الحلقة الحادية عشرة (صِدام)

كعادته، وقف مروان وحيدًا في الملعب ينظر إلى ما حوله...
يدير عينيه في اللامكان...
ولكنه لم يكن يشعر بالسخط مما يحيط به...
منذ انضمَّ إلى عصابة المخدرات، وهو يشعر بنشوة لا مثيل لها...
وبسعادة لم يُحِسَّ بمثلها من قبل...
في كل يوم يَمُرُّ كان نشاطه يتضاعف...
ومن ناحية الدروس عاد إلى سابق عهده كتلميذ مجتهد...
مثابر...
وبابتسامة ظافرة، استعاد ذهن مروان تفاصيل خطته التي أربكت خبير الذكاء الفذ...
ومن خلفه خبراء الأمن كلهم...
لقد جهَّز رسالته الإلكترونية على جهازه الشخصي...
وأرسل نادرًا إلى ذلك المحل، لِيُشَغِل الإنترنت، ليستقبل برنامج مروان، ويَبُثَّه عبر شبكة الإنترنت...
خدعة عبقرية، وإن كانت بسيطة يمكن اكتشافها بسهولة تامة لو أن جهاز الأمن أرسل خبراء الكومبيوتر لا خبراء البصمات!
ولكن تقدير مروان كان سليمًا، إذ إنه توقع ردة الفعل هذه...
حتى العقيد فريد ظن أن مروانًا هو الذي دخل المحل متنكرًا...
ولكن الجرح الذي تعمَّدَه مروان أربكه...
اتسعت ابتسامة مروان حينما تذكر كيف ذهب فريد بتفكيره إلى أنه قد جرح نفسه ليغطي على جرح نادر، فكشف عن ساقي الأخير، إنما من دون فائدة...
فانصرف خائبًا، والآن لم يَعُدْ أمام مروان سوى أن...

_ مروان!
قطع صياح حميد تسلسل أفكاره، فالتَفَتَ إليه بضيق، ولكنه لم يَقُلْ شيئًا، ما استفزَّ حميدًا، فصرخ به:
_ باعتباري زعيمك سأوقع عليك عقوبة قاسية لمخالفتك أوامري، من المفروض أن تقدِّم إليَّ تقريرًا عن العمليَّة لأرسله إلى الزعيم، ولكنك لم تفعل، ولذلك عليك أن...
قاطعه مروان بسخرية:
_ كلام فارغ، مثل رأسك!
صاح حميد بغضب جارف:
_ ماذا تعني؟
أجابه مروان بسخرية أشد:
_ لقد أرسلت تقريرًا مفصلًا بكل ما حدث إلى الزعيم مباشرة، وقد أعطاني حرية التصرف كما يحلول لي.
صرخ حميد، وعيناه تكادان تخرجان من مكانيهما:
_ لو تصرف كل منا كما يحلو له فستنهار العصابة، ولذا فلن أسمح لك بأن تقدم على أية خطوة من دون إذني، أتفهم؟!
ردَّ مروان بلا مبالاة:
_ بإمكانك إرسال اعتراضك إلى الزعيم مباشرة إن استطعت ذلك! وإلى أن يُسمَح لصعلوكٍ مثلك أن يتكلم والزعيم من دون وسائط، فلتغرب عن وجهي!
واستدار ليبتعد، ولكن حميدًا انقض عليه هاتفًا:
_ لن أسمح لك، من أجل العصابة.
كم من مرة مارس حميد لعبة الغدر هذه!
كم من مرة انقضَّ على ضحاياه بغتة، ليحقنهم بالمخدر!
لقد بدا له الأمر محسومًا هنا، وأنه سيلقن مروانًا درسًا قاسيًا يجعله يعترف بأنه مجرد تابع له لا أكثر، ولكنه كان مخطئًا بالفعل...
فمروان لم يكن بالضحية السهلة، ولا حتى بالصعبة...
بل هو خصم قوي، وعنيف...
ما كاد حميد يتعلق به حتى انتزعه بِيَدٍ واحدة، وألقاه أرضًا بقسوة كادت تحطم عظام ظهره...
وهبَّ حميد واقفًا رغم آلامه ليتابع المعركة، ولكنه لم يعتدل بالكاد، إلا وعنقه في قبضة مروان...
وأقسم حميد إن عيني مروان كانتا تشتعلان حقيقة لا مجازًا، وصوت الأخير المخيف يكاد يجمد الدماء في عروقه:
_ أنت تغار مني أيها التافه، وخوفك على زعامتك لا على مصلحة العصابة، فالزعيم الكبير أدرى منك بها بكل تأكيد، ولو حاولتَ الاعتداء عليَّ مرة ثانية فسأكسر عنقك، أتفهم؟!
لوَّح حميد بِيَدِه موافقًا، وهو يكاد يشعر بالاختناق، فأفلته مروان وابتعد رافعًا رأسه بكبرياء، فلهث حميد متألِمًا، وهو يتمتم بحقد:
_ سأقتلك يا مروان، سأقتلك، لن تنعم بالحياة طويلًا.
لم يكن حميد يلقي كلامه من باب الحقد أو الغضب فحسب...
بل كان يعني ما يقول، ويقصده تمامًا.
***

_ خطأ، أنت فاشل يا هذا!
صاح مدير جهاز الأمن السري في وجه العقيد فريد، فهتف الرجل معترضًا:
_ أنا لستُ فاشلًا، كانت فكرة وأردتُ التأكد منها فقط.
صرخ المدير غاضبًا:
_ وما الذي جعلك تفكر في مروان؟ ألا تعلم أن خبراءنا أجمعوا على كون الفاعل خبيرًا لا يُشَقُّ له غبار؟ ما الذي قاد تفكيرك إلى ولد ساذج مثل مروان؟
أجابه فريد، وهو يضغط على أعصابه بقوة:
_ تحرياتكم هي التي قادتني إليه، ما كنت لأفكر به لولا تحرياتكم!
سأله نائب المدير بدهشة:
_ كيف؟!
صاح فريد في شيء من الحدة:
_ لم كانت تحرياتكم حوله، ما دمتم لا تشكون به؟!
ردَّ نائب المدير بدهشة أكبر:
_ الفاعل استخدم عنوان منزل والده، ورقم الهاتف الخاص به، فخشينا أن يكون قد قتل مروانًا ليلقي التهمة عليه، ولن يستطيع الأخير أن ينفيها كونه جثة هامدة بالطبع، بل ربما يؤكدها خطاب انتحار زائف، خاصة أن الفتى يعيش وحده مع بعض الخدم منذ سفر والده، أعرفْتَ الآن لماذا تحرينا عنه؟
هَمَّ العقيد فريد بالاعتراض، ولكن المدير استوقفه قائلًا بحزم:
_ يكفي هذا، وإياك أن تضايق مروانًا، واترك الأطفال، لم يَعُدْ ينقصك إلا أن تحقق مع تلاميذ صفوف الروضات كذلك، قم بعملك بجدية وإلا فسأفصلك من الجهاز، أتفهم؟
احتقن وجه فريد تمامًا، ولكنه غادر من دون اعتراض...
كانت المرة الأولى التي يقف فيها مثل هذا الموقف المستفز...
لذا لم يُدْلِ بكل ما لديه من المعلومات المهمة، ولم يذكر شيئًا عن التقرير الخطير الذي وصل إليه اليوم...
تقرير عن تلميذ في المرحلة الثانوية تعارك مع زميل له، وهو يصرخ بكلمات عن (الزعامة) و(العصابة)...
تقرير أثار اهتمامه، كون أحد عناصره الأساسية هو نفسه المشتبه به مروان...
واتخذ فريد قراره الحازم الذي لا رجوع عنه...
سيدخل اللعبة على حسابه الخاص، وسيكون هدفه الأول والأخير مدرسة مروان...
وتلاميذ صف مروان جميعًا...
وهنا يكمن الخطر...
كل الخطر!