ضمير الأمة العربية!
قصة (خيالية) ساخرة من (واقع) الحياة!

_ عليك الرحمة يا وليد.
قالها حميد بصوت يائس، وهو يداري دموعه، فربَّت حسام على كتفه قائلًا:
_ كلنا على طريق الموت.
ردَّ حميد في تأثرٍ واضح:
_ لقد كان عبقريًا، أنقذ مؤسستنا الإعلامية من الإفلاس، بل وجعلنا من كبار الأثرياء بفكرته الذكيَّة حول إعلان المعجون، وأصبحت مؤسستنا أشهر مؤسسة إعلامية في العالم العربي، فعل ذلك ومات مباشرة بسكتة قلبية.
قال حسام:
_ ولكنه مات منذ شهر كامل، ولا ينبغي أن نبقى حزينين كل هذه الفترة يا صديقي.
أجاب حميد:
_ صحيح، لكن المشكلة العويصة التي تواجهها مؤسستنا بحاجة إلى عقل عبقري كعقله، مشكلة لا أجد لها حلًا، ولم يُفدني أحد من خبراء المؤسسة فيها.
سأله حسام بفضول واضح:
_ أية مشكلة هذه؟!
صمت حميد لحظات، ثم حسم أمره قائلًا:
_ قلة الأخبار، كل مراسلينا في أنحاء العالم لا يرسلون إلا ما يكفي لنشرة أخبار مدتها ربع ساعة على الأكثر، وأخبارهم كلها مكررة، مراسلنا في فرنسا يرسل الأخبار عينها التي يرسلها مراسلنا في بلجيكا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مراسلينا كافة، خاب ظني بهؤلاء الرجال جميعًا.
هتف حسام:
_ رجال؟! رجال فقط؟!
تساءل حميد بفضول:
_ ماذا تعني؟!
أجابه بحسم:
_ عليك أن توظف مراسلين من النساء، وسترى...
قاطعه مستنكرًا:
_ نساء؟! ماذا يفهمن من هذا العمل؟! الرجال لا...
قاطعه بدوره:
_ اسمع يا رجل، أنت تريد الحل، افعل ما أقوله لك، ولن تندم، صدقني لن تندم.
وغرق حميد في تفكير عميق ...

_ حسام! مرحبًا بك! أطلت الغياب.
دخل حسام مبتسمًا، وقال:
_ كنت مشغولًا يا حميد.
صاح حميد:
_ ثلاثة أشهر، وأنت مشغول؟! هذا ليس بعذر!
جلس حسام قائلًا:
_ كيف حالك يا رجل؟! وكيف حال العمل؟!
ردَّ حميد بابتسامة عريضة:
_ بخير، لقد بات لمحطتنا ثلاث نشرات أخبار كل يوم، محلية وعربية وعالمية، وكل نشرة لها توسعات وتفصيلات في برامج حوارية وسياسية وثقافية، بل إننا نستعد لإصدار جريدة.
ونهض حميد من مقعده، ليحتضن حسامًا ويقبله قائلًا:
_ كل هذا بفضل نصيحتك، لدينا الآن قسم كامل لتلقي الأخبار، والعمل لا يتوقف ولا لحظة، ليلًا ونهارًا، ولكن كيف حدث ذلك؟! هل النساء يعرفن في عمل الصحافة أكثر من الرجال؟!
أجاب حسام بابتسامة كبيرة:
_ ليس بالضرورة.
سأله حميد بفضول:
_ إذًا؟!
رد حسام في خبث:
_ لأنهن نساء! الواحدة تسمع الخبر وتقلبه من كل الوجوه، وتصدره بعدة أشكال وروايات، وتزيد فيه وتنقص منه كما يحلو لها، وما تزيده أكثر بكثير مما تنقصه، ثم إنها لا تنتظر الخبر مثل الرجال، بل تبحث عنه بحثًا حتى تجده، وإن لم تجده اخترعته، ثم تعاملت معه كأنه واقع، وأدخلت رأيها فيه ومحصته، وقلبته من كل الوجوه.
وغمز بعينه مضيفًا:
_ وإلا فلماذا اسمهن نساء؟!

بقلمي: عمر قزيحة _ عام 2006م.