البيت (قصة قصيرة) بقلمي: عمر قزيحة

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 5 من 5

مشاهدة المواضيع

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,308
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي البيت (قصة قصيرة) بقلمي: عمر قزيحة

    البيت
    (بقلمي عمر قزيحة)

    _ هل علمتما بما حدث؟!
    هتف إحسان بالعبارة، وهو يندفع بسرعة إلى البيت، ولقد أثارت طريقته هذه انزعاج والديه، إلا أنهما لم يظهرا انفعالهما هذا، وهما يسألانه بهدوء:
    _ وماذا حدث؟!

    أجاب إحسان، وهو يلوح بيديه:
    _ اللصوص، دخلوا منزل جارنا، أعني منزل جاري في البناية التي اشتريتما لي فيها بيتًا، وقد سرقوا كل شيء، وجاري أصيب بانهيار عصبي، ونقلوه إلى المستشفى.
    ساد الصمت قليلًا، ثم قالت الأم:

    _ لقد سرقوا بيت صديقتي كذلك، سرقوا منه جواهرها، وكل ما وجدوه من الأموال.

    تساءل زوجها بحيرة:
    _ ولكن، كيف يدخلون؟! الأبواب متينة، وأقفالها....
    قاطعته بشيء من الحنق:
    _ وهل يوقف هذا اللصوص؟! لا ريب أنها تلك الأفلام العفنة التي يشاهدونها قد علمتهم الكثير، أنسيت أنه، ومنذ ما يقارب العشرة أعوام، سرقوا مدرسة، مستخدمين فكرة أحد الأفلام الأجنبية؟!
    قال ابنها بهدوء:
    _ ليس هذا هو المهم الآن.

    _ ما المهم إذًا؟
    _ نظرية الجوار.
    _ ماذا؟! أنظرية فيزيائية هذه؟! وما علاقتها بما نتحدث؟!

    _ لا!! ما أعنيه أن بيتًا سرق منذ فترة، ثم سرق البيت الذي بجواره تمامًا.
    _ لم أفهم!


    _ أنا فهمت.
    هتف الأب بها، مقاطعًا حوار زوجه وابنه، واستطرد منفعلًا:
    _ إحسان يخشى أن يسرقوا بيته، بعد أن سرقوا بيت جاره.
    اتسعت عيناها في ارتياع، وقال إحسان في تصميم:
    _ لن أسمح لهم بذلك أبدًا.
    رد والده في هدوء:

    _ ولكنك لم تنتقل بعد إلى بيتك، ومن المؤكد أنهم سيسرقونه، بعد أن يطمئنوا إلى فراغه من البشر، ولكن... ولكننا لن نسمح لهم، أبدًا.
    سألته الأم:

    _ كيف؟!
    أجاب الأب:
    _ سأضيف إلى بيتك بابًا ثانيًا، مع قفل حديدي، وسأدعم النوافذ والشرفات بألواح من الصلب.
    لم يعلق إحسان، فقد كان يشعر بأن هذا لا يكفي، وأن اللصوص سيدخلون بيته، ويسرقونه! عليه أن يتصدى لهم، ولكن كيف؟! آه لو يعلم متى سيقومون بعملهم القذر، لو يعلم! فعندها قد ينجح في منعهم...
    قد!

    _ أتريدون مني شيئًا يا رفاق؟!
    قالها إحسان، وهو يستعد للعودة، بعدما مشى مع رفاقه حتى آلمته قدماه، واستمع إلى جوابهم التقليدي:

    _ دعنا نرك غدًا، لا تتغيب عنا.

    أكد لهم أنه سيوافيهم غدًا، وما كاد يبتعد بضع خطوات، حتى ناداه أحدهم:
    _ مهلًا يا إحسان، أصحيح أنك ستضيف إلى بيتك بابًا حديديًا؟
    اتسعت عيناه ذهولًا، وتمتم كالمصعوق:

    _ ك... كيف عرفت؟! من.... من أخبرك؟!

    أجابه صديقه مبتسمًا:

    _ أمك... تحدثت مع أمي تليفونيًا، وأخبرتها أنك رجعت من ساعات ترتجف خوفًا، لأنك سمعت أن اللصوص سرقوا بيت....
    قاطعه إحسان صارخًا بغضب هادر:
    _ اللعنة!!

    وأسرع يعدو مبتعدًا، وزملاؤه يقهقهون ضاحكين.
    تصوروا أنه غضب لمعرفتهم بأنه جبان، ما كانوا ليخمنوا السبب الحقيقي، ما كان لهم أن يعرفوا ما الذي أغضبه حقًا، وأنى لهم ذلك؟!
    كيف سيعلمون الحقيقة؟! حقيقة ما أصاب إحسان من غضب، وسخط، وحنق، ولقد كان الأخير يتمتم مع نفسه بكل هذه المشاعر:
    _ ما الذي تفعله النساء؟! ألا يستطعن أن يمسكن ألسنتهن؟! إفشاء أمي هذا الأمر قد يبلغ مسامع اللصوص، ألا تستطيع أن تقدر ذلك؟! ولكن، هؤلاء هن النساء، لا بد أن تذكر الواحدة، لكل من تعرف، كل ما تعرف، وما تعتقد وما تظن، مهمًا أو غير مهم، وتعتبر أنها كلما تكلمت أكثر، كان هذا دليلًا أنها امرأة، شعارهن (أنت امرأة بقدر ما تتكلمين... أنت تثرثرين... أنتِ إذًا امرأة)!! لا بديل من الثرثرة، بل هناك بديل، اختراع الأحاديث والحوادث اختراعًا، اللعنة!! ألف لعنة! ستعلم ضيعتنا كلها بأمر هذا الباب، و... يا للمصيبة!!
    صاح بكلمته الأخيرة بصوت مرتفع، جذب إليه أنظار الجميع، إلا أنه لم يهتم بهم، بل لم ينتبه إلى ما فعل أساسًا،
    فقد خطر له ما أفزعه، خطر له أن اللصوص قد يقتحمون بيته الليلة، وعندها سيفوزون بغنيمتهم قبل أن توضع أمامهم العراقيل، سيجعلون بيته هباء منثورًا، سيسرقون، و...كلا!! سيمنعهم! وسينقذ بيته!
    ومرة أخرى، أنشأ إحسان يعدو، وضع قوته كلها في ساقيه، بلغ بيته، وهو يلهث، ورغم الظلام، نجح في إدخال المفتاح ثقبَ الباب، ومن المرة الأولى، ثم دخل، ومَدَّ يده ليرفع زر الكهرباء، لكنه وجده مرفوعًا، فَسَرَتْ في جسده موجة توتر، ثم تمالك نفسه، وتحرك ببطء شديد، قائلًا لنفسه:
    _ فهمت، هناك من دخل البيت، وشَغَّل الكهرباء، لكنه ترك الردهة مطفأة، وهو يسرق الآن ما يجده في أدراج الغرف، لكني سأفاجئه.
    لم يكد ينتهي من قوله هذا، حتى سمع ذلك الصوت الخاف، صوت إطفاء لمبة، صوت كبسة زر، فاندفع نحو مصدره، وفي الظلام، رأى شبحًا، فانقض عليه، بلا تردد.
    لم يكن إحسان بهذه القوة الجسدية، لكنه كان شجاعًا
    وجريئًا، أو أنه أصبح كذلك بعد أن امتلك بيتًا، ودارت بينه وبين الرجل معركة صامتة وشرسة، كان الرجل أقوى، وقد وَجَّهَ إليه عدة ضربات قاسية، ثم اسْتَلَّ من حزامه سكينًا، لكن إحسانًا لم يستسلم ولم يتراجع، لأنه يدافع عن البيت، بيته، ومستقبله، سيخطب، ويتزوج، وسيكون هذا البيت مسكنه، ومأواه، ومأوى عائلته، وسَيُثْبِتُ للجميع أنه قادر على الدفاع عنه، لذا احتمل طعنة السكين، وتناسى _ تجاهل ربما _ آلام كتفه والدماء التي سالت منها، بل تدفقت وكأنها سيل!
    ورفع إحسان ساقه في ركلة عنيفة وصائبة، ركلة حَطَّمَتْ أنف اللص تحطيمًا، وامتزجت دماؤهما على الأرض، والرجل يطلق صرخة ألم هائلة، ثم ينقض بسكينه على رقبة إحسان ويغرسها فيها بقوة، وشهق إحسان، وتراخت ذراعاه، وبدأ وعيه يتلاشى، وحياته كذلك، لكنه استجمع ما تبقى من قوته ووعيه، وانتزع السكين من رقبته، صارخًا:
    _ لن تفلح.

    لم تتجاوز صرخته هذه أعماقه،
    لم تجد الطاقة لتفعل، ربما لتدفق المزيد من الدماء، أو لأن الطاقة تضافرت لتعطي ذراع إحسان قوة لا تقهر، وألقى إحسان بالسكين، وكانت الإصابة دقيقة، ومحكمة، اخترقت السكين قذال اللص في الظلام، كان الأخير ينصرف واثقًا بانتصاره، وبقتله خصمه، لكنه تبين خطأه، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
    كذلك إحسان استرخى جسده، وهو يشعر بالسعادة، كل السعادة، لكن إحساسه بها لم يستمر طويلًا، لم يَدُمْ سوى ثوان، وخرجت روحه من جسده، ومات.

    _ أعزاءنا المشاهدين، حدثت اليوم، بل الليلة، ومنذ قليل، جريمة رهيبة، رهيبة بكل ما في الكلمة من معنى، وذلك في ضيعة (...)، وللاطلاع على التفاصيل، معنا الآن، مراسلنا من هناك، السيد سالم رامز، سيد سالم، ما تفاصيل هذه الجريمة؟!

    تلاشت صورة المذيعة، وظهرت بدلًا منها صورة سالم، وهو يقول:
    _ أحد السكان في هذه البناية التي أقف بجوارها، سمع صرخة عاتية في البيت المجاور لبيته، فطلب الشرطة التي اقتحمت البيت بإذن من النيابة، لتجد جثتين، والخبراء أكدوا أن معركة شرسة قد دارت بينهما، الشاب والرجل، انتهت باستعمال السكين، وقد أدى ذلك إلى مصرعهما معًا، ولكن، السؤال الحقيقي، والذي أظن أننا لن نعرف إجابته أبدًا، هو...

    واقترب سالم، ليملأ وجهه آلة التصوير والشاشة، وهو يستطرد في حيرة:
    _ لماذا أتى الاثنان ليتقاتلا هنا؟ بل لماذا قتلا بعضهما أصلًا؟؟ كل ما نعرفه أن الرجل كان ينوي إضافة باب حديدي إلى البيت، خوفًا أن يدخله اللصوص، وأن الولد كان منفعلًا _ بشهادة زملائه_ لَمَّا ذكروا له هذا الأمر، يا ترى، هل باب الحديد هو السبب الذي دفع بالابن ليقاتل والده في الظلام؟؟ ولماذا ضربه والده بالسكين في رقبته بهذه الطريقة المتوحشة؟؟

    وهتف سالم في انفعال غير مسبوق:
    _ أب يقتل ابنه بسكين في رقبته، والابن لم يرض أن يموت قبل أن يقتل والده هو الآخر!! وكل هذا من أجل باب من الحديد!! لماذا؟ لماذا؟ ما السبب الحقيقي ياااااااا ناااااااااس؟؟

    وانطلق السؤال الأليم...

    انطلق بكل الحيرة والغموض...
    لكنْ، للأسف يا سالم...
    لن تعرف السبب الحقيقي...

    ولن يخطر ببالٍ لك...
    ولا لسواك...

    إطلاقًا.


    كتبتها عام 2008م


  2. 4 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...