السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتيت لكم اليوم بأبيات للشاعر
أحمد شوقي
بعنوان
غربة وحنين
نبذة عن الشاعر:
ولد فى القاهرة عام 1868م فى أسرة موسرة متصلة بقصر الخديوي، أخذته جدته لأمه من المهد، وكفلته لوالديه
حين بلغ الرابعة من عمره ، أدخل كتاب الشيخ صالح – بحى السيدة زينب – ثم مدرسة المبتديان الابتدائية، فالمدرسة التجهيزية ( الثانوية ) حيث حصل على المجانية كمكافأة على تفوقه.
حين أتم دراسته الثانوية دخل مدرسة الحقوق، وبعد أن درس بها عامين حصل بعدها على الشهادة النهائية فى الترجمة.
ما أن نال شوقي شهادته حتى عينه الخديوي فى خاصته، ثم أوفده بعد عام لدراسة الحقوق فى فرنسا، حيث أقام فيها ثلاثة أعوام، حصل بعدها على الشهادة النهائية فى 18يوليه 1893م.
أمره الخديوي أن يبقى فى باريس ستة أشهر أخرى للإطلاع على ثقافتها وفنونها.
عاد شوقي إلى مصر أوائل سنة 1894 م فضمه الخديوي توفيق إلى حاشيته.
سافر إلى جنيف ممثلاً لمصر فى مؤتمر المستشرقين.
لما مات توفيق وولي عباس، كان شوقي شاعره المقرب وأنيس مجلسه ورفيق رحلاته.
أصدر الجزء الأول من الشوقيات – الذي يحمل تاريخ سنة 1898 م – وتاريخ صدوره الحقيقي سنة1890م.
نفاه الإنجليز إلى الأندلس سنة 1914م بعد أن اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى ، وفرض الإنجليز حمايتهم على مصر، وعاد من المنفى سنة1920م.
بويع أميراً للشعراء سنة 1927م.
أنتج فى أخريات سنوات حياته مسرحياته وأهمها: مصرع كليوباترا ، ومجنون ليلى ، قمبيز ، وعلى بك الكبير.
توفى شوقي فى 14 أكتوبر 1932 م مخلفاً للأمة العربية تراثاً شعرياً خالداً.
ظروف النص:
كتبه الشاعر أثناء فترة نفيه، حيث كان الشوق لوطنه يلهب قلبه.
غُرْبَةٌ وَحَنِيِن
اِختلافُ الليلِ والنهــارِ يُنســي *** اذكُـرا لي الصِّبـا وأيامَ أنســي
وصِفــا لي مُـَِلاوةً مِنْ شــبـابٍ *** صـُوِّرَت مِنْ تَصَوّرَاتٍ ومــس ِ
عَصَفَتْ كالصَّبا اللعوب ومرت *** سـُـنـَــة حـلـوة ولـــذة خـــلـس ِ
وسلا مصرَ هل سلا القلبُ عنها *** أو أسا جرحَهُ الزمان المؤسي؟
كـلـمــا مـرت الـليالـي عـلـيــه *** رقَ والعهـد في الليالـي تُقسِّـي
مسـتطـار إذا الـبـواخــر رنـت *** أول الليل أو عـوت بعد جَرْس ِ
راهـبٌ في الضلوع للسفن فطن *** كـلـمـا ثـرن شـاعـهـن بـنـقـس ِ
يــا بنةَ الـيـم مـا أبـوك بخـيـــل *** مـالـه مـولـعـًا بـمـنعٍ وحبـس ِ؟!
أحــرام عـلـى بـلابـلــه الـــدوح *** حـلال لـلـطير من كل جنـس؟!
كـــل دار أحـــق بـالأهــــــل إلا *** فـي خبيـث من المذاهـب رجس ِ
نـفـسـي مرجـلٌ وقـلبـي شـــراع *** بهما في الدموع سيري وأرسي
واجـعـلـي وجـهـك الفـــــــــنـار *** ومجراكِ الثغر بين رمل ومكس ِ
وطنـي لو شغـلتُ بالخـلـد عنــه *** نازعتنـي إليـه في الخـلـد نفسي
وهـفـــا بالـفــؤاد في سلسـبيــل *** ظمــأ للســواد من عيـن شـمس
شـهـد الله لم يغـب عن جفونـي *** شخـصـه ســاعة لم يخل حسـي
تفسير ما قد يغمـُض من النص:
اختلاف: تعاقب.
الصِّبا: بـ"كسر وتشديد الصاد" هي حداثة السن.
أنسي: سعادتي.
ملاوة: فترة من العيش.. والميم قد تُقرأ مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة.
مس: هو الجنون والمقصود به هنا نشاط وحيوية الشباب.
الصَّبا: بفتح وتشديد الصاد هي ريح مهبُّها من مشرق الشمس إذا استوى الليل والنهار.
اللعوب: رشيقة الحركة.
سنة: هي النعاس الخفيف الذي يسبق النوم.
خلس: أُخذ بخفة.
سلا: نسي أو غفل.
أسى: عالج.
عوت: العواء هو صوت الذئب والمقصود هنا صوت جرس السفينة عند رحيلها.
فطِّن: يَقِّظ.
نقس: صوت الناقوس والمراد هنا نبض قلبه.
ابنة اليم: المقصود السفينة.
رجس: قبيح وقذر وحرام.
مرجل: وهو قدر غلي الماء غليان كاف لتوليد بخار يعين على تحريك أجسام ضخمة.
الفنار: هو المنارة على الشواطئ والمقصود هنا منارة الاسكندرية.
الثغر بين رمل ومكس: هو الفجوة والمقصود هنا الشاطئ بين حيي الرمل والمكس بالإسكندرية.
الخلد: هو البقاء للأبد والمقصود هنا الجنة.
السواد من عين شمس: سواد البلد هو قراه وما حوله، وعين شمس هي مدينة مصرية.
حسي: إدراكي.
جماليات النص: << نقلاً عن مذكرة النصوص للمرحلة الثانوية مع بعض تصرف.
ما بين الليل والنهار.. طباق يوضح المعنى ويقويه.
ما بين يُنسي واذكرا.. طباق يوضح المعنى ويقويه.
اذكرا لي الصبا.. اسلوب انشائي نوعه أمر غرضه الالتماس، كناية عن الارتباط بتلك الأيام، وبه تقديم وتأخير يفيد التخصيص والتوكيد، والشاعر هنا تخيل صاحبين يخاطبهما وهي إحدى العادات في الشعر العربي بتخيل صحبة يحادثها.
ما بين ينسي وأنسي.. تصريع له تأثير موسيقي جميل.
يُنسي.. بها إيجاز للعموم.
صِفا لي ملاوة.. اسلوب إنشائي نوعه أمر غرضه الاتماس وبها تقديم وتأخير.
صورت.. جاءت مبينية للمجهول للتعظيم والكثرة.
صورت من تصورات.. كناية عن جمال أيام الشباب، وبها جناس ناقص له تأثير موسيقي جميل.
عصفت كالصبا اللعوب.. خيال تركيبي به تشبيه مرور فترة الشباب بريح الصبا، وبها استعارة مكنية حيث شبه الصبا بالمرأة اللعوب وهذا تشخيص يوحي بلطف النسيم وخفته وأثره الطيب في نفسه.
لذة خلس.. بها خيال تركيبي وتشبيه لفترة الشباب باللذة، واستعارة مكنية حيث شبه اللذة بكنز يُختلس.
علاقة البيت الثالث بالثاني.. تفصيلية
عصفت.. توحي بالعنف، أخذها البعض عليه أنها لا تلائم الجو النفسي، والرد على ذلك أنها تلائم عنفوان الشباب.
سنة وخلس.. توحيان بقصر الشباب وسرعة انتهائهما.
سلا مصر.. اسلوب إنشائي نوعه أمر غرضه الاتماس، وبه استعارة مكنية حيث شبه مصر بإنسان يُسأل، والتشخيص يوحي بالقوة.
هل سلا القلب عنها.. اسلوب إنشائي نوعه استفهام غرضه النفي، وبه استعارة مكنية (تشخيص) حيث شبه القلب بإنسان يسلو.
ما بين سلا وسلا.. جناس تام له تأثير موسيقي جميل.
أسا جرحه الزمان المؤسي.. استعارة مكنية (تشخيص) شبه الزمان بطبيب يعالج، توحي بأثر الزمان في طمس الذكريات، تقديم وتأخير للاهتمام.
الليالي تقسي.. استعارة مكنية (تشخيص) شبه الليالي بأشخاص، وأتى بالفعل تقسي بعد الليالي لأن تجمع الأحزان وكثرها ليلاً حيث المرء وحده تدفع القلب للقسوة والتجلد.
رق وتقسي.. بينهما طباق يوضح المعنى ويقويه.
مستطار.. استعارة مكنية (توضيح) حيث شبه القلب بطائر مذعور، وتوحي بشدة الاضطراب، وبها ايجاز بالحذف للاهتمام.
ما بين"البواخر رنت" و "عوت".. طباق في معناهما لتوضيح فرحته بوصولها أملاً، وكآبته عند رحيلها دون طمأنته.
راهب.. تشبيه القلب بالراهب به تشخيص وايجاز بالحذف للاهتمام، للدلالة على تفرغه لمراقبة السفينة الأمل الذي يصله بمصر.
للسفن فطن.. استعارة مكنية (تشخيص) حيث شبه القلب بإنسان فطن، وبها تقديم وتأخير للاهتمام.
ثرن.. استعارة مكنية (توضيح) حيث شبه السفن بغبار يثور، توحي بالكآبة.
شاعهن بنقس.. (صورة ممتدة) استعارة مكنية شبه القلب بإنسان يودع (تشخيص)، توحي بارتباطه الوثيق بالسفن الذاهبة إلى مصر.
بنقس.. استعارة تصريحية شبه خفقان القلب بالنقس.
الضلوع.. مجاز مرسل عن الصدر علاقته جزئية.
يا بنة اليم.. أسلوب إنشائي نوعه نداء غرضه التمني والاستعطاف، استعارة مكنية شبه السفينة بإنسان يُنادى عليه (تشخيص)، كناية عن السفينة.
أبوك.. كناية عن البحر.
ماله مولعًا.. أسلوب انشائي نوعه استفهام غرضه التعجب.
عطف حبس على منع.. يفيد التوكيد.
أحرام.. أسلوب انشائي نوعه استفهام غرضه الاستنكار.
ما بين حرام وحلال.. طباق يوضح المعنى ويقويه.
بلابله.. استعارة تصريحية (توضيح) شبه المصريين بالبلابل.
الدوح.. استعارة تصريحية شبه أرض مصر بالدوح للتوضيح.
وفي هذا البيت تشبيه ضمني حيث شبه مصر وقد حُرم أبناؤها من خيراتها والمستعمرون يستمتعون بخيراتها بالشجرة وقد حُرمت على بلابلها وأبيحت لطيور أخرى يوحي بالمرارة التي يحسها.
ما بين بلابله ودوح وطيور.. مراعاة للنظير، واضافة الضمير إلى بلابله للتخصيص.
دار.. جاءت نكرة للعموم والشمول.
خبيث ورجس.. جاءتا نكرة للتحقير، ومجيء رجس بعد خبيث للتأكيد.
خبيث من المذاهب.. استعارة مكنية شبه الذاهب بشيء مادي خبيث (تجسيم)
نفسي مرجل.. تشبيه نفسه بالمرجل للتوضيح يوحي بشدة شوقه.
قلبي شراع.. تشبيه بليغ لقلبه بالشراع.
سيري وأرسي.. أسلوب انشائي نوعه أمر وغرضه التمني، وبينهما طباق يوضح المعنى ويقويه.
بهما في الدموع سيري.. استعارة مكنية للتوضيح حيث شبه دموعه بالبحر مما يوحي بشدة حنينه للوطن، وبها تقديم وتأخير.
ذكر نفسي مع مرجل..يدل على أن نفسه امتلأت بالأنفاس الحارة.
ذكر قلبي مع شراع.. يدل على أن قلبه هو الذي يوجهها.
ذكر الدموع مع سيري.. يدل على كثرة الدموع التي أصبحت كالبحر.
اجعلي وجهك الفنار.. أسلوب انشائي نوعه أمر غرضه التمني، وبه استعارة مكنية حيث شبه السفينة بإنسان له هدف (للتوضيح)
وطني.. اضافة وطن إلي ياء المتكلم للتخصيص والاعتزاز.
شغلت ونازعتني.. بينهما طباق يوضح المعنى ويقويه.
سلسبيل.. مجاز مرسل عن الجنة علاقته جزئية.
نازعتني في الخلد نفسي.. بها تقديم وتأخير.
وهذا البيت كناية عن شدة شوقه للوطن.
ظمأ.. استعارة تصريحية، شبه شوقه بالظمأ للتوضيح، وتوحي بشدة شوقه، وجاءت نكرة للتعظيم.
ما بين ظمأ وسلسبيل.. طباق يبين مدى شوقه للوطن.
جفوني.. مجاز مرسل عن العين علاقته جزئية.
لم يغب عن جفوني شخصه.. استعارة مكنية (تشخيص)، شبه الوطن بإنسان له ذات.
ساعة.. جاءت نكرة للتقليل.
وهذا البيت كناية عن ملازمة حب الوطن له.
أسأل الله أن أكون أفدتكم بهذا النص
وأن يكون قد لاقى لديكم صدى كما لاقى في نفسي
المفضلات