~ محاكمة ~
[صحيفة اليوم: عاجل: أحيل طفلٌ إلى المحكمة إثر شكوى تقدم بها خبازٌ لسرقة الطفل رغيف خبزٍ واحد! هل نُزعت الرحمة من القلوب؟]
~
الجلسة الأولى:
المدعي:
إنني أرجوك يا حضرة القاضي أن تسمع شكواي وألا تحتقرها أو تقلل من شأنها.. لقد سرق هذا الصبي رغيفًا كبيرًا من مخبزي.. لستُ بخيلًا ولكن هذا رزقي وهو بالكاد يوفر لي ما أجلب به لقمةً لصغاري الجياع.. قل لي يا حضرة القاضي أيهما أولى؛ إنفاقي على عيالي أم ترك رزقي بين أيدي اللصوص الصغار؟ صدقني يا سيدي إن الأمر لا يتعلق برغيفٍ واحد.. إن هؤلاء اللصوص لا ينتهون.. هذا الصغير ربيب شوارع، وإن تركته وغيره لن يبقى لي شيء أسترزق منه!
~
[صحيفة اليوم: عاجل: تحديث جديد في قضية رغيف الخبز: اتضح أن الفتى السارق ممن تركتهم أمهاتهم ليتربوا في الشارع ويقطعوا رزق الخبازين والبائعين المساكين!]
~
الجلسة الثانية:
المتهم 1:
أعرف يا سيدي أنك استدعيتني بسبب ما ارتكبه ولدي من فعلٍ شنيع.. أعترف أنه كذلك.. وأعترف أنني علمتُ به ولم أمنعه.. وأعترف أنني وأبنائي مشردون في الشوارع.. وما عساي أفعل يا سيدي؟ إنني غريبةٌ في هذه الديار مع أبنائي الخمسة وقد توفي زوجي منذ أشهر ففقدنا مصدر رزقنا.. صدقني حاولت العمل في أي شيء وكل شيء، ولكن كل ما كنت أجلبه كان بالكاد يكفي لقمة عيشنا فمن أين أدفع أجرة السكن؟ لقد طردنا صاحب المنزل منه فأمسينا شريدين في الشوارع وصار الناس يأنفون من تركي أعمل في بيوتهم.. قل لي بالله يا سيدي كيف أمنع طفلًا بريئًا من رغيف خبزٍ اشتهاه وكيف أنهاه عنه وأنا لا أملك بديلًا يسد رمقه؟ ما الذي توجب علي فعله يا سيدي القاضي؟ بأي وجهٍ أمنعه؟
~
[صحيفة اليوم: عاجل: في قضية رغيف الخبز: توصل الأمن إلى هوية مالك المنزل الذي طرد العائلة إلى الشارع دون شفقة!]
~
الجلسة الثالثة:
المتهم 2:
أفهم جيدًا يا سيدي القاضي سبب وجودي هنا.. ولكنني يا سيدي لم أملك خيارًا سوى طردها وأبنائها من المنزل.. إنني يا سيدي عاجزٌ كما ترى ولا يمكنني السير دون هذه العكازات منذ سنوات.. ها هي تقاريري الطبية أمامك يا سيدي القاضي ويمكنك أن ترى فيها أنني عاجزٌ تمامًا عن العمل ولا أملك مصدر دخلٍ سوى إيجار شقتي اليتيمة التي كانت تقطنها أرملة المرحوم وأبناؤه.. يعلم الله أنني كنت رغم ذلك أطوي جوعًا وأستخدم المبلغ لمتابعة علاج والدتي العجوز.. من أين لي علاجها دون مصدر دخلي الوحيد؟ لقد صبرتُ عليهم شهرًا وشهرين ولكن الطبيب طرد والدتي من برنامج العلاج لتأخري في السداد فصار لزامًا علي تأجير الشقة.. كانت والدتي تموت بين يدي يا حضرة القاضي! أكان عليّ دفع حياة أمي ثمنًا لإيواء عائلةٍ فقيرة؟ أجبني بربك يا حضرة القاضي!
~
[صحيفة اليوم: عاجل: في أحدث مستجدات قضية رغيف الخبز: صرح مصدرٌ خاص باسم الطبيب الذي خان مهنته وطرد المرضى غير القادرين على السداد دون وجه حق!]
~
الجلسة الرابعة:
المتهم 3:
نعم يا حضرة القاضي أنا طردت العجوز من برنامج العلاج لأن ثمن إبقائها كان طردي من عملي.. إنني يا سيدي أتغاضى عن مستحقات كثيرٍ من الحالات التي تأتيني وأصرف لهم العلاج رغم تأخرهم في السداد.. ولكن هذه ليست عيادتي يا سيدي القاضي والعلاج ليس مجانيًا! لقد هددني المدير بالطرد إن بقي الحال كما هو عليه فأنا لم أعد أجلب أرباحًا للمشفى.. وأنا يا سيدي أعيل أبناءً في سنوات دراستهم الجامعية الحرجة ولا يمكنني تدمير مستقبلهم بطردي من عملي في وقتٍ كهذا! أكان عليّ التضحية بأبنائي لأجل الآخرين؟ أكان عليّ التصدق من مال غيري؟ هل أخطأتُ يا حضرة القاضي؟
~
[صحيفة اليوم: عاجل: في قضية الرغيف المسروق: مدير المشفى تحت المساءلة القانونية! هل وصلنا إلى مسبب الأزمة أخيرًا؟]
~
الجلسة الخامسة:
المتهم 4:
نعم يا حضرة القاضي أنا أمرت الطبيب بطرد المرضى المتأخرين عن السداد بصفتي مديرًا للمشفى وهددتُ بطرده من عمله.. وماذا كان بوسعي أن أفعل غير ذلك يا سيدي؟ إن تكلفة تشغيل المشفى وتوفير العلاج فيه ليست بسيطة، ونحن لا نحظى بأي شكلٍ من أشكال الدعم.. إن المشفى يكاد يفلس يا سيدي، وإن حدث ذلك فلن يتمكن أحدٌ من تلقي العلاج فيه على الإطلاق! أوليست المصلحة العامة أولى يا حضرة القاضي؟
~
[صحيفة اليوم: لا تساؤل يدور في الشارع اليوم سوى: من هو المذنب في قضية سرقة رغيف الخبز؟]
~
جلسة الحكم:
القاضي:
إنني لا أعرف حقًا ما عليّ قوله لكم.. إنكم لم تخطئوا قانونًا وأنا عليّ أن أحكم بالقانون قبل كل شيء.. ليس من حقي سؤالكم عن إنسانيتكم فهي لن تنفعكم في شيء إن قدمتموها على مصالحكم الشخصية.. ليس من حقي سؤالكم عن إيمانكم بالأجر والعوض والمعجزات الربانية لقاء التضحيات فهو شخصيٌ وربما سطحي، نخونه عند أول عقبةٍ حقيقيةٍ تحتاج الفعل لا الكلام الذي لطالما تشدقنا به.. أتسألونني من المذنب إذن؟ نحن هم المذنبون.. إننا يا سادة من سرق رغيف الخبز!
~ تمت ~
المفضلات