مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام .. يا حبيباً زارنا في كــل عام
قد لقيناك بحب مفعــم .. كل حب في سوى المولى حرامفاقبــل اللهم ربِّ صومنا ..ثم زدنا من عطاياك الجســاملا تعاقبنا فقـــد عاقبنا .. قلق أسهـــرنا جنحَ الظلامأتاك شهر السعد والمكرمات فحَيِّه في أجمل الذكـريات يا موسم الغفـران أتحفتنـا أنت المنى يا زمن الصالحات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهاهو الضيف الكريم الذي طالما تشوقنا للقائه، وسألنا الله أن يمتعنا بأيامه، إنه ضيف من نوع آخر، ضيف لا يكلفنا شيئاً، بل نحن الذين نستفيد منه، ويعود علينا نفعه، نسأل الله أن يمتعنا بالعيش ساعاته ولحظاته، وأن يعيننا على صيامه وقيامه؛ هذا الزائر هو: شهر رمضان. فهلاَّ فرحنا بقدومه، واستبشرنا بلقائه، ورحبنا به، واستقبلناه بكل سرور وفرحة وطمأنينة؟!!. نعم مرحباً وأهلاً وسهلاً برمضان، شهر الصلاة والصيام والقيام، وقراءة القرآن، وحللت ونزلت سهلاً يا شهرا أوله رحمة، وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، والعجيب أن هذا الضيف يصلح الله بمقدمه القلوب، ويغفر بزيارته الذنوب، ويستر بوصوله العيوب...
رمضان جعل الله صيامه سبباً لمغفرة الذنوب؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه). بل جعل رمضان مكفراً لما بينه وبين رمضان الآخر من صغائر الذنوب؛ فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)
هذا الضيف أيامه أسعد الأيام، ولياليه أحلى الليالي، وساعاته من أجمل الساعات، ولذلك فقد كان سلفنا الصالح يأسفون ويئنون على فراقه ستة أشهر كاملة، ويسألون الله -سبحانه وتعالى- أن يتقبله منهم، وكانوا يستقبلونه ستة أشهر أخرى فرحاً وابتهاجاً بقدومه، ويسألون الله أن يبلغهم إياه.
ضيف التجارة فيه رابحة لا خسارة فيها مطلقاً، قال الله –تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} سورة فاطر(29). تجارة بتلاوة القرآن؛ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (آلم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف).
تجارة رابحة بتفطير الصائمين؛ فعن زيد بن خالد الجهني-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) فإذا فطرت صائماً في كل يوم فكأنما حزت على أجر صيام شهر آخر، فكيف إذا فطرت أكثر من صائم؟!.
فأهلاً وسهلاً برمضان شهر السعد والمكرمات، وموسم التعرض للنفحات، والعفو عن الزلات.
إخوتنا الكرام: تطوى الليالي و الأيام، و تنصرم الشهور و الأعوام، فمن الناس من قضى نحبه و منهم من ينتظر، و إذا بلغ الكتاب أجله فلا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون. و من يعيش فإنه يرى حلواً و مراً، فلا الحلو دائم، و لا المر جاثم، و الليل و النهار متعاقبان، و الآلام تكون من بعد زوالها أحاديث و ذكرى. و لا يبقى للإنسان إلا ما حمله زاداً للحياة الأخرى. يشب الصغير، و يهرم الكبير، و ينظر المرء ما قدمت يداه و كل يجري إلى أجل مسمى. قعدت بالمؤملين آجالهم عن بلوغ آمالهم. و عدوا أنفسهم بالصالحات فعاجلهم أمر الله. كل الناس يغدو في أهداف و آمال و رغبات و أماني، ولكن أين الحازمون و أين الكيسون ...
أيها الأحبة في الله: لقد أقبل عليكم شهر عظيم مبارك كنتم قد وعدتم أنفسكم قبله أعواماً و مواسم، و لعل بعضاً قد أمل و سوف و قصر فها هو قد مد له في أجله و أنسى له في عمره فماذا عساه فاعل؟ ؟. إن بلوغ رمضان نعمة كبرى، يقدرها حق قدرها الصالحون المشمرون. إن واجب الأحياء استشعار هذه النعمة و اغتنام هذه الفرصة.
إنها إن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة، أي خسارة أعظم من أن يدخل المرء فيمن عناهم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بحديثه على منبره في مساءلة بينه و بين جبريل الأمين: " من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين ". من حرم المغفرة في شهر المغفرة فماذا يرتجي؟ ؟.
النصيحة الأولى :-
جدد التوبة مع الله سبحانه وتعالى، أقبل على الله سبحانه بقلب صادق خاشع منيب معترف بذنبه مقر بتقصيره عازم على أن يقلع عن كل ذنوبه ولا يعود إليها نادم عليها وإذا كان لديك مظلمة لأحد فردها وإذا كان بينك وبين أخ لك خصومة فبادر بالتصالح وطهر قلبك من ضغينة وحسد وحقد، لكي لا تكون هذه الخصومة سبب في تأخر توبتك أو سبب في منع المغفرة.
النصيحة الثانية :-
أدعو الله سبحانة وتعالى وألح عليه في الدعاء أن يعينك على صيامه وقيامه وحسن عبادته وأن يتقبل الله جميع أعمالك وطاعاتك.
النصيحة الثالثة :-
ابدأ من الآن وهيئ نفسك للعبادة اذا كنت ممن هجر القرأن فضع لك ورد من اليوم وحاول أن تختم القرآن أو نصفه قبل رمضان، المهم أن تضع لك ورد يومي قبل دخول رمضان، إذا كنت من المفرطين في السنن الرواتب وصلاة الضحى والأذكار والأوراد فحافظ عليها من اليوم، قم الليل لو بخمس أو ثلاث ركعات، اجتهد ان لايدخل رمضان إلا وكانت هذه الأعمال جزء من برنامجك اليومي.
النصيحة الرابعة :-
احضر دورة علمية مختصرة أو أستمع إلى شريط في أحكام الصيام، ركز في هذه الأيام على أستماع أشرطة التفسير وأشرطة قصص القرأن فهذا بإذن الله يساعدك على التدبر والتلذذ بالقراءة في رمضان وغيره. ( أنصح بالإستماع لاشرطة الشيخ صالح المغامسي أو مشاهدة برنامجه في القناة العلمية بعد صلاة الفجر)
النصيحة الخامسة :-
اكتب الأهداف التي تنوي تحقيقها في هذا الشهر الكريم ولتكن أهدافك واضحة محددة بالكم والكيف مثل ان تقول
* أن أختم القرآن الكريم خمس مرات قراءة بتدبر.
* أن أحفظ 7 أجزاء من القرآن الكريم حفظا متقناً.
* أن أتصدق ب 2000ريال على الفقراء في الحي الذي أسكن فيه.
* أن أزور 15 بيتا من أقاربي.
* أن أعتمر عمرة واحدة في العشر الآواخر من رمضان.
وجميع الأهداف التي تنوي تحقيقها، ولتكن أهدافك طموحة وفي نفس الوقت واقعية يمكن تحقيقها.
النصيحة السادسة :-
ضع جدولا زمنيا لانجاز الأهداف التي ذكرتها تضع فيه جميع أيام الشهر والمهام الرئيسية لكل يوم مع تحديد وقت الانجاز، احرص على الإلتزام بالجدول ولا مانع من تعديله إذا دعت الحاجة.
النصيحة السابعة :-
إذا كان لديك أعمال معلقة في بيتك أو مرتبط بها مع أحد أنجزها قبل دخول الشهر وإذا لم تستطع ولم تكن طارئة أجلها لبعد الشهر، وكذلك أتمم عمليات التسوق الخاصة بك وبأسرتك الخاصة بالعيد قبل دخول شهر رمضان لكي لا تذهب أيام العشر أنت وأسرتك كل يوم في سوق.
النصيحةالثامنة :-
إذا كنت تنوي العمرة وقد حددت ضمن خطتك اليوم الذي ستعتمر فيه ونويت أن تذهب بالطائرة قم من الآن بحجز المقعد وإذا أمكن أحجز الشقة أو الفندق من الآن.
النصيحةالتاسعة :-
إذا كنت تاجراً اعمل على إنجاز الأعمال المتأخرة والمتعلقة والتي قد تصبح طارئة مع دخول الشهر وحاول أن تجد آلية لتسيير عملك بأقل تواجد وتدخل منك ما استطعت .
النصيحة العاشرة :-
ثق واستعن بالله ولا تعجز، واسئل الله الإخلاص، وتذكر دائما قول الله تعالى: {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184]
كلما فترت تذكر أنها مجرد أيام معدودات فإن ضيعتها ضيعت عمرك كما قال عليه الصلاة والسلام «رغم أنف عبد ادرك رمضان فلم يغفر له».
أحبتى .. يقول ربنا سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [ الزمر : 53 ], وهذا الشهر هو موسم عظيم للتوبة والمغفرة .. صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: « إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها».
فسبحان من يعطى ونخطي دائماً *** ولم يزل مهما هفا العبد عفا
يعطى الذي يخطي ولا يمنعه *** جلاله عن العطا لذي الخطا
فكفارة الذنب ... التوبة منه ... وعدم الإصرار عليه والإعتراف به ... والإستغفار منه ... والندم عليه ...
قال جل وعز: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران : 135].
فرغم أنفه .. ثم رغم أنفه ... من أدرك رمضان فلم يغفر له ... لماذا ؟ ... لأنه فرصة ... قد لا تتكرر مرة أخرى ... بل قد لا تعود أبداً ...
والسؤال الذى كان يراودني, منذ أن وضعت قلمي على ورقتي, أرقم هذه العبارات والجمل ... هو ...
متى يتوب من لم يتب في رمضان ؟
متى يعود إلى الله من لم يعد في رمضان ؟ متى ... متى ... ؟؟!!
أحبتى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [النحل: 92].
كم رمضان مر عليك ؟ خمس رمضانات أو عشر او عشرين أو أكثر أو أقل ؟!! كيف حالك وكيف هي عبادتك في أشهر رمضان للأعوام السابقة ؟! كيف أيمانك وقربك من الله سبحانه وتعالى ؟!! والاهم كيف هو تقواك بعد رمضان؟ وهل حققت الغاية السامية من صيام رمضان وهي {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ؟
هل أنت من النوع الذي يشعر بالحسرة والندامة إذا مضى جزء من رمضان ولم تقراء من القرآن إلا الشي اليسير؟ ولم يتزود بزاد الطاعات والعبادات والقربات بما يتناسب وعظمة ومكانة هذا الشهر الفضيل؟ ثم تعزم أن تنشط وتستغل مابقي من الشهر الكريم ثم تعود لحالك ولسابق عهدك وتجدد العزم لكن لا يتغير إلا النزر اليسير وينتهي رمضان ولم تنتهي حسراتك وينتهي الشهر وأنت أنت لم تتغير لا عملاَ ولاتقوى ولا عبادة ؟!
إذا كنت كذلك فأنت المعني بهذا الموضوع، واذا كنت صاحب همة عالية وتستغل أيام وساعات هذا الشهر أمثل استغلال فتابع الموضوع فقد تجد فيه بعض الفوائد، أما إذا كنت من المضيعين الظالمين لأنفسهم الذين مازادهم رمضان إلا إعراضا وصداً واتبع خطوات شياطين الإنس من قنوات فضائية وأسواق ومعاكسات فنقول تعال معنا لعل الله أن يفتح على بصائر قلبك، فنحن ندعوك إلى ان تعيش أياماً نجزم جزماً قطاعا بأنها الأسعد وندعوك ليكون هذا الرمضان انطلاقة للتغيير وللأبد.
وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صلوا صلاة مودع ، يقصد بذلك كأنها آخر صلاة في العمر فنقول لك أخي الحبيب ، صم صوم مودع ، فلعلك لا تلقى رمضاناً آخر .. نسأل الله أن يمد في أعمارنا على الطاعة والرضوان ..
لمحة وفاء الخاتمة
وهكذا أحبتنا الكرام .. حانت نهاية هذا الموضوع المتواضع ، كل هدفه كان تذكرة لمن أدرك الشهر منا .. وتذكير لنا أن نحسن العمل والإعداد لاغتنام كل لحظة في هذا الشهر .. قد يكون آخر رمضان عليك ، ومن يدري فهاهم على سبيل المثال اثنين من إخوتنا الأعضاء في المنتدى كانوا معنا في رمضان الماضي ، وهم الآن تحت أطباق الثرى .. يتمنون ركعة أو تسبيحة أو حتى دعاء .. فلا تنسوهم إخواني الأحبة من خالص دعائكم فهم بأمس الحاجة له .. بارك الله فيكم وكتب لنا ولكم الأجر والتوفيق وهيء لنا من يذكرنا بعد موتنا .. إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
اللهم اغفر لإخواننا أحمد ومحمد (R0BERT* & يوسوب)
وأنر ووسع لهما في قبورهما ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
المفضلات