سورة الحجرات، تفسير لغوي وشرعي

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 8 من 8

مشاهدة المواضيع

  1. #5


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,308
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: سورة الحجرات، تفسير لغوي وشرعي


    بسم الله الرحمن الرحيم

    نتابع وإياكم في ظلال سورة الحجرات
    تكلمنا من قبل عن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أن ذلك يؤدي إلى إحباط العمل الصالح، وأن غض الصوت في مخاطبته يثيبنا الله عليه مغفرة وأجرًا عظيمًا، ثم تأتي الآية اللاحقة لتبيِّن سبب نزول هذه الآيات:
    {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} وقد شرحنا معنى كلمة (الحجرات) أنها تقع أسفل البيت لضيقها، وبشكل عام هي كل غرفة ضيقة، وكان في تلك الحجرات نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى الحجرات، حين أتاه قوم من الأعراب وأخذوا ينادون: يا محمد يا محمد، اخرج إلينا فإن مدحنا زين، وإن ذمنا شين... وقد آذى صياحهم النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يبيِّن لهم ذلك، بل خرج إليهم قائلًا لهم "إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين"، فأخبروه بأنهم من بني تميم وقد أتوا بشاعرهم وخطيبهم للمشاعرة والمفاخرة، فاستجاب لهم النبي صلى الله عليه وسلم، واستمع إليهم، وطلب إلى بعض صحابته (ثابت بن قيس بن شماس) الرد بالمناظرة عليهم، كما طلب من شاعره حسان بن ثابت الرد على أشعارهم.
    وقد أدى حلم النبي صلى الله عليه وسلم بهم، وصبره عليهم، رغم أذاهم إياه، إلى إسلام شاعر هؤلاء القوم، (الأقرع بن حابس)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (ما يضرك ما كان قبل هذا) ثم أكرم هؤلاء القوم وأعطاهم وكساهم، الأمر أدى إلى اللغط عند رسول الله وارتفاع الأصوات، فنزلت الآيات السابقة التي تنهى عن رفع الأصوات فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم.
    وقد وجَّه الله تعالى المسلمين في كتابه الكريم، بعد ذِكره هؤلاء الذين ينادون النبي من وراء الحجرات، فقال {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرًا لهم. والله غفور رحيم}، فهذا الفعل من هؤلاء القوم لم يكن خطأ فرديًا منهم، بل كان أهل الجاهلية يأتون البيوت من ظهورها بدلًا من أبوابها، فكان هذا التوجيه الرباني بإتيان البيوت من أبوابها وعدم الصياح خارجها لأهل البيت، بل الانتظار حتى يخرج من يطلبونه من أهل الدار إليهم، ويؤكد الله تعالى فضله على المخطئين من بني تميم بإيذاء أهل الدار بالصياح خلف الحجرات، بأنه غفور لهم رحيم بهم... وهذا أمر عام، ليعلمه ويتأكد منه كل مخطئ، إن الله غفور رحيم، فلا ييأس من خطئه، ولا يظن أن ذنبه سيهلكه حتمًا، فالشيطان قد يدخل الإنسان من هذه الأبواب، وليتذكر المخطئ الرجوع إلى الله تعالى والاستغفار الدائم.

    ويقول الله تعالى بعد ذلك: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في صدقات بني المصطلق، فأساء فهم ما حصل، إذ رأى الحارث بن ضرار الخزاعي، وكان حديث الإسلام، وقد جمع الزكاة من قومه، وانتظر رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه ليأخذ الزكاة، وحين تأخر الوليد خرج الحارث مع قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسألوه عن ذلك، وإذ رآهم الوليد خارجين وهو في طريقه إليهم خاف وظن أنهم يريدون قتله، فعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له إن الحارث منع الزكاة وأراد قتله. فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم أناسًا من صحابته إلى الحارث ليسألوه، فالتقوا قرب المدينة، وأقسم لهم الحارث إنه ما رأى الوليد البتة، ثم أقسم بذلك أمام النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الآية {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}...

    وفي هذه الآية توجيهات لنا:
    أولًا: ألا نتسرع في إطلاق الأحكام، خاصة الأحكام السيئة، والتي تقلب الحق باطلًا، كما تبيَّن لنا من هذه القصة، فالحارث الذي خاف أن يكون الله قد سخط عليهم، فلم يرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم رسولًا يستلم الزكاة منهم، وخرج مع أشراف قومه ليستفسر عن ذلك، حوَّل الفهم الخاطئ من الوليد هكذا فعل يوزن بحسنات، إلى جريمة يسعى صاحبه إلى القتل!
    ثانيًا: ألا ننقل كل ما نسمعه من الأخبار عن الآخرين، فلعلَّ من هذه الأخبار خبرًا أساء صاحبه الفهم كما حصل في خبر الوليد والحارث هنا.
    ولننتبه جيدًا إلى خطورة هذا الأمر، الوليد خاف وارتعب، لما أساءه من الفهم، فأصدر حكمه، فوصفه الله تعالى بأنه (فاسق)، في آية تتلى بحقه حتى تفنى الأرض، ولا يجوز لأحد أن يُدخِل نفسه في هكذا وصف، حتى لو لم يعد القرآن ينزل، فمن سيحتمل أن يراه الله تعالى فاسقًا، وكل ذلك لأن لسانه في نقل الأخبار والشائعات طويل؟!
    ثالثًا: قد ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته أفضل تربية، بهدي القرآن وأوامر الله تعالى ونواهيه، وإذا ما نظرنا، لغويًا، إلى الآية، لرأينا استخدام حرف الشرط "إن" {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ}، و(إن) هذه للأمر قليل الحصول، أو مستبعد الحصول، أو حتى مستنكر حصوله... وبالتالي هذه الأمور يجب أن تكون نادرة في المجتمع الإسلامي، فإياك ثم إياك أن تكون من الندرة التي تسعى في الشر، حتى لو كانت النوايا طيبة.


    هذا والله تعالى أعلم.

    ونتابع وإياكم في ظلال سورة الحجرات إن شاء الله تعالى.


    التعديل الأخير تم بواسطة أ. عمر ; 7-6-2018 الساعة 01:18 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...