الحلقة الثالثة: شتائم لأننا أغبياء ومبدعون!

أخذ الأستاذ يشتمني بألفاظ في غاية القبح، وذلك لأنني شكوتُه لأنني لا أفهم الفرنسي! خطر لي أن هذا الأستاذ (معتوه) رسميًا، فأنا لم أشارك زملائي الشكوى، حتى لو كنتُ قد فعلتُ فإن الشكوى قد حصلت وأتى المدير إلى الصف، وانتهى الأمر، فما الذي أصاب الأستاذ بعد ذلك؟
(شو عدا ما بدا) كما نقولها باللبنانية، أو كما نقول كذلك (يطعمك حجة والناس راجعة)؟؟
علمتُ؛ فيما بعد؛ أن والدي لم يرض إطلاقًا عن مجموع (2،5/60) على اللغة الفرنسية (ويعلم الله من أين حصلتُ عليها)! وأتى المدرسة وكلم الأستاذ بكل هدوء، وكيف أنه يجب أن يشرح للتلاميذ ويقودهم عبر دروب المادة بسهولة، وانفعل الأستاذ ليخبر والدي أنه يعطينا نصوصًا عن (الشانزليزيه) الذي لم نسمع به في حياتنا لشدة جهلنا!
اعترض والدي على ذلك، وطلب إلى أستاذ اللغة الفرنسية أن يتعامل مع تلاميذه بواقعية شديدة، ويحاول أن يحببهم بالمادة بدل تنفيرهم منها (والدي أستاذ، واختصاصه لغة عربية)، وغادر والدي بوعود إيجابية من الأستاذ، ثم كان من الأخير ما كان من السباب والبهدلة، واتهامي بعدم الفهم لأني شكوته لوالدي!

ومن بعد ذلك، قرر الأستاذ ذات مرة_ وأخيرًا حصلت المعجزة_ أن يجري لنا مسابقة خطية، ولكم فرحنا بذلك! ليس لأننا سننال العلامات الخيالية طبعًا، بل لأننا سنرتاح حصة من كابوس القراءة اللعينة التي يتحفنا بها، والأسئلة الإعجازية التي يطرحها علينا، وسبابه لنا، كما أننا؛ لأول مرة في حياتنا؛ لن نكون مطالبين بمراجعة الدروس للمسابقة، إذ إننا لا نعرف شيئًا عن هذه الدروس التي يعطيها الأستاذ، يا لسعادتنا!
اجتمعنا وقررنا؛ نحن التلاميذ؛ ألا نكتب ولا كلمة في المسابقة، ثم تغير رأينا تمامًا حينما دخلنا الصف، إذ وجد كل واحد منا على طاولته عشرة أوراق قد تم كبسها، وهذه كانت المعجزة الأولى، إذ إن المسابقات قبل ذلك كانت تُكتَب لنا على اللوح، أما المعجزة الثانية، فهي أن الأستاذ أخبرنا أن ال(prenon) يُكتَب قبل ال (non) باللغة الفرنسية بخلاف اللغة العربية!
صحيح أننا كنا (عباقرة) ونعرف ما هو ال (non)، لكننا لم نسمع من قبل، على الإطلاق، عن هذا ال (prenon)! والمعجزة الثالثة أن المسابقة لم تكن أسئلة تتطلب أجوبة، بل كانت جملًا صغيرة، وبجانب كل جملة احتمالان: (vrais، faux).

أما الأسوأ من ذلك، فكان أن المسابقة 100 سؤال فقط! والمدة 45 دقيقة! أما كيف وازن الأستاذ بين وقت المسابقة وعدد الأسئلة، فهذا ما لا نستطيع إدراكه حتى الآن! وطبعًا كان قرارنا واضحًا، سنؤلف الإجابات! هكذا ببساطة، هذه الجملة (vrais) وتلك (faux)، ولكن الأستاذ (الألمعي) أخبرنا؛ كأنه قرأ أفكارنا التي فكرنا بها؛ بما هو أسوأ وألعن من كل ما سبق!
إن هذا الأسلوب، في رأي الأستاذ، في الإجابة يعني الاحتيال، وبالتالي سيشطب الإجابات جميعها، ثم أخبرنا؛ كأنه قرأ أفكارنا التي لم نفكر بها بعد؛ بأن اختيار إجابتين (vrais) وراء بعضهما، يعني الاحتيال، وكذلك اختيار إجابتين (faux) متتاليتين، وسيشطب الإجابات كذلك، حتى احترنا فيما نكتب ونختار!
قام عدد كبير من التلاميذ بتسليم أوراقهم كما هي، ليرتاحوا من هذه الأفخاخ الغريبة التي ينصبها الأستاذ، فيما جرب عدد آخر حظهم، ومنهم أنا، وأخذنا نضع إشارة الصح هنا وهناك عشوائيًا، بل إن بعضنا اختار لكل الجمل التي طرحها الأستاذ، الاحتمالين معًا، فكل جملة هي صواب وهي خطأ، والله أعلم كيف خطر لهم هذا!

ولم يطل الأمر بنا، اليوم التالي تحديدًا، فوجئنا بالأستاذ يدخل كالعاصفة لينادي باسمي، ثم يبدأ بالسباب والكلام الجارح، كأنما يعيد التاريخ نفسه، طريقة الدخول نفسها، واحتقان الوجه مثل ما كان بالأمس، والصراخ بتلك الألفاظ التي لا ينبغي أن تصدر من أستاذ، ولكن السباب حمل هذه المرة اختلافًا جوهريًا، المرة الماضية شتمني الأستاذ لأنني (لا أفهم)، واليوم يشتمني لأنني (مبدع)! ما شاء الله!!

تابعوا معنا