يًحْكى أنَّعالَماً صَدأت فيه كُلّ الكلمات ، كُلّ الألفاظ ،لأنّها لم تعد مُستعملة ،في ذلك الزّمن البعيد قضى الناس حياتهم أمام الشاشات ،حيثُ تُمرّر اللّقطات أناء اللّيل وأطراف النّهار،
لقطات من فرط مرورها السّريع لا تستطيع العودة إلى الوراء،
كانت الذّكرياتُ محشُوّة بأشياءٍ لم يعد هناك وقتٌ لاختيارها ولا للرغْبة فيها.لم يعد هناك وقت للمُطالعة،للقراءة والكتابة والحُلم ، لم يعد هناك مجال للتواصل، افتُقد الحديث والحوار والكلام الذي كان فِطرة ،بداهة...عادَة،فتُرِكت المُفردَات
أصبحتالكُتب على رُفوف المكتبات ، التيهُجرت فغدت متاحفًا.!!!
حتى القواميس أصبحت نسيا منسيًّا
مرّ الزمن ،ولم يبقى إلّا الفراغ ... الرّياح ، وطارَت الكلماتُ بعيدًا.
*******
في أحد الأيام ذهبت سيّدة سيراً على الأقدام إلى الرّيف والطبيعة ، يحدوها عزم ورغبة في التفكّركانت تمشي لبعض الوقت عندما سمعت فجأة صوتا منخلفها. أدارت رأسها ، كان رجلاً قد تَبِعها
-قال لها :"صباح الخير"
-أجابته : "صباح الخير" ،
غمرتها قُشعريرة السّعادة كُلّما ردّدت الكلمة التي تُحبِّذُ نغمتها،
كلمة كانت قد غاب إستعمالها دهرًا ،سُرّت بمحاورتها مع شخصٍ ما من ثمّ..
جاء أشخاص آخرين إلتحقوا بهم،هم أيضًا لهم الرّغبة في الحديث،
شُكِّل موكبًا ، مسترشدين بأغنية جاءت من عالمٍ بعيد نسيه الجميع ...
كانت الموسيقى عذبة ، الكلمات شاعريّة ، كئيبة قليلاً ، كان محورها "ركن صغير من الجنّة" حيث وصلوه قبل حين. لقد عثروا مُجدّدًا على كيفية استعمال الكلمة واستخدامها، وعادت جميع الكلمات إلى ذاكرتهم.
علِموا كيف أنّ اللّغة يمكن أن تُعطي رونقًا ، وأن المُغامرة الحقيقيّة هي تلك الكلمات ، أنّ قُوّة الكلمات هيّ في البدأ والمُنتهى جمالها الصّوتي.
*******
لقد تيقّنوا أنّ الكلمات يمكن أن تُعيد خلق لون ورائحة للأيّام الخوالي ، بأنّ لديهم القُدرة أيضًا على أن يرجع صداها على العالم بأسره عند كلّ حرف.
أعطت الكلمات لهم متعة لطيفة مع أصواتها النّادرة ، الكلمات العتيقة كانت الأمتع لسماعها ،كانت لديهم فرحة عارمة عند ترديدها،عند ترنيمها ، وجدوا أن الأزهار بقدرماكانت رائعة بقدرماكانت أسماؤها جميلة
*******
عثروا مُجدّدًا على الكلمات التي جاءت من الطفولة فَأعَادَتِ الحنان،
كان الجميع يتحدّثون ، يضحكون ويُغنّون ، يلْعبون بالكلمات ،يربِطونها يفصلونها ، يرتّبونها بكلّ الطرق ، مما يجعلهم يتمازوجون فيتقابلون فتُخلق باستمرار صورًا مذهلة.
كان البعض يخشى ألا يتمكن من تذكر كل هذه الكلمات ، ولكن يجب أن لا تُمسك، يُحجر سجنها ، وإلاّ فإنّهم سيفقدون كلّ مضمونها.
****
الجَميع قد نَسي العالَم القَديم حيثُ تاهت اللُّغة ، حيثُ اختفَت كلُّ الكلمات ، جُرِّدت من معانيها. لم يعُد إلى تِكرار هذا سَبيل،
على الكَلمات إستِعادة أسَاس معانيها.
المفضلات