لم يكن يدور بخلدي كيف يمكن أن أشرح له بما أحس حيث كان يقف على جسدي بقامته الفارغة
، وقد أسقط بحلقي ملعقةً خشبيّة وبين الحين والآخر يأمرني أن أخرج صوتاً أشبه بالإستفراغ ،
قول : آآ ..وقد سمعها منّي مراراً ، ففي كل زيارة أذهب إليه يجعلني أضطجع
على ظهري بعد أن تكون ممرضته قد أخذت قياساً لحرارتي وضغطي ، ووزني ،
ولا يعود متبقياً عليه سوى تمرير سماعته على صدري ،
وغرس تلك الملعقة الخشبية أسفل قاع فمي .
وكان يحدث هذا مع كل طبيب أصله وأخرج وأنا لا أزال أعاني من مرضي الغريب ،
حتى أن كثيراً من الأطباء دفعوني لزيارة اخصائيين نفسيين وهؤلاء بدورهم أحالوني على أطباء عضويين ،
وكان آخر مطافي عند هذا الدكتور الذي راق لي ،
ففي أول زيارة أجلسني أمامه وأمطرني بالأسئلة بينما كان يدون كل ما أقوله في ( توتة ) صغيرة ،
قلت له :
- أشعر بمرارة تلازمني أينما اتجهت ، وبعد فحوصات وتحاليل وأشعة مقطعية وطولية وملونة لاطفني بود :
- أنت لا تشكو من شئ .. أفلا تستطيع أن تتعود على هذه المرارة ؟
رددت عليه بعجز
- لا أستطيع أبداً يا دكتور فهي تتصبب في داخلي بغزارة وتحول حياتي إلى كابوس
حاول التخفيف علي :
- لا عليك ، فكلما شعرت بها تناول قطعة سكر وأذبها في حلقك .
- لقد بلعت من السكريات أكياساً تجعلني بحراً سكريّا ، ومع كل هذا فالمرارة التي أحس بها تزداد ، وتتدفق في حلقي
بغزارة بل على العكس ، فكلما أدنيت في فمي شيئاَ من تلك السكريات سالت المرارة في كل أجزاء جسدي حتى أشعر أن شعري يستنشق الهواء مرّا .

وخرجت من عنده بعدما أوصاني بملاحظة حالتي ومتى تقلّ المرارة .. ومع تكراري المجئ إليه بدأ يشعر بالسأم والضيق من حالتي التي أعيته ، كنت أحس بذلك دون أن أجرؤ على مصارحته بما يختمر بداخلي ،
وها أنا أضطجع على ظهري
ولا أعرف كيف أشرح له بعد أن استنفدت كل الطرق الممكنة لشرح حالتي ...
أنهضني من رقدتي تلك ،
وتبسم في وجهي :
- كيف هي المرارة معك الآن ؟
- أشعر أن فمي بحر تفيض كنهر جاري
- ألم تلاحظ متى تخف ؟

عصرت ذاكرتي ، فاستعصت تلك اللحظات على المجئ وبعد جهد وتركيز تذكرت بأنها تتلاشى بمجرد أن أذكر الموت ،
أو فكرت فيه !

قفز من مقعده صارخاً فرح ويقول :
- هو الحل الوحيــد ،، هو الحل الوحــيد !!

-----

هذه من روائع ما قرأت للمبدع عبده خال من كتابه المشهور الأوغاد يضحكون ،،
حتى وإن كان ما كان,,فهو الحل الوحــيد !