِّ ويُعيننا على العمل به ويُجنبنا اتباعَ الهوى وتتبع رُخصِ الفُقهاء, وأنْ يجعلنا ممن إذا استبانتْ له السنة أنْ يأخذَ بها ويدعَ قولَ أيِّ شخصٍ كائنًا من كان إذا خالفها.
وصلى الله على نبينا مُحمد والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
*************************
[1]وأورد هنا حديث الإفك كما رواه الإمام البخاري في صحيحه من أول القصة حتى موضع الشاهد؛ ليتضح الأمرُ للقارئ , فساق البخاري بإسناده عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا أرادَ سفرًا أَقْرَعَ بينَ أزواجِه ، فأيَّتُهنَّ خرَجَ سهمُها خرَجَ بها رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- معه ، قالت عائشةُ : فأقرَعَ بينَنا في غزوةٍ غزاها، فخرَجَ فيها سهمي ، فخرَجْتُ مع رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-بعدَ ما أُنْزِلَ الحجابُ ، فكُنْتُ أُحْمَلُ في هَوْدَجِي وأُنْزَلُ فيه ، فسِرْنا حتى إذا فَرَغَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- من غزوتِه تلك وقَفَلَ ، ودَنَوْنا مِن المدينةِ قافلين ، آذَنَ ليلةً بالرحيلِ ، فقُمْتُ حينَ آذَنوا بالرَّحيلِ ، فمَشَيْتُ حتى جاوزْتُ الجيشَ ، فلما قَضَيتُ شأني أقبَلْتُ إلى رَحْلي ، فلَمَسْتُ صدري فإذا عِقْدٌ لي مِن جَزْعِ ظَفَارِ قد انقطَعَ ! فرَجَعْتُ فالتَمَسْتُ عِقْدي؛ فحَبَسَني ابتغاؤُه ، قالت : وأقبلَ الرَّهْطُ الذين كانوا يَرْحَلُون لي ، فاحتملوا هُوْدَجي، فرَحَلوه على بعيري الذي كنتُ أركَبُ عليه ، وهم يَحْسِبون أني فيه ، وكان النساءُ إذ ذاكَ خِفَافًا لم يَهْبُلْنَ ، ولم يَغْشَهُنَّ اللحمُ ؛ إنما يأكُلْنَ العَلَقَةَ مِن الطعامِ ، فلم يَسْتَنْكِرِ القومُ خِفَةَ الهَوْدَجِ حينَ رَفعوه وحملوه ، وكنتُ جاريةً حديثةَ السنِّ ، فبعثوا الجملَ فساروا ، ووَجَدْتُ عِقْدي بعدَ ما استمَرَّ الجيشُ ، فجِئْتُ منازلَهم وليس بها منهم داعٍ ولا مجيبٌ ، فتَيَمَّمْتُ منزلي الذي كنتُ فيه ، وظَنَنْتُ أنهم سيَفْقِدوني فيَرجِعون إليَّ ، فبينا أنا جالسةٌ في منزلي غلَبَتْني عيني فنِمْتُ ، وكان صفوانُ بنُ المُعطِّل السُّلَمِيُّ ثم الذَّكْوَانِيُّ مِن وراءِ الجيشِ ، فأصبحَ عندَ منزلي ، فرأى سَوادَ إنسانٍ نائمٍ، فعرفَني حين رآني ، وكان رآني قبلَ الحجابِ ، فاستيقَظْتُ باسترجاعِه حينَ عرَفَني ، فخَمَّرْتُ وجهي بجِلْبابي ، والله ما تكلَّمْنا بكلمةٍ ، ولا سَمِعْتُ منه كلمةً غيرَ استرجاعِه ، وهوى حتى أناخَ راحلتَه ، فوَطِئَ على يدِها ، فقُمْتُ إليها فركِبْتُها ، فانطلَقَ يَقُودُ بي الراحلةَ حتى أَتَيْنا الجيشَ مُوغِرِين في نَحْرِ الظَّهيرةِ وهم نُزُولٌ ..." رقم الحديث (4141).
[2] سورة الأحزاب ,آية:53.
[3] سورة الأحزاب, آية:33.
[4] سورة الأحزاب, آية:53.
[5] صححهُ الألباني في كتابه (جلباب المرأة المسلمة), وقد سكت عنه أبو داود , وحسنه ابن حجر العسقلاني في (تخريج مشكاة المصابيح).
[6] رواه أحمد و أبو داود من حديث عبد الله بن عمر وهو صحيح انظر : (صحيح أبي داود, وصحيح الجامع , وصحيح النسائي للألباني) وكذلك أحمد شاكر في تحقيقهِ لمسند الإمام أحمد
[7] وهذا اللفظ هو الذي رواه الإمام أحمد , و "الحرام" يعني : المحرمة.
[8] رواه البخاري ومسلم وكذا الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر.
[9] رواه ابن حبان من حديث عبد الله بن مسعود - انظر السلسلة الصحيحة للألباني.
[10] رواه أبو داود وهو صحيح (انظر السلسلة الصحيحة للألباني).
[11] رواه الإمام مسلم.
[12] سورة الأحزاب,آية:59.
[13] روه أبو داود وإسناده صحيح (انظر صحيح أبي داود للألباني).
[14] سورة النور,آية:24.
[15] رواه البخاري تعليقًا وذكر ابن حجر رحمه الله من وصله من أهل العلم.
[16] وفي رواية أخرى زيادة :"من الغلس" , وهي لا تعارض الرواية التي ذكرناها , ويكون المعنى أنّهُ لا يعرفهنَّ أحدٌ لسببين:
الأول : مبالغتهن في التغطية , والثاني: وجود الظلام.
[17] رواه الإمام مسلم.
لتحميل المقال على هيئة PDF :
http://gulf-up.com/do.php?id=75279]
*
*
*
*
*
*
أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه الهدى والرشاد والصواب والسداد وأن يجعلنا هداة مهتدين صالحين مصلحين ، وأسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويزيدنا علماً ويجعلنا من عباده الصالحين وحزبه المفلحين .
المفضلات