وقفات لا بد منها
الوقفة السادسة
خطر نشر أخبار الفواحش والجرائم
المجتمع المسلم طاهر نظيف ,لاتتردد فيه أخبار المعاصي والفواحش,ومن تجرأ على معصية فإنه يستحي من إظهارها,لأنه يعلم أن المجتمع يبغضها ويبغض أصحابها فهو ذليل في المجتمع المسلم ,يشعر بخيبته وخسارته,لأن الغالب على الناس الصلاح والإصلاح ,والجرائم موجودة في كل عصر ومصر,ولكنها تختلف من زمان إلى زمان,ومن مكان إلى مكان,ففي الأزمنة التي تشرق فيها شمس الإسلام,وترتفع فيها راية الملك العلام,تقل المعاصي,وكذلك لا توجد الجرائم البشعة كأن يقتل الرجل أمه وأباه,أوتقتل المرأة زوجها,أو الزوج امرأته ,فهذه الجرائم ما سمعنا عنها في أزمنة العصور الأولى المفضلة,ولكنها ظهرت وكثرت مع كثرة الجهل,وتنكيس أعلام الشريعة,وعلى كل حال ينبغي أن يجتهد الناس في ستر المعاصي والعصاة لأن المعصية إذا فعلت سراً لم تضر إلا أصحابها ,وإذا أعلنت تضرر منها المجتمع,فينبغي أن يجتهد الناس في ستر المعاصي والعصاة,حتى لا تظهر رائحتها فيتجرأ الناس عليها,ويستهينون بها,كان أحد الولاة الصالحين يقول لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر :إجتهد في ستر عصاة المسلمين ,فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة" -رواه مسلم-
وقال أيضا : "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه,لا تغتابوا المسلمين,ولا تتبعوا عوراتهم,فإنه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته" -رواه الترمذي-
ونحن في أزمنة غابرة متأخرة غابت فيها شمس الشريعة وغلب على الناس الجهل بالله عز وجل وبدينه وأهل المعاصي يوسمون دائما بالجهل كما قال تعالى حاكياً عن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم : "قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ "
وقال حاكياً عن يوسف -عليه السلام- : "وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ"
وقال في وصف المحسنين : " وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ "
والجهل من أكبر المعاصي.
قال الإمام سهل : ما عُصى الله بذنب أقبح من الجهل.
وقيل له :يا أبا محمد أي شئ أقبح من الجهل ,قال : الجهل بالجهل . قيل صدق لأنه يسد باب العلم بالكلية.
قال ابن القيم -رحمه الله- :
والجهل داء قاتل وشفاؤه ..أمران في التركيب متفقان
نص من القرآن أو من السنة .. وطيب ذاك العلم الرباني
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "فإنما شفاء العي السؤال" -رواه أبو داود-
أي شفاء الجهل سؤال أهل العلم.
فالإقدام على المعاصي من الجهل بعظمة الله عز وجل , ومايليق به من أن يطاع فلا يعصى ,ويذكر فلا ينسى ,ويشكر فلا يكفر,وكذا من الجهل بدينه الذي جعله الله سبباً لسعادة العباد في الدنيا والآخرة ,وكذا نشر هذه الفواحش وإشاعتها.
وقد قال الله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "
فإذا كان هذا جزاء من يحب أن تشيع الفواحش,فكيف بالذين يسعون ليل نهار بإشاعتها,والترويج لها بنشر أخبارها,وكلما حدثت جريمة بشعة طاروا بها كل مطير ,وأعلنوها على صفحات جرائد كاملة مخصصة لأخبار الحوادث,أو مجلات أنشأت لهذا الغرض السئ كمجلة الحوادث،ولا شك في أن ذلك منكر يجب إنكاره,إذا كانت الجرائم تتعلق بالأعراض,فإن قال قائل فأنتم تذكرون في هذا الكتاب قصص شباب وقعوا في جرائم بشعة فالجواب أننا ما قصدنا ذكرهم من أجل أنهم فعلوا هذه الجرائم .وإلا فأصحاب الجرائم كثيرون ,لا يكاد يمر يوم حتى تطالعنا الصحف والمجلات بجملة جرائم ,وإنما ذكرنا من ذكرنا لأنهم وفقوا للتوبة والإنابة ,واستقاموا على طاعة الله,حتى تكون أمثلة حية لمن وقع في مثل الجرائم أن يطلب التوبة والإنابة.
وقد قص الله علينا قصة بني آدم حيث قتل أحدهما الآخر,لما في ذلك من العبرة والعظة,وبيان كيف ابتدأت الجريمة على الأرض,وقص النبي علينا قصة الذي قتل مائة نفس من بني إسرائيل لبيان سعة رحمة الله وأن العبد إذا كان صادقا في طلب التوبة,وأخذ بأسباب البعد عن المعاصي,والانطلاق في فضاء الطاعة تقبض روحه ملائكة الرحمة,فالقصص القرآني والقصص النبوي لا يساق لمجرد التسلية ,وتزجية الأوقات ,وإنما يساق للعبرة والعظة وغرس المعاني الإيمانية الشريفة,والارتفاع بمستوى الأمة الإيماني والأخلاقي,ولذلك يسكت عن كثير من التفصيلات التي ليست فيها الفائدة.
وقد طلبت من أخي "أبو عبد الرحمن" وهو يسرد هذا القصص وعند ذكر الجرائم أن يسكت عن التفاصيل التي تقسي القلب,وتجعله يستهين بالمعاصي وعند ذكر توبتهم واجتهادهم في الطاعة وثباتهم على كلمة التوحيد أمام حبل الحياة (الموت سابقا) يفصل القول,لأن هذا هو المقصود والله من وراء القصد.
فهذه القصص ليست قصص الجرائم ,ولكنها قصص التائبين من الجرائم الذين وفقوا أيما توفيق في النهوض من كبوتهم ,والخروج من مستنقع الرزيلة وهوة المعاصي السحيقة,ثم تسلقوا قمم الجبال, فحفظوا القرآن,وقاموا آناء الليل ,وأكثروا من الذكر والاستغفار والصيام,ولم يمنعهم ما وقعوا فيه من طلب معالي الأمور ,والطمع في رحمة العزيز الغفور.
فلاشك في أن في قصصهم عبرة للمعتبرين,من جهة أنهم ساروا في طريق المعاصي فأوصلهم ذلك إلى جدران الزنازين وخشبات المشانق,ثم ياروا في طريق الإيمان فوجدوا حلاوة الطاعة,والصيام والقيام وبشروا بالرؤا الصالحة،التي تبشر بحسن الخاتمة،والعاقبة ثم هم أمثلة حية لمن ساءت بدايته،وحرم التوفيق في أول أمره ،فهو على أمل إن صدقت نيته وقام على ساق عزمه،أن يختم له بخير،وهو من أهل الصيام والقيام وتلاوة القرآن.
قال ابن الجوزي -رحمه الله- : جاء رجل إلى أبي على الدقاق. فقال :قطعت إليك مسافة.
فقال : ليس هذا الأمر بقطع المسافات فارق نفسك بخطوة وقد حصل لك مقصود.
لو عرفت منك نفسك التحقيق لسارت معك في أصعب مضيق لكنها ألفت التفاتك،فلما طلبت قهرها فاتك.
هلا شددت الحيازم
وقمت قيام حازم
وفعلت فعل عازم
وقطعت على أمر جازم
تقصد الخير ولكن ما تلازم
ويعرف أخلاق الجبان جواده..فيجهده كداًويرهبه ذعرا
وقال أيضا:يا من ملكته نفسه،وغلبه حسه،وقد دنا حسبه وستكف خمسه,ولقد أنذره جنسه،عاتب نفسك لعلها ترعوي ,وسلمها إلى رائض العلم عساها تستوي،أحضر دستور المحاسبة وحاسبهاواندبها إلى الخير فإن أبت فاندبها
والله لو علمت روحي بمن علقت ..قامت على رأسها فضلا عن القدم
المفضلات