الحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وبعَفوِه تُغفَر الذُّنوب والسيِّئات، وبكرَمِه تُقبَل العَطايا والقُربَات، وبلُطفِه تُستَر العُيُوب والزَّلاَّت ،،،
الحمدُ لله الذي جعَل الأعياد في الإسلام مَصدرًا للهناء والسُّرور، الحمد لله الذي تفضَّل في هذه الأيَّام العشر على كلِّ عبدٍ شَكُور، سبحانه غافِر الذنب وقابِل التَّوب شديد العِقاب .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، صاحب المعجزات الباهرات ، وعلى آله وأصحابه أولي النهى والمكرمات ، وسلم تسليماً كثيرا ..
إن للمؤمنين في الدنيا ثلاثة أعياد لا غير، عيد يتكرر في كل أسبوع وهو يوم الجمعة، وعيدان يأتيان في كل عام مرة، وهما عيدا الفطر والأضحى ، لـمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى)) .
الأعياد في الإسلام تبدأ بالتكبير، وتُعلن للفرحة النفير؛ ليعيشها الرجل والمرأة، ويَحياها الكبير والصغير، أعيادنا تهليلٌ وتكبيرٌ.
العيد في الإسلام كلمةٌ رقيقة عَذبة تملأ النفس أنسًا وبهجةً، وتملأ القلبَ صفاءً ونَشوَة، وتملأ الوَجه نَضارة وفَرحَة، كلمةٌ تُذكِّر الوحيدَ بأسرته، والمريضَ بصحَّته، والفقيرَ بحاجته، والضعيفَ بقوَّته، والبعيدَ ببلده وعَشِيرته، واليتيمَ بأبيه، والمِسكِين بأقدس ضَرُورات الحياة، وتُذكِّر كلَّ هؤلاء بالله ،،،
الأعياد في الإسلام ليست انطِلاقًا وراءَ الشَّهوات، وليسَتْ سِباقًا إلى النَّزوات، وليست انتِهاكًا للمُحرَّمات، أو سَطْوًا على الحدود أو الحرمات.
قال الحسن البصري رحمه الله : "كل يوم لا يعصي الله فيه فهو عيد ، كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه ، وذكره ، وشكره فهو له عيد" .
عيدي مقيم وعيد الناس منصرفُ ... والقلبُ مني عن اللذات منحرفُ
ولـــي قرينان مالـــي منهمـــا خلـــف ... طول الحنين وعيـن دمعهـا يكِفُ
فطُوبَى للذين صاموا وقاموا، طُوبَى للذين ضحَّوا وأعطَوْا، طُوبَى للذين كانوا مُستَغفِرين بالأسحار، مُنفِقين بالليل والنَّهار،،،
ما أعظَمَ هذا الدِّين! وما أجمَلَ هذا الإسلام! يدعو الله عزَّ وجلَّ ، عبادَه لزيارة بيته الحرام، الذي جعَلَه مثابةً للناس وأمنًا؛ ليجمَعُوا أمرَهم، وليُوحِّدوا صفَّهم، ويشحَذُوا هممهم، وليقضوا نفَثَهم، وليطوَّفوا بالبيت العتيق ،،،
أمـــا والذي حـج المحـبون بيته ... ولبوا لـــه عند المهـل وأحرمـوا
وقـد كشفوا تلك الرءوس تواضعا ... لعـزة من تعنو الوجوه وتسلـم
يهـلـون بالبيـداء لبيـك ربنـــــا ... لك الملك والحمد الذي أنت تعلم
دعـــــاهـــم فلبـوه رضــــــا ومحـبـــــة ... فلمـا دعــوه كــان أقـرب منهـم
تراهم على الأنضاء شعثا رءوسهم ... وغبرا وهـم فيها أسر وأنعـم
وقــد فــارقوا الأوطــان والأهل رغـبة ... ولــم يثنهـم لذاتهـم والتنعــم
يسـيرون مـن أقطارهـا وفجاجهــــا ... رجـــالا وركبانا وللـه أسلمـوا
نفحات الله، ورحمات الله، ونظرات الله، كانت بالأمس القريب في أفضَلِ يوم، عرفات الله، يوم المناجاة، يوم المباهاة، يوم الذِّكر والدعاء، يوم الشكر والثَّناء، يوم النَّقاء والصَّفاء، يوم إذلال الشيطان المريد واندحاره، يوم غَيْظِ إبليس الملعون وانكساره، يوم وحدة المسلمين العُظمَى، يوم مؤتمر المؤمنين الأكبر، مؤتمر سنوي يجتَمِع فيه المسلمون من أجناس الأرض على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، على اختلاف لُغاتهم وأوطانهم ،،،
وراحوا إلـــى التعريف يرجون رحمة ... ومغفــــــرة ممــن يجــــــود ويكـــــــرم
فللـه ذاك الموقـف الأعظـم الذي ... كموقف يوم العرض بل ذاك أعظـم
ويدنـــو به الجبــــار جـل جلالـــــه ... يبــاهي بهــــــم أمـلاكـــه فهـو أكـــــرم
يقـول عبـادي قـد أتونــــي محبــة ... وإنـي بهـــــــم بـــــر أجــــــود وأرحــــــم
فـأشهــدكـــم أنـي غفـرت ذنوبهــــم ... وأعطيتـهـــــم مــــــا أملـــــوه وأنعــــــــم
فبشراكم يا أهل ذا الموقــف الــذي ... بـــه يغفــــر اللـه الذنـــوب ويرحــم
فكــــــــم مـن عتيق فيـه كمــل عتقـــه ... وآخــــر يستسعـــــي وربك أرحــــم
اجتمَعُوا في هذا المكان لهدفٍ واحدٍ ولربٍّ واحد، يَرجُون رحمته، ويَخافُون عذابَه، إنهم يَصنَعون وحدةَ الهدف، ويَبنُون وحدةَ العمل، إنهم جميعًا مُسلِمون، لربِّ واحد يَعبُدون، ولرسولٍ واحد يَتَّبِعون، ولقبلةٍ واحدة يتَّجِهون، ولكتابٍ واحد يقرؤون، ولأعمال واحدة يُؤدُّون،،
هل هناك وحدة أعظم من هذه الوحدة؟! ليكن ذلك سبيلاً إلى سلامة العبادة وصحَّة العقيدة
إن اجتماع كلمة المسلمين مطلب ديني، وواجب شرعي، وهو سبب العز والنصر والقوة، فواجب على المسلمين أن يسعوا إليه، ويعملوا به، ويجتنبوا أسباب الفرقة والاختلاف والتنافر والبغضاء، وإن أعداء الإسلام في القديم والحديث ما نالوا من المسلمين إلا بعد أن دسوا الدسائس فيهم، وسعوا بالوشاية بينهم، وأشعلوا فتيل الفتنة في أوساطهم، فكان التفرق والاختلاف، ونتج عنه تباغض القلوب وتنافرها، ومن ثم الاحتراب والاقتتال.
أعيادُنا يوم تحرير الأَرض والعِرض، يوم تحرير البلاد والعباد، يوم أنْ تتحرَّر النُّفوس من الشَّهوات والملذَّات، ويوم أنْ تتحرَّر القلوب من الكذب والنِّفاق، ويوم أنْ تتحرَّر الصُّدور من الشَّحناء والبَغضاء، ويوم أنْ تتحرَّر الحقوق من قيود الفَساد والاستِبداد، فيبذل كلُّ ذي واجبٍ واجِبَه غير مُقصِّر، ويأخذ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه لا يزيد.
أعيادُنا يوم يتحرَّر المُحاصِرون من الظُّلم القائم، والحصار الظالم، والعداء المُتَراكِم، من الصَّديق قبل العدوِّ، ومن القَرِيب قبل البعيد، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله .
أعيادُنا يوم أنْ يتحرَّر الأقصى المبارك من بَراثِن اليهود، ومن بطْش اليهود، ومن ظُلم اليهود وغير اليهود.
ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد.
ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب.
في ليلة العيد تفرق خلق العتق والمغفرة على العبيد، فمن ناله منها شيء فله عيد، وإلا فهو مطرود بعيد.
بحرمة غربتي كم ذا الصـدود ... ألا تعطــــف علـــيَّ ألا تجــــود
سرور العيد قد عم النواحــي ... وحـزنـــــي فـــي ازديــاد لا يبيــد
فإن كنت اقترفت خلال سوء ... فعذري في الهوى أن لا أعود
ما ينبغي عمله في أيام العيد :
1.العيدان يثبتان بالرؤية وليس بالحساب .
2. استحب جماعة من أهل العلم إحياء ليلة العيد، منهم الشافعي، ولم يصحّ في ذلك حديث .
3. التكبير والتهليل ، ومن السنة أن يبدأ التكبير من ليلة العيد في الأسواق ، والبيوت ، ودبر الصلوات المكتوبة ، وفي الطريق، وقبل الصلاة؛ ويكبر الإمام أثناء الخطبة؛ وصفته: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد" ؛ ويستمر التكبير دبر الصلوات إلى صلاة عصر ثالث أيام التشريـق .
4. من السنة أن يغتسل لصلاة العيد، فقد روي أن علياً وابن عمر رضي الله عنهم كانا يغتسلان، وروي مالك بسند صحيح: "أن ابن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو" ، أي لصلاة العيد.
5. من السنة أن يلبس المسلم أحسن ثيابه ويتطيب لصلاة العيد، وفي يوم العيد، جديدة كانت الثياب أم مغسولة.
6. التعجيل بصلاة العيد بعد الشروق، ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، والسنة إخراج النسـاء، حتى الحيض، والأطفال، شريطة أن يكن متحجبات، غير متطيبات ولا متزينات ، ولا مختلطات بالرجال في الطرقات والمراكب، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، وإن لم يلتزمن بذلك فلا يخرجن.
7. يصلي العيد جماعة، ركعتان، يكبِّر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام سبع تكبيرات ، ويكبِّر في الثانية خمس تكبيرات .
8. لا أذان ولا إقامة لصلاة العيد ، ولا سنة قبلها ولا بعدها .
9. تُصلى العيد في المصلى والصحارى ، ولا تُصلى في المسجد إلا لضرورة ، إلا في مكة المكرمـة .
10. للعيد خطبتان بعد الصلاة يجلس بينهما، يحث فيهما الإمامُ المسلمين على تقوى الله والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين أحكام الأضحية وما يتعلق بها، ويسن الاستماع إليهما.
11. بعد الفراغ من الصلاة والخطبة يتعجل الإمام بذبح أضحيته، وكذلك يفعل جميع الناس، ليفطروا منها، ومن لم يتمكن من الذبح في اليوم الأول ذبح في اليوم الثاني أوالثالث.
12. من السنة أن يرجع من العيد بطريق غير الطريق الذي جاء به.
13. الأضحية له أن يأكل منها، ويتصدق، ويدخر، مالم تكن هناك جائحة، ولا يحل له أن يبيع شيئاً منها.
14. والأضحية سنة مؤكدة على الموسرين من الرجال والنساء، المقيمين والمسافرين، المتزوجين وغير المتزوجين، من الأحرار والعبيد، أما المعسر فلا حرج عليه في ذلك.
15. من السنة أن يَصِل المضحي أهله، وأرحامه، وجيرانه، وأن يصافي ويعافي من بينه وبينه شحناء.
16. يقال في التهنئة بالعيد: تقبل الله منا ومنك صالح الاعمال .
17. الإكثار من ذكر الله تعالى .
ما ينبغي تجنبه والحذر منه أيام العيد :
1. التكلف والإسراف في شراء الملابس والأضحية، وفي صيانة البيوت وتزيينها.
2. الاجتماع في بيوت حديثي الموت، سيما النساء، وإعادة الحزن والبكاء في هذا اليوم.
3. زيارة القبور سيما للنساء، وقد منعهن الشارع من زيارة القبور في هذا اليوم وفي غيره.
4. دخول الرجال الأجانب على النساء في البيوت ومصافحتهن، وربما الجلوس معهن.
5. اختلاط النساء والرجال في الحدائق العامة، والمنتزهات، وفي المركبات العامة، وكثير من النساء والبنات متبرجات متطيبات .
6. إقامة الحفلات الغنائية وشهودها .
7. الاشتغال بلعب الورق ونحوها .
8. الصيام يوم