الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 24
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي الأب والابن... قصة اجتماعية متسلسلة، بقلمي (أ. عمر)


    الأب والابن

    قصة أبتدئ بها إن شاء الله تعالى حينما أنتهي من قصتي المتسلسلة في رحاب الحرمين الشريفين

    الأب والابن
    قصة اجتماعية متسلسلة كتبت أحداثها عام 1999
    ولم أنهها بعد، وإن كانت النهاية واضحة في ذهني...

    سأعرضها هنا، محافظًا على الأسلوب الذي كتبتها به آنذاك، مضيفًا ما يلزم من التطوير...
    ولعلي أضع خاتمتها معكم هنا، إن شاء الله تعالى

    فكونوا معنا

    فهرست الحلقات:
    1_ ولادة
    2_ صفقة
    3_ مروان
    4_ لغة المال
    5_ المراهقة
    6_ العرض
    7_ المهمة القاتلة
    8_ المستحيل
    9_ الخدعة
    10_ بلا دليل
    11_ صدام
    12_ ردة الفعل
    13_ وأضاء الظلام
    14_ تدهور
    15_ بعض الألغاز

    16_ نحو النهاية

  2. 7 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)



    الحلقة الأولى (ولادة)

    كاد الضجر والملل يقتلان رجل الأعمال الشهير، السيد (علي محيو)، وهو يجلس في المستشفى منتظرًا امرأته التي تلد...
    ويا لها من معجزة مذهلة!
    معجزة تحدث يوميًا...
    نسمع عنها...
    أو تحدث في محيطنا..
    من دون أن نعيرها التأكد في معانيها...
    أو انتباهًا كافيًا...
    وبعضنا يقف منها موقفًا سلبيًا للغاية...
    كما في حالتنا هذه...
    فرغم لهفة السيد (علي) لإنجاب ولد يحمل اسمه، إلا أن طبيعته كانت تنفر من كل ما يحمل اسم (الانتظار)...
    منذ طفولته، وهو يتمتع بالنشاط والحركة المستمرة...
    ولعل حيويته هذه، السبب في ما يتمتع به من ثروة هائلة، جعلت اسمه يتصدر قائمة رجال الأعمال في بلده كله...
    من دون منازع.
    ولكن؛ ها هو اليوم جالس منذ أكثر من ساعتين، تاركًا أكثر من صفقة هائلة لمعاونيه...
    وسرت موجة قلق في عروقه...
    ماذا لو أخفقوا؟
    أو لم...
    _ انتهى الأمر يا رجل.
    انتزعته هذه الكلمات من أفكاره، فهتف بارتياح:
    _ حقًا؟
    حملت لهجته، رغمًا عنه، شيئًا من الضجر الذي يسيطر عليه، إلا أن الطبيب ردد بقلق وتوتر:
    _ حقًا!
    هوى قلب علي بين ضلوعه، وهو يتمتم بصوت منخفض:
    _ ماذا حدث؟ هل فشلت الولادة؟
    وقبل أن يجيبه الطبيب، انقض عليه وأمسك بتلابيبه، صائحًا بغضب هادر:
    _ ساعتان وأنا أنتظر الولادة، ثم تقول لي إنها فشلت، سأقتـ....
    قاطعه الطبيب بغضب مماثل:
    _ لم أقل ذلك! على العكس، أنجبت امرأتك طفلًا ذكرًا...
    وبدا كأن غضب الطبيب قد تلاشى بغتة، وهو يتابع بأسى:
    _ ولكنها لم تحتمل الألم، وماتت، كم يؤسفني أن أخبرك بهذا، ولكن هذه هي الدنيا، كلنا سنموت، ولكن لا...
    بتر الطبيب عبارته، وعيناه تتسعان ذهولًا...
    فلقد كانت رَدَّة فعل الرجل غير متوقعة...
    على الإطلاق...
    إذ إنه أطلق تنهيدة ارتياح، مع بسمة أضاءت وجهه كله..
    وبذهول واستنكار، قال الطبيب:
    _ ألا يحزنك هذا؟
    ردَّ علي:
    _ ومتى كان للحزن مجالًا في حياتنا؟
    صاح الطبيب:
    _ ولكن، هذا....
    قاطعه علي بجفاء:
    _ اصمت!
    صمت الطبيب مبهوتًا، فيما تابع رجل الأعمال بصرامة غاضبة:
    _ أنا رجل أعمال، والدنيا لن تدوم لأحد، أنت قلتَها، كلنا سنموت، ولن أتوقف لأبكي أحدًا، وما دمتُ حيًا فسأسعى خلف صفقاتي، أتفهم؟
    ولكن الطبيب لم يفهم!
    كيف يمكن لرجل أن يقابل موت امرأته، من دون أي انفعال؟
    باستثناء انفعال الفرح بالطبع!
    أي رجل هذا، بل أي صخر؟
    وبجهد خارق، انتزع الطبيب الكلمات من حلقه، قائلًا بعصبية:
    _ وماذا عن الطفل، ألا يعنيك أمره يا رجل الأعمال؟
    أجاب علي ببرود:
    _ سنبقيه هنا بعض الوقت، انتدب أحدًا للعناية به وإرضاعه، إلى أن أجد مربية أثق بها، واطمئن، سأدفع ثمن هذا.
    وغادر، من دون أن يترك للطبيب فرصة للرد...
    ولقد ظل الأخير صامتًا جامدًا لحظات، ثم انتزع نفسه من ذهوله، وأسرع يهتف بإحدى الممرضات:
    _ هنا رضيع ماتت أمه، وأنتِ ولدتِ منذ فترة قصيرة، هل تقبلين إرضاعه؟ والده رجل أعمال ثري، وسيدفع لكِ.
    ردَّت الممرضة غاضبة:
    _ أتظن أنني أحتاج المال، أم أنك تراني متسولة أمدُّ يد...
    قاطعها، وقد أدرك أنه أهانها، فهي عزيزة النفس رغم فقرها:
    _ على الأقل، حتى لا يقضي نحبه جوعًا.
    أسرعت الممرضة؛ هنا؛ إلى الغرفة التي يرقد بها الرضيع، فيما تمتم الطبيب، وهو في موضعه:
    _ يا له من أب جلف! ويا له من ابن مسكين! ترى ما الذي يخبئه له المستقبل؟
    ويا له من سؤال!
    نعم، ما الذي يخبئ المستقبل لهذا الطفل؟
    وبقي سؤال الطبيب من دون جواب، أو حتى من دون توقع صحيح...
    في وقته على الأقل.



  4. #3

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,627
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Thumbs up رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    بداية موفقة
    تشوقت لأعرف ماذا سيحدث
    انتظر التكملة
    باركك ربي،
    وكالعادة سردك رائع
    زادك ربي من فضله
    في حفظ المولى،،
    ~

  5. #4


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بوركتِ أختي الكريمة، وجزيتِ خيرًا أعتذر لهذا التأخر فالمنتدى يصعب عليَّ الحركة به الفترة الأخيرة قدمت بطلب خدمة إنترنت أخرى سريعة جدًا وقد علمت بها مصادفة، وأنتظر تفعيلها فقط والله المستعان

  6. #5


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة الثانية (صفقة)

    _ هناك ممرضة تطلب مقابلتك.
    ردَّ علي عبر جهاز الاتصال الداخلي:
    _ لا وقت لديَّ، دعيها ترجع في الأسبوع القادم.
    كان يتوقع أن تُنهي السكرتيرة الاتصال كالعادة، وكما لقَّنَها في أول يوم عملت فيه لديه، إلا أنه فوجئ بها تقول:
    _ إنها لأجل ابنك.
    صاح غاضبًا:
    _ قلت لكِ اصرفيها، فأنا...
    قاطعته، أول مرة منذ خمس سنوات:
    _ تريد عقد صفقة عاجلة، وإلا فلتعتبرها ملغاة، وليقضِ ابنك نحبه جوعًا.
    جاوبها صمت مطبق، فهتفت:
    _ سيد علي، هل تسمعني؟!
    مرت لحظة صمت أخرى، ثم أتاها صوته يقول بصرامة:
    _ دعيها تدخل.

    دخلت الممرضة قائلة بلهجة عملية:
    _ أنا قادمة من المستشفى مباشرة، بعد أن أرضعت مولودًا، أخبروني أنه ابن رجل الأعمال الشهير علي محيو، وسأعرض عليك صفقة، أن أصبح أمًا لابنك، أقصد من الرضاعة بالطبع، وممرضة لشركتك.
    أجاب رجل الأعمال:
    _ من ناحية كونكِ مربية لابني فلا بأس، أما أن تكوني ممرضة في شركتي، فلا تحلمي حتى بهذا، فأنا لا أسمح لأحد أن يعمل لحساب شخص آخر في الوقت ذاته، هل فهمتِ؟
    ردَّت بحزم:
    _ سأستقيل من المستشفى، هل توافق الآن؟
    سألها بِجِد:
    _ وكم تريدين في الشهر؟
    رقص قلبها بين ضلوعها فرحًا، لكنها بذلت جهدًا لتسيطر على مشاعرها، وهي تقول:
    _ كم ستدفع أنت؟ أعني كم أنت مستعد لتدفع؟ ليس أقل من...
    قاطعها بملل:
    _ ما رأيكِ بألف دولار شهريًا؟
    كادت الممرضة تسقط مغشيًا عليها، ولكنه تابع ببساطة:
    _ هذا بخلاف متطلبات الولد.

    حُلَّت عقدة لسانها، فهتفت بحماسة:
    _ أنا موافقة بالطبع.
    ألقى إليها برزمة كبيرة من أوراق النقد، من فئة المئة دولار، قائلًا:
    _ هذه على الحساب، والآن لنوقع العقد.
    صاحت الممرضة بلهفة شديدة:
    _ نعم، لنفعل.
    وأضافت بشرود، وعلى شفتيها ابتسامة حالمة:
    _ بعد عامين تنتهي رضاعة الطفل، سأسافر مع زوجي إلى إحدى دول الخليج.
    ابتسم السيد علي، ولكنه لم يعلِّق...
    ولم يمضِ وقت طويل، حتى كان العقد جاهزًا من المكتب القانوني لشركته، وموقعًا من قبله والممرضة التي انصرفت، وهي تكاد تطير من السعادة، وراقبها السيد علي مبتسمًا، ثم تمتم بسخرية:
    _ يا لها من ساذجة!! العقد كان لعملها كمرضعة ابني، كما تظن، وقد وقعَت من دون تقرأ حرفًا! ولم تعلم أنها رضيَتْ بالألف دولار لعملين معًا! سنربح الكثير جدًا من عملها من دون أن نمنحها سوى الفتات، ثم إنها ستظل تعمل طيلة حياتها وليس لمدة عامين كما كانت تظن، فالعقد لم يحدد الفترة، ولكن لهفتها على الأموال أعمت قلبها، ليكن، هذه صفقة رابحة بحق، والآن، لا بد من خطوة مهمة أقوم بها.

    وضغط زر الاتصال بسكرتيرته، قائلًا:
    _ ادخلي يا وفاء.
    شعرت السكرتيرة بالدهشة، لأنه ناداها باسمها مجردًا، لكنها أطاعت الأمر، وما إن دخلت حتى ابتدرها قائلًا بابتسامة كبيرة:
    _ قررت الاستغناء عن خدماتكِ نهائيًا.

    هوى قوله عليها كالصاعقة، فهتفت مرتجفة:
    _ لماذا؟ أنا لم أقصر في عملي قط، و...
    قاطعها صارخًا بغضب مفاجئ:
    _ اصمتي.
    وقام من خلف مكتبه متابعًا:
    _ لقد خنتِ الأمانة يا فتاة، لم يَعُد راتبكِ يكفي، تسلل الطمع إلى قلبكِ، وربما فكرتِ بأكثر من ذلك، كم تقاضيتِ من تلك الممرضة؟

    شحب وجهها، وهي تسأله:
    _ كيف عرفت؟! هل أخبَرَتْك؟
    ردَّ ساخرًا:
    _ لا، ولكني رتَّبْتُ الأمر في ذهني جيدًا، عادة تغلقين جهاز الاتصال حينما أخبركِ بعدم موافقتي على المقابلة، وكذلك ما كنتِ تقاطعينني سابقًا، فَلِمَ فعلتِ هذا وذاك؟ وهنا افترضت أنه من البديهي أنكِ تعرفين أني أعطي مبلغًا ما بعد توقيع الصفقة، وكان لا بد من أن أصل إلى نتيجة واحدة، لقد اشترطتِ على الممرضة أن تعطيكِ نصف الصفقة، أليس كذلك؟
    ردَّت بصوت مرتجف:
    _ بلى يا سيدي، بلى، ولكني أعتذر، و...
    قاطعها بصرامة:
    _ سبيل واحد أمامكِ للبقاء في عملكِ، أن تعيدي لها ما أخذتِ منها، وأنا من جهتي سأخصم لكِ نصف راتبكِ إلى أجل غير مسمى، وإلا يمكنكِ الانصراف، والآن...
    أخرجت السكرتيرة المال من جيبها، ووضعته أمامه، ولكنه هتف بعد أن عَدَّه:
    _ هذا مليون فقط، وأنا أعطيتها ثلاثة ملايين!

    تمتمت السكرتيرة بذلة:
    _ هذا ما أعطتني إياه.
    أشار بيده، قائلًا:
    _ عودي إلى مكتبكِ.

    خرجت السكرتيرة، وأغلقت الباب خلفها، ثم جلست على مكتبها، وهي تقول غاضبة:
    _ لم يكن أمامي سوى الموافقة، لقد خسرت ملايين عديدة من حسمه راتبي.
    صمتت لحظة، ثم تابعت بلهجة أقل غضبًا:
    _ على الأقل، فزت بنصف مليون من تلك الممرضة، وهو لا يعرف، و...
    أتاها صوته يقول:
    _ بل أعرف.

    كان الصوت من أمامها مباشرة، فانتفضت شاهقة في ذعر، قبل أن تنتبه إلى أن الصوت يأتي من جهاز الاتصال الداخلي الذي لم تغلقه، فيما تابع هو:
    _ هل عرفتِ لم ناديتكِ باسمكِ مجردًا في المرة الأولى أيتها البلهاء؟ لعل الدهشة تنسيكِ إغلاق الجهاز، مع التوتر بالطبع، يمكنكِ الانصراف، وإلى الأبد.

    وأنهى الاتصال، وأضاف قائلًا لنفسه:
    _ لقد كنت ذكيًا بإلزام الممرضة بتوقيع العقد على أن تكون سكرتيرة طوال حياتها، مقابل شرط جزائي فادح في حال أخَّلَت بالعقد، لقد ظفرت بسكرتيرة مجانية!
    وابتسم بظفر، متابعًا:
    _ هذه هي الصفقة الحقيقية.


    ملحوظة: الألف دولار تعادل مليونًا وخمسمئة ألف ليرة لبنانية تقريبًا.
    وفي ذلك الوقت _ أي عام 1999 زمن كتابة القصة _ كانت تُعَدُّ مبلغًا فادحًا فعلًا.



  7. #6


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة الثالثة (مروان)

    طفل في الثانية من عمره...
    طفل يُدعَى مروان...
    مروان علي محيو...
    والده واحد من كبار رجال الأعمال في الوطن...
    بل هو أكبرهم...
    بلا منازع...
    ولذا يجد مروان كل ما يريده من اللعب التي تجعله يلهث إرهاقًا قبل حتى أن يحصيها بعينيه لكثرتها...
    ولكنه _ بالمقابل _ بلا أب...
    ليس لأن والده قد مات...
    فما يزال الأخير حيًا...
    ولكن لأن رجل الأعمال الشهير يلهث خلف الصفقات الرابحة طيلة الوقت...
    لا يكاد يراه مرة في الشهر...
    أو مرتين...
    وهو _ كذلك _ بنصف أم...
    فالتي ترضع ابنها التي ولَدَته، وابنًا آخر لم تَلِده، ستفرِّق حتمًا في المعاملة...
    وفي منح الحنان...
    بالإضافة إلى أنها تعمل طيلة الوقت تقريبًا في الشركة العملاقة كممرضة بأجر يسيل له اللعاب...
    وكسكرتيرة من دون أجر...
    وها هي ذاهبة اليوم لتبلغ رئيسها بتركها العمل بعد شهرين، لأنها ستسافر مع زوجها إلى الخارج...
    لقد جمعت اثنين وعشرين ألف دولار كاملة، وبعد شهرين تستقر في الخليج، دول النفط الغنية، لتعيش باقي حياتها كملكة من الملكات...
    لا بد أن يتمكن زوجها من فتح مشروع تجاري كبير...
    وبذلك يبقى مروان من دون أم...
    لم تكن هدى تفكر في ذلك، ولا يعنيها هذا الأمر...
    ولكن، هل يمكن لهذا الطفل أن يشعر بالسعادة؟
    يقينًا لا!
    لقد أصبح يمقت كلَّ ألعابه...
    ويتطلع إلى ما يحتاجه كلُّ طفل...
    حنان الأم في الدرجة الأولى...
    وعاطفة الأب من جهة ثانية...
    ولكنه سيكبر اليوم عن ذلك...
    بسبب ما حدث.

    ***

    _ ماذا تعني؟
    صرخت الممرضة هدى في وجه رجل الأعمال غاضبة، فَرَدَّ ببرود:
    _ العقد الذي وقَّعناه منذ عامين واضح وصريح، لا مدة محددة، وهذا يعني أن أحدًا لا يحق له أن يفسخه بمفرده، أتفهمين؟
    عادت تصيح بغضب:
    _ هذا لا يعني أن أعمل عندك طيلة حياتي، أليس كذلك؟
    أجاب بهدوء:
    _ هناك ثلاث وسائل لتتركي العمل قانونيًا، الأولى أن أصرفكِ بسبب مخالفات واضحة، وهذا يستدعي أن أوجِّه لكِ أكثر من إنذار، ثم أعطيكِ مهلة ثلاثة أشهر قبل أن أصرفكِ، مع دفع تعويض صرف ضخم لكِ، ولن أفعل ذلك بالطبع.

    صمت قليلًا، ثم تابع:
    _ الوسيلة الثانية هي أن تستقيلي، وعندها...
    هتفت بلهفة:
    _ سأكتبها الآن، و...
    قاطعها بهدوء مستفز:
    _ ولن أوافق عليها بالطبع، إلا إذا قمتِ بِرَدِّ كل ما دفعته لكِ، مع تعويض بنسبة مئة وخمسين بالمئة، وهذا يعني اثنين وعشرين ألف دولار الآن، وفوقها ستًا وستين ألف دولار أخرى، إلا إن أحببتِ أن تكملي حتى نهاية العامين قبل أن تستقيلي، ليزداد المبلغ الذي ستدفعينه!

    صرخت بغضب:
    _ هل تمزح؟ ثم إني لا أصدق ما تتكلم به، لقد طردتَ وفاء من دون إنذار أو دفع تعويض، ثم هددتني بفسخ العقد إن لم أحُلَّ محلها، وكدت أتقدم باستقالتي بعد يوم واحد من الاتفاق، أتذكر هذا؟

    أجاب من دون أن يفقد هدوءه:
    _ أولًا السكرتيرة وفاء كانت غبية، تركت من دون أن تطالب بحقها القانوني، والذي لا تعلمينه هو أني رفعت عليها دعوى قانونية لفعلتها هذه! وربحت الدعوى، ولا زالت المسكينة تجمع القمامة لتعيش، مع أني أنا الذي طردتُها ولم أعطها حقها، أما أنكِ كدتِ تتقدمين بالاستقالة يومها، فلِمَ لَمْ تفعلي؟ ربما وافقتُ وقتها، أما الآن، فلن أفعل.
    وأضاف متهكمًا:
    _ ثم هل صدقتِ أنني كنت سأفسخ العقد؟ هل كنت سأفسخه وأجد نفسي مضطرًا لأدفع لكِ مبلغًا كبيرًا؟ لن يدفع بي شيء لذلك، ولا حتى سواد عينيكِ!

    تمتمت هدى بمرارة كبيرة:
    _ وماذا عن الوسيلة الثالثة؟
    أجاب بصرامة شديدة:
    _ أن تنتحري! هذه هي الوسيلة، موتي ولن أقيم عليكِ أية دعوى، انتحري فلن تتركي العمل إلا بهذه الطريقة، أتفهمين؟
    طفرت الدموع من عينيها، وهي تقول متوسلة:
    _ أرجوك يا سيدي، زوجي سيسافر، لن يستطيع الاعتذار عن السفر، لا تفرِّقنا، ارحمنا، أرجوك.
    ردَّ رجل الأعمال ببرود:
    _ لا مجال للعواطف والرحمة في عالمنا، انتهت المقابلة.
    غادرت هدى مكتبه...
    والغضب يعصف بقلبها...
    وعقلها.

    ***

    ما كادت هدى تدخل بيتها، حتى اندفع ابنها وليد يعانقها ويقبِّلها، فأخذت هي تداعبه وتلاعبه، ثم أقبل مروان ليتعلق بها، فأهوت على وجهه بصفعة عنيفة، وصرخت في وجهه:
    _ اغرب عن وجهي، أسرع.
    ذهب مروان إلى حجرته محتقن الوجه، وحبس فيها نفسه حتى المساء، حين شعرت هدى بالندم لقسوتها عليه، فذهبت إلى غرفته، واحتضنته قائلة:
    _ حبيبي مروان، انظر ماذا أحضرت لك، علبة شوكولاتة كبيرة، لك وحدك.

    تملص منها قائلًا بعناد:
    _ ابتعدي عني، أنتِ لستِ أمي، أنا لا أحتاجكِ.
    صدمها ردُّه، ولكنها عادت تحتضنه، فمهما فعل والده، لن تنسى أنها أم، وأنه طفل، تحركت عاطفة الحنان في نفسها رغم قسوتها السابقة، ولكن الطفل تملص منها ثانية، وهو يصرخ بغضب:
    _ ألم تفهمي؟! ابتعدي عني.

    وهنا فهمت هدى...
    لقد نضج مروان قبل الأوان...
    نضج بسبب الحياة القاسية التي يعيشها...
    وبسببها هي...
    تُرى، ماذا ستكون رَدَّة فعل السيد علي حينما يعلم أنها صفعت ابنه؟
    ربما يطردها!
    ليته يفعل!
    ولدهشتها، وجدت نفسها تبتسم، وتقول لمروان بلهجة قاسية:
    _ ليكن! لن أقترب منك أيها المدلل، حينما تجوع يمكنك أن تتوسل إليَّ لأطعمك، ولن أرضى أن أفعل قبل أن تُقبِّل يديَّ، وكذلك ساقيَّ.

    وغادرت الغرفة سعيدة...
    وكلها أمل في أن يطردها مديرها...
    لعلها تحقق حلمها...
    وتسافر.





  8. #7


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة الرابعة (لغة المال)

    _ صفعتِه على وجهه؟!
    صرخ والد مروان بثورة هائلة...
    ليس لأن عاطفة الأب قد تحركت في نفسه...
    بل لأنه يعتبر ابنه جزءًا من شركته الاقتصادية...
    وأن تصفع المربية ابنه، فهذا يعني أنها لا تبالي بمكانته هو...
    ولكن هدى لم تبالِ بغضبه، بل أضافت ببرود:
    _ أضف إلى ذلك أنه بلا طعام منذ الأمس.
    صرخ بِغِلٍّ:
    _ سأقتلك.
    تابعت، وكأنها لم تسمعه:
    _ ثم إنني بحثت عن وفاء حتى وجدتها، وهي الآن في منزلي، تنتظر أن تذهب إلى أحد المحامين في العاشرة والنصف، وذلك لإبطال الدعوى التي ربحتها ضدَّها، لتنال التعويض المناسب، وستذهب سواء أوصلتُ أنا أم لم أصل.
    أدهشها انقلاب حالته إلى الهدوء بغتة، وكأنه لم يغضب منذ لحظة واحدة، وهو يقول:
    _ حسنًا، لقد ربحتِ، سأوافق على استقالتكِ مقابل أن تُعِيدي إليَّ نصف ما أخذتِه مني، وسأدفع التعويض لزميلتكِ، اتصلي بها، أو اذهبي إليها لتعودي بالنقود.
    رقص قلب هدى فرحًا...
    ولكنها أسرعت إلى منزلها لتحضر النقود...
    وعادت بصحبة السكرتيرة السابقة وفاء...
    وهناك، وقعت هدى أولًا على الاستقالة مقابل تنازلها عن نصف ما أخذَتْه...
    ثم وقعت وفاء على أنها أخذت تعويضًا ماديًا جيدًا، بتاريخ طردها من العمل، مع إقرار منها بأنها هي التي تركت العمل، وبملء إرادتها...
    وخرجت هدى لتلحق بزوجها وابنها إلى المطار...
    أما وفاء، فذهبت لتبدأ عملها الجديد...
    ستكون مربية لمروان...
    براتب قدره ستة آلاف دولار سنويًا...
    وفي المطار، ربَّتَت هدى كتف طفلها بسعادة، وهي تقول لزوجها:
    _ صحيح أنني أخطأت بصفعي مروانًا وتجويعه، ولكن العجيب أنني كنت الرابحة، لم أتصور أن رجل الأعمال بهذا الغباء الشديد! كان بإمكانه أن يعهد بالعمل لمربية أخرى، ويرفض استقالتي كسكرتيرة، ولكنه غفل عن ذلك، لقد ربحتُ، وبجدارة.
    تمتم زوجها ساخرًا:
    _ نعم، هذا صحيح، ولكن بنصف المبلغ الذي...
    قاطعته بِحِدَّة:
    _ دفعت نصف ما تقاضيتُه لأبقى وابني إلى جوارك، أرأيت تضحية أكبر من هذه؟ أم أنك كنت تفضل أن أبقيه معي؟ أقصد الولد، والمبلغ قبل الولد، وتسافر أنت وحدك؟!
    أسرع زوجها يجيب متضايقًا:
    _ لا، إطلاقًا، لقد ربحتُ أنا في الحقيقة.
    وفي سِرِّه أضاف:
    _ بل كنت أفضِّل أن تعطيني المبلغ، وتواصلي العمل يا حمقاء!

    كان متضايقًا جدًا من تصرفها الأحمق هذا، ولم يكن يعرف كيف يتخلص منها، وقد سئمها وسئم تصرفاتها الخرقاء، وبدا واثقًا أنها ارتكبَت حماقة غير مسبوقة، حينما رفض مسؤول الجوازات ختم جوازها، وطلب إليها التوجه إلى مكتب الأمن، لأنهم يطلبونها!

    وبتوتر، سألها زوجها:
    _ ماذا فعلتِ؟
    أجابت وفاء مرتجفة:
    _ لم أفعل شيئًا!
    ولكن ضابط الأمن صرخ بها بتلك اللحظة:
    _ يا للذكاء! تتقدمين باستقالتكِ وتهربين إلى المطار؟ تتجاهلين البند الجزائي؟ تظنين أنكِ عبقرية! أليس كذلك؟
    صاحت وفاء كالمصعوقة:
    _ لقد وافق السيد علي، بل هو الذي اقترح...
    قاطعها الضابط ساخرًا:
    _ ما الذي اقترحه يا ترى؟ لقد رفض استقالتكِ، وحينما لم تداومي ظن أنكِ قد تسافرين لتهربي من العقد الذي بينكما، فاتصل بنا.

    كادت وفاء تعترض، لكن زوجها صرخ بوجهها بغضب:
    _ كنتِ تكذبين إذًا؟ أين ذهبتِ بال 11 ألف دولار؟ قلتِ إنه أخذها منكِ مقابل الاستقالة؟
    اتسعت عينا وفاء لهذه الكلمات، واحتقن وجهها غضبًا، وفتحت فمها لتجيب، لكن الصفعة الهائلة رنت على وجهها في اللحظة ذاتها، حتى شعرت بأن أسنانها تكسرت، ولم ينتظر زوجها لحظة إضافية، بل استدار مغادرًا، تاركًا امرأته وطفلهما، وهو يهتف:
    _ أنتِ طالق، طالق، طالق.
    وأسرع الخطا ليبتعد، وينجو بال 11 ألف دولار الأخرى، لتكون له معينًا في حياته الجديدة، لتخسر وفاء كل شيء، والغريب أن دموعها الحارة كانت تسيل، لا حزنًا على زوجها، ولا خوفًا من مستقبل مظلم ينتظرها في السجون، بل لأن صورة مروان ارتسمت أمامها، وعيناه تفيضان دمعًا، إثر صفعتها المدوية له، تذكرت بكاءه الأليم لشدة الجوع، وهي تضحك وتطعم طفلها أمام عينيه...
    وبدا لها ما يحصل لها عقابًا من الله تعالى لها، لما فعلته بهذا الطفل المسكين...
    ويبدو أنها قد استغرقت في هذه المشاهد الحزينة، حتى لم تشعر بالقيود الحديدية التي وضعتها إحدى الضابطات في يديها، بل وأخذت تسير مثل الآلة، شاردة عن الدنيا كلها، غافلة عن صراخ طفلها المرتعب، بعد أن خسر والديه معًا...

    أما وفاء، فكانت حنونًا بحق مع الطفل مروان، اعتنت به، وأطعمته، وهي تفكر في ما بينها وبين نفسها:
    _ آه! بعد عامين من التشرد تعود أيام العز! ستة آلاف دولار تعويض، وعمل كمربية لعام كامل مقابل مبلغ مماثل، وقد تقاضيت نصف المبلغ بالفعل، يا لها من صفقة! أنا الرابحة حتمًا!
    واحتضنت وفاء الطفل، تحاول أن تبثه الحنان، بعد أن علمت ما تعرض إليه من الأذى، وكانت تحنو عليه بمنتهى الصدق، لأنه طفل، لا لأجل أموال والده، بل إنها نسيت كل أيام التشرد والجوع الذي تسبب لها الأخير بها.

    وفي الوقت ذاته، كان السيد علي يقهقه ضاحكًا، وهو يحادث نفسه:
    _ يا للغباء!! هدى استقالت! وقعت الاستقالة أمامي! يا لها من مجنونة! هل وافقت لها استقالتها حتى تتصرف بهذه الحماقة؟ لقد استرجعتُ منها نصف ما دفعته لها، ظنت أنها انتصرت عليَّ بهذه السرعة! وزوجها الأحمق فَرَّ بما تبقى من المال حتمًا، لأنهم لم يجدوه مع وفاء، ولا يعلم أن رجال الشرطة سيكونون في انتظاره في مطار دبي! سيعود المبلغ بأكمله لي، وفوقها سأقبض الكثير، بدل البند الجزائي، يا لي من عبقري! وتلك البلهاء وفاء! كيف وقَّعت هذه الورقة؟
    ألم يخطر ببالها أن في الأمر مهزلة حقيقية؟ كل ما ستناله مني، هو جزء بسيط من راتب وفاء الذي استرجعتُه، لقد أمنت لولدي مربية ثلاث سنوات، وأمنت لنفسي سكرتيرة سنتين، وكل ذلك بالمجان! لا؛ بل إنني ربحت فوق ذلك أموالًا هائلة، ستفيدني حتمًا في أعمالي وصفقاتي التجارية، أنا الرابح الوحيد هنا، هاهاهاها...

    ***

    اكتمل العام...
    ووافقت وفاء على عقد جديد لعامين إضافيين...
    وبمبلغ مالي أقل...
    لم تعارض كثيرًا، بل لم تعارض إطلاقًا...
    تعلق قلبها بهذا الطفل المسكين...
    ثم فشلت محاولات والده لإقناعها بالتمديد أكثر...
    رغم أنها تحب ابنه فعلًا...
    لكن مروان الذي أتمَّ الخامسة من عمره أصبح لا يُطاق...
    ليس لأنه مشاغب...
    بل العكس...
    كان هادئًا جامدًا طوال الوقت...
    نادرًا ما يتكلم...
    لا يلعب إطلاقًا...
    ثم إنه لا يبالي بوجود وفاء من عدمه!
    يأكل بمفرده...
    ولا يحادثها إلا نادرًا...
    يرفض أن تربت رأسه أو تمسح شعره...
    وطبعًا لم يكن بحاجة إلى غسل ملابسه، لأن مصانع والده الجاهزة تلبي له حاجاته فورًا...
    وبعد أن يئس السيد علي تمامًا من إقناع وفاء بالاستمرار، صرفها، وهو يشعر في أعماقه أنه قد ربح ابنه...
    ابنه الصلب الذي لا يبالي بالانفعالات السخيفة...
    والذي سيخلفه في نشاطه كرجل أعمال متميز...
    يومًا ما.



  9. #8


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    إن شاء الله نتابع الطباعة وتقديم الحلقات مساء اليوم
    بعد ما تم حل مشكلة النت عندي أخيرًا، بفضل الله

  10. #9


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    للأسف!
    لا زلت لا أجد الدفتر الذي كنت قد كتبت عليه هذه القصة
    من بعد عملية (تنظيف) البيت، لذا أعتذر كثيرًا إليكم بسبب هذا التأخر

  11. #10

    الصورة الرمزية بوح القلم

    تاريخ التسجيل
    Apr 2014
    المـشـــاركــات
    3,354
    الــــدولــــــــة
    كندا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    السلام عليكم ،،

    الله الله يا عمر قصة ممتعة جدًا سلسة السياق منسابة الكلمات استأنست كثيرًا بقراءة حلقاتها

    بشوق لباقي الحلقات مع امتنان قربه الكون صغير

    بارك ربي مداد قلمك وعذوبة حرفك

    *على الهامش هل حدث بعض الخلط بين هدى ووفاءأم أنني توهمت الأمر؟

  12. #11


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوح القلم مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ،،

    الله الله يا عمر قصة ممتعة جدًا سلسة السياق منسابة الكلمات استأنست كثيرًا بقراءة حلقاتها

    بشوق لباقي الحلقات مع امتنان قربه الكون صغير

    بارك ربي مداد قلمك وعذوبة حرفك

    *على الهامش هل حدث بعض الخلط بين هدى ووفاءأم أنني توهمت الأمر؟
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    بارك الله بكِ أختي الكريمة، والقصة قيد المتابعة من كل بد بإذن الله، لكن لا زلت أبحث عن الدفتر الضائع
    سبحان الله، هذا الدفتر عندي من عام 1999، لم يضع رغم كل ما حل ببيتي من الكوارث، وامرأة أتت لتنظف البيت أخفت الدفتر خلال ساعات!
    أما هل هناك خلط، فهناك سكرتيرة وهناك ممرضة، أي أنهما شخصيتان لا شخصية واحدة، لكن سأراجع كل شيء لأتأكد إن كنت قد وقعت في أي خلط لأعدله
    بإذن الله

  13. #12


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة الخامسة (المراهقة)

    الثراء لا يجعل الإنسان سعيدًا...
    شَبَّ مروان، وهو يشعر بوحدة قاتلة...
    وبملل بلا حدود...
    لم يكن يميل إلى الاختلاط بالآخرين...
    كان أشبه بالتمثال...
    وطيلة سنوات دراسته الابتدائية والمتوسطة، لم يحدث احتكاك بينه وبين والده...
    لم يسأله الأخير إن كان يعاني مشاكل في دروسه...
    أو مع أساتذته...
    مع العلم بأن أحدًا منهم لا يجرؤ على أن يخطئ في حق مروان...
    والعجيب أنه _ ورغم تلك الحياة الجليدية _ تفوق مروان إلى حَدٍّ كبير في دراسته...
    ثم نال الشهادة المتوسطة...
    نالها، ووالده لا يعرف بذلك حتى!
    لم يكن يعرف في أي صف ابنه، بل لم يكن يبالي بهذا الأمر!
    ودخل مروان المدرسة الثانوية...
    وهناك، أصابه ما يصيب جميع الشباب...
    أو معظمهم...
    بدأ بمراهقة عنيفة...
    ولكن، أية مراهقة هذه، يَمُرُّ بها ولد لا يشعر أساسًا بسلطة الأب وسيطرته؟
    لذا؛ لم تكن مراهقة مروان عادية كمراهقة الآخرين...
    ما كان لصاحب كل هذا الغرور أن يلقي بالمفرقعات النارية في الصف...
    ولا أن يقلد أصوات الحيوانات!
    فهذا في رأيه سخف لا معنى له...
    أية لذة يجدها الإنسان في تقليد أصوات الحيوانات، صائحًا كالديك ناهقًا كالحمار؟!
    إذًا، كيف تفجرت مراهقة مروان؟
    وبِمَ تمثلت؟
    لمعرفة ذلك، لا بد لنا من الرجوع إلى القصة الآتية.

    ***

    مهما بلغ انفلات التلاميذ في قواعد الأدب في أي صف، وفي أية مدرسة، لا بد من وجود أستاذ _ أو معلمة _ يجبرهم على التزام الهدوء والتهذيب في حصته...
    وفي تلك المدرسة التي يبدأ فيها مروان مرحلته الثانوية، لعبت الوساطة دورها في دخول امرأة أحد ضباط المخابرات للتدريس فيها...
    وكانت قاسية للغاية في تعاملها مع هذه التجاوزات...
    بل شرسة جدًا لو توخينا الدقة...
    ولقسوتها وقرابتها هابها التلاميذ...
    وكرهوها بسبب العصا الغليظة التي لا تفارق يدها...
    مع أنها الوحيدة في الثانوية كلها التي تحمل عصا!
    فالتلاميذ لم يعودوا صغارًا، ولكن من يجرؤ على الاعتراض؟!
    المهم أنه، وبعد أسبوع واحد من بداية السنة الدراسية، كان أحد التلاميذ يفكر في قوة الصافرة التي سيطلقها في الحصة التالية، وذلك في حصة المعلمة القاسية هذه...
    ومع تفكيره _ بل مع انهماكه في التفكير _ أفلتت منه الصافرة...
    وهنا، قررت المعلمة أن تعاقب جميع صبيان الصف...
    نعم، الجميع...
    فعمليًا، هي في مركز أقوى من مركز والد مروان...
    ولا يعنيها في شيء كونه من كبار رجال الأعمال، ولا حتى أنه يمتلك طائرة خاصة به!
    بالإضافة إلى وجود صفقات تجارية قوية بين شركة والد مروان، ودار نشر تمتلكها هي...
    وبما أن السيد (علي) لم يكن يسمح لأحد أن يقف في طريق طموحاته، كانت أوامره لابنه واضحة وصارمة...
    كانت تلك المرة الوحيدة التي تدخل فيها السيد (علي) في أمور حياة ولده...
    وبكلمات قليلة موجزة، قال الأب لابنه، ذات يوم:
    _ اسمع يا مروان، السيدة (ليلى) أخبرتني أنك تلميذ في صفها، أنا لا أتدخل في دراستك ولا يعنيني في شيء أن ترسب أو تنجح، ولكن...
    وقسا صوت الأب كثيرًا، إذ يتابع:
    _ رضا السيدة (ليلى) عنا يعني أموالًا تتدفق علينا بلا حدود، وزيادة في مركزي الاجتماعي والثقافي، لذا إن حاولتَ إغضابها سأذبحك بيدي!
    استرجع ذهن مروان تلك الكلمات، والسيدة (ليلى) تحمل عصاها متجهة نحوه...
    لم يجادلها مروان، ولا بكلمة...
    لكنه ما كان ليسمح لأحد بأن يضربه، حتى لو كان سينهار والده ويتسول المال بعد ذلك!
    وكان الحل، ببساطة، أن غادر مروان الصف من دون أن ينطق بكلمة واحدة...
    بل وبدا للجميع أشبه بصنم يتحرك، لجمود ملامحه، وكأنما لا يسمع صراخ المعلمة:
    _ سترى يا هذا، سأكسر رجليك، بل ورأسك نفسه، إن حاولت دخول الصف مرة أخرى.

    وفي اليوم التالي بدأ مروان مراهقته...
    ولئن كانت المراهقة خروجًا عن السلطة وإثباتًا للذات، فإن مروان لم يكن بحاجة إلى مراهقة كالتي يمر بها سائر الشباب...
    بل توجهت مراهقته إلى مضمار آخر...
    ازدادت عزلته أكثر...
    وبدا فعلًا مثل تمثال تم صنعه بإتقان، إذ يستطيع الجمود مكانه ساعات طوال، بلا كلام ولا حراك!
    وأهمل مروان دروسه تمامًا...
    وبدأت علاماته تتتدنى.





  14. #13


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة السادسة (العرض)

    كعادته، وقف مروان وحيدًا في الملعب ينظر إلى ما حوله بسخط...
    ولكن، في ذلك اليوم، اقترب منه حميد قائلًا:
    _ علاماتك متدنية جدًا يا مروان، ويجب أن...
    قاطعه مروان بغضب، غير مصدق أنه قد تجرأ على محادثته:
    _ لا شأن لك.
    قال حميد بحزم:
    _ خطأ، أنت ابن رجل أعمال شهير، ولكي تستحق ثروته بجدارة، يجب أن تكون ناجحًا وبامتياز.
    سأله مروان بوجه محتقن:
    _ وما شأنك أنت بثروة والدي؟
    هَزَّ حميد كتفيه قائلًا:
    _ لا شأن لي بها.
    صاح مروان ثائرًا:
    _ إذًا، انصرف!
    لم يكن من المعتاد أن ينفعل مروان، ولكنه لم يتحمل أن يكلمه حميد، أو أي شخص آخر، بهذه الشؤون الخاصة، ولكن حميدًا تابع كأنما لم يسمعه:
    _ بل بك.
    نظر إليه مروان بغضب، ولم يُجِبْ...
    فاستطرد حميد بابتسامة ظفر:
    _ لدي عمل مثير لك.
    صاح مروان باستنكار واستعلاء:
    _ أنت يا صعلوك؟ أنتَ؟ عندك عمل لي أنا؟؟
    أجابه حميد بهدوء:
    _ اسمع، نحن نُكَوِّن عصابة خفية، وعندنا زعيم غامض، لا نعرفه، لم يره أحد، وأوامره تصل إلينا من خلال وسيط لا يعرفه سواي، وبحكم الصلاحية التي منحها الزعيم الكبير لي، باعتباري زعيم الشلة هنا، أرغب في ضمك إلينا.
    صرخ مروان، والغضب يعصف بنفسه:
    _ الانضمام إليكم؟! ماذا لو قبضت الشرطة عليَّ وأنا أسطو معكم على المنازل؟ ما الذي سيقال عني؟!
    لوَّح حميد بِيَدِه يدعوه إلى خفض صوته، وهو يهمس بتوتر يمتزج باستنكار:
    _ اسكت! فضحتنا! ثم إننا لا نسطو على المنازل! نحن لا نسرق، بل نوزع المخدرات، وذلك لأننا...
    قاطعه مروان بصرامة، وقد ضاق صدره بهذا الحوار العقيم:
    _ ولو، ما كان لمثلي أن ينضم إلى أمثالكم، أتفهم يا حميد؟ إياك أن تعيد هذا الكلام التافه على مسامعي مرة أخرى، وإلا فإنني سأضربك وبقسوة، أتفهم؟!
    وقبل أن يترك لحميد فرصة للاعتراض ابتعد...
    ابتعد بغضب وكبرياء...
    وظل حميد واقفًا مكانه بعض الوقت، يفكر بتعجب:
    _ ترى، هل أخطأ الزعيم؟ أمر غريب فعلًا! لقد نقلت حالة مروان بالوصف الدقيق إلى الوسيط نادر، وأخبرته أنه من الممكن أن يشكل إضافة قوية إلينا، وبعد عدة أيام يخبرني نادر أننا كسبنا عضوًا طيبًا في عصابتنا، فهل اتخذ القرار بمفرده؟ مستحيل! لا شك أنه أخبر الزعيم، وأن الزعيم... ولكنْ، تبًا، تبًا لمروان ولنادر وللزعيم معًا! لم يكن ينقص هذا الأحمق مروان إلا أن يضربني فعلًا!
    وأدار حميد عينيه في أنحاء الملعب، كأنه يطمئن إلى وجود كل أفراد عصابته...
    فاليوم، مساءً، سيتابعون عملهم القذر، وفي مرحلة دقيقة وصعبة...
    وعليهم أن يكونوا في منتهى الحذر، وإلا...

    ***

    لم تمضِ ثلاثة أشهر على هذا العرض، حتى كان مروان من أنشط أفراد شلة اللصوص...
    لا لأن حميدًا أصَرَّ عليه حتى أقنعه...
    فلقد ذهب هو إليه...
    ربما ليكسر الملل والوحدة اللذين يسيطران عليه منذ طفولته...
    ووجد مروان نفسه في ذلك العمل بحق...
    نبغ وتألق...
    وأثبت أنه يتميز بقلب جامد لا يمكن أن يخشى أحدًا، أو يهاب أمرًا...
    وتفوق مروان على حميد الذي يعمل في هذا المجال منذ كان طفلًا...
    ورغم أن ميزات مروان كانت في مصلحة العصابة، إلا أنه _ من ناحية أخرى _ كان يتصرف وفق هواه الشخصي...
    لا يلتزم بالخطط الموضوعة إن لم ترق له...
    ويغير مواعيد مهماته وفق ما يتراءى له...
    ما كاد يصيب حميدًا بالجنون...
    فقام بنقل مخاوفه إلى الوسيط الذي استدعى مروانًا إلى منزله...
    ليكون مروان أول من يعرف هذا الوسيط بخلاف حميد...
    ولقد كان تلميذًا في الثانوية نفسها، إنما في أعلى صف فيها...
    المهم أن الوسيط كان يحمل لمروان عرضًا لا رجعة فيه...
    إما طاعة الأوامر حرفيًا...
    أو الموت بلا رحمة...
    فهل سيطيعه مروان؟
    ***

    _ خطأ، أكبر خطأ.
    صاح بها الوسيط غاضبًا، في وجه مروان، في حجرة في بيت الأول الذي استطرد بعصبية:
    _ لقد أخبرت الزعيم بما حدث بواسطة مراسلة عبر الإنترنت، وهو غاضب بشدة، لأن ما تفعله سيعرض الشلة حتمًا إلى خطر مجهول قادم في أية لحظة، وربما يكون قاتلًا، وكذلك فهو...
    قاطعه مروان بملل واضح:
    _ وماذا؟ اسمع يا هذا، لم أبغض في حياتي مثلما أبغضت هذا التأنيب الأجوف، فلتخبرني بوضوح ماذا يريد الزعيم، أو اصمت!
    لم يكن الوسيط متعودًا أن يخاطبه أحد بهذا الأسلوب قط، ولذا بذل جهدًا هائلًا للسيطرة على أعصابه، ثم قال:
    _ أنا من يريد الآن لا الزعيم، فلقد أعطاني الزعيم حرية التصرف معك، وأنا أحمل إليك عرضًا منه لا نقاش فيه، إما أن تتعهد بطاعة الأوامر، وإما...
    وبحركة خاطفة سريعة، سحب الوسيط مسدسًا من تحت ملف يضعه على مكتبه، وهو يستطرد:
    _ وإما أن أقتلك!
    وضغط الزناد، مضيفًا بغضب:
    _ ولقد اخترت الحل الثاني!
    ومن المسدس المزود بكاتم للصوت...
    انطلقت الرصاصة مستهدفة رأس مروان...
    مباشرة.

  15. #14


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة السابعة (المهمة القاتلة)

    كان نادر قناصًا من الدرجة الأولى...
    منذ طفولته، وهو يعشق الصيد...
    ويبرع فيه...
    حتى ليزعم أنه أمسك بالبندقية، قبل الملعقة!
    وخلال رحلة صيده الطويلة، لم يخطئ إصابة هدفه قط...
    ومع ضغطه الزناد، كان يظن الأمر منتهيًا...
    ولكن مروانًا أثبت له خطأ ظنه...
    إذ تحرك بغتة...
    وقبل انطلاق الرصاصة بثانية واحدة...
    أو أقل...
    ثم انقض على نادر، ليكيل له لكمة عنيفة في وجهه، ألقت به أرضًا...
    ويا للعجب!
    كان الأخير قد أعَدَّ خطة قتل مروان، ولكنه فشل في ذلك...
    رغم أن الأمر كان يجري معه بإتقان تام...
    فيما نجح مروان، الذي لم يكن يتوقع هذه المبادرة الحمقاء...
    ولم يكن ليخطر في باله لحظة واحدة أن خصمه يريد قتله في غرفة نومه!
    لكن ردة فعله كانت غريزية...
    وفي الوقت المناسب تمامًا...
    لينجو، في جزء من الثانية، من الموت المحقق...
    ورغم عنف المفاجأة على نادر، إلا أنه هَبَّ واقفًا، وانقض على مروان...
    ليشتبكا في قتال عنيف، أثبت فيه كلٌّ منهما أنه مقاتل شرس للغاية...
    وبجهد، لوى مروان ذراعي خصمه، قائلًا بغضب شامت:
    _ تريد قتلي في منزلك؟ بل وفي غرفة نومك؟ يا لك من أحمق!
    صاح نادر، وهو يقاوم بعنف:
    _ لن أسمح لك بالفرار بما سجَّلْتَه.
    أفلته مروان قائلًا بدهشة:
    _ ما سجَّلْتُه؟! ماذا تعني؟!
    حرَّك الوسط ذراعيه في ألمٍ، وهو يقول بعصبية:
    _ لا تدَّعي البلاهة، فور دخولك غرفتي أضاء جهاز الإنذار الذي أضعه أمام الكومبيوتر معلنًا أنك تحمل جهاز تسجيل متطور للغاية، ما الذي يمنعك؛ إذًا؛ من تسجيل ما يدور بينك وبين حميد، لتوقع بنا بسببه؟!
    أطلق مروان ضحكة عالية قلَّما أطلقها من قبل، ثم أجاب:
    _ أيها الأحمق! ساعتي الحديثة تحوي آلة حاسبة وجهاز تسجيل من أحدث طراز، وبإمكاني أن أعطيك إياها لتفحص برنامجها، وتتأكد من أنها لم تسجل أي شيء منذ دخلتُ بيتك.
    مرت فترة صمت طويلة، التقطا فيها أنفاسهما، وبعدها تابع مروان:
    _ أنت نسيتَ أنني ابن رجل أعمال، لديه عدد من الشركات الصناعية الكبرى؟ هذه الساعة من أبسط الأشياء التي أمتلكها، ثم إنك ارتكبت خطأين فادحين للغاية، أولهما قتلي، أعني محاولة قتلي داخل منزلك، فهذا يوصل رجال الشرطة إلى أنك الفاعل، وربما تكشف بالاستجواب شخصية الزعيم، وكل أفراد العصابة، ما ظننتَ أنك تحميه بفعلتك الخرقاء هذه.
    رد نادر ببرود:
    _ اطمئن! من هذه الناحية لا يمكن أن تخاف أمرًا أيًا كان على رجال الزعيم، فهم قد هيأوا كل شيء، ودرسوا كل الاحتمالات، وحتى لو استجوبتني الشرطة بمنتهى العنف، فليس بمقدوري أن أكشف لهم سوى أشياء بسيطة لا تغنيهم في شيء، ولكن... ما الخطأ الثاني؟
    أجابه مروان بشماتة:
    _ لو أنني سجَّلْتُ فعلًا بعض الأسرار، فما الذي يفيد قتلي؟ ما أدراك أنني لم أتخذ احتياطًا يوصل المعلومات بموجبه إلى رجال الشرطة في حال موتي؟ كان من الأفضل أن تحاولوا كشف مخبأ الأشرطة _ فيما لو وُجِدَت _ والاحتياط السري، ثم تتخلصوا مني بعدها.
    لم يجب نادر...
    اختفى كل حقده على مروان في لحظة واحدة...
    وتحولت نظراته تجاهه إلى الانبهار التام...
    كل أفراد العصابة الصغار ينفذون الأوامر بمنتهى الإخلاص والإتقان...
    ولكنه يفتقد في عقولهم الفهم والتفكير...
    ليسوا بأكثر من آلات متحركة فحسب...
    وهو قد سئم من التعامل مع أمثال هؤلاء الأغبياء...
    أما مروان، فهو يثبت ذكاءه بحق...
    هَمَّ نادر بقول شيء ما، ولكن الكومبيوتر أصدر صوتًا غريبًا في تلك اللحظة، فهتف متوترًا:
    _ هذا هو الزعيم.
    تمتم مروان بلا انفعال:
    _ أخبره أن مروانًا قد...
    قاطعه، وهو يتخذ مجلسه أمام الشاشة:
    _ مبادرتي فردية يا رجل، ثم إن الزعيم لا يعرف اسمك، ولا حتى شكلك!
    وبدأ فيض الرسائل يتوالى عبر الشاشة، وعينا نادر تتسعان ذهولًا...
    فوقف مروان بعيدًا، وقد أدار ظهره، وأخذ ينظر في ساعته بملل مفاجئ، كأنه يستعجل مرور الوقت...
    ثم هتف نادر بغتة:
    _ مستحيل!
    وأدار عينيه إلى مروان، وهو يعبث بأزرار جهازه، قائلًا بانفعال:
    _ لقد قرَّر الزعيم وضعك أمام اختبار، لا، بل أمام مهمة قاتلة فعلًا، قاتلة لك قبل سواك، ستحقن المعلمة بالمخدر، أعني تلك المعلمة التي تربطها القرابة بجهاز المخابرات، معتمدًا الارتجال وذكاءك الفذ!، هذا ما قاله الزعيم لا أنا! فإن نجحت فستواصل عملك في العصابة معنا، من دون الالتزام بالخطط الموضوعة كما تفعل عادة، أما إن فشلت، فسيكون مصيرك القتل، وأمامك مهلة قصيرة جدًا، إنها مهمة مستحيلة يا مروان، لن تنجح أبدًا، سيُكْشَف أمرك حتمًا.
    لم يَبْدُ على مروان أي أثر لخوف، فيما تابع نادر بأسى:
    _ حتى لو حقنْتَها بالمخدر بشكل ما، وهذا مستحيل، فسيكشفون أمرك، لأنها محاطة خارج المدرسة بحراسة قوية، وهذا يعني...
    قاطعه مروان بهدوء شديد، وكأنه تذكر الكلام فجأة:
    _ لا تخف، الثغرة واضحة أمامي، سأنفذ المهمة بنجاح تام، وخلال أسبوع واحد...
    وانصرف من دون أن يضيف كلمة واحدة...
    ونادر يتابعه ببصره، عاجزًا عن التعليق...
    وعاجزًا، كذلك، عن التصديق!
    أما مروان، فكان يشعر في قرارة نفسه بأن المهمة صعبة جدًا...
    بل مستحيلة...
    وقاتلة.



  16. #15


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة الثامنة (المستحيل)

    ارتجف مدير جهاز الأمن السري من قمة رأسه وحتى أخمص قدميه، وهو يطالع ذلك التقرير العاجل، ثم سأل مساعده بتوتر عجز عن كبته:
    _ هل أنت واثق بأنهم سيحاولون حقنها بالمخدر؟ من أين حصلت على هذه المعلومة المخيفة؟
    رد المساعد متفاخرًا:
    _ لديَّ وسائلي الخاصة!
    صاح المدير غاضبًا:
    _ هذه الإجابة تقولها لأعدائك إن وقعت في أيديهم، وليس لمديرك، أيها الأحمق! أتفهم؟!
    انتبه المساعد إلى نفسه، فتنحنح بحرج، ثم قال:
    _ حصلتُ عليها عبر شبكة الإنترنت، لقد بَثَّها أحدهم علانية، وبجرأة مذهلة، واضعًا تحتها عنوانه ورقم هاتفه!
    هتف المدير بذهول بالغ:
    _ ماذا؟؟ إنهما زائفان بالتأكيد، فلا يمكن أن...
    قاطعه مساعده منفعلًا:
    _ بل هي محاولة للتمويه، فتحرياتنا أثبتت أن العنوان يخص منزل السيد علي محيو، وكذلك رقم الهاتف، أما الرسالة فقد بُثَّت من محل عام لألعاب الكومبيوتر.
    تمتم المدير بصوت منخفض:
    _ أتفق معك في أنها ماحولة تمويه، إذ إنه ليس من المنطقي أن يستخدم رجل الأعمال اسمه وهاتفه في لعبة قذرة بعيدة من عالمه تجارته، ولكن لا بد من التحريات، ابذلوا قصارى جهدكم.
    قاطعه المساعد، وهو يتنهد بحسرة:
    _ قد فعلنا.
    سأله المدير بلهفة:
    _ وماذا وجدتم؟
    رد المساعد:
    _ لا شيء.
    هتف المدير بغضب هادر:
    _ ماذا تعني بـــ (لا شيء)؟ كل التحريات بلا استثناء تقود إلى شيء، أي شيء كان!
    تنهد المساعد مرة ثانية، وأجاب:
    _ صاحب المحل أفاد بأن ابن رجل الأعمال لم يدخل إلى محله قط، لا اليوم ولا في أي يوم آخر، وإلا لاشتهر محله تمامًا، رغم أن محله لا تنقصه الشهرة، ولكن أحدًا لن يدخل المحلات الأخرى عندها، وبالحديث عن الشهرة، نقول إن هذا المحل يمتلئ دائمًا منذ أن يفتتح بعد الدوام المدرسي الرسمي، وحتى منتصف الليل، ولذا ما كان صاحبه ليتذكر من دخل منهم شبكة الإنترنت، سوى واحدٍ منهم لفت نظره بملابسه الثقيلة وقفازاته الجلدية، رغم أن الطقس ليس باردًا إلى هذا الحد، ولم يعمل أحد بعده على ذلك الجهاز، إذ إنه يخص صاحب المحل نفسه، وقد عمل عليه الشاب بسبب انشغال باقي الأجهزة، ولقد أرسلنا لوحة الأزرار إلى خبراء البصمات، ولكنهم _ وهذا محير للغاية _ لم يجدوا أي بصمات!
    سأله المدير بحذر:
    _ ولم تعتبره محيرًا للغاية؟ ألم تقل إنه كان يرتدي قفازات في يديه؟
    سأله المساعد بدوره:
    _ وهل يبدو لك طبيعيًا أن ينجح شخص يرتدي القفازات في طبع عشرة أسطر خلال دقيقة واحدة؟
    رد المدير بدهشة:
    _ لا، مستحيل!
    ونهض من خلف مكتبه، مضيفًا بقلق:
    _ من الواضح أننا نواجه محترفًا لا يُشَقُّ له غبار.
    وضغط زرًا على مكتبه، وهو يستطرد بصرامة:
    _ ولا يَفُلُّ الحديد إلا الحديد.
    مع آخر كلماته، دخل رجل في أواخر الثلاثينات إلى غرفته قائلًا:
    _ العقيد فريد حسن في خدمتك وخدمة الوطن.
    شرح له المدير بالتفصيل كل ما حدث، واستمع إليه فريد من دون أن يقاطعه بحرف واحد، ثم قال:
    _ الوسائل البسيطة المباشرة هي التي تخدع وتنجح، ولا بد من إجراء تحريات مكثفة حول موقع ابن رجل الأعمال، وأعتقد أنها...
    قاطعه المساعد بعصبية:
    _ قد فعلتُ ذلك، وتبيَّن أنه كان بعيدًا من المكان، في ذلك الوقت.
    بانت الحيرة على وجه الرجل، ولأول مرة في حياته...
    فمنذ طفولته، وهو يحل ألغاز التلفاز الصعبة وبسرعة قياسية...
    وفي حداثته وشبابه ساعد رجال الشرطة في كثير من القضايا الغامضة التي كانت تنتظر أن توضع في ملف (ضد مجهول)...
    وهذا ما جعله أصغر من يحمل لقب عقيد في المخابرات بعد انضمامه إليها ومتابعته تألقه على هذا النحو...
    ولكن الأمر محير...

    _ كارثة، حدث ما نخشاه!
    هتف بها أحد الرجال، وهو يقتحم غرفة المدير، من دون استئذان، لهول الموقف، فصاح المساعد بانهيار:
    _ مستحيل! مستحيل!
    صرخ المدير في وجهه:
    _ أخذنا نتحاور ببلاهة شديدة، ناسين واجب الحماية اللازم، ما جعله يضرب ضربته بنجاح، نحن نستحق الفشل.
    ردد المساعد بانهيار شديد:
    _ مستحيل! مستحيل! مستحيل!
    سأله المدير بعصبية:
    _ ألا تحتمل أنك فشلت؟ كلنا فشلنا، هل يُعَزِّيك هذا؟
    صاح المساعد بعصبية أشد:
    _ هل نسيتَ الحماية الأمنية التقليدية المواكبة لها كونها امرأة أحد الضباط الكبار هنا؟ ثم إنني فور وصول الرسالة ضربت حصارًا أمنيًا على السيدة من الفئة 1++، أعلى خطة أمنية لدينا وأقواها على الإطلاق، نحن حقًا فاشلون!
    تمتم المدير بدوره:
    _ مستحيل! مستحيل! مستحيل!
    واستدار إلى العقيد فريد، قائلًا بمرارة:
    _ انصرف، لقد انتهت مهمتك تلقائيًا.
    تألقت عينا الرجل، وهو يقول بحزم:
    _ بل بدأت!
    وانصرف ليؤدي مهمة الكشف عن المستحيل الذي يضرب أقوى أجهزة الأمن في مقتل...
    ويبقى السؤال يلهب عقول رجال الأمن وأذهانهم...
    كيف تمكن الفاعل من تجاوز حماية سرية تنفع في إنقاذ كتيبة كاملة من الجنود إذا ما وقعت في فخ محكم؟!
    كيف فعلها يا ترى؟
    كيف؟!


  17. #16


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة التاسعة (الخدعة)

    _ لقد خُدِعْنَا.
    قالها مساعد مدير المخابرات بعصبية، فسأله المدير قلقًا:
    _ ماذا تعني؟
    رد الرجل بيأس شديد:
    _ الوسيلة غير تقليدية، لقد انتقل إليها الكوكايين بسبب ملامستها الطبشور ثم عضِّ أصابعها كعادتها، ويبدو أن الفاعل قد غمس إصبع الطبشور عن آخره في الكوكايين، ولقد شعَرَت بدوار بعدها، فأذاب الفاعل باقي الإصبع في الماء وسقاها إياه من دون أن تنتبه إلى ذلك.
    صاح المدير بحماسة:
    _ طبشور؟ لقد حدث ذلك في المدرسة إذًا، وهذا يعني أنه...
    هَزَّ المساعد رأسه نفيًا، فَبَتَر المدير كلامه، ليقول مساعده:
    _ رجال الحراسة يحضرون لها يوميًا، وبكثرة، طباشير من النوع نفسه الذي شَرِبَتْه، كما أقَرَّ الطبيب، وهو يختلف تمامًا عن النوع المستخدم في المدرسة، كما أنه ليس منطقيًا أن يحمل التلميذ إصبع الطبشور، وهو يضع القفازات، والمفاجأة الكبرى، بل والخدعة التي سقطنا فيها، هي أن الطاقم الذي بعثتُه لم يُستجْوَب أيٌّ من أفراده.
    سأله المدير دهشًا:
    _ لماذا؟! أعني كيف؟! ليس منطقيًا أن يُفْلِتَ أحد من الاستجواب، إذ إنه...
    قاطعه المساعد كعادته:
    _ تقرير الطبيب أثبت أن الكوكايين يسري في جسدها منذ فترة طويلة جدًا.
    وكان وقع المفاجأة على المدير عنيفًا للغاية...
    إذ بدا كالمصعوق، لا يقوى على النطق...
    ثم حُلَّتْ عقدة لسانه، فهتف محنقًا:
    _ حقنها بالكوكايين فترة طويلة، ثم أخبرنا أنه سيفعل ذلك؟ يا له من جريء!
    أشار مساعده بسبَّابته معقِّبًا:
    _ وقد فعل ذلك قبل لحظات من انهيارها، يبدو خبيرًا في السموم، لا شك في أنه زعيم كبير قضى حياته كلها في الخداع والتحايل وتوزيع المخدرات، اللعنة! سننتظر نتيجة الاستجواب.
    قال المدير:
    _ أرجو أن تجد لنا حلًا لهذا الغموض.
    كانت لهجته هادئة...
    إلا أنها لم تُخْفِ قلقه الشديد...
    القلق الذي يشعر به مساعده أكثر منه...
    فتلك السيدة _ كما لا يعلم أحد حتى المدير _ هي أخته من الرضاعة...
    وبدت الساعات وكأنها بلا نهاية...
    ثم وصل التقرير الذي ضاعف الحيرة...
    والغموض...
    فجهاز كشف الكذب، وكذلك مصل الحقيقة، أثبتا صدق جميع الحراس...
    لا أحد منهم ارتكب الجريمة!
    ومرة أخرى، يبرز السؤال المحير:
    _ كيف فعلها مروان؟
    كيف؟
    ***

    استغرق التفكير ذهن العقيد فريد، ليستعيد كل حرف رواه له مديره في المخابرات، كذلك كل حرف في محاضر الشرطة...
    ثم تألقت عيناه...
    إذ انتبه بغتة إلى ما لم ينتبه إليه غيره...
    وبثقة تامة أشار إصبع الاتهام لديه إلى شخص واحد...
    شخص خدع الجميع...
    لكنه اكتشف خدعته...
    شخص ما يزال في بداية مرحلة الشباب...
    وهو طالب في المرحلة الثانوية...
    ويحمل اسم مروان!





  18. #17


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة العاشرة (بلا دليل)

    ما كاد السيد علي محيو يغادر طائرته الخاصة في المطار، حتى اندفع إليه أحد مديري شركته هاتفًا:
    _ النائب العام يطلبك.
    ارتفع حاجبا الرجل في دهشة بالغة، وهو يردد:
    _ النائب العام!! ولماذا؟!
    أتاه صوت النائب العام شخصيًا:
    _ ستعرف ذلك في سيارتي.
    وبعد دقيقة واحدة أو أقل، كان السيد علي يهتف بذهول:
    _ ماذا؟ حقنوها بالكوكايين؟ وأين كان طاقم الحراسة؟
    سأله النائب العام بارتياب:
    _ لهفتك هذه غريبة، لا يبدو لي أنك تستغرب حقنها كيف تمَّ حقنها بالكوكايين رغم وجود طاقم الحراسة، بل يبدو لي كأن أمرها شخصيًا يعنيك أنت، وهذا يثير الشك في...
    صرخ رجل الأعمال بغضب هادر:
    _ هل تمزح معي أم تظن نفسك ظريفًا؟ بالتأكيد أمرها شخصيًا يعنيني يا رجل، فهناك عقود بين شركتي وبين دار النشر التي تمتلكها السيدة ليلى، وبمئات الملايين!
    تجاهل النائب العام هذه الثورة، ليقول بهدوء:
    _ التحريات أثبتت براءة طاقم الحراسة بأكمله، ولا يوجد لدينا طرف خيط أو دليل نستهدي به.
    مرت فترة صمت قصيرة، بدا فيها الرجلان كتمثالين من رخام لا يتحركان، ثم قال السيد علي سائلًا:
    _ ولم اصطحبتني معك في سيارتك؟ هل تعتبرني مشتبهًا به؟
    هتف النائب العام باستنكار:
    _ مشتبهًا به؟ لا يا رجل، لا، لكن وزير الداخلية يطلبك فورًا.
    تمتم رجل الأعمال:
    _ عجبًا!
    وبعدها عادا إلى الصمت، فَلَمْ ينطق أحدهما بحرف واحد...
    ولما صلا إلى مبنى الوزارة، تجاوزا نطاق الأمن دون أن يستوقفهما أحد، وقبل أن تتوقف بهما السيارة اندفع الوزير هاتفًا:
    _ كنا ننتظر عودتك يا علي، حُقِنَت ليلى بالكوكايين، و...
    قاطعه رجل الأعمال بغضب:
    _ ولِمَ استدعيْتَني إلى هنا؟ سيتحدث الجميع عن ذلك ويصل الأمر إلى الصحافة التي ستتخذ من اصطحاب النائب العام إياي من المطار مادة لجذب القراء، ووسيلة لتسويق جرائدهم وبرامجهم التلفزيونية، وكل ذلك على حساب سمعتي، إنها فضيحة!
    لم يكن الوزير ينتظر مثل هذا الكلام، بل كان يتوقع بعض التعاطف لما حصل لامرأة أحد كبار ضباط أقوى أجهزة الأمن، لذا شعر بالغضب، فصاح محتدًا:
    _ فضيحة؟! تتحدث عن الفضائح يا رجل؟ لقد حصلت الفضيحة بالنسبة إليك وانتهى الأمر، واستدعاؤنا إياك محاولة منا لإصلاح الوضع، لكن لا يبدو أنك تستحق ذلك.
    كان كلامه أشبه بصاعقة هَوَت بغتة على رأس رجل الأعمال، ما دفع به إلى الصراخ بمنتهى العصبية:
    _ ماذا تعني؟؟ هل تظن أنني أنا...
    قاطعه الوزير بلهجة لم يزايلها الغضب بعد:
    _ لقد استخدم الفاعل عنوان منزلك ورقم هاتفك!
    صاح السيد علي بغضب هادر:
    _ عنواني ورقم هاتفي؟ يا للوقاحة! إنها محاولة كاذبة لتوريطي، فأنا...
    قاطعه الوزير مرة ثانية:
    _ أعلم ذلك، لذ أصدرت أمرًا بكشف كل الصفقات التي تقوم بها الشركات الكبرى المنافسة لشركتك، لعل إحداها تحاول توريطك كي تفسد الصفقات التي بينك وبين دار نشر ليلى، ولكننا للأسف لم نجد شيئًا إطلاقًا، ها نحن مرة أخرى من دون دليل.
    سأله رجل الأعمال، محاولًا السيطرة على أعصابه:
    _ هل لي أن أطلع عليها؟ لعل خبرتي الطويلة ترشدني إلى كشف ما لم تنتبهوا إليه.
    خلال خمس دقائق وجد رجل الأعمال في مكتب فخم، أمام كومة هائلة من الملفات، ولقد استغرق في دراستها بكل اهتمامه...
    بل بكل كيانه...
    فهو، كرجل أعمال، يستفيد كثيرًا من كشف أسرار الشركات المنافسة، ولكنه لم يجد في صفقاتها شيئًا غير طبيعي، أو يمكن أن يدعو إلى حقن شريكته في عالم التجارة والأموال المتدفقة بالكوكايين، ولا إلى محاولة توريطه هو شخصيًا في الأمر، فأطَّلت الحيرة من عينيه بوضوح، وهَمَّ بقول شيء ما، ولكن أحد مساعدي الوزير اندفع هاتفًا:
    _ إدارة المخابرات كلفت العقيد فريد حسن بالمهمة، والأخير أمسك بطرف خيط سيقوده حتمًا إلى الفاعل، سَيُحَلُّ الغموض أخيرًا.
    وتنهد الوزير في سعادة وارتياح، واستدار إلى السيد علي قائلًا بابتسامة واسعة:
    _ هل سمعت يا علي؟ سنكشف الفاعلين، وسنجبرهم على الاعتراف بسبب استخدامهم اسمك في هذه الجريمة النكراء.
    لم ينطق رجل الأعمال بأية كلمة كانت، بل وبدا كأنه قد شرد في عالم آخر خاص به...
    ولسبب ما، بدا لوزير الداخلية كأن ما حصل قد آذى رجل الأعمال وبشدة...
    ولكنْ، لسبب لا يتعلق باستخدام اسمه في هذه الجريمة...
    على الإطلاق.
    ***

    أطلق نادر ضحكة عالية، وهتف بمروان:
    _ يا لك من عبقري يا مروان! الجميع يتصرفون ببلاهة عجيبة، وكأنك حاوٍ ماهرٍ يتعامل مع مجموعة من السذج!
    ابتسم مروان في شيء من الزهو، فيما أكمل نادر بثقة:
    _ من المؤكد أن أحدًا لن...
    قاطعه دخول رئيس الخدم، وهو يقول:
    _ هناك رجل مخابرات يريد مقابلتك يا سيد مروان، حالًا.
    كان اللقاء في منزل الأخير، وقد أشار بِيَدِه موافقًا، أما نادر فشعر بالتوتر الشديد، ولم تلبث أن سَرَت في جسمه قشعريرة باردة، حينما دخل رجل المخابرات البارع، السيد فريد حسن.
    ولقد ابتدرهما الأخير قائلًا بصرامة:
    _ ليس عندي من الوقت ما يكفي لأضيعه معكما، سأخبركما بسبب قدومي، أريد اعترافًا من مروان.
    سأله مروان بصوت بارد كالثلج:
    _ بماذا؟
    أخذ فريد يتحرك في الغرفة، وهو يقول:
    _ أدهشني أن أحد مسؤولي الأمن الكبار أخذ يتحرى عن مكان مروان وقت الحادث، رغم أن اسمه لم يندرج ضمن الأسماء التي دخلت مركز الكومبيوتر، وهنا خطرت لي فكرة، لم لا يكون مروان قد دخل متنكرًا، فيما أدى شخص آخر دوره من بعيد؟ ومن سوء حظك يا مروان أن هذا البديل الذي أدى دورك قد تعثر لتصطدم ساقه بعمود حديدي ملقى أرضًا، ولكن لو كشفنا ساقك يا مروان، فلن نجد أثرًا للجرح، وهذا يعني أنك الفاعل الأثيم!
    كان يقرن قوله بالفعل، وهو واثق تمام الثقة من صحة استنتاجه، ولكن نصره تحول هزيمة نكراء، فلأول مرة في حياته يخطئ فريد في التحليل!
    ففي الموضع نفسه، كانت ساق مروان تحمل أثر اصطدامها بعمود حديدي، وهذا يعني فشل فريد الذي انقض بجنون على نادر ليكشف عن ساقه كذلك، إنما من دون فائدة...
    فلا يوجد أدنى أثر لأي جرح في ساق نادر، وهذا يعني أن العقيد قد هُزِمَ بالفعل، ولم يتمكن من حل غموض القضية التي تحير أجهزة الأمن كافة، وكل العقول التحليلية المفكرة فيها...
    وانصرف فريد، مدركًا كل الإدراك أن التحريات قد عادت إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها...
    بلا أمل...
    وبلا دليل.





  19. #18


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة الحادية عشرة (صِدام)

    كعادته، وقف مروان وحيدًا في الملعب ينظر إلى ما حوله...
    يدير عينيه في اللامكان...
    ولكنه لم يكن يشعر بالسخط مما يحيط به...
    منذ انضمَّ إلى عصابة المخدرات، وهو يشعر بنشوة لا مثيل لها...
    وبسعادة لم يُحِسَّ بمثلها من قبل...
    في كل يوم يَمُرُّ كان نشاطه يتضاعف...
    ومن ناحية الدروس عاد إلى سابق عهده كتلميذ مجتهد...
    مثابر...
    وبابتسامة ظافرة، استعاد ذهن مروان تفاصيل خطته التي أربكت خبير الذكاء الفذ...
    ومن خلفه خبراء الأمن كلهم...
    لقد جهَّز رسالته الإلكترونية على جهازه الشخصي...
    وأرسل نادرًا إلى ذلك المحل، لِيُشَغِل الإنترنت، ليستقبل برنامج مروان، ويَبُثَّه عبر شبكة الإنترنت...
    خدعة عبقرية، وإن كانت بسيطة يمكن اكتشافها بسهولة تامة لو أن جهاز الأمن أرسل خبراء الكومبيوتر لا خبراء البصمات!
    ولكن تقدير مروان كان سليمًا، إذ إنه توقع ردة الفعل هذه...
    حتى العقيد فريد ظن أن مروانًا هو الذي دخل المحل متنكرًا...
    ولكن الجرح الذي تعمَّدَه مروان أربكه...
    اتسعت ابتسامة مروان حينما تذكر كيف ذهب فريد بتفكيره إلى أنه قد جرح نفسه ليغطي على جرح نادر، فكشف عن ساقي الأخير، إنما من دون فائدة...
    فانصرف خائبًا، والآن لم يَعُدْ أمام مروان سوى أن...

    _ مروان!
    قطع صياح حميد تسلسل أفكاره، فالتَفَتَ إليه بضيق، ولكنه لم يَقُلْ شيئًا، ما استفزَّ حميدًا، فصرخ به:
    _ باعتباري زعيمك سأوقع عليك عقوبة قاسية لمخالفتك أوامري، من المفروض أن تقدِّم إليَّ تقريرًا عن العمليَّة لأرسله إلى الزعيم، ولكنك لم تفعل، ولذلك عليك أن...
    قاطعه مروان بسخرية:
    _ كلام فارغ، مثل رأسك!
    صاح حميد بغضب جارف:
    _ ماذا تعني؟
    أجابه مروان بسخرية أشد:
    _ لقد أرسلت تقريرًا مفصلًا بكل ما حدث إلى الزعيم مباشرة، وقد أعطاني حرية التصرف كما يحلول لي.
    صرخ حميد، وعيناه تكادان تخرجان من مكانيهما:
    _ لو تصرف كل منا كما يحلو له فستنهار العصابة، ولذا فلن أسمح لك بأن تقدم على أية خطوة من دون إذني، أتفهم؟!
    ردَّ مروان بلا مبالاة:
    _ بإمكانك إرسال اعتراضك إلى الزعيم مباشرة إن استطعت ذلك! وإلى أن يُسمَح لصعلوكٍ مثلك أن يتكلم والزعيم من دون وسائط، فلتغرب عن وجهي!
    واستدار ليبتعد، ولكن حميدًا انقض عليه هاتفًا:
    _ لن أسمح لك، من أجل العصابة.
    كم من مرة مارس حميد لعبة الغدر هذه!
    كم من مرة انقضَّ على ضحاياه بغتة، ليحقنهم بالمخدر!
    لقد بدا له الأمر محسومًا هنا، وأنه سيلقن مروانًا درسًا قاسيًا يجعله يعترف بأنه مجرد تابع له لا أكثر، ولكنه كان مخطئًا بالفعل...
    فمروان لم يكن بالضحية السهلة، ولا حتى بالصعبة...
    بل هو خصم قوي، وعنيف...
    ما كاد حميد يتعلق به حتى انتزعه بِيَدٍ واحدة، وألقاه أرضًا بقسوة كادت تحطم عظام ظهره...
    وهبَّ حميد واقفًا رغم آلامه ليتابع المعركة، ولكنه لم يعتدل بالكاد، إلا وعنقه في قبضة مروان...
    وأقسم حميد إن عيني مروان كانتا تشتعلان حقيقة لا مجازًا، وصوت الأخير المخيف يكاد يجمد الدماء في عروقه:
    _ أنت تغار مني أيها التافه، وخوفك على زعامتك لا على مصلحة العصابة، فالزعيم الكبير أدرى منك بها بكل تأكيد، ولو حاولتَ الاعتداء عليَّ مرة ثانية فسأكسر عنقك، أتفهم؟!
    لوَّح حميد بِيَدِه موافقًا، وهو يكاد يشعر بالاختناق، فأفلته مروان وابتعد رافعًا رأسه بكبرياء، فلهث حميد متألِمًا، وهو يتمتم بحقد:
    _ سأقتلك يا مروان، سأقتلك، لن تنعم بالحياة طويلًا.
    لم يكن حميد يلقي كلامه من باب الحقد أو الغضب فحسب...
    بل كان يعني ما يقول، ويقصده تمامًا.
    ***

    _ خطأ، أنت فاشل يا هذا!
    صاح مدير جهاز الأمن السري في وجه العقيد فريد، فهتف الرجل معترضًا:
    _ أنا لستُ فاشلًا، كانت فكرة وأردتُ التأكد منها فقط.
    صرخ المدير غاضبًا:
    _ وما الذي جعلك تفكر في مروان؟ ألا تعلم أن خبراءنا أجمعوا على كون الفاعل خبيرًا لا يُشَقُّ له غبار؟ ما الذي قاد تفكيرك إلى ولد ساذج مثل مروان؟
    أجابه فريد، وهو يضغط على أعصابه بقوة:
    _ تحرياتكم هي التي قادتني إليه، ما كنت لأفكر به لولا تحرياتكم!
    سأله نائب المدير بدهشة:
    _ كيف؟!
    صاح فريد في شيء من الحدة:
    _ لم كانت تحرياتكم حوله، ما دمتم لا تشكون به؟!
    ردَّ نائب المدير بدهشة أكبر:
    _ الفاعل استخدم عنوان منزل والده، ورقم الهاتف الخاص به، فخشينا أن يكون قد قتل مروانًا ليلقي التهمة عليه، ولن يستطيع الأخير أن ينفيها كونه جثة هامدة بالطبع، بل ربما يؤكدها خطاب انتحار زائف، خاصة أن الفتى يعيش وحده مع بعض الخدم منذ سفر والده، أعرفْتَ الآن لماذا تحرينا عنه؟
    هَمَّ العقيد فريد بالاعتراض، ولكن المدير استوقفه قائلًا بحزم:
    _ يكفي هذا، وإياك أن تضايق مروانًا، واترك الأطفال، لم يَعُدْ ينقصك إلا أن تحقق مع تلاميذ صفوف الروضات كذلك، قم بعملك بجدية وإلا فسأفصلك من الجهاز، أتفهم؟
    احتقن وجه فريد تمامًا، ولكنه غادر من دون اعتراض...
    كانت المرة الأولى التي يقف فيها مثل هذا الموقف المستفز...
    لذا لم يُدْلِ بكل ما لديه من المعلومات المهمة، ولم يذكر شيئًا عن التقرير الخطير الذي وصل إليه اليوم...
    تقرير عن تلميذ في المرحلة الثانوية تعارك مع زميل له، وهو يصرخ بكلمات عن (الزعامة) و(العصابة)...
    تقرير أثار اهتمامه، كون أحد عناصره الأساسية هو نفسه المشتبه به مروان...
    واتخذ فريد قراره الحازم الذي لا رجوع عنه...
    سيدخل اللعبة على حسابه الخاص، وسيكون هدفه الأول والأخير مدرسة مروان...
    وتلاميذ صف مروان جميعًا...
    وهنا يكمن الخطر...
    كل الخطر!




  20. #19


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة الثانية عشرة (رَدَّة الفعل)

    لم يَعُدْ بإمكان أحد في المدرسة كلِّها أن يحتمل الصف الثانوي الأول الذي ازدادت مشاغبات طلابه
    في الفترة الأخيرة...
    وبالذات بعد ما حُقِنَت السيدة (ليلى) بالكوكايين...
    لم يَعُدْ هناك من يكبت اندفاع التلاميذ لإثبات الذات...
    ولكن العجيب أن ردة الفعل من جهة الإدارة كانت سلبية للغاية...
    وكذلك من الأساتذة...
    فقد بات الجميع يخشون الاحتكاك بالتلاميذ خوفًا على أنفسهم أن يَتِمَّ تخديرهم...
    مع أنه لا يوجد دليل على أن الفاعل واحد منهم...
    بل إن التحريات أثبتت أن العملية تمَّت خارج المدرسة، وعلى يدِ محترف لا يُشَقُّ له غبار...
    ولكن القاعدة ما زالت سارية...
    لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في القوة، ومضاد له في الاتجاه...
    ويا لها من مفارقة!
    العملية حدثت _ رسميًا _ خارج المدرسة، فبات الجميع يخشون الاقتراب منها...
    والتلاميذ _ سرًا _ هم الفاعلون البارعون، ورغم ذلك أوقفوا نشاطهم تمامًا...
    ومن ناحية أخرى بدأ عقل فريد يرسم خطة لاستعادة اعتباره ومكانته...
    خبرته السابقة جعلته متأكدًا من تورط مروان منذ بداية الأمر، وصياح حميد في الملعب وهجومه على مروان جعل الأمر يبدو له واضحًا أشدَّ الوضوح...
    ولكنْ، حتى الآن لا دليل يقوده نحو كشف الأمر بما لا يدع مجالًا للشك...
    ولذا بدأ البحث وبصورة سِرِّيَّة...
    أما الزعيم الغامض، فكان يعرف أنه قام بعمل سليم بإيقافه نشاط شبكة التلاميذ مؤقتًا..
    وحتى باتصاله بالوسيط نادر...
    عرف منه تفاصيل العملية التي قام بها العضو الجديد، والذي يحمل الرمز (م_10)، وأنهى كل اتصال به، خوفًا أن تكون شبكة الإنترنت بأكلمها مراقبة...
    ولكنْ، هناك أمر ما لم يستطع الزعيم أن يستسيغه...
    كذب الرمز (م_10) في ما قاله لنادر...
    فالزعيم ليس برجل غبي، وخداعه ليس بالأمر الهين...
    السيدة ليلى يَتِمُّ حقنها بالكوكايين، منذ زمان بعيد، وتدريجيًا...
    ويبدو أن الأمر كان مستمرًا إلى ما لا نهاية، إلى أن تم تكليف (م_10) بحقنها بالكوكايين!
    وهذا يعني أنه تم تكليفه بما كان يقوم به فعليًا، وأنه كان يستولي على بعض المخدر لمصلحته الشخصية ليحقن به ليلى بالتدريج...
    ونجاح العملية لا ينفي المشكلة المزدوجة، التي تتمثل في سؤالين مهمين ينبغي كشف غموضهما...
    لحساب من يعمل (م_10) هذا؟ لا يمكن لولد في الثانوية أن يحقن معلمة محاطة بحراسة قوية بالكوكايين، لمجرد أنه يحب المزاح مثلًا، ولا بد من وجود سبب ما يكمن خلف هذا...
    أو جهة ما...
    ما يعني أن أحد أفراد عصابته يعمل لحساب عصابة أخرى!
    والسؤال الأكثر أهمية وخطورة، لماذا استخدم هذا الفتى عنوان رجل الأعمال تحديدًا؟
    أكان يريد توريطه فعليًا لمصلحة تلك الجهة الأخرى، أم ما السبب بالضبط؟
    لم يكن الزعيم يدرك أن مروانًا كان يدس الكوكايين للأستاذة، انتقامًا منها، لكلامها بحقه في الصف!
    لذا اتجهت أفكاره نحو الجهات المعادية، وربما تكون أجنبية كذلك!
    واستغرق الزعيم في أفكاره وخواطره، محاولًا تحديد الخطوة الحاسمة في مصير عصابته...
    ولأول مرة في حياته العملية، ورغم كل ما اتصف به من الدهاء وسرعة اتخاذ القرارات الحازمة، لم يستطع الزعيم اتخاذ قراره هذه المرة ببساطة...
    لم يستطع ذلك إطلاقًا...
    أما من ناحية الأعمال التجارية والاقتصادية، فقد خسر السيد (علي محيو) صفقة مالية ضخمة، مع ما أصاب ليلى، وذلك للمرة الأولى في حياته...
    لكنه ربح زعامته بغياب ليلى المدعومة سياسيًا في دنيا الأعمال والتجارة...
    وكشف صفقات كل الشركات المنافسة، واستفاد منها تمامًا...
    إذ تضاعفت ثروته أضعافًا مضاعفة، فيما أفلست بعض الشركات وأغلقت أبوابها...
    وبعد شهرين من الراحة والهدوء، عادت الأحداث لتشتعل...
    وبمنتهى العنف.
    ***

    _ هذا عجيب!
    قالها الناظر لنفسه، وهو يشير إلى آلة التصوير بِحَيْرَة بالغة، ويغمغم بينه وبين نفسه:
    _ إنها جماد، ولا يمكن أن تكون قد التهمت أوراق التصوير وحدها! ولكنْ، أين ذهبت الأوراق؟! هل تبخرت؟! أمس اشتريت أكثر من ألف وخمسمئة ورقة، فأين اختفت؟ لا يمكن أن تكون الآلة قد شعرت بالجوع فأكلتها، وتركت المغلفات الفارغة!
    _ معذرة.
    انتفض جسد الناظر من المفاجأة، إذ انطلقت الكلمة في أذنه بغتة، واستدار ينظر إلى الرجل الذي دخل غرفته، وبدا الأخير مرتبكًا وهو يقول:
    _ هل أزعجتك؟ لم أقصد ذلك!
    ابتسم الناظر قائلًا:
    _ لا عليك، أية خدمة؟
    تمتم الرجل:
    _ أنا، أعني أنه... مروان، و...
    قاطعه الناظر:
    _ مروان محيو غائب.
    سأله الرجل بدهشة:
    _ ومن هو مروان محيو هذا؟
    شعر الناظر بالدهشة بدوره، ولكن الرجل استدرك بسرعة:
    _ كنت أقول إن اسمي هو مروان، وأريد مقابلة ابني في الصف الثانوي الأول، اسمه حميد، حميد الشريف.
    غادر الناظر غرفته قائلًا:
    _ انتظر لحظة.
    ولكم كانت دهشة حميد كبيرة، حينما علم أن والده ينتظره!!
    فعلاقتهما ليست قوية إلى الحد الذي يدفع بالأب ليسأل عن ابنه في المدرسة!
    حميد يعيش مع أمه منذ طفولته، بعد انفصالها عن أبيه، وحينما خَيَّروه بين الأب والأم، منذ سنتين، اختار أن يبقى حيث هو، وذلك لأن أمه لا تكاد تعي شيئًا في الدنيا، ولا تسأل عنه أين ذهب ولا من أين أتى...
    أما أبوه فقد تزوج مرتين من بعد أمه، ومشغول بالمرأتين والأولاد والمتطلبات، ولا يسأل عن ابنه الأول حميد...
    ورغم ذلك، تبع حميد الناظر إلى غرفته، ربما ليشبع الفضول الذي اشتعل في أعماقه...
    وتضاعفت دهشته أكثر حينما رأى أن الرجل الذي ينتظره إنسان غريب لم يلتقِ به في حياته كلها...
    والغريب أن الرجل غمزه بعينه، قبل أن يهتف متصنعًا الدهشة:
    _ هذا ليس ابني، ابني يُدعَى حميد الشريف.
    ردَّ الناظر:
    _ ألم تقل إن ابنك في الصف الثانوي الأول؟ لا يوجد هناك من يُدعَى حميد الشريف سواه في ذلك الصف!
    اعترض الرجل قائلًا بعناد:
    _ قلت لك إن ابني في الصف الثانوي الأول، لا أعني الصف الأول، بل أعني القسم الأول، وذلك لأنه...
    قاطعه الناظر بضجر:
    _ لا يوجد من يحمل اسم حميد الشريف في القسم الأول، بل لا يوجد سوى حميدين اثنين في المدرسة، حميد الشريف الذي يقف أمامك، وابني حميد الصادق في القسم الأول، وغير ذلك لا...
    قاطعه الرجل بلهفة:
    _ استدعه لو سمحت، فربما يكون هو!
    هتف الناظر بحماسة:
    _ الناظر في خدمة الجماهير!
    وبغباء منقطع النظير، غادر الناظر ليستدعي ابنه، فلربما يكون ابن الرجل الذي يسأل عن ابنه حميد!!
    ثم انتبه إلى نفسه، فعاد غاضبًا إلى الإدارة، وفي نِيَّتِه أن يخنق هذا الرجل الأحمق!
    لكنه وجد حميدًا واقفًا بمفرده، فسأله بغيظ:
    _ أين الرجل؟
    أجابه حميد بشرود:
    _ لقد ذهب.
    حاول الناظر أن يصرف ذهن حميد عن غبائه، فافتعل الضحك، وهو يقول:
    _ تصورت لحظة أن والدك قد ضرب رأسه بالحائط، فأتى ليسأل عنك! هيهاهاهاها...
    لم يهتمَّ حميد به وبتسويغاته غباءه...
    بل لم يسمعه من الأساس...
    فذهنه كان مشغولًا بما فعله الرجل، وبما قاله...
    ما إن انفرد به، حتى أمسكه من كتفيه قائلًا:
    _ العملية الليلة في الساعة الواحدة والنصف، الضحية مجموعة عمال شركة البناء الذي يقام حديثًا، العملية للجميع بلا استثناء، مع تحيات الزعيم.
    وشعر حميد بالإثارة والسعادة...
    ها قد عاد العمل والمرح...
    والأكثر أهمية من ذلك، أنه سيغدر بمروان بعد انتهاء العملية...
    وسينهي حياته كلها، برصاصة واحدة!






  21. #20


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: الأب والابن... قصة اجتماعية، بقلمي (أ. عمر)

    الحلقة الثالثة عشرة (وأضاء الظلام)

    كان اجتماع حميد بأفراد شُلَّته لاهبًا...
    استقبل الأولاد خبر عودتهم إلى العمل بسعادة تامة...
    فلقد تعودوا المكافآت السخية عقب كل مغامرة يقومون بها...
    ولكن حميدًا نفسه كان يشعر بكثير من الغضب!
    فمروان لم يحضر الاجتماع، ولم يستطع حميد أن يجد له طريقًا!
    وإذ أراد الأولاد مغادرة مقر اجتماعهم المعتاد، فاجأهم نادر بحضوره، ولقد ابتدرهم قائلًا:
    _ لماذا تصرفتم من دون الرجوع إليَّ؟!
    امتقعت وجوه الأولاد هنا، وظنوا أن المهمة لن تكتمل، بسبب هذا الخطأ في التقدير منهم، وجال في خاطر بعضهم أن الأمر غريب وغير منطقي، إذ إنه من المعتاد أن يبلغهم نادر بنفسه بالمهام، ولكن الأخير بَدَّد قلقهم، وهو يستطرد مبتسمًا:
    _ لقد راسلْتُ الزعيم، وتلقيت تأكيدًا منه بالعملية، انطلقوا، هيا!
    تألقت عينا حميد وأفراد العصابة، حتى كادت تضيء ظلام الليل، وهم ينصرفون بحماسة، وكل منهم يقسم إنه سينفذ المهمة، بكل عزم ونشاط، لينال مكافأته المادية الكبرى، فيما عاد نادر أدراجه، وهو يفكر في السبب الذي حدا بالزعيم إلى إعادة النشاط الإجرامي، رغم أن التحريات لم تنتهِ بعد!
    ولكنْ، لا! لا داعي للقلق يا فتى، فزعيمكم عبقري، ولم يسبق له أن أخطأ قط...
    فجأةً، سرى التوتر في جسد نادر، إذ أحس بأن هناك من يتبعه، وجال في ذهنه أنه وقع في فخ ما، فأمسك بمقبض مسدسه، وهو يهتف بصوت حاول أن يجعله صارمًا، لكنه خرج مرتعدًا:
    _ من هناك؟
    أتاه صوت مألوف، كان مثل البلسم لروحه القلقة:
    _ أنا!
    تنهد نادر في ارتياح حينما برز أمامه مروان من أعماق الظلام، وشعر _ لسبب ما _ بالاطمئنان، وأنه لا يمكن لشيء في الدنيا أن يخيفه، ما دام مروان بصحبته! ولقد أدهشه هذا، غير أنه لم يتوقف عند مشاعره وتحليلها، بل سأل باهتمام:
    _ أين كنت يا مروان؟ حاولنا الاتصال بك مرارًا، ولكننا لم ننجح.
    سأله مروان بهدوء، وكأنه لا يشعر بأي فضول كان:
    _ والسبب؟
    أجابه نادر منفعلًا:
    _ مهمة جديدة.
    قال مروان بمنتهى الهدوء، وكأنه يسأل عن شخص آخر:
    _ لي أنا؟
    رَدَّ نادر متحمسًا:
    _ بل للجميع!
    وأخذ يروي له كيف التقى مندوب الزعيم بحميد في المدرسة، وكيف أكد له الزعيم أمر المهمة، وهنا هتف مروان بانفعال شديد، ندر أن يصدر منه:
    _ يا للهول! هذه خدعة، يبدو أن المقصود بها تصفية الجميع!
    صاح نادر برعب، وقد هَزَّته المفاجأة المخيفة:
    _ خدعة؟؟
    رَدَّ مروان بتوتر:
    _ لِمَ يُرسِل الزعيم رجلًا إلى المدرسة ليقابل حميدًا، بدلًا من أن يراسلك كالمعتاد؟ لا تقل إن هذا لأنه يخشى أن تكون شبكة الإنترنت مراقبة! فلو كان الأمر كذلك لتجاهل رسالتك التي تطلب فيها التأكيد، وهذا يعني أن أصدقاءنا في خطر مزدوج، ويجب إنقاذهم.
    كاد نادر يجادله، لعله يجد في ما يقوله ثغرة ما تطمئن قلبه، لكن الدم تجمد في عروقه، ومروان يتابع:
    _ وأنت كذلك في خطر! من المؤكد أن قاتلًا أو أكثر ينتظرك في بيتك لقتلك، لا تذهب إلى هناك مهما كان الثمن، اذهب إلى بيتي وقل للخادم إني أرسلتك لتنتظرني، ستكون هناك في أمان.
    كان مروان يتكلم بسرعة فائقة، كأنما يسابق الزمان، وما كاد ينتهي من تحذيره هذا حتى انطلق مسرعًا كالسهم، وفي ذهنه تبدو الأمور واضحة، بما لا يدع مجالًا للشك، ما دفع به إلى أن يهتف محنقًا:
    _ يا لهم من أغبياء حمقى! الفخ يبدو واضحًا، ثم متى كان العمال يبقون حتى الواحدة والنصف ليلًا؟! أعتقد أنها ستكون ليلة من الدم بحق!
    وزاد من سرعته، وهو يدعو الله أن يصل في الوقت المناسب...
    كان يعدو حتى تكاد أنفاسه تتقطع، وهو يفكر في ما يمكن له أن يفعله
    ليحفظ به أرواح رفاق صفه...
    بل إن السؤال الصحيح، هل يمكن له أن يفعل شيئًا وسط كل الرجال، والسلاح؟!
    ***

    أكثر من صافرة انطلقت من أماكن متقاربة، اجتمع بعدها أفراد الشلة مع زعيمهم حميد الذي أحصاهم بعينيه، ليتأكد أن الكل حاضر، قبل أن يهمس بصوت يجمع بين الضيق والانفعال:
    _ يبدو أن معلومات الزعيم لم تكن دقيقة، دعونا ننصرف الآ...
    قاطعه صوت عدد من السيارات تقترب، فهتف بخوف:
    _ اختبؤوا! أسرعوا!
    ارتفع مع نهاية حروف كلماته صوت يقول بصرامة شديدة:
    _ لا فائدة من الاختباء، أنتم محاصرون، استسلموا أو نطلق النار مباشرة.
    ورغم خوفه، إلا أن حميدًا استغرق بكيانه مع الكلمات، إذ بدا له الصوت مألوفًا، وأخذ يحاول أن يتذكر أين سمعه، وصاحب الصوت يتابع ببعض السخرية:
    _ أنتم محاصرون برجال المخابرات، لا أمل لكم في النجاة.
    ارتجف جميع الأولاد برعب هائل، وسالت دموعهم، وكاد بعضهم يفقد وعيه...
    وتضاعف الرعب مع ضوء كبير أخذ يجوب المكان مقتربًا منهم يكاد يكشف عن وجوههم...
    ضوء مصباح ضخم يحمله رجل يقف على سطح أحد المنازل القريبة...
    لقد اقتربت النهاية...
    من دون أدنى شك!
    ***

    في مكان آخر، كان نادر قد وصل إلى بيته القريب نسبيًا من البناء مسرح الأحداث، لكنه لم يدخل كما اعتاد، بل تسلل إلى منزله بمنتهى الحذر، رغم تحذيرات مروان الشديدة له ألا يرجع إلى هناك، إلا أنه لم يستطع أن يترك جهازه بكل ما فيه من المعلومات الخطيرة، في قبضة أي شخص كان.
    فنادر يثق بمروان ثقة مطلقة، وما دام قال إن هناك من سيحاول قتله، فكلامه صحيح من دون أدنى شك، ورغم أن كل شيء بدا لنادر هادئًا، إلا أنه لم يشعر بالاطمئنان إلا وهو يدخل غرفته الخاصة، من دون أن يواجه أي متسلل كان.
    ومع انطلاق تنهيدة الارتياح الطويلة من صدر نادر، انقض عليه ذلك الرجل ليلقي به أرضًا بعنف، متابعًا هجومه، ليستقبله نادر بركلة عنيفة في صدره ألقت به بعيدًا، واستغل نادر هذه الفرصة الثمينة لينهض بسرعة، وقد قرر أن يبادر بالهجوم هذه المرة، ولكن صوتًا أوقفه وجمده مكانه...
    صوت لا تخطئه أذن نادر الخبيرة قط...
    صوت أصابع تضغط زناد مسدس ما...
    من خلفه مباشرة!
    وبدا لنادر أنها النهاية الحتمية.
    ***

    اتَّجه الرجل الذي كان يهدد أولاد العصابة نحو المكان الذي يقفون فيه...
    وهنا عرف حميد لِمَ بدا صوته مألوفًا!
    هذا هو الرجل الذي أبلغه برسالة الزعيم الزائفة...
    إنه كمين إذًا! وليس الأمر بسوء تخطيط من الزعيم!
    آه، يا للحسرة!
    كثيرًا ما نجد أنفسنا في مواقف كنا لا نتصور حتى إمكانية حدوثها...
    وهنا نشعر عادةً بشللٍ في أجسادنا...
    وتفكيرنا...
    وهذا ما شعر به حميد وشُلَّته، لكنه لم يستمرَّ طويلًا للأسف...
    إذ فقد أحد الأولاد أعصابه، وأقدم على أكثر الأعمال حماقة في حياته كلها...
    التقط حجرًا كبيرًا، وألقاه على وجه الرجل _ الذي هتف بعدما تفادى الحجر _ برجاله:
    _ أطلقوا الرصاص.
    وانطلقت الرصاصات بغزارة...
    ليبدد وهجها عتمة الظلام!




صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...