أيامي المطبخية

[ منتدى قلم الأعضاء ]


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 40

الموضوع: أيامي المطبخية

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي أيامي المطبخية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    بين القُدُور والصحون


    بين الفرن والمجلى

    ذكريات وحكايات

    ما بين الماضي البعيد

    والحاضر القريب والمستمر

    تابعونا في حكايتنا هذه

    سأبتدئ بها في الغد بإذن الله تعالى

    دمتم في أمان الله وحفظه ورعايته


    البداية
    حكاية أخرى
    الأخت المملحة
    دموع التأثر
    هلكافيه
    الكاتو المشوي


  2. 7 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    البداية
    مع أنني لم أبلغ الأربعين بعد، إلا أن حكايتي في الطبخ ترجع بنا زمانيًا ما يقارب ثلاثًا وثلاثين سنة في مَرِّ سنوات الزمان، وشتَّان ما بين حالتنا الآن وحالتنا آنذاك، الآن الجسد مرهق، النَّفَس صعب، والبياض في الشعر يزداد موحيًا أن صراعًا عنيفًا سيأتي في السنوات القليلة القادمة، بينه وبين السواد، وآنذاك كنا أطفالًا صغارًا، نمتلئ بالحيوية والنشاط (رغم بعض الضيق في التنفس)، كنا نمشي ساعات، ونركض كيفما أردنا ومتى أردنا.
    وفي الحالتين هاتين، حالة بداية العجز الحالية، وحالة بداية الخلاص من عجز الطفل واحتياجه إلى كل مَن حوله، ما بين هذا التناقض الغريب، لا زالت أيامي المطبخية مستمرة، لم تنتهِ فصولها بعد!
    وإذًا، لنبدأ حكايتنا الفعلية، وأولى تجاربنا المطبخية المؤثرة، كانت مع قلي البيض! ولا يعني هذا أن قلي البيض كان أول مرة أستخدم فيها فرن الغاز (البوتوجاز)، بل إنني جربت سلق البيض قبل ذلك، ونجحت فعلًا، رغم أنني لم أستفد شيئًا من ذلك، وأعتقد أن السبب يتمثل في الغش الذي يملأ الأنفس، فإما أن الماء مغشوش، وإما أن الدجاجة نفسها غشَّت لنا في بيضها، ولا أرى أمامي أي تفسير آخر!
    لقد وضعت بيضتين معًا في الركوة، وأشعلت النار تحتها، ورششت بعض الملح طبعًا، وذلك لأنه يحمي البيض من التكسير، وانتظرت مدة ثلاث دقائق (كاملة)، وبعدها خففت حِدَّة النار دقيقتين إضافيتين، وأغلقت الغاز، وحملت الركوة بمحتواها الثمين لأصب فوقها الماء البارد، لأتمكن من مدِّ يدي فيها واستخراج البيض، وجلست كي آكل مستبشرًا بأنني سآكل أول مرة من صنع يديَّ أنا، وأنني طباخ ماهر فعلًا!
    أتمنى ألا تبدو لكم هذه المشاعر غريبة، فوقتها كنت في الخامسة من عمري تقريبًا، وفوق ذلك لم أكن أتخيل، وأنا أسلق البيض، أنني سأفهم يومًا كيف يَتِمُّ طبخ الرز، أو اللوبياء أو الفاصولياء،
    وما إلى ذلك، أو كيف يمكن لي أصنع صينية (بيتي فور) على سبيل المثال، لذا بدا لي ما أقوم به الآن من سلق البيض إنجازًا ما بعده إنجاز، إنجازًا يستحق أن أسجله لأحتفل بذكراه كل سنة، بسلق بيضتين أو ثلاث!
    جلست على كرسي أمام طاولة الطعام، وأمامي طبق فيه البيضتان المسلوقتان، وأنا أشعر بالسعادة، ويا له من إحساس رائع إذ أمسكت بالبيضة الأولى وأخذت أدقها لأكسر قشرتها قليلًا، وما إن ابتدأت التقشير قليلًا حتى سال محتواها من البياض والصفار منها ليملأ أصابعي والطاولة وملابسي وقدمي والأرض معًا!
    زال الفخر لِيَحُلَّ الاشمئزاز بدلًا منه، وقمت مسرعًا لأغسِّل بالماء ما أستطيع تغسيله، غير أن الأمر زاد سوءًا، بدا لي منظري بعد الغسيل بالماء كأنني خارج من مياه البحر مثلًا، لكني رجعت _ بعناد _ لأتذوق ما طبخته يداي، وقشرت البيضة الثانية لأحصل على النتيجة ذاتها، غير أنني كنت منتبهًا هذه المرة، فاكتفى محتوى البيضة بتلويث الطاولة والأرض فقط لا أكثر!
    وبعد أن تم كشف هذه الفعلة، إذ لا يمكن إخفاء آثارها هذه، وما كنت لأحاول مسح الطاولة والأرض، كي لا تكبر البقع المتسخة كما حصل حينما حاولت تنظيف ملابسي منذ قليل، عرضت إحدى أخواتي عليَّ أن أكتفي بإخبارها فقط حينما أريد، وستتولى هي سلق البيض لي، بل وتقشيره كذلك، و(تكرم عينك يا أخي)!
    لكن عيني لم (تكرم) قط! كل ما أشتهي أكل البيض المسلوق أقول لأختي هذه، فتسرع متحسمة إلى المطبخ، وتخرج البيض من البراد، وتأتي بالمقلاة هاتفة بانفعال:
    _ سأقلي البيض هذه المرة (فقط)، لأنه أطيب!
    ومن دون انتظار ردي، تنفذ ما اعتزمته، وللأمانة لم أعرف ما معنى كلمة (فقط) في مفهوم أختي، إذ إنها تكرر فعلتها هذه كل مرة، ولا أدعي أنني أكره البيض المقلي، فهو طعام طيب، وكنت أعتبره من المعجزات الحقيقية، كيف تكسر البيض فوق المقلاة ليسيل محتواه عشوائيًا فيها، وبعد دقائق تجد قطعة متماسكة تخرجها أختي من المقلاة لتبدأ بتقطيعها، وكنت أتوق إلى تجربة مثل هذه، لا بل إنني لو نجحت في قلي البيض فإنني سأعتبر نفسي قد امتلكت كل مقومات الطبخ من دون استثناء، لكن متى ستسلق لي أختي البيض؟ وإذا ما طلبت هذا الطلب من أيِّ أخت أخرى كانت تحيلني إلى أختي المتطوعة هذه، فأتجه نحوها قائلًا لها:
    _ أختي، الله يوفقك، أريد بيضًا مسلوقًا.
    فتهتف هي مستبشرة:
    _ تكرم عينك يا أخي!
    وتنطلق مسرعة لتقلي البيض بعدها، والحجة نفسها، هذه المرة (فقط)، حتى كرهت البيض المقلي كرهًا تامًا، والحال لا يتغير للأسف...
    ومن البديهي أنني لم أستسلم، لقد حاولت مرارًا أن أسلق البيض بعدها، فلم أنجح، والنتيجة المتمثلة في المحتويات السائلة الذائبة هي ذاتها كل مرة، هذا ومن العدل أن أذكر أن أمي (رحمها الله تعالى) لم تكن تبخل علينا، لكني أحيانًا كنت أشتهي أن آكل البيض المسلوق في غير أوقات الفطور، ثم إننا لم نكن نأكله يوميًا، ما كان يزيد شوقي إلى أكله، وهناك سبب آخر، أمي لم تكن تتركني _ لا أنا ولا أخي _ أدخل المطبخ إذ تشتغل في أمور الطعام، أما مع أختي فكنت أقف متفرجًا، ولكم تمنيت أن أراها تسلق البيض حتى أفهم الطريقة الصحيحة، وأطبِّقها بنفسي بعد ذلك، لكن أختي لم تفعل ذلك ولا مرة آنذاك.
    ويومًا ما، بعد سنوات من محاولتي المطبخية الأولى، كانت أختي _ كعادتها _ تريد أن تقلي البيض، ولا يعني هذا أنني طلبت ذلك منها لا سمح الله، فلقد استسلمت من زمان بعيد، مدركًا أن لا إفادة تُرجَى من هذه الطلبات، لا علينا، لقد وضعت أختي المقلاة على النار، وملأتها بالزيت، واستعدت لتفتح الغاز وتشعل النار، لولا أن ناداها أحدهم، ربما أبي، ربما أمي، ربما إحدى أخواتي، ربما أخي، ليس مهمًا! المهم أنها قد غادرت المطبخ، وها هي فرصتي أنا، سألقِّن أختي درسًا حقيقيًا كيف يقومون بقلي البيض، بعيدًا عن طريقتها الخرقاء، إذ كنت أراها تشعل النار تحت الزيت، حتى يغلي، ويتطاير يمينًا ويسارًا، ثم تقوم بكسر البيض وهي تقفز مبتعدة عن قطرات الزيت النارية المتطايرة، أما أنا فطريقتي أكثر أمانًا قطعًا، سأكسر البيض وأشعل النار، وسأقلي البيض محققًا المعجزة التي ظننتها مستحيلة، والآن هي في متناول يدي!
    آه! ألم أقل لكم إن الغش في كل مكان! حتى حافة المقلاة مغشوشة يا جماعة! كسرت البيضة الأولى عليها، فسقطت محتوياتها خلف المقلاة، أما المقلاة فلم تستقبل سوى القشر فحسب، جربت مع البيضة الثانية وكنت أكثر حذرًا، أَدَرْتُ الأمر بمنتهى الاحتراف، ونجحت! نعم نجحت! لم تسقط قشرة واحدة في المقلاة، يا لي من عبقري! صحيح أن البيضة بمحتوياتها وقشرتها نزلت خلف المقلاة لكن لا بأس، المهم أن حذري أتى بنتيجة إيجابية فعلًا!
    أما محاولتي الثالثة والأخيرة فكانت أكثر احترافًا، خبطت البيضة الثالثة والأخيرة بعنف على حافة المجلى، لأفاجأ بها تتلاشى بأكملها من يدي، ما هذا السحر؟ ماذا يحدث؟ حتى في أفلام الكرتون الهزلية لم أر مثل هذا المشهد إطلاقًا، ولكن... آه، لقد سقطت البيضة بأكملها متهشمة بين حافة المجلى وفرن الغاز الكبير، لكن لا علينا، لم ألوث الغاز نفسه هذه المرة، بل لوثت الأرض، لا علينا، التجديد جميل، بل إنني بهذا التجديد أسترجع ذكريات الماضي حينما كسرت أول بيضة سلقتها، الآن أكسر بيضة أريد قليها، لم أكن قد سمعت بمقولة التاريخ يعيد نفسه وقتها، لكني أعتقد أنها مناسبة جدًا لوصف هذا الموقف، والآن ماذا أفعل؟
    لا، لم أهرب مُدَّعيًا البراءة كما يتداعى إلى أذهانكم، بل إنني بدأت عملًا ولا بد لي من إتمامه، البيضة الأولى سقط قشرها في المقلاة، ربما سقط بعض محتواها كذلك ولم أعرف ذلك لاختلاط لونه بلون الزيت، فهل أترك تعبي يضيع؟ هل احتملت هذه اللزوجة المزعجة بين أصابعي من آثار محتويات البيض عبثًا؟ أبدًا!
    أشعلت النار وانصرفت ناويًا الرجوع بعد عدة دقائق لأرى قطعة البيض المتماسكة، سأزيل القشور منها، وآكل، حتى لو كانت قطعة صغيرة تكفي لقمة واحدة، فلا بأس، سأتذوق (طبختي) الناجحة الأولى، و...
    ما هذا الصراخ يا ترى؟ ولماذا تركض أخواتي هكذا؟ لم أميِّز شيئًا من الصراخ بادئ الأمر، إلى أن أدركت ما يحصل بعدها مع الحوار الحامي بين أخواتي، ودفاع أختي المسكينة عن نفسها، وهي تتلقى اللوم والعتاب الساخر حول فكرتها المذهلة في قلي قشور البيض حتى تتفحم!
    انتهى الصراخ بعد مدة لا بأس بها، ورأيت أخواتي الأكبر يخرجن من المطبخ غاضبات، فأسرعت إليه لأرى أختي المتطوعة المتحمسة إلى سلق البيض، تقف أمام المجلى ذاهلة، تتمتم لنفسها كالمصعوقة:
    _ كيف؟ هل كان البيض في يدي حينما تركت المطبخ قبل أن أبدأ بالقلي؟ هل أخافني الصوت الذي ارتفع يناديني حتى وقع البيض من يدي بدون انتباه مني؟ ولكن، غير معقول! كيف حملت ثلاث بيضات في يدي دفعة واحدة؟
    قلت لها بحماسة إن عليها أن تكون أكثر وعيًا من ذلك، كي لا تقف مثل هذا الموقف السخيف مرة أخرى، وإنني لم أتوقع منها أن تقلي قشور البيض بدلًا من البيض نفسه، متسائلًا من أين أتت بكل هذا (الذكاء)؟ وإن كانت هي (البنت) لا تعرف كيف تقلي بيضة، فما المنتظر من...
    وكان لا بد لي من أن أولي فرارًا! تغيرت ملامح أختي حتى ظننت أنها ستلتهمني حقيقة لا مجازًا، إذ سمعت اتهامي إياها بأنها لا تعرف كيف تقلي بيضة، ولكن، ترى لماذا يحزن الناس إذا ما ذكرنا لهم الحقائق الواقعية؟ أختي نفسها مقتنعة أنها هي من ارتكب هذا الفعل، وإذًا هي مقتنعة بينها وبين نفسها حتى لو لم تعترف لنا، بأنها لا تعرف كيف تقلي البيض، فلماذا أغضبتها هذه الحقيقة يا ترى؟ لا أعلم! لكني أعلم أمرًا مهمًا، محاولاتي في المطبخ في بدايتها، ولن تكون هذه المرة الوحيدة التي أتدخل فيها لأوجِّه طبخ أختي الوجهة الصحيحة!
    تابعوا معنا.

    (عمر قزيحة: 4_1_2019: الساعة: 20:58) ليلًا




  4. #3

    الصورة الرمزية بوح القلم

    تاريخ التسجيل
    Apr 2014
    المـشـــاركــات
    3,354
    الــــدولــــــــة
    كندا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أيامي المطبخية


    _ أختي، الله يوفقك، أريد بيضًا مسلوقًا.
    فتهتف هي مستبشرة:
    _ تكرم عينك يا أخي!
    وتنطلق مسرعة لتقلي البيض بعدها، والحجة نفسها، هذه المرة (فقط)، حتى كرهت البيض المقلي كرهًا تامًا، والحال لا يتغير للأسف...
    آه يا أستاذ كم أحسد أختك، قد كنت طفلًا صبورًا وتقطر طاعة، ليس كجيل اليوم

    أتعلم ما فعل أخي الصغير طلب مني أن أعمل له بيض عيون، تناولت بيضتين ووضعتهما على الطاولة، ثم وجدت الزيت قد نفد فذهبت لأحضره،

    وعندما رجعت، لم أجد البيض بمكانه، سألته أين هما؟

    فأخذني نحو الجدار وإذا به قد رسم بهما لوحة جدارية، وجعل من صورة الفراولة هدفًا للتصويب، بعدها لم أجرؤ على تجاهل طلبه~


    آه! ألم أقل لكم إن الغش في كل مكان! حتى حافة المقلاة مغشوشة يا جماعة!
    تعس الغش ما أقساه!!
    أختي نفسها مقتنعة أنها هي من ارتكب هذا الفعل، وإذًا هي مقتنعة بينها وبين نفسها حتى لو لم تعترف لنا، بأنها لا تعرف كيف تقلي البيض، فلماذا أغضبتها هذه الحقيقة يا ترى؟ لا أعلم!

    ياللبراءة! لا يكفي أنك ورطتها بل أصبحت لها من الواعظين! أنا أتراجع عما قلته آنفًا

    سلمك ربي وباركك سرد ممتع جدًا لاتمل قراءته

    بانتظار باقي اليوميات

  5. #4

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,627
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    وعليكمـ السلامـ ورحمة الله وبركاته~

    ماهذه المواهب المتعددة؟!! :"),
    أضحكتني يالله كل ما أتذكر ما قمت به!!!،
    ربي يسعدك يارب
    مالذي فعلته بأختك؟!،
    كدت تصيبها بالجنون_بسم الله عليها_!!،
    هداك ربي،
    ولآا بعد تقتل القتيل وتمشي بجنازته!!
    ربي يبعد الشر عنكم
    تخيل تقرأ كلامك وتعلم!،
    ربي يبارك بك
    سرد ممتع ومميز كالعادة
    تدخل البهجة ربي يسعدك
    متابعة بإذن الله
    في حفظ المولى،،
    ~

  6. #5


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    أعتذر لتأخري في المتابعة
    لظروف انتكاس الوالد صحيًا ورجوعه إلى المستشفى مرة أخرى من عدة أيام
    ولا يزال أمامنا ثلاثة أيام أخرى على الأقل قبل أن يخرج
    نتابع _ بإذن الله _ من بعد أن أستقر قليلًا، معظم وقتي بين مدرستي والمستشفى



  7. #6

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,627
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    ربي يشفيه ويعافيه يارب العالمين،
    ربي يحفظه لكم ويبارك في عمره قادر كريم،
    ~

  8. #7

    الصورة الرمزية بوح القلم

    تاريخ التسجيل
    Apr 2014
    المـشـــاركــات
    3,354
    الــــدولــــــــة
    كندا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    سبحان الله طهورًا إن شاء الله أسأل الله أن يلبسه لباس الصحة والعافية

    اللهمّ يا رحمن يا رحيم يا مالك الملكوت ألبس والد الأستاذ عمر ثوب الصحّة والعافية، عاجلاً غير آجل يا أرحم الرّاحمين

    اللهمّ إنّي أسألك من عظيم لطفك، وكرمك، وسترك الجميل، أن تشفي والد الأستاذ عمر وتمدّه بالصحّة والعافية،

    لا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك، إنّك على كلّ شيءٍ قدير.

  9. #8


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوح القلم مشاهدة المشاركة


    آه يا أستاذ كم أحسد أختك، قد كنت طفلًا صبورًا وتقطر طاعة، ليس كجيل اليوم

    جيل اليوم نشعر به كأنه لا يمتُّ إلى جيلنا بأدنى صلة

    أتعلم ما فعل أخي الصغير طلب مني أن أعمل له بيض عيون، تناولت بيضتين ووضعتهما على الطاولة، ثم وجدت الزيت قد نفد فذهبت لأحضره،

    وعندما رجعت، لم أجد البيض بمكانه، سألته أين هما؟

    فأخذني نحو الجدار وإذا به قد رسم بهما لوحة جدارية، وجعل من صورة الفراولة هدفًا للتصويب، بعدها لم أجرؤ على تجاهل طلبه~

    كيف احتملتِ ذلك؟ لا أظن أن تنظيف الجدار كان هينًا بعدها

    تعس الغش ما أقساه!!

    وما أكثر الغش في أيامنا!


    ياللبراءة! لا يكفي أنك ورطتها بل أصبحت لها من الواعظين! أنا أتراجع عما قلته آنفًا

    لم أشأ أن أخيب رأيها في نفسها! استحيت من فعل ذلك كونها أكبر مني!


    سلمك ربي وباركك سرد ممتع جدًا لاتمل قراءته

    بانتظار باقي اليوميات

    جزاكِ الله كل الخير لمروركِ الطيب ولرأيكِ المشرف
    وإن شاء الله لن أتأخر في المتابعة


  10. #9


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    وعليكمـ السلامـ ورحمة الله وبركاته~

    ماهذه المواهب المتعددة؟!! :"),
    أضحكتني يالله كل ما أتذكر ما قمت به!!!،
    ربي يسعدك يارب
    مالذي فعلته بأختك؟!،
    كدت تصيبها بالجنون_بسم الله عليها_!!،
    هداك ربي،
    ولآا بعد تقتل القتيل وتمشي بجنازته!!
    ربي يبعد الشر عنكم
    تخيل تقرأ كلامك وتعلم!،
    ربي يبارك بك
    سرد ممتع ومميز كالعادة
    تدخل البهجة ربي يسعدك
    متابعة بإذن الله
    في حفظ المولى،،
    ~
    أضحك الله سنكِ وأسعدكِ دومًا
    لدينا هذا المثل كذلك (يقتل القتيل ويمشي بجنازته)
    لكن أنا لم أشأ أن أخيب آمالها ونظرتها في نفسها
    الحمد لله أنها لا تتابع المنتديات، لكن أظنها قد علمت، فلم تكن هذه المرة
    الوحيدة التي أفسدت فيها عملها، سواء علانية أمامها أم باكتشافها ذلك...
    كل الشكر لمروركِ المشرف ولرأيكِ المشرف
    حفظكِ الله تعالى


  11. #10


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    ربي يشفيه ويعافيه يارب العالمين،
    ربي يحفظه لكم ويبارك في عمره قادر كريم،
    ~
    جزاكِ الله تعالى كل الخير لدعائكِ الطيب
    حفظكم الله تعالى من كل سوء

  12. #11


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بوح القلم مشاهدة المشاركة
    سبحان الله طهورًا إن شاء الله أسأل الله أن يلبسه لباس الصحة والعافية

    اللهمّ يا رحمن يا رحيم يا مالك الملكوت ألبس والد الأستاذ عمر ثوب الصحّة والعافية، عاجلاً غير آجل يا أرحم الرّاحمين

    اللهمّ إنّي أسألك من عظيم لطفك، وكرمك، وسترك الجميل، أن تشفي والد الأستاذ عمر وتمدّه بالصحّة والعافية،

    لا ملجأ ولا منجا منك إلّا إليك، إنّك على كلّ شيءٍ قدير.
    جزاكِ الله تعالى كل الخير لدعائكِ الطيب
    حفظكم الله تعالى من كل سوء

  13. #12


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    بسم الله الرحمن الرحيم


    حكاية أخرى

    البنات _ بإتقانهن الطبخ _ ساحرات! وهذا وفق رأيي المتواضع بكل تأكيد، ولا أعني أن هذا رأيي الآن فحسب، بل هو رأي كنت أؤكده لنفسي منذ الطفولة.
    نحن في البيت سبعة أولاد، أنا وأخي الأكبر مني، وخمس بنات لا تصغرني منهن سوى واحدة، وعلاقتي التخريبية، أقصد الإبداعية في أمور الطبخ، كان ضحيتها دائمًا أختي الأكبر مني مباشرة.
    وكما كنت أنظر إلى البيض المقلي على أنه من أطيب الأكلات، كنت أرى البطاطا المقلية كذلك، على أن البطاطا المقلية كانت تتميز بغموض أكثر فعلًا، يؤكد لي أن هناك ألغازًا حقيقية تختبئ خلف أصابع البنات، ولا أحد منا _ نحن الصبيان المساكين _ يستطيع إدراكها، إذ كيف تستطيع البنات تقطيع البطاطا كأصابع رفيعة تتساوى ارتفاعًا وعرضًا؟!
    أما تقشير البطاطا فتلك كارثة أخرى! أذكر يومًا ما أرادت أخت لي _ غير الأخت الضحية المعتادة_ أن تقلي البطاطا، وقررت مساعدتها، لا؛ بل قررت مفاجأتها للحقيقة، بأن تأتي لترى كل حبات البطاطا قد تم تقشيرها، فحملت أكبر حبة منها بيدي اليمين، وأخذت السكين بيدي اليسار وانقضضت بها بمنتهى الرقة واللطف على حبة البطاطا لتتجاوز السكين الحبة وتضرب بيدي اليمين قليلًا، ورغم الألم لم أستسلم، لقد أخطأت قليلًا، فأنا لست بالأعسر إطلاقًا، وهكذا حملت حبة البطاطا بيدي اليسار، وأخذت السكين بيدي اليمين الدامية وبدأت تقشير البطاطا بحماسة، و...
    _ ولي!!
    ما شاء الله! البطاطا (تولول) يا جماعة! لم أكن أعلم أنني بارع في التقشير إلى هذا الحد! لكن كيف يمكن للبطاطا أن (تولول) بالفعل؟
    _ أَ...أَبعد السكين عني!
    شعرت بالانبهار التام هنا! البطاطا تتكلم كذلك! ثم انتبهت؛ فجأة؛ إلى الموقف، السكين اخترقت حبة البطاطا في أعلاها، وتكاد تنغرس في رقبة أختي (أختي الضحية المعتادة) التي كانت قادمة إلى المطبخ لتتولى عملية تقشير البطاطا بدلًا من أختها الأكبر، و...
    _ ولي! ولي!
    شعرت بالغيظ من البنات وطبعهن الذي يميل إلى المبالغة في كل شيء، لقد عرفتُ أنا أن التي تولول وتتكلم ليست حبة البطاطا، فلماذا عادت تولول مرة أخرى؟ وليت الأمر توقف هنا، بل انطلقت أختي في صراخ لم أفهم بسببه تلك الكلمات التي تصرخ بها، واجتمعت العائلة على صراخها، لتتمالك هي نفسها متمتمة برعب:
    _ بطاطا... دم!
    انتبهت هنا إلى أن حبة البطاطا التي أحملها مليئة بالدم، غريب! كيف جرحتها؟ ثم هل ينزل من البطاطا دم؟ يبدو أن هذا العالم مليء بالاكتشافات العلمية التي لا نعرف عنها شيئًا، و... فوجئت بأن أخواتي ينظرن إليَّ بعطف، وأن إحداهن تأخذ بيدي برفق إلى صيدلية البيت لتضع عليها شيئًا ما من قنينة صغيرة، جعلت النيران تلتهب في كياني، قبل أن تضع القطن عليها، متمتمة:
    _ لا تخف! لا تخف! جرح بسيط إن شاء الله!
    نظرت إلى أختي هنا متسائلًا أين عقلها؟ هل سأخاف لأن حبة البطاطا قد جُرِحَت جُرحًا بسيطًا؟ لكن، لماذا تدمع عينا أختي يا ترى؟ أإلى هذا الحد تحب البطاطا؟ لماذا تقليها بالنار وتأكلها بلا شفقة أو رحمة إذًا؟ من الواضح؛ كذلك؛ أن عقول النساء فيها ألغاز لا نفهمها نحن إطلاقًا!
    غير أن التجربة الرهيبة التي عاشتها أختي ضحيتي المعتادة لم تتوقف عند هذه الحادثة، بل كان لها تجربة ظلت تذكرها حتى بعد أن تخرجنا من الجامعة بسنوات، نظرًا لما تركته في نفسها من الرعب، رغم أنها لم تَبْدُ لي مرعبة إلى هذا الحد، بل لم تَبْدُ لي مرعبة إطلاقًا، إذ إنها كانت مسلية نوعًا ما، وأثبتُّ فيها شجاعة حقيقة، وقلبًا ثابتًا لا يهتز أمام المخاطر، رغم أنني كنت آنذاك، على الأرجح، في السابعة من عمري تقريبًا.
    لا أعرف حقيقة لماذا غادر أهلي المنزل جميعًا، ولم أبق سوى أنا وأختي هذه، ولقد فوجئت بها تقول مبتسمة:
    _ ما رأيك بصحن بطاطا مقلية من يديَّ الطيبتين؟
    شعرتُ بأمعائي تتقلص هنا، لهول هذه الفكرة، رغم أنني أحب البطاطا المقلية جدًا، لكن هذه الأخت تحديدًا لا تعرف كيف تقلي بشكل جيد، وأجبتها متحمسًا:
    _ لا، لا أريد.
    وإذ بها تهتف متحمسة بدورها:
    _ سأقلي لك البطاطا اليوم، تكرم عينك!
    نظرت إليها غير فاهم أين موطن (إكرامية عيني) هنا، ويبدو أن أختي سمعتني أتمتم باستنكار:
    _ {قل أعوذ برب الفلق}!
    لكنها لم تستسلم لمشاعر (الود) هذه، فقالت لي بلهجة فيها توكيد تام:
    _ سأقليها وستعجبك لأنك ستكون معي وأنا أقليها! ما رأيك؟ لم أفهم وقتها _ ولا بعدها _ أين الإغراء في هذا العرض؟ هي تدرك _ حتمًا _ أن قليها البطاطا كارثة حقيقية، فهل تظن نفسها أنها ستصبح عبقرية في قلي البطاطا إذا ما وقفتُ بكل تواضعي أتفرج عليها وهي تفعل ذلك!
    قلت لها بصراحة تامة:
    _ ولكن أنتِ...
    فقاطعتني هاتفة بسعادة:
    _ هييييه! يعني موافق موااااافق مواااااافق، ياااااااااي!
    احكوا ضميركم يا جماعة! هل قلتُ لها إنني موافق؟ متى؟ الله يعيننا على عقول البنات يا رب! لتقل إنها تريد أن تقلي البطاطا سواء أوافقتها أم لا، وانتهينا!
    دخلت المطبخ معها، لأتفرج على (السحر) محاولًا أن أفهمه عبثًا، تقشير بسرعة خيالية، وتغسيل حبات البطاطا وتقطيعها لتكون بحجم واحد، كل هذا جميل، لكن المصيبة قادمة بعد قليل، حينما تبدأ أختي بـ(النق) فوق رأسي لآكل هذه البطاطا التي تقليها بشكل غريب، ابتلعت ريقي اشمئزازًا، وهي تضع قليلًا من زيت القلي في المقلاة، وتدير النار تحته، قبل أن تلقي بالبطاطا فوقه ليفور الزيت، وأختي تثب مبتعدة عن تلك القطرات النارية، ولكن أتى الإنقاذ فجأة، إذ دُقَّ الباب، لأرى أن ابنة عمتي أتت تسأل عن أختي، وقد كانتا صديقتين لا تكادان تفترقان، هتفت مناديًا أختي فأتت مسرعة لترحب بابنة عمتها، وأنا أنظر متعجبًا لا أفهم لماذا تحتضنان بعضهما وتتبادلان القبل، وقد كانتا معًا أول أمس؟! متى اشتاقتا إلى بعضهما؟ لا علينا! الإبداع ينتظرني في المطبخ، سأحول قلي البطاطا وفق طريقتي أنا، لألقن أختي درسًا في كيفية قلي البطاطا بشكل صحيح، وسترجوني بعدها أن أقلي البطاطا بكل تأكيد، رأيتها بعين الخيال تركض نحوي بحبات البطاطا المقشرة المقطعة تكاد تبكي كي (أتكرم) عليها بقليها...
    وهكذا، اتجهت بثبات إلى المطبخ، متناولًا زجاجة زيت الزيتون، الزيت الأصلي الصافي، لا زيت القلي المغشوش، وصببت بسخاء فوق المقلاة (مدركًا) أن هذا سيؤدي إلى نتيجتين إيجابيتين، أولاهما قلي البطاطا بوقت أسرع بكثير، وثانيهما الطعم الطيب الذي لا يُعلَى عليه، كنت واثقًا من ذلك لولا أمر بسيط جدًا، لا يستحق الكلام عنه كثيرًا، وهل من مشكلة في أن الزيت كان متحمسًا، لم يستجب إلى لمسة يدي الرقيقة، بل انطلق (هاربًا) من زجاجته لينزل في كل مكان، إلا المقلاة؟
    وهكذا هبَّت النيران بغتة وبدأت ترتفع بمنظر مذهل، لتختفي المقلاة بين ألسنتها المتصاعدة يمينًا ويسارًا، ولا أعرف لماذا أتت أختي إلى المطبخ ومتى، لكني سمعتها تصرخ في رعب شديد، أما أنا فلم أهتزَّ أبدًا، مددت يدي لأغلق قارورة الغاز، ولكنْ، لم تنطفئ النار، ولم تتوقف الصرخات من خلفي، انضمت بنت عمتي إلى المشهد لترى لماذا تصرخ أختي، فأخذت تصرخ معها، فحملت غالون المياه، لأحسم الأمر نهائيًا، لطالما درسنا أن النار تطفئها المياه، لكن يبدو أن المياه التي في بيتنا لم تسمع بدرس العلوم هذا من قبل، يبدو أنها لا تدرس دروسها، فما كادت تنزل على النيران، حتى هبَّت الأخيرة بعنف شديد لترتفع ملامسة السقف تقريبًا!
    صرخت أختي هنا بانهيار تام: (افتح الهواء)، لأرد عليها معلمًا إياها: (وهل الهواء يُفْتَح أو يُغْلَق؟ قولي لي افتح النافذة، لأن)...
    ولكني لم أتم كلامي، فلقد حصل أمران هنا، استحت المياه التي كانت لدينا على نفسها، وقررت أن تتوقف عن كونها مغشوشة، فانطفأت النيران، ولكنني كنت أمام مشكلة أخرى، أختي وبنت عمتي نائمتان أرضًا في المطبخ، نظرت إليهما ببعض الغيظ متسائلًا عن (الذوق) الذي لدى بنت عمتي تحديدًا حتى تنام أرضًا، في بيوت الناس، وفي المطبخ! أما أختي، فسأنصحها أن تنام المرة المقبلة داخل فرن الغاز نفسه، كي لا يلحقها البرد من البلاط!
    ولولا أنني خفت على أختي أن تختنق بسبب الدخان الأسود الذي يملأ المطبخ، لتركتها تنام براحتها، لكني خشيت عليها أن تتعرض إلى (التلوث) بسبب الدخان، فأخذت أسحبها بيدي، ووزنها _ بالنسبة إليَّ _ ليس هينًا، خرجت بها من المطبخ، وتوقفت لاهثًا من الإرهاق، ورغم ذلك لم آخذ أي وقت للراحة، بل أخذت أهز أختي هاتفًا بها: (قومي، هيا، استيقظي، ليس هذا وقت النوم يا أم التنابل)!
    غير أن أختي لم تستيقظ رغم كل هذا، ما دفع بي إلى التساؤل إن كانت تظن نفسها من أصحاب الكهف مثلًا، كيف أستطيع إيقاظها؟ نعم، سآتي ببعض الماء وأصبه عليها فتستيقظ، ولكن... لا! الماء مغشوش! بدلًا من أن يطفى النار زادها اشتعالًا، فماذا سيحلُّ بأختي المسكينة لو صببت الماء عليها لتستيقظ؟ ربما تصاب بإغماء طويل بدلًا من الاستيقاظ بسبب غياب الضمير في هذا العالم، ما دفع بالناس إلى أن يغشوا المياه ليبيعوه لنا!
    لا تخافوا ولا تحملوا الهم، الحل موجود، رفعت يديَّ عاليًا، هاتفًا بحماسة شديدة: (الصفعة المزدوجة) لتفتح أختي عينيها هنا ولم أنتبه إليها، وعمومًا كان الأوان قد فات، نزلت الصفعة مزدوجة مدوية على خديها، برنين رائع أحببته جدًا لأنه كان دليلًا على نجاحي، وأختي تهب من نومها صارخة بي بجنون شديد، تصيح وتولول وتسب، لأقول لها ببرود: (عيب! استحي! أهلك ربَّوكِ جيدًا، فلا تتصرفي بقلة تربية)!
    تابعت أختي الصراخ في وجهي، وأنا أتساءل مستنكرًا إن كان هذا رد الجميل منها لي، أنا الذي أنقذتها من الغيبوبة المستمرة، وعذَّبت يديَّ المسكينتين بهذه الصفعة المدوية، ولكني تجاهلت عدم رد المعروف، لأقول لها:
    _ اذهبي إلى بنت عمتك، أيقظيها، إنها نائمة في المطبخ!
    بدت أختي كأنها لم تسمع ببنت عمتي، ولا بالمطبخ في حياتها، وظلت ساهمة بعض الوقت، ثم انتفضت لتنطلق مسرعة إلى المطبخ، صارخة بي بتوحش طالبة إليَّ أن أفتح الهواء، فنظرت إليها مشفقًا على حالتها العقلية، إنها كسول في دراستها لا شك في ذلك، لقد (أفهمتها) منذ قليل أن الهواء لا يُفْتَح لكنها نسيت، فقلت لها مذكرًا إياها:
    _ وهل الهواء كان بابًا لنفتحه مثلًا؟
    صرخت بجنون:
    _ افتحه ليخرج الدخان من المطبخ إلى...
    قاطعتها مستنكرًا:
    _ وهكذا يتلوث الهواء، وتنتشر الكارثة بالهواء الملوث إلى كل الناس، لأنه...
    لم أتمَّ كلامي، فلقد (هجمت) أختي على النافذة كأنها تريد قتالها، وهي تصرخ مغتاظة:
    _ هذا أفضل من أن تختنق بنت عمتك!
    أعتقد أن أختي كانت تفكر في أن تحملني وتلقي بي من النافذة، إذ أجبتها في كبرياء:
    _ تختنق! ماذا أفعل لها؟ هل أنا من طلب إليها أن تنام على الأرض؟
    لا، يبدو أن أختي تلميذة مجتهدة جدًا، رغم أنها لم تكن واعية إلى ما فعلته معها، إلا أنها أعادته ما أكد لي أنني قدوة حقيقية في عالم الإنقاذ، فها هي تمسك ببنت عمتي وتجرها على بلاط المطبخ لتخرج بها، ولكن أختي أخطأت مرتين (فقط)، الأولى أنها لم تنتبه إلى أن بنت عمتي قد أفاقت على صراخنا، وكانت تهم بالنهوض فعلًا، حينما أمسكت أختي بها وأخذت تجرها، والثانية أنها أمسكت برقبة بنت عمتي، ولقد أخذت المسكينة تصدر أصواتًا كمن يختنق وتحاول تخليص نفسها، وأختي تجري بها متحمسة، لتصدم جسم المسكينة بالكنبة الكبيرة، ما دفع ببنت عمتي إلى إطلاق صرخة متألمة، أثارت شفقتي عليها، ولكن أختي هتفت بذكاء:
    _ لا داعي للصراخ يا أخي! الآن تصرخ بعد أن انطفأت النيران كلها؟
    والحمد لله أن باب بيتنا فُتِحَ هنا بعنف ليدخل والداي والخوف يملأ قلبيهما، إذ لاحظا الدخان الأسود المنبعث من المطبخ، وسمعا صراخنا، وربما كانا عند أهل والدي قبل أن ينزلا لقضاء مشوارهما ففوجئا بهذا المنظر، وربما كانا عائِدَين من مشوارهما، وكان أن تعرضت أختي إلى تأنيب عنيف، وبعض الشد والجذب في أذنيها، وهي تحاول جاهدة _ سامحها الله _ أن تلقي بالمسؤولية عليَّ أنا، متجاهلة دوري في إنقاذ حياتها! لا علينا! لم أتوقع منها غير ذلك، وهي التي أنكرت فضلي فور عودتها إلى هذه الحياة بعد تلك الغيبوبة التي وقعت فيها!
    وبعد سنوات قليلة، حينما شاهدنا غرندايزر، أدركت أن الأجانب يقلدون طريقتي، مع هتاف الدوق فليد: (الرزة المزدوجة)، طبعًا لم أكن أعرف أنه ياباني، لكني كنت أعرف أنه كرتون أجنبي بسبب بعض المقاطع التي لم تتم دبلجتها في بعض الحلقات، بل تركوا الحوار فيها ينطلق بالصوت الأجنبي الأصلي، أنا من هتف بأختي (الصفعة المزدوجة)، وها هم الأجانب يقلدونني، ما جعلني أشعر بمدى أهميتي الشديدة في هذا العالم!
    ورغم أهميتي أنا متواضع جدًا، وهذه هديتي أقدِّمها إلى كل الفيزيائيين والكيميائيين في العالم، تتمثل في أسئلة ثلاثة فقط، ربما ينال من يصل إلى حقائقها جائزة نوبل مثلًا، أو على الأقل تقديرًا وثناء عالميين، ويصبح شهيرًا، ترى هل سيذكرني من ينال ذلك، ويقول للعالم إنني صاحب الفضل الأول والأخير إذ أتساءل: (ما المادة التي يجب أن نضيفها إلى الماء، حتى نستطيع إذكاء النار بدلًا من إطفائها)؟ (كيف يمكن تعديل مقادير تلك المادة المجهولة الآن، بعد اكتشافها، لِيَهُبَّ لسان النار بقوة، وقد حققت أنا ذلك فعليًا، لكن من دون أن ينطفئ بعد ذلك)؟ وأخيرًا السؤال الذي لا يقل أهمية على الإطلاق: (لقد أصاب الزيت النار تحت المقلاة، فلماذا ارتفعت النار يمينًا ويسارًا، ولم ترتفع وسط المقلاة نفسها، ترى هل السبب بسيط؟ والإجابة أن ذلك لأن الزيت زيت زيتون أصلي، لا زيت قلي مغشوش)؟!
    لا علينا! ربما تنتهي قصتنا هذه الآن، ولكن لا يزال للمساتي الساحرة دورها في المطبخ، بإبداعاتي الفردية، وبإبداعاتي الثنائية مع أختي هذه، وكان لا بد لها من أن تنال ثأرها مني يومًا ما...
    تابعوا معنا.


    (عمر قزيحة: 20/1/2019: الساعة: 11:09 صباحًا).

  14. #13

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,627
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    يالله
    مالذي عملته بأختك؟!!،
    الغريب أنها تمالكت نفسها ولم تذبحك ذلك اليوم!،
    ما شاء الله عليها ربي يسعدها
    حقيقة شيء خيالي
    آخرتها تصفعها حتى تفيقها!!،
    رحمتها مرا
    ابنة عمك لا أدري إن كان وقفت مع أختك وقالت أنك السبب!!،
    انقهرت وأنا مالي دخل!!،
    لكن تركك وحدك في المطبخ خطير وأنت سوابق،
    ياربي يلطف بأختك المسكينة!!،
    أما حكاية البطاطا ذات الدم!!xD,
    البطاطا أصبحت تتكلم!!xD,
    ربي يعين أخواتك
    صراحة حكاية ما شاء الله أضفت عليها الجمال بأسلوبك الرائع،
    كالعادة سرد ممتع وتدخل البهجة
    وربي شيء جميل
    وفقك ربي لكل خير
    وأسعدك دوماً :"),
    بالنسبة لسؤالاتك زيت الزيتون مع النار خطير
    يعني لا يصح وضعه بكمية كبيرة في قدر
    هكذا يشتعل!، لما؟!، لا أدري!!،
    زادك ربي من فضله
    أحسنت
    في حفظ المولى،،
    ~

  15. #14


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    كنت أظن أنني أحسن صنعًا ذلك اليوم، والحقيقة أن أختي كانت بطلة لأنها لم تذبحني فعلًا لما تسببت لها به من الرعب الشديد من جهة، وتلك الصفعة المدوية الرنانة من جهة أخرى، وفوق ذلك نالها الضرب من أهلي...
    أما ابنة عمتي فأظن أنها كانت مشغولة بتحسس رقبتها التي كادت تنخلع من موضعها، وبمحاولة معرفة مواضع الورم في عظامها بعد ارتطامها العنيف بالكنبة...
    وحكاية البطاطا ذات الدم والتي تولول وتتكلم أضحكتني من كل قلبي كذلك، أما في ذلك الوقت فربما لم أكن لأدرك ما حصل حقيقة، وأنا متحمس إلى تقشيرها وتقطيعها وإثبات مواهبي المتعددة...
    كل الشكر لمروركِ الطيب ولرأيكِ المشرف، بارك الله بكِ ولكِ أختي الكريمة.


  16. #15


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    والمتابعة _ إن شاء الله تعالى _ قريبة، بعد أن خفَّ بعض الضغط في العمل علينا...
    سأحاول أن تكون الحلقة القادمة في أقرب وقت ممكن، وعلى الله الاتكال.

  17. #16


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    نتابع قريبًا إن شاء الله تعالى

  18. #17

    الصورة الرمزية B7or

    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المـشـــاركــات
    3,104
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أيامي المطبخية


    ما هذا يا رجل !!
    صراحة لو كنت أحد أفراد عائلتك، لقصيت رجلك من المطبخ XD

    أهني أخواتك على صبرهم وطولة بالهم عليك .. يستاهلوا التحية


    الحمد لله أنا من صغري وأنا في المطبخ، من غسيل مواعين وطبخ حتى أفضل من أخواتي XD
    لدرجة أن الوالد والوالدة حفظهم الله، يطلبوا مني تجهيز الأكل سواء فطور أو غداء أو عشاء بدلاً من أخواتي


    الطبخ فن لمن أحبه

  19. #18


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة B7or مشاهدة المشاركة

    ما هذا يا رجل !!
    صراحة لو كنت أحد أفراد عائلتك، لقصيت رجلك من المطبخ XD

    أهني أخواتك على صبرهم وطولة بالهم عليك .. يستاهلوا التحية


    الحمد لله أنا من صغري وأنا في المطبخ، من غسيل مواعين وطبخ حتى أفضل من أخواتي XD
    لدرجة أن الوالد والوالدة حفظهم الله، يطلبوا مني تجهيز الأكل سواء فطور أو غداء أو عشاء بدلاً من أخواتي


    الطبخ فن لمن أحبه
    الطبخ فن لمن أحبه صحيح
    وقد أحببته أنا لكني لم أبدع فيه إطلاقًا
    وكل محاولات الطبخ معي تنتهي بكارثة حقيقية... والحمد لله دائمًا
    أحاول أن أطور أسلوبي فيه لكني لا أجد الوقت الكافي لذلك، فخففت محاولاتي هذه السنوات الماضية
    واعتمدت الأكل الجاهز...
    حفظ الله لك الوالد والوالدة.

  20. #19


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,313
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: أيامي المطبخية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الأخت المملَّحَة



    وما زلْتُ (أبدع) في مواهبي المطبخية كل الإبداع، مهما تغيرت الظروف وتناقضت! ولا أبالغ في ما أقول طبعًا، وسأثبت لكم ذلك، إذ (ملَّحْتُ) أختي حينما كنت أحب السكر كل المحبة، كما أنني (ملَّحْتُها) بعد ذلك بسنوات طوال، وأنا أكره السكر كرهًا شديدًا!
    في ذلك اليوم، من العام 1988م، وكان عمري، آنذاك، يقترب من السنوات التسع، قرَّرَت أختي، الضحية المعتادة لإبداعاتي المطبخية، أنها ستصنع لنا (البوظة) بنفسها، وستكون أطيب بوظة وألذها على الإطلاق، وربما نرفض أن نأكل البوظة من بعد ذلك، ما لم تكن من صناعتها هي، (هكذا تقول بكل تواضع)! طبعًا، قالت لنا أختي ذلك، وهي تدير عينيها في ما بيننا بفخر، وكأنها (أنجزت) ما تريده، وحصلت على النتيجة المبتغاة فعلًا، مع أنها لم تفعل شيئًا بعد، وارتفعت الهتافات السعيدة التي تهتف بأختي وحياتها، على غرار (تعيش، تعيش، تعيش)، وكان على أختي أن تنفذ وعدها، وإلا!
    ولم تكذب (المسكينة) خبرًا، ما كادت حماسة تلقي بشارتها الرائعة هذه لنا تخفت، حتى انطلقت إلى المطبخ، لتعمل بأصابعها السحرية على تنفيذ ما تريده، واستغرقت في عملها، وهي لا تعلم أن عينين متلهفتين تراقبانها، وترصدان حركاتها في صناعة البوظة، وصاحبها يجري في ذهنه عملية تقييم شاملة لما تفعله أخته، ليحكم عليها بالفشل الأكيد، إذ لم تضع كمية (كافية) من السكر في الخلطة التي تقوم بإعدادها، بل اكتفَتْ بملعقة صغيرة جدًا منه، والسكر بالنسبة إلى هذا المراقب حياة ثانية من الفرحة والسعادة، وحتى فنجان الشاي الصغير يجب أن يحتوي من السكر على ما يقارب نصفه أو ثلاثة أرباعه، وبالتالي لا بد من تصحيح الخطأ، وبأسرع وقت ممكن!
    وطبعًا لا داعي لإخباركم باسم هذا المراقب، أعتقد، مجرد اعتقاد، أنكم قد عرفتموه! المشكلة الحقيقية أن أختي تحمست فعلًا لعملها، وبالتالي لا يمكن أن نعتمد عليها في شيء! ستبقى تعمل في خلطتها السخيفة هذه، ولن تتركها حتى تنتهي، وكان لا بد من (الحيلة) لإبعادها من المطبخ، وبكل حماسة اندفعت نحوها أهتف بانفعال شديد: (أسرعي، أسرعي، إنهم يريدونكِ، الهاتف يرن)، وأسرعت أختي فعلًا لِتَرُدَّ على الهاتف، مع أنه لم يكن عندنا أي هاتف آنذاك، ولم نكن نحلم بوجوده، لا الهاتف المحمول ولا الهاتف الأرضي.
    وإلى الآن، وقد مضت إحدى وثلاثون سنة، لا أدري كيف وقعت أختي في هذا الفخ الغريب! كنت أدرك، آنذاك، أن الوقت أمامي قليل جدًا، وأنني سأرى أختي عائدة إلى المطبخ خلال ثوانٍ، وهي تصرخ في وجهي لهذا المقلب، فحملت علبة السكر، وأفرغتها بالكامل تقريبًا في الخلطة، وانطلقت مسرعًا لأختبئ، وأنا أسمع صراخ أختي الهدار، بعد أن (فهمت) أخيرًا أنه لا يوجد في بيتنا هاتف، وبالتالي يستحيل أن يطلبها أحد عبر الهاتف!
    ولم أتمالك نفسي من إطلاق الضحكات الشامتة، والتي أعتقد أنها رَجَّتْ البيت ودوَّت في أذني أختي مثل القنابل، وسمعتها، من حيث أختبئ، تتمتم بأمثال وحِكَم، ربما من وزن (العقل زينة والمجانين بالدزينة)! و(الله يجيرنا نحن البنات من عقول الصبيان)! وليتكِ تخبرينني، يا عزيزتي، أين كانت هذه الزينة العقلية التي تتحدثين عنها، وأنتِ تركضين بلا وعي لتجيبي نداء هاتف غير موجود! أما أنا فإن عقلي شغال وبقوة، رغم أنني أصغركِ سنًا، لأنني أقوم بتصحيح أخطائكِ لتقدمي بوظة طيبة، يشكركِ الناس بفضل طعمها الطيب!
    تابعت أختي عملها بحماستها المعتادة، لكني لم أتابع مراقبتها، لقد أدَّيْتُ واجبي، وانتهى الأمر، فانسحبتُ مرتاح الضمير إلى غرفتي لأرتاح، ومرَّت ساعات طوال، ثم ارتفع صوت أختي تهتف بسعاة غامرة: (تجمدت البوظة تجمدت، تجمدت البوظة تجمدت، إلى البوظة، هياااااااا)!
    تركت غرفتي لأتجه أنا وإخوتي نحو غرفة الجلوس، وهتافاتهم السعيدة ترتفع مرة أخرى، ودوَّت (تعيش، تعيش، تعيش) بقوة، وعادت أختي تقول فَرِحةً جَذِلةً: (ستأكلون البوظة المميزة الآن)، وارتفعت الهتافات السعيدة مرة ثالثة، ولكني لم أشارك في شيء، كنت أشعر بالسعادة نعم، لكني كنت في تلك الآونة شديد التواضع، لذا لم أعلن عن نفسي، ولم أتكلم عن إبداعي، انسحبت إلى غرفتي مرة أخرى، وقد اتخذت قرارًا (نبيلًا)، سأنسب الفضل كله إلى أختي، وذلك جبرًا بخواطرها، و...
    _ أووووووووع! ياااااااااااااااء! آآآآآآآآآآآآآآآء!
    انطلقت تلك الأصوات بغتة، وأحسست بإخوتي يركضون في كل اتجاه، وأصوات مثل التقيؤ تتردد، ما سبب لي شعورًا بالاستنكار، فأنا واثق كل الثقة مما قدَّمْتُه، لكن هل ارتكبت أختي خطأ غبيًا وهي تتابع عملها؟ ليتني راقبتها حتى النهاية إذًا!
    _ أين أنتِ؟
    _ تعالي إلى هنا حالًا يا (...)!
    _ ما هذا أيتها الحمقاء؟
    _ هل تمزحين معنا؟
    _ ستأكلين ورغمًا عن أنفكِ!
    الله المستعان فعلًا، يبدو أن إخوتي لا يعرفون (طعمة فمهم)، ولا يستحقون ما قدَّمْتُه لهم من (المعروف)، ويا له من منظر مؤثر فعلًا! لقد أمسكوا بأختي (التعيسة)، وملأوا ملعقة كبيرة من البوظة بضعف ما تحتمله، وأدخلوها فم أختي ليطعموها إياها رغمًا عنها، وتنطلق صرخة المسكينة مدوية، تحمل كل معاني القرف والاشمئزاز، وتسرع إلى المغسلة لتفرغ ما في فمها، وصوت ذلك يصل إليَّ واضحًا، وأخي يسألها غاضبًا: (من أين أتيتِ بهذا الذكاء؟ من يضع هذا الـ... مع البوظة؟ أتظنين أنكِ تصنعين لنا بوظة على نكهة طعمة البحر مثلًا)؟ ولا أعلم هل أرادت أختي الرد أم لا، إذ تابع أخي بلهجته الغاضبة ذاتها: (وسنفترض أنكِ جُنِنْتِ وفعلتِها، هل من الضروري أن تضعي لنا كل هذا الملح يا بنت)؟
    شعرتُ بالغيظ هنا، ووجدتُ نفسي أندفع نحو إخوتي _ وكانت أختي المسكينة قد عاودت الانضمام إليهم _ هاتفًا بهم بغضب شديد: (ألا تعرفون طعمة أفواهكم يا أغبياء)؟ _ بدا الامتنان على وجه أختي هنا_ (يا ضياع المعروف معكم)! _ كادت عينا أختي تدمعان هنا تأثرًا _ (كل هذا السكر الذي وضعتُه لكم، وتقولون الآن إنه ملح؟! يبدو أنكم قادمون من المريخ بحق)! أعتقد أن أختي أصيبَتْ بصدمة كهربائية! صحيح أن أعين إخوتي جميعًا اتسعت دهشة لهذا الاعتراف الخطير، لكن أختي انتفضت بعنف، وشعرت بالنيران تندلع في عينيها من دون مبالغة، فأسرعت أحاول التصحيح: (أقصد الذي وضعَتْه لكم، هي وضعَتْه لكم، ولكن)... وارتفع صوت أختي هنا صارخة بصوت ربما لا يستطيع طرزان شخصيًا تقليده (مع أننا لم نكن نعرف هذا الطرزان آنذاك)، وانقضت أختي عليَّ صارخة مثل الوحوش: (كدت أتحول إلى سمكة مملحة بسببك، سترى الآن)!
    هربْتُ بأقصى ما تستطيعه قدماي، وأنا أفكر في مدى قلة التركيز في ذهن أختي! ما معنى أنني سأرى (الآن)؟ هل تظنني أعمى لا يرى، وعلمَتْ أنني سأرى الآن؟ لكنْ، لم يكن هناك وقت لسؤالها، وصوت خطواتها يتردد بعنف شديد خلفي، دخلت غرفتي وأغلقت الباب، ولكن...
    ارتد الباب نحوي بعنف، ودخلت أختي، وفي يدها العصا الغليظة التي يتكئ عليها والدي أحيانًا، اتسعت عيناي هنا من المفاجأة غير المتوقعة، وأختي تعيد إغلاق الباب، وتهوي بالعصا بعنف شديد، ولا أعلم لماذا شعرتُ بحرارة فظيعة في ساعدي وقتها، ودهشتْ لذلك، فالطقس معتدل، غير أن أكثر ما أثار الدهشة أن الباب نفسه صرخ بصوت متألم: (آآآآآآآآي)!! شعرتُ بالتعاطف مع الباب، لكن العصا ارتفعت مرارًا وتكرارًا، وانطلقت صرخات الباب المسكينة، وأنا أشعر كأن عظامي باتت في فرن مشتعل، والآلام تنبعث في جسدي هائلة، ولا أعرف سبب ذلك!
    مرت الأيام والسنوات تباعًا، وتدريجيًا كرهت السكر _ ولا علاقة لهذا بحادثة أختي هذه _ وأخذت أشرب الشاي من دونه نهائيًا، مستطيبًا طعمه اللذيذ، ولأنني أكره السكر ولا أستخدمه، حصلت تلك الحادثة، في العام 2007م، أي بعد حوالي تسع عشرة سنة من حادثة تمليح أختي بالبوظة التي قمْتُ بــ(تصحيح) إعدادها لها في طفولتنا
    كانت أختي، كلما دخلت البيت تسرع لِتُعِدَّ لي كوب الشاي المفضل عندي، بزجاج شفاف ومن دون سكر، وفعل (دخلت) يشملنا معًا، كلما (دخلْتُ) أنا، وهي حاضرة، أو كلما (دخلَتْ) هي، وأنا حاضر، وفي ذلك اليوم كنتُ راجعًا من التعليم، ونزلتُ عند أهلي، وقامت أختي كعادتها، فهتفت بها أن تبقى مكانها، وأنا (شخصيًا) من سأقوم بإعداد الشاي لها، ولا أعلم لماذا ظهر الامتعاض على وجهها! يجب أن تقبِّل يديها عرفانًا وامتنانًا، فهي ستتذوق الشاي (المميز) الذي كنت أشتهر بإعداده لنفسي حينما لا أطيق صبرًا على رجوعها، ولم يتذوقه أحد من أهلي وأعاد التذوق مرة ثانية بعدها، لكن ربما لأن طعمته المذهلة تجعلهم يشبعون الشاي الخاص بي إلى آخر عمرهم!
    وأختي هذه تحديدًا لم يسبق لها تذوقه من قبل قط، وآن أوان رد الجميل لها الآن، وتجاهلت تمتماتها المذعورة: (كوسا)، (متبل)، (زيت)، (نعناع)، موقنًا أنها أصيبَتْ بنوبة هذيان فظيعة، لأنها لم تحتمل هذا (الحنان) المفاجئ مني، يا لها من مسكينة! تفتقد الحنان ولا تقول؟ سأحِنُّ عليها دائمًا بعد الآن!
    وبكل حماسة، وامتنان، انطلقتُ نحو المطبخ، ولا أعرف لماذا وقعتْ ثلاثة طناجر كانت على حرف المجلى أرضًا، مع أنني لم ألمسها (هكذا أعتقد)، واخترت الركوة التي أريد إعداد الشاي بها، متجاهلًا سقوط (زميلتين) لها كذلك، وقمت بغلي الماء جيدًا، ولأن أختي تحب السكر، وضعتُ لها كمية جيدة في الكوب الكبير، ولم أحركه جيدًا، لأنني أعلم أن من يحبون السكر زيادة عن اللزوم، يفرحون إن رأوا بعضًا منه لم يَذُبْ تمامًا، ويتناولونه بالملعقة بعد انتهائهم من شرب الشاي.
    وما إن انتهى إعداد هذا الشاي، حتى أسرعت بالكوب إلى أختي، والتي أرادت أن تشرب كعادتها، تتناول جرعة منه، وتضعه جانبًا حتى تخف سخونته قليلًا وتتابع شربه، وكنت مترقبًا متلهفًا إلى سماع رأيها في (شايي) الذي أقوم بإعداده بطريقتي التي لا أبوح بسرها لأحد، ولم تخيب أختي نظرتي فيها، تناولتْ مباشرة رشفة من الشاي، ولسان حالي يقول لي بفخر شديد:
    أنا الذي هرب الأعمى من شايي ___ وأفحمَتْ محتوياتُه من به صمَمُ!

    _ نياااااااااااااااااوو!!
    ما هذا؟ هل تحولت أختي قطة فجأة؟ ماذا يحصل يا ترى؟ أختي تضع يدها على فمها، وصوت آخر ينطلق، يتردد صداه في الغرفة: (أووووووووووه)! بكل الألم الماحق، فهتفت بها مستنكرًا: (عيب عليكِ! إلى هذا الحد تشعرين أنكِ "مشحوتة" على الشاي؟ اشربي قليلًا قليلًا! صحيح أنني أنا من قمتُ بإعداد الشاي، ولكن)...
    قاطعني صوتها مرة أخرى يتردد: (أووووووووووه)! وأختي تسرع نحو المغسلة، وعيناها تدوران في مكانهما، وأنا أهتف بها، داعيًا إياها ألا تكون (قليلة ذوق) إلى هذا الحد مرة أخرى، وأن تشرب بالتدريج، كي لا تضيع من فمها طعمة (أطيب شاي) في الكرة الأرضية كلها، وأن...
    وخرجت أختي من الحمام، وأخذت تنظر إليَّ كأنها قد أصبحَتْ (تمثال الحرية) الجديد، فقلت لها واعظًا: (اشربي متمهلة المرة المقبلة، من المؤكد أن لسانكِ قد احترق من الجرعة الهائلة التي تناولتِها بكل شراهة، استحي على دمكِ)! وصرخت أختي كأنها ريح هدارة: (أتضع لي الملح في الشاي يا أخي؟ آآآآآآآآه)؟ ومع أنني لم أفهم ماذا تقصد بادئ الأمر، فأنا أشرب الشاي من دون سكر، فكيف أضع الملح لأختي؟ الإجابة المنطقية (الوحيدة) هنا أنني أخذت علبة الملح، ودلقت منها تلك الكمية في كوب أختي، ولكني لا أُلام، فأنا لا أعرف أين تضع أمي السكر أساسًا!
    أردت أن أشرح لأختي هذه النظرية وتلك الفرضية، لتزيد معلوماتها (العلمية) لكنها لم تمهلني ولا ثانية، فهتفت متحمسًا: (أتريدين أي شيء مني يا مامااااااااااا)؟ وطبعًا الـ(ما) الثانية في كلمة (ماما) مددتها طويلًا، وأنا أسرع نحو باب المنزل لأفِرَّ بروحي المسكينة، وأسنان أختي تهدف إلى انتزاع ذراعي من مكانها! فتحت الباب وألقيت بنفسي خارجًا، وإن كنت لم أنجح في تفادي أسنان أختي تمامًا قبل ذلك، لكن على الأقل خففتُ كثيرًا من الضرر الذي كان يمكن أن يقع، ولم أهرب لأنني أخاف العض، بل لأنني فم أختي مليء بالملح، وأنا لا أحب أن أملح ذراعي، فقط لأجل ذلك، (لا) تصدقوني!


    انتهت حكاية اليوم...
    لكن لا بد من أذكر لكم مقصد أختي من (الكوسا) و(المتبل) و(الزيت) و(النعناع) يومًا ما...
    ولا بد كذلك من الرجوع زمانيًا إلى عام 1994م، أيام كانت لي مساعدة (قيمة) لأختي المتزوجة حديثًا، أدت إلى تعانق ثلاث أخواتي لي، بمنتهى الحنان، ومن أعينهن تسيل دموع الامتنان...
    تابعوا معنا.



    عمر قزيحة: 15_6_2019م: الساعة: 12:50 دقيقة ليلًا.


  21. #20

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,627
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Thumbs up رد: أيامي المطبخية

    أهلاً^^,

    يالله ما هذا؟!،
    شيء صراحة يقهررxD,

    استغفرالله
    لما كشفوك أحس ارتاحت نفسيxD,

    لأني رحمت أختك المسكينة!!،
    بس اللي ما فهمته إنك تقول لا أدري سبب ذلك!!،
    اللي فهمته إنك أخذت علقه محترمة
    استغفرالله
    يا ربي
    ،
    بس اللي سويته مو هين أبد،
    وربي أختك مسكينة ربي يحفظها يارب،
    شقاوتك طلعتها كلها في المطبخ!!،
    وفي الأخير شاي بالملح!!
    ،
    هذي آخرتها!!،
    تعبت وأنا أضحك
    بس فعلاً وأنا أقرا كله أتحسر على أختك
    يللآ المهم عرفت، ردت روحي!!،

    ربي يبارك بك
    فرحت لما أنزلت جزء
    سرد ممتع للآخر،
    وأسلوب شيق ورائع،
    ما شاء الله تبارك الرحمن
    ربي يسعدكم يارب
    متابعين بإذن الله
    استمر
    ،
    في حفظ المولى،،

    ~

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...