حكاية هدية العروس
نجمة بنت عربيَّة! نجمة بنت فائقة الجمال، أنا لم أرها، لكن هذه شهادة كلِّ من حولها، أمُّها كانت تحذِّرها، عليكِ باللباس القرويِّ الطَّويل المحتشم، جمالُكِ ليس هيِّنًا يا ابنتي، وكانت الأمُّ على حقٍّ، على الرَّغم من التَّستُّر والاحتشام، هذا الشَّابُّ يسأل نجمة: أأنْتِ بشر أو أنَّكِ فراشة تنكَّرت في شكل فتاة؟
من هذا الشَّابُّ؟ إنَّه مصطفى، ابن صاحب المزرعة التي يعمل فيها والد نجمة، والدها خمَّاس، أي أنَّه يعمل في الأراضي، زرعًا وحراثة وقطفًا وبيعًا، مقابل خُمس الأرباح، ومثله لا يُقام له اعتبار بين الوجهاء والأثرياء؛ لذا حين ذهب مصطفى إلى والده يطلب منه أن يزوِّجه نجمة، رفض الأب، وكاد يظنُّ أنَّ في عقل ابنه نوعًا من الجنون!
البنت جميلة بلا مكياج؟ حلوة بلا أدوات تجميل؟ حسناء في صوتها نغمٌ ساحرٌ من غناء؟ كلام فارغ، يا مصطفى، لو حاولت أن تكلِّمني مرَّة أخرى في موضوع نجمة، سأتبرَّأ منك وأسحب إدارة المزرعة لأسلِّمها إلى سواك، وأُلقيك في الشارع، لعلَّك هناك تتسوَّل، أو ربَّما تصبح أنت خمَّاسًا بعد أن كنت ملَّاكًا!
لم ييأس مصطفى، وكيف ييأس والحبُّ قد تملَّك قلبه وكيانه؟ ذهب إلى والد نجمة، أنا أحبُّ ابنتك يا عمِّي! لم يُفاجأ الرَّجل، كان يعلم بذلك من امرأته، وهو سعيد وراضٍ تمامًا؛ ففي هذا الأمر باب من الرِّزق الواسع، لكنَّه قال لمصطفى إنَّه يتمنَّى له أن يجد الفتاة التي تُسعد قلبه، بما أنَّ أهله لا يمكن أن يوافقوا على هذا الزَّواج!
أعلن مصطفى تمسُّكه بنجمة، وأعلن والدها مباركته هذه الخطوة، على ألَّا يلتقيا خارج المزرعة أو يخطئ في حقِّها، تحوَّل مصطفى إلى خاتم في يدي والد نجمة، أخذ الرَّجل من الأرباح ما يشاء، أخذ بعض أدوات المزرعة واستثمرها لمصلحته، ومصطفى يقول له افعل ما تشاء يا عمِّي، لا أريد سوى قضاء وقت ممتع مع نجمة!
هل البنت سلعة يا رجل؟ والدها اشترى مزرعة خاصَّة به من أموال هذه المزرعة، نقل إليها من الحبوب التي كان يشتريها والد مصطفى ما نقل، ومن الأدوات، ووالد مصطفى يلاحظ التَّدهور المخيف، والخسائر المتلاحقة، لم تخفَّ الأرباح فحسب، بل حتَّى رأس المال صار أقلَّ بقليل، ماذا يحدث يا مصطفى؟ اطمئنَّ يا أبي، كلُّ شيء على ما يُرام!
نجمة فتاة عربيَّة، فتاة محترمة، لم تخطئ مع مصطفى، لم تتجاوز حدود الأدب، كانت تفكِّر فعليًّا في أنَّ هذا الشَّابَّ سيخطبها يومًا ما، ولكن، لن تستمرَّ الأمور على حالها إلى ما لا نهاية، رجل أعمال ثريٌّ جدًّا، متقدِّم في السِّنِّ، في منتصف السِّتِّينات، قرَّر فجأة أن يبحث عن امرأة يسكن إليها، بعد وفاة امرأته بسنوات!
سأل الخاطبة، ذكرت له اسم نجمة، وأثنَت على جمالها الخارق، وعلى براعتها في العمل في المزارع، وقوَّتها، وصغر سنِّها (21 سنة)، جاء الكهل سريعًا إلى المزرعة، رأى نجمة، وقع صريعًا في هواها خلال ثوانٍ، وطلب يدها من والدها، سُعد الأب كثيرًا، مصطفى؟ من هذا؟ إنَّه لا شيء مادِّيًّا أمام هذا الرَّجل، وهو وعائلته كلُّها!
وافق الأب على الرَّغم من اعتراض نجمة، سألَته كيف يفعل هذا، وقد أعطى كلمته لمصطفى؟ ردَّ الأب هازئًا بمصطفى وأهل مصطفى، أخبرها أنَّ والد مصطفى لن يوافق على اقتران ابنه بها؛ لأنَّه يرى نفسه أغنى بكثير وأعلى مقامًا، أخذت ترجوه؛ لأنَّها أحبَّت مصطفى بصدق، وأدركت أنَّه يحبُّها من قلبه، ولا يتسلَّى، لكن لا فائدة!
خُطِبَت نجمة رسميًّا، مصطفى في غفلة من ذلك، كان يأتي المزرعة ولا يجد أحدًا، تكرَّر ذلك، شعر بالانزعاج، هل أُصيبَت نجمة بمكروه؟ استدلَّ على بيتهم في القرية وذهب إليهم، استقبله أبوها، لقد تركنا مزرعتكم، عندنا مزرعتنا الخاصَّة، قال مصطفى إنَّ هذا لا يهمُّه، يريد أن يطمئنَّ عن نجمة، وجاءه الرَّدُّ الصَّاعق، اغرب عن وجهنا!
شمت والد نجمة بمصطفى كثيرًا، أنت لم تخطبها رسميًّا، والدك يتعالى علينا، يخجل من نسبنا، لكنَّ رجل الأعمال الكبير، الثَّريَّ، ركض وراء ابنتنا يرجونا أن نقبل، وقد قبلنا، والآن لو سمحت اذهب ولا تَعُد إلينا، خاطب نجمة رجل عنده نخوة وشهامة، ولا يرضى بأن تتكلَّم امرأته – بعد أيَّام – مع شباب!
بكى مصطفى كما لم يَبْكِ من قبل، ذهب إلى والده، الحقُّ عليك، تعال معي أسرع، اخطب لي نجمة ليتركها خاطبها، قال له والده إنَّه ليس سوى مجنون أحمق، وهي حرَّة من قيود الخطبة لم يَرضَ بها، فكيف يرضى الآن؟ كيف يخطبها وهي مخطوبة؟ وطلب من ابنه أن يغرب عن وجهه حالًا، حتَّى يرجع إليه بعض العقل المفقود!
خرج مصطفى، والدُّنيا في عينيه ظلام مستمرٌّ، ذهب إلى مزرعة والد نجمة، رأى محبوبته فركض ليكلِّمها، وضعَت عينَيها في الأرض، طلبَت منه بكلِّ أدب أن يتركها وشأنها، فهي مخطوبة وعرسها قريب، وليس من اللائق أن تتكلَّم مع رجل غريب، كانَتِ الكلمة قاسية في قلب مصطفى ووعيه، رجل غريب؟ كلُّ الكلام السَّابق بينهما إذًا، ما تصنيفه؟
قرَّر مصطفى أن يُقدِّم لنجمة هديَّة أخيرة، راقب البيت طويلًا، حتَّى سَنَحَتِ الفرصة، نجمة تخرج وحدها أوَّل مرَّة، تبعها من بعيد، نجمة تتسوَّق، تشتري كلَّ ما يحلو لعينيها استعدادًا لزفافها القريب، أنهَت نجمة التَّسوُّق، وإذ بمصطفى أمامها، يا نجمة رجاءً، كلمة واحدة وأخيرة، هديَّة واحدة وأخيرة، ووعد لكِ لن تري وجهي بعد الآن!
مشَت نجمة معه حتَّى وصلا إلى مكان منعزل نسبيًّا، قال لها أغمضي عينَيْكِ وخذي الهديَّة، فعلت نجمة ذلك...
في يد مصطفى كيس فيه قطعة جواهر ذهبية ثمينة جدًّا كان يدَّخرها منذ زمان للحظة خطبته نجمة رسميًّا، وها هي نجمة قد ضاعت منه، إلى الأبد، بسبب أبيه وأبيها معًا...
في يد مصطفى، كذلك، كيس فيه زجاجة تمتلئ بماء النار الكفيل بسلخ جلد وجه نجمة تمامًا، وتحويلها إلى هيكل عظميٍّ!!
ترى، ما سيختار مصطفى هديَّة الوداع لنجمة؟
هل نجيب، أو نترك الإجابة لخيالنا، لعله يأتي ببعض الأمل من قلب أنياب الألم؟؟
المفضلات