أولئك هن النساء!
(الكاتب: الأستاذ عمر قزيحة)
عالم النساء عالم غريب...
دعنا ننظر في التعاونية مثلًا، ترى (بعض) النساء، لا كلهن، وذلك للأمانة، تقف الواحدة مثلًا أمام علب السردين، أو البازلاء، والتي هي من إنتاج شركة واحدة، أي العلبة ذاتها، الألوان ذاتها... وإذ بها تحمل علبتين معًا لتقارن في ما بينهما! ثم تضع إحداهما (لم تعجبها، حكمت عليها أنها لا تصلح)! وتحمل علبة ثالثة لتقارنها بالعلبة الأولى (الناجحة)، وربما تستمر المقارنة لتشمل أربع علب مثلًا... وذلك فضل كبير من هذه النوعية من النساء طبعًا، وإلا لكانت المقارنة بين كل العلب، لا بين أربع منها أو خمس وفق أقصى تقدير!
وبالنسبة إلى الوقت، إياك ثم إياك أن تقرر المضي إلى عمل ما، أو موعد ما، أو حتى للنزهة، الساعة الثالثة مثلًا، لأنك بمجرد إخبارها بأنكما ستمشيان الساعة الثالثة، فإن هذا يعني لديك أنت (وحدك) أنكما ستمشيان في هذا الوقت! أما هي فإن المعلومة تدخل أذنيها لتتبلور داخل عقلها الخاص، بأنه يجب أن (تبدأ) باللبس الساعة الثالثة، أو _ إن تكرمت عليك _ ستبدأ الساعة الثالثة إلا ثلاث دقائق، ولك أن تنتظر نصف ساعة _ هذا إذا كنت محظوظًا طبعًا _ لتنتهي عملية اللبس هذه: دقيقة ونصف للبس، وثمان وعشرون دقيقة ونصف للوقوف أمام المرآة، وتأمل نفسها ولباسها بأدق التفاصيل، وكيف يجب أن يتوازن كل شيء فوق بعضه، بطريقة قد لا يفهمها أعظم المهندسين في الكرة الأرضية!
والجمال و(الأناقة) لا يتوقفان هنا، فالألوان نفسها يجب أن تتحول بشكل غريب عجيب، لتسمع مثلًا بلون فوشيا، انتبه جيدًا! هذا لون، وليس اسم مغنية إيطالية مثلًا، والأخ (سومو) ليس من مصارعي اليابان الشهيرين، حتى لو كان هناك ألف (سومو) في اليابان، فإن (سومو النسائي) هو لون، وربك أعلم ما يمكن أن يكون!
وكشمير لا تخضع لباكستان طبعًا، حتى لو أكدت علوم الجغرافيا ذلك، بل هي الأخرى لون، مثلها مثل سومو، وفوشيا، كذلك ربك أعلم ما يمكن أن تكون!
وما دمنا قد ذكرنا الألوان، فإننا نجد أنفسنا أمام حالة أخرى لا تقل دهشة وحيرة، ولا نستطيع؛ نحن الرجال المساكين؛ إدراك ألغازها نهائيًا! إذ قد ترى فتاة ما، في عائلتك مثلًا، ترتدي ألوانًا لا يمكن أن تتجانس مع بعضها نهائيًا، وتراها مزهوة بـ(ذوقها) الكبير في اختيار الألوان المناسبة والمتناسبة مع بعضها، وإذا ما سألتها أين هذا التجانس الغريب، فإنك قد تُفَاجَأ (ونقول "قد تُفاجَأ" لأنك على الأرجح سوف "تُصْعَق" ولن تُفاجَأ فحسب)، بأن هناك مثلًا نقطة بُنِّيَّة اللون في الشال، وأخرى بُنِّيَّة اللون في البنطلون مثلًا، علمًا بأنك تحتاج _ أنت الرجل _ إلى ميكرسكوب من أحدث طراز، حتى تستطيع رؤية هاتين النقطتين من جهة، وعلمًا؛ كذلك؛ بأن اللونين مختلفين كل الاختلاف، ولكن الحق عليك، أنت لا تعرف بالألوان ولا تفهم بها! فاللون البني ليس لونًا واحدًا، بل هو ستة عشر لونًا! أو؛ بأفضل الأحوال؛ أربعة ألوان، وكل لون منها أربع درجات، ليكون المجموع ستة عشر لونًا بُنِّيًا (فقط)!
و(الأناقة) هذه، إياك أن تحاول فهمها لأنك لن تستطيع ذلك مهما حاولت، فأنت مثلًا تقود سيارتك بأمان، وإذ بامرأة تقتحم الطريق بسيارتها، وهي ليست طبعًا من السائقين عديمي المسؤولية، لكنها اكتشفت فجأة أن شعرها غير مرتب، وقررت أن تحول أصابع يديها مشطًا تمشط به شعرها وهي تنظر في مرآة السيارة بكل اهتمام وتركيز، لا لترى السيارات الأخرى طبعًا، بل لترى هل باتت خصلات شعرها كما تريد لها، أم لا! وبالمقابل، من الممكن جدًا لأية فتاة تعبر الطريق سيرًا على قدميها، أن تتوقف أمام السيارات مباشرة لتعدل من وضع شعرها أو لباسها، أما أنت فليس لك أن تعترض، شركة السيارات اخترعت _ بفضل الله _ دواسة الإيقاف (الفرام) لسيارتك!
والخطبة بحد ذاتها كارثة أخرى، وما نقصده بهذا إصرار كل نساء الأرض، في هذه المناسبة، كذلك في مناسبة العرس، على المكياج! وحاول أن تفهم من هي هذه الفتاة قبل المكياج، وكيف تحولت بهذا الشكل الغريب من بعده!
تراها بفم منفوخ شديد الاحمرار كأنها تلقت فيه لطمة عنيفة، أو كأن أحدًا أمسك بها من شفتيها، وأخذ يمدهما حتى كاد يخلعهما، وعيناها تتحولان بشكل ما إلى غابة عميقة، حالكة السواد، إلى درجة أنك تتمنى ألا تصادفك في بداية الظلام، لأنك ستظنها على الأرجح (جنية) متنكرة بشكل فتاة، ويبقى لدينا الشعر، لا تملك إلا أن تقول أصلح الله اليابانيين! شعرها تراه قد تحول كتلة واحدة تميل إلى الأمام، لترتفع غابة شوكية من الشعرات فوق الرأس، وتميل كذلك إلى الأمام، على نحو أشبه برادار بدائي، لتبدو الفتاة بهذا المنظر أشبه ما يكون بالوحشات الرقيقات الظريفات في مازنجر وغرندايزر، حتى لا ينقصها سوى أن تُطلِق الأشعة من هذا القرن المباغت الذي (نبت) لها فجأة، مع هذا المكياج الظريف!
وكله قد يكون هينًا، إلا (حديث النساء) الخاص! وهذا الحديث ليس أمرًا جديدًا، بل أشار إليه الشاعر الأموي عمر بن أبي ربيعة، بقوله: (فيهن أنس وخفر) الأنس هو حديث النساء، دع النساء يتكلمْنَ عن عروس ما بعد العرس، يمكن أن يمتد الحديث من الصباح إلى منتصف الليل، ولما ينتهِ وصف هذه المسكينة بعد!
لا؛ بل الأطرف من هذا إمكانية استعداد فتاتين للكلام معًا مدة طويلة، من دون أن تعرف إحداهما الأخرى، بل من دون أن تعرف إحداهما ما الذي تتحدث به الأخرى! وقد كنا مرة في زيارة ما، ورُنَّ الهاتف، وقامت ابنة صاحب البيت للرد، وبعد فاصل طويل من الكلام المبهم والمفهوم والضحك، وكلمات الحب المعتادة (حبيبتي، اشتقت إليكِ) إلخ... أنهت الفتاة المحادثة، وقد بدت عليها (الصدمة)! والصدمة ليس من كلماتها ولا ردودها، بل لأن المتصلة بها _ بعد حوالي ربع ساعة أو أكثر _ اكتشفت أنها قد ضربت رقمًا خاطئًا! ولك أن تفهم كيف تمكنتا من الكلام معًا كل هذا الوقت، ولا تعرف إحداهما من تكون الثانية!
عالم النساء عالم غريب فعلًا، وما ذكرناه أمر قليل، ولو أردنا التوسع لما انتهينا، لكن ليس لنا إلا أن نختم بالقول: (الله المستعان)!
(أ. عمر قزيحة _ 12/10/2018: الساعة: 17:34 مساء).
المفضلات