سورة الانعام
سورة مكية ما عدا " 20،23،91،93،114،141،151،1 52،153 " فمدنية
الناحية العقدية:
إن طبيعة القران المكي الذي ظل يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عامًا يتحدث عن قضية واحد كانت هي الحجر الأساس والتي تقوم عليه الأمة المحمدية في جميع نواح الحياة سياسيا وإقصاديًا وإجتماعيا وأخلاقيًا
وهي لا إلاه إلا الله
ولم تكن في ظاهر الأمر وفي نظرة العقل البشري المحجوب - هي أيسر السبل إلى قلو ب العرب !
فلقد كانوا يعرفون من لغتهم معنى:"إله" ومعنى:"لا إله إلا الله" . . كانوا يعرفون أن الألوهية تعني الحاكمية العليا . . وكانوا يعرفون أن توحيد الألوهية وإفراد الله - سبحانه - بها , معناه نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام , ورده كله إلى الله . . السلطان على الضمائر , والسلطان على الشعائر , والسلطان على واقعيات الحياة . السلطان في المال , والسلطان في القضاء , والسلطان في الأرواح والأبدان . . كانوا يعلمون أن:"لا إله إلا الله"
ثورة على السلطان الأرضي , الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية , وثورة على الأوضاع التي تقوم على قاعدة من هذا الاغتصاب ; وخروج على السلطات التي تحكم بشريعة من عندها لم يأذن بها الله . . ولم يكن يغيب عن العرب - وهم يعرفون لغتهم جيد ا , ويعرفون المدلول الحقيقي لدعوة:"لا إله إلا الله" - ماذا تعنيه هذه الدعوة بالنسبة لأوضاعهم
كان بإمكان الرسول الدعوة للقومية العربية والوحدة و لأمكن منها إذ أن أراضي العرب الخصبة بأيادي الفرس والروم ويتحكمون بحكامها العرب ...
ولو دعا لنبذ الأخلاق الدنيئة والتفرق الاجتماعي والمالي في ذاك الزمان لامُكن من كل هذا وأصبح رئيس عظيم ودخل تحت سلطته خلقٌ عظيم
لكن الله لم يُرد هذا الطريق لأنه الطريق الخطأ ففيه يصنع الطغاة وفيه أنه بذهاب هذا القائد ستعود الأوضاع لسابق عهدها وربما تشتد
لكن الله أراد طريق الحق وإن كانوا قله حتى تستمكن هذه العقيدة في نفوس المسلمين و يدخلون في هذا الدين برضاهم ويقاتلون فيه برضاهم وحبهم، ويباعيون بالرضا لا بالقهر وسوط السيف ....
يُريد الله جل شأنه أن يحق الحق بكلماته ولو كره الكافرون
لا إلاه إلا الله بكل ماتحمله من معاني الوحدانية والتشريع والعدل والمساواة ...
التأملات:
· وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
· وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ
· بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
· ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
· لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
من هذه الأيات نرى تركيز القران على وجود الله وقدرته وعلى بدئه الخلق أول مرة كما أخرج النبات من الأرض أول مرة وأختلاف الأجناس ... قادرٌ على أن يُعيده
ويُستعجب أيما إستعجاب، الذي خلقهم وأبدع خلق السماوات والأرض التي أكبر من خلق الإنسان ذاته أنى يُصرفون عنه ويدعون له الولد -ومعلوم أن الولد ضعف- ... وهو خالق كل شيء وبكل شيء عليم فمن كانت هذه صفاته فحقٌ أن يُعبد وحده
(لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) لعظمته، وجلاله وكماله، أي: لا تحيط به الأبصار، وإن كانت تراه، وتفرح بالنظر إلى وجهه الكريم، فنفي الإدراك لا ينفي الرؤية، بل يثبتها بالمفهوم. فإنه إذا نفى الإدراك، الذي هو أخص أوصاف الرؤية، دل على أن الرؤية ثابتة. فإنه لو أراد نفي الرؤية، لقال "لا تراه الأبصار" ونحو ذلك، فعلم أنه ليس في الآية حجة لمذهب المعطلة، الذين ينفون رؤية ربهم في الآخرة، بل فيها ما يدل على نقيض قولهم
( وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ) أي: هو الذي أحاط علمه، بالظواهر والبواطن، وسمعه بجميع الأصوات الظاهرة، والخفية، وبصره بجميع المبصرات، صغارها، وكبارها، ولهذا قال ( وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الذي لطف علمه وخبرته، ودق حتى أدرك السرائر والخفايا، والخبايا والبواطن. ومن لطفه، أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه، ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد، ولا يسعى فيها، ويوصله إلى السعادة الأبدية، والفلاح السرمدي، من حيث لا يحتسب، حتى أنه يقدر عليه الأمور، التي يكرهها العبد، ويتألم منها، ويدعو الله أن يزيلها، لعلمه أن دينه أصلح، وأن كماله متوقف عليها، فسبحان اللطيف لما يشاء، الرحيم بالمؤمنين.
وهذا وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
المفضلات